نظرا للصعوبات الاقتصادية التي رافقت الجائحة وأعقبتها اضطررنا لإيقاف أقسام اللغات الأجنبية على أمل ان تعود لاحقا بعد ان تتغير الظروف

الهدهد: صحيفة اليكترونية عربية بخمس لغات عالمية
الهدهد: صحيفة اليكترونية عربية بأربع لغات عالمية
Rss
Facebook
Twitter
App Store
Mobile



عيون المقالات

الفرصة التي صنعناها في بروكسل

26/11/2024 - موفق نيربية

المهمة الفاشلة لهوكستين

23/11/2024 - حازم الأمين

العالم والشرق الأوسط بعد فوز ترامب

17/11/2024 - العميد الركن مصطفى الشيخ

إنّه سلام ما بعده سلام!

17/11/2024 - سمير التقي

( ألم يحنِ الوقتُ لنفهم الدرس؟ )

13/11/2024 - عبد الباسط سيدا*

طرابلس "المضطهدة" بين زمنين

13/11/2024 - د.محيي الدين اللاذقاني


دوق أدنبره الراحل ... بين المزاح والبروتوكول والمسؤولية




في عام 1953، وفي خضم الحفيف الصامت والهدوء المطبق الذي واكب مراسم تتويج الملكة إليزابيث الثانية في ويستمنستر آبي، رفع الأمير فيليب مونتباتن، دوق أدنبره، وكان يبلغ من العمر 31 عاماً، تاجه وركع أمام قدمي الملكة الشابة التي كان قد تزوج بها قبل ست سنوات، وأقسم يمين الولاء الملكي: «أقسم أنا فيليب، دوق أدنبره، أن أكون رجلاً مخلصاً للملكة، بحياتي، وبكل جوارحي، ومؤدياً للعبادة الأرضية... فليساعدني الرب القدير».


 
ولقد حافظ الدوق فيليب على قسمه هذا طيلة الـ68 عاماً التالية، ما جعله معجزة من المعجزات، ليس فقط لدى النظام الملكي البريطاني، وإنما وفق معايير الزواج الحديث المعروفة أيضاً.
لم يكن من السهل الاضطلاع بدور يسير فيه الدوق خلف الملكة إليزابيث – زوجته – بخطوتين على الدوام. إذ كان فيليب هو التعريف المثير للقلق على الدوام للذكر الكامل بصفاته المعروفة: الوسامة الفائقة، والاعتداد الشديد بالنفس، وعدم تحمل الحمقى والأغبياء. فعندما تدلى من عليائه، منحنياً على مذبح الحقيقة القاسية بأنه سوف يقضي كل حياته تابعاً لزوجته، كان يمكن لتلك التجربة أن تكون مريعة للغاية لكل من أساء فهمها بأي طريقة من الطرق.
لقد أخبرني السير نيكولاس سومس، أحد أصدقاء الأمير تشارلز، قائلاً: «لا بد أن الملكة قد أدركت منذ اللحظات الأولى أن الدوق يملك شخصية قوية للغاية، قوامها الاعتداد بالنفس والاستقامة البالغة، وأنه لن يكون من السهل أبداً الاستخفاف بمثل هذا الرجل».
لم يكن اقتران الدوق بالملكة اتحاداً شخصياً مفتعلاً كمثل ما كان زواج الأمير تشارلز بديانا الموصوف بالزواج الكارثي. بل كانت قصة حب منذ بدايتها الأولى. فلقد كانت الملكة مولعة بشخصية فيليب منذ عام 1939، عندما كانت في الثالثة عشرة من عمرها، واصطحبها الأمير فيليب اليوناني الدنماركي، ضابط القوات البحرية الملكية البالغ عمره 18 عاماً، في جولة حول الكلية البحرية في دارتموث.
ومع مرور الوقت، وقع في حبها تماماً «بالكلية ومن دون تحفظ»، كما أخبرها في رسالة وصلت إليها عام 1946 كانت مذكورة في سيرة فيليب إيدي. وعندما تقدم لخطبتها بعد ذلك التاريخ بسبع سنوات كاملة في بالمورال، لم يكن والدها الملك أو والدتها الملكة يعتقدان أن فيليب من الرهانات الآمنة بالنسبة لكريمتهما. ربما يكون الأمير فيليب على صلات قرابة بأكثر من نصف الزعماء المتوجين في عموم القارة الأوروبية، غير أن أسرته قد نُقلت إلى المنفى، وكان يوصف بالأمير المفلس الذي بلا موطن يرجع إليه.
ومنذ نعومة أظفاره، برز فيليب الذي يتحدث ثلاث لغات أوروبية بطلاقة فائقة بين أقرانه وأقاربه الأوروبيين. وأثناء وجوده للدراسة في كلية «غوردونستون» – وهي المدرسة الداخلية الأسكوتلندية ذات التقاليد العريقة والصارمة – التي كان قد أُرسل للتعلم فيها، لم تكن لديه أدنى فكرة عن المكان الذي ينبغي أن يقضي فيه عطلاته المدرسية. ووقع في دفتر الزوار لدى عدد من المنازل الريفية بوصف قال فيه: «أمير بلا مأوى ثابت».
كانت الأميرة الصغيرة إليزابيث، المتسمة بصفات الخجل والاحتشام والالتزام الملكي، غير متهيبة. فلقد رأت في فيليب تلك الشخصية الثابتة التي سوف تُطلق عليها اسم «مصدر قوتي وسر بقائي طيلة السنوات الماضية من عمري» في الذكرى الخمسين لاعتلائها عرش البلاد. كانت تربط بين الحبيبين وشيجة قوية من الشعور بالواجب، والرغبة الأصيلة في الخدمة العامة التي شكلتها سنوات الحرب.
يقول جايمي لوثر بينكرتون، وهو السكرتير الخاص الأسبق للأميرين ويليام وهاري: «ساوى جيل الأمير فيليب بين قيمة الخدمة للبلاد مع الاعتداد بالقيم التي يؤمن بها»، كما عزز الماضي الملكي منعدم الجذور للأمير فيليب، من القناعة بأن مستقبل وبقاء النظام الملكي البريطاني قائم على الالتزام الخالص بالواجب تجاه البلاد.
وبدافع من المراعاة والتكريم العميق، احترمت الملكة إليزابيث نوبات نفاد الصبر العاتية التي لازمت الدوق فيليب. وبسبب الإجراءات الرسمية الملكية الصارمة للغاية، كان بإمكانها في كثير من الأحيان الاعتماد عليه في إجلاء الأجواء الرصينة، وربما إضحاكها كما لم يفعل أحد. وكانت هديته إليها عبارة عن السر المشترك بينهما، ومفاده أن الإجراءات الرسمية تتسم بالسخافة الشديدة والضرورة اللازمة في آن واحد. ولقد أخبرني أليستير بروس، حاكم قلعة أدنبره والمؤرخ الوثائقي الشهير: «كانت تعلم أنها لن تحصل على الإجابات الصادقة الأمينة سوى من الأمير فيليب».
وبدورها، منحت الملكة إليزابيث زوجها المخلص محلاً عاطفياً خاصاً وآمناً كان يفتقر إلى مثله في أيام طفولته الأولى. ورغم الشائعات الكثيرة الني حامت حول شخصيته، فإن أحداً لم يجرؤ قط على التشكيك في إخلاصه لملكة البلاد. لقد أشرف دوق أدنبره بنفسه على 22 ألف حالة ارتباط ملكية، كما رافق الملكة إليزابيث في جولاتها الخارجية كافة. وكان معتاداً لديه الصياح في وجه الصحافيين لينهرهم عن الاقتراب الشديد من الملكة.
وكانت تصريحاته في بعض الأحيان تتراوح بين الوقاحة الفجة («إن بلادكم هذه من أشهر مراكز التجارة الدولية في الأنواع المهددة بالانقراض من المملكة الحيوانية»، كمثل ما قال لمضيفيه الذين تعرضوا للإهانة حال قبوله جائزة التميز البيئي في تايلاند عام 1991)، إلى الهجوم اللاذع الشديد («أمازلتم تتقاذفون الرماح بين بعضكم؟»، كمثل ما قال لشيوخ قبائل السكان الأصليين في رحلة مع الملكة إلى أستراليا في عام 2002). غير أن وجه الملكة الصارم للغاية في المناسبات العامة لم يكن دليلاً على الأسلوب الذي تؤنبه به على انفرادها معه.
نجح الزواج الملكي بين الملكة والدوق استناداً إلى الأصول بقدر ما نجح بالحب والعاطفة، وكان التحدي الزواجي للملكة يدور حول كيفية تسخير طاقات زوجها الهائلة في خدمة التاج البريطاني. وكان المنطلق إلى ذلك يكمن في تفادي أن يصل إليه شعور بالانعزال أو التدني في الأهمية. وكان هناك مرتقى صعب خلال سنوات الزواج الأولى، عندما نما إلى علمه أن أولاده سوف يحملون مسمى سلالة وندسور الملكية، وليس مسمى سلالته الخاصة. وكان هناك عدد قليل للغاية من النماذج في ذلك الوقت المعنية بكيفية بناء الزواج المرجحة فيه كفة القوى بالكامل تجاه الزوجة فضلاً عن الزوج، وذلك ما لم نأخذ حالة الملكة فيكتوريا والأمير ألبرت في الاعتبار.
وبفضل ذكاء الملكة إليزابيث الهادئ والمعتاد، لم يكن من العسير عليها تلمس السبل بدهائها المعروف لسياسة زوجها في نفس الوقت الذي كانت تسوس فيه شؤون وأعباء الدولة الهائلة. فلقد منحته المسؤولية الكاملة عن جميع القصور والضيعات والمنازل الملكية بأكملها، والتي كان يمارس الإشراف عليها بنزعة ملكية أرستقراطية ظاهرة. كما كانت الملكة إليزابيث تستعين به على الدوام في اتخاذ القرارات المهمة ذات الصلة بالأسرة الملكية.
ولقد شجعت الملكة من ممارسة الأنشطة التي منحت الأمير فيليب قدراً رائعاً من الاستقلالية، مثل الطيران، ورياضة البولو، وقيادة العربات. فلقد قاد عربة بأربعة خيول حول حديقة وندسور غريت بارك وهو يناهز 94 عاماً من عمره. وكان لديه شغف واضح بالتكنولوجيا الحديثة. وخلال السنوات الأخيرة من حياته، كما قيل لي، كان مولعاً بجهاز كيندل للقراءة الإلكترونية، حتى شعر بالاشمئزاز من الإعلانات المستمرة عن الكتب التي لم يكن يرغب في قراءتها، فقام من فوره وألقى بالجهاز بعيداً عنه.
كان الأمير الراحل فيليب عاقداً العزم على عدم إدخال نفسه في المجال الدستوري للملكة إليزابيث. وعوضاً عن ذلك، ألقى بنفسه في خضم الأعمال الخيرية من خلال رئاسة أكثر من 800 جمعية ورابطة خيرية.
----------------
الشرق الاوسط
بالاتفاق مع «بلومبرغ»

تينا براون
الاحد 11 أبريل 2021