إنّ توالي دول العالم، وأحدثها أوستراليا التي تحتضن جالية لبنانية ضخمة، على إدراج "حزب الله" في لوائح الإرهاب، من دون أيّ تفريق بين "جناح عسكري" و"جناح سياسي"، لا يخرج عن هذا السياق، فمن يتباهَ بقوته ومن يوزّع انتصاراته على عدد أيّام السنة، ومن يستخف بالدولة وقوانينها وسلطاتها ومؤسساتها، ينبذه العالم.
لقد فشل "حزب الله" في أن يحوّل القوة التي يتمتّع بها الى منصة لفرض احترامه. العكس هو الصحيح، بحيث جعلها مادة ترويج ضده وضد نموذجه.
كسائر التنظيمات التي عوملت، على مدى العقود الأخيرة، معاملة "حزب الله" في العالم، ليس ثمّة ما هو أسهل من الإختباء وراء نظرية المؤامرة، ولكن "حزب الله" يعرف و"أسياده" في ايران يعرفون، أنّه لولا "نفور" اللبنانيين منه، لما كان التعاطي السلبي معه سهلاً.
في الدول الديموقراطية، كما هي عليه حال أوستراليا، لا يهمل سياسيو البلاد واجب "الوقوف على خاطر" جالية بحجم الجالية اللبنانية، وتالياً، فإنّ القرار الذي اتّخذته سلطاتها، ضد "حزب الله"، ما كان ليكون بهذه السهولة، لولا إدراكها أنّ اللبنانيين، حيث يمكنهم ان يعبّروا عن حقيقة توجّهاتهم، يتبرّأون من هذا الحزب وسلوكه ونهجه.
وهذه حال اللبنانيين، في غالبية دول العالم، فهم، بالحد الادنى يرفضون أيّ ربط بينهم وبين "حزب الله".
لقد أصبح هذا الحزب، حتى بالنسبة لهؤلاء الذين "يخشون" أن ينعكس لسانهم الرافض له، على أنفسهم إنْ زاروا لبنان، وعلى أهاليهم إنْ كانوا يعيشون في البيئة المهيمِن عليها، مصدر ضرر مادي ومعنوي.
إنّ التنظيمات التي تزعم المقاومة، في أيّ دولة في العالم، عندما تصبح مصدر "خجل" وموضوع "تبرؤ"، خصوصاً إذا كانت مرتكزاتها التحشيدية "دينية"، كما هي حال "حزب الله"، تكون قد بدأت بخسارة روحها.
ولم تكن غالبية اللبنانيين، تحتاج الى إظهار الأمين العام ل"حزب الله" حسن نصرالله، جهله بتاريخ نيل لبنان استقلاله، لتُدرِك أنّ هذا الحزب، في حقيقته، يتعاطى مع "بلاد الأرز" بصفتها مجرّد جبهة من جبهات "المعركة الإيرانية"، فمجرّد المقارنة بين حال لبنان الذي يهيمن عليه "حزب الله"، في السنوات الأخيرة، وحال العدو الذي يستمد منه هذا الحزب "مشروعيته"، تبيّن أضراره الوطنية.
إنّ إسرائيل "الخائفة"، والتي هي "أوهن من بيت العنكبوت" و"المهزومة"، تعزّز علاقاتها الاقليمية والدولية، وتخشى على تصدير منتوجاتها المتطوّرة من ارتفاع قيمتها الوطنية بفعل تدفّق الاستثمارات إليها، في حين أنّ لبنان "المُخيف" و"المنتصر"، يتدحرج في أدراك الجحيم السبعة، فتنقطع علاقاته التي كانت يوماً مصدراً مهماً من مصادر ثروته المنهوبة، وتتلاشى قيمة عملته الوطنية وتهرب الاستثمارات ويهاجر أبناؤه، حتى في "قوارب الموت"، لو اضطرّهم الأمر.
وأينما يمّمت وجهك، تجد أنّ ثمة اسم يقف وراء هذه الكارثة: "حزب الله".
الأسماء الأخرى التي يمكن أن يتم ذكرها، في سياق تشخيص المأساة اللبنانية، لا ترد إلّا على قاعدة مستوى اشتراكها أو تدخّلها لمصلحة نهج "حزب الله".
يوم أمس، أطلّ نصرالله مجدّداً حيث هاجم القضاء ووضع جدول أعمال للدولة.
في كل ما قاله، تظهر خلفية المآسي اللبنانية، فهذا المسؤول المدجّج بالسلاح حتى أسنانه، يطلب من دولة يحول هو دون اجتماع مجلس وزرائها، أن تتّخذ إجراءات "جبّارة"، ويفرض على القضاء، تحت طائلة إفلات "الفتنة" والثأر" من عقالهما، أن يُنفّذ أوامره، وكأنّ القضاء مجرّد جهاز من أجهزة "حزب الله".
لم يستطع "حزب الله" أن يرتقي بمسيرته، وأن يحوّل نفسه الى عامل إيجابي في بلاده، فبدأ مسيرة التقهقر.
اللبنانيون لا يشعرون بهذا التقهقر، لأنّهم، بفعل ما يصيبهم من ويلات وكوارث يفتقدون الى القدرة على المراقبة، ولكنّ الآخرين يُدرِكون ذلك، لأنّه، في هذا الزمن الذي تستمد فيه الجماعات والكيانات الاوكسجين من مركز تشغله في "القرية الكونية"، كلّ من يتم حشره ضمن "قضبان" الحدود، سرعان ما سوف يختنق، لأنّ السلاح، مهما عتى، لا ينتج قارورة اوكسيجين واحدة.
قد يكون هناك فعلاً قوى تتآمر على "حزب الله" ، لكنّها كانت حتى الأمس القريب، أعجز من "تمرير" مؤامرتها ضدّه، إلى أن بدأ يقدّم لها، بنفسه، العون، فوسّع دائرة اللبنانيين الذين يرغبون بالتخلّص منه، وأفقد لبنان القيادات التي يمكن أن تخفّف الإستياء منه، وتوسّل الترهيب في التعاطي مع الشعب الذي ينتمي إليه، وحوّل نفسه الى "مرتزقة" لمصلحة مخططات "الحرس الثوري الايراني"، واستخفّ بدفع بلاده دفعاً الى المآسي، وجعل غالبية الدول تكسب إن هي انضمّت الى المنظومة التي تريد أن تتخلّص منه.
------------
النهار العربي
------------
النهار العربي