نظرا للصعوبات الاقتصادية التي رافقت الجائحة وأعقبتها اضطررنا لإيقاف أقسام اللغات الأجنبية على أمل ان تعود لاحقا بعد ان تتغير الظروف

الهدهد: صحيفة اليكترونية عربية بخمس لغات عالمية
الهدهد: صحيفة اليكترونية عربية بأربع لغات عالمية
Rss
Facebook
Twitter
App Store
Mobile



عيون المقالات

المهمة الفاشلة لهوكستين

23/11/2024 - حازم الأمين

العالم والشرق الأوسط بعد فوز ترامب

17/11/2024 - العميد الركن مصطفى الشيخ

إنّه سلام ما بعده سلام!

17/11/2024 - سمير التقي

( ألم يحنِ الوقتُ لنفهم الدرس؟ )

13/11/2024 - عبد الباسط سيدا*

طرابلس "المضطهدة" بين زمنين

13/11/2024 - د.محيي الدين اللاذقاني

اليونيسيف ومافيا آل كابوني دمشق

12/11/2024 - عبد الناصر حوشان


ربيع الأقوياء العائد... مخيف حقّاً






أيام الحرب الباردة، بدت النظم العربية أقوى مما هي في الواقع. كان مفعول الاستقطاب الدولي قد حد من نفوذ القوتين الأعظم ومنح دولنا استقلالية وقدرة حركة أوسع مما تمكنها قدراتها الذاتية. انطوى هذا الشرط عام 1986 حين ضربت إدارة ريغان ليبيا، بينما وقف الاتحاد السوفياتي متفرجاً. وطوال نحو عقدين انخفض سعر دولنا جميعاً، لكنها بقيت مقيمة بأعلى مما تستحق بسبب التدويل العميق للمنطقة وحاجة الغرب إلى الاستقرار فيها، طالما لا أحد تقريباً يهدد مصالحه الأساسية.


بيد أن الميل العام إلى تراجع قيمة الدول حقق قفزة نوعية بعد 11 أيلول/ سبتمبر 2001. تعرضت نظم عربية مركزية إلى ضغوط بالغة القوة، سياسية وديبلوماسية وأمنية وإعلامية، من قبل الأميركيين بخاصة. ولبعض الوقت بدت هذه النظم أضعف مما هي في الواقع، ليس أمام الأميركيين وحدهم، بل أمام قطاعات من مواطنيها، من معارضين سياسيين وناشطين حقوقيين ومثقفين مستقلين. ولقد بدا أن إسقاط نظام صدام واحتلال العراق جزء من توجه أوسع نحو "تغيير الأنظمة" و"إعادة رسم الخرائط" في مجال عربي وإسلامي، اخترع له الأميركيون أسماء ومشاريع شتى، كالشرق الأوسط الكبير والواسع وما إليهما.

هنا أيضا كانت "الجماهيرية العظمى" طليعية. ففيما وصف حينها، أواخر 2003، بأنه "استسلام وقائي"، كشفت ليبيا خططها النووية وسلمت ما لديها من مواد وتقنيات للأميركيين. وفي هذا السياق نفسه اضطرت القوات السورية إلى الانسحاب من لبنان في ربيع 2005، وبدا مصير النظام مهدداً بين 2005 و2006.

كذلك جرت انتخابات رئاسية تعددية في مصر في خريف 2005، تبعتها انتخابات برلمانية سجلت حضوراً مهماً للإسلاميين. وأدخلت دول في الخليج إصلاحات محدودة.

كان الوضع غريباً فعلاً. أميركا تضغط على الدول العربية من أجل أن توسع داخلها السياسي والثقافي والاجتماعي، هذا الذي يناسب الأميركيين بقاؤه بالأحرى ضيقاً ومغلقاً، بينما من شأن توسيعه أن يفضي إلى استقلالية أكبر حيالهم.

في المقابل تستبسل نظمنا لإلغاء دواخلها، بما يخفف من وزنها في السوق السياسية الدولية، ويحكم عليها بأن تكون ضعيفة حيال الأميركيين وغيرهم. على أن المفارقة ظاهرية. جماعتنا يريدون دوم سلطانهم، ولو مقابل وزن دولي خفيف على المدى الأطول. والأميركيون ظنوا لبعض الوقت أن انفتاحاً سياسياً في بلداننا يعني التماثل معهم والتطابق مع سياساتهم، قبل أن يعودوا إلى الاقتناع بأن العكس هو الصحيح.

اقتضت عودتهم تفجر أوضاع العراق، وقد بلغ الذروة في مطلع 2006. وكانت نتائج الانتخابات البرلمانية في مصر، ثم في فلسطين بعدها بشهور، دفعت الأميركيين، ووراءهم الأوروبيين، إلى إجراء انعطاف عن سياسة "المحافظين الجدد" الثورية ورفع ضغوطهم عن النظم العربية، وإعادة الاعتبار لأولوية الاستقرار بعد انحراف عنها بالكاد استمر خمس سنوات. ولعل تقرير بيكر - هاملتون الذي صدر أواخر 2006 كان الإعلان الأبرز حتى حينه عن فشل البوشية وحاجة الأميركيين إلى مقاربة جديدة في شأن العراق والبلدان العربية عموماً. بيد أن الطي النهائي لصفحة تلك السياسة كان ينتظر قدوم إدارة جديدة إلى البيت الأبيض.

فشل السياسة الأميركية السابقة والحاجة إلى سياسة جديدة خبرة كوّنت سياسة إدارة أوباما الشرق أوسطية. وإذ يحث ميراث البوشية الفاشل على تغيير الاتجاه، فإن الأزمة المالية والاقتصادية العالمية، وقد تفجرت قبل نحو عام من اليوم، نالت من قدرة الأميركيين الإمبراطورية وقصّرت أيديهم سياسياً. وهكذا عززت الحاجة الحجّة، ودعم الاضطرار ما أخذ يمليه حسن الاختيار.

هذه الخلفية ربما تلقي ضوءاً على شعور الانتصار المنتشر بين النظم العربية. الرئيس مبارك يزور واشنطن هذه المرة دونما حرج، ولا يسمع شيئاً عن الإصلاح السياسي وحقوق الإنسان وما إلى ذلك. ويتكلم عن مخاطر الفوضى والتفكك ومزايا الاستقرار، ويلقى أذناً صاغية عند مستضيفيه. الحكم السوري يشعر بأنه في خير العوالم الممكنة، ولا يكف عن تهنئة نفسه.

ويتلقى الكولونيل المزمن في ليبيا اعتذاراً من رئيس الاتحاد السويسري على تعامل بلاده القانوني مع ابنه "حنبعل" و"هنيبعل"، قبل أن تتملقه بريطانيا بالإفراج عن عبدالباسط المقرحي، المتهم بتفجير طائرة مدنية أميركية فوق لوكربي. والرجل الذي كان قبل نحو عقدين استكثر نفسه على بلده وشعبه (رأى أن "الكتاب الأخضر" مناسب لبلد مثل السويد ولشعب مثل شعبها، لا لليبيا والليبيين) علق على الإفراج عن المقرحي بأنه "يأتي في مصلحة الصداقة الشخصية بينه وبين بريطاني". هو وبريطانيا! ونطقت جريدة "الشمس" الليبية بشعور نظام طرابلس الغرب بهذا العنوان الرومنطيقي: "عاد عبد الباسط، اعتذرت سويسرا، رمضان يقبل بالانتصارات".

إنه ربيع فعلاً!

غير أن ربيع الأقوياء هذا مخيف. من جهة، لم يقترن بمعالجة وحل أية مشكلات اجتماعية وسياسية واستراتيجية واقتصادية؛ لا معدلات الفقر تراجعت، ولا هوامش الحريات اتسعت، ولا التماسك الوطني تعزز، ولا أراضي محتلة استعيدت، ولا اقتصاديات البلاد انتعشت، ولا الثقافة ازدهرت، ولا الحالة الدينية استقرت... العكس أصح في جميع الحالات. ومن جهة أخرى، يبدو الربيع الممضّ هذا رخصة تمديد لسياسات مدمرة اجتماعياً واقتصادياً وثقافياً وإنسانياً، متمركزة أولاً وأخيراً حول مبدأ حفظ السلطة.

والحال، أن هناك استمرارية بين خريف الأنظمة القصير، من أيلول 2001 حتى النهاية الرسمية لعهد إدارة بوش (عملياً قبل ذلك بأكثر من عامين)، وبين ربيعها الزاهر اليوم، عنصرها الأساسي غياب جمهور المحكومين وسقوطه من المعادلات السياسية المحلية والدولية معاً. تتخاصم النخب المحلية والدولية ثم تتصالح كما يجري بين العشاق والأصحاب، لكن لا شيء يتغير في علاقة أي منها بجمهور المحكومين في هذا الحيز المنكوب من العالم.

ياسين الحاج صالح
الاثنين 7 سبتمبر 2009