نظرا للصعوبات الاقتصادية التي رافقت الجائحة وأعقبتها اضطررنا لإيقاف أقسام اللغات الأجنبية على أمل ان تعود لاحقا بعد ان تتغير الظروف

الهدهد: صحيفة اليكترونية عربية بخمس لغات عالمية
الهدهد: صحيفة اليكترونية عربية بأربع لغات عالمية
عيون المقالات

الفرصة التي صنعناها في بروكسل

26/11/2024 - موفق نيربية

المهمة الفاشلة لهوكستين

23/11/2024 - حازم الأمين

العالم والشرق الأوسط بعد فوز ترامب

17/11/2024 - العميد الركن مصطفى الشيخ

إنّه سلام ما بعده سلام!

17/11/2024 - سمير التقي

( ألم يحنِ الوقتُ لنفهم الدرس؟ )

13/11/2024 - عبد الباسط سيدا*

طرابلس "المضطهدة" بين زمنين

13/11/2024 - د.محيي الدين اللاذقاني


«حرب باردة» جديدة تقسّم الشرق الأوسط






تجاوزت الأزمة السورية المندلعة منذ عامين ونصف العام حدود سوريا.
ورغم أهمية البعد الداخلي، فإننا نشهد حرباً سورية إقليمية الأبعاد تتمحور حول سوريا.
ومع أن هذه الحرب لا تزال «باردة» حتى اللحظة، فإنها تقسّم الشرق الأوسط.
وعلى الرغم من أن الحرب الباردة الجديدة مشابهة لتلك التي شهدتها فترة الخمسينات والستينات من القرن الماضي، فإن الأزمنة اليوم مختلفة: فالقومية العربية تداعت، والطائفية تنتشر، واستمرارية الدول مشكوك فيها، وكذلك أمر الحدود التي رسمت بعد الحرب العالمية الأولى.


 

لا مؤشرات في الأفق على قرب انتهاء المواجهات الدامية المستمرة في سوريا منذ 28 شهراً، بين قوات الرئيس بشار الأسد ومقاتلي المعارضة. بل على العكس، فإن النزاع يتخذ طابعاً أكثر طائفية ويمتد الى كل المنطقة.

«سيحقق مرشد الثورة الولي الفقيه آية الله خامنئي حلمه بالخطبة من على منبر المسجد الأموي، معلناً أنه حقق الوحدة الإسلامية التي طالما وعد بها.. سينزل من على المنبر في شكل استعراضي، ويمسح على رأس طفل دمشقي كسير ليُظهر (تسامح القوي)، ثم يقف بجوار عدد من علماء السنّة السوريين...، يضم أيديهم إلى يديه ويرفعها عالياً، بينما تنهال عليهم فلاشات الكاميرات التي تسجل هذه اللحظة التاريخية».

بهذا وصف كاتب افتتاحيات سعودي نافذ، غداة انتصار الجيش السوري في القصير، المستقبل المشؤوم، وفق رأيه، لعالم إسلامي وقع تحت سطوة «الفُرس» والشيعة.

في الوقت نفسه، في لبنان، ألقى السيد حسن نصر الله، الأمين العام لحزب الله، خطاباً برّر فيه إرسال مقاتليه الى سوريا، مع اعترافه وخلافاً للسيد بشار الأسد، بأنه «إن كان جزء كبير من السوريين يؤيّد النظام، فلا شكّ أن جزءاً كبيراً آخر يعارضه». فهو يعتبر هذا البعد الداخلي ثانوياً، وأن «لبنان، العراق، الأردن والمنطقة بمجملها مستهدفة من قبل خطة أميركية إسرائيلية تكفيرية»، يجب مقاومتها بأي ثمن كان. الأمر الذي يفترض المسارعة لنجدة نظام دمشق.

حالياً، وكما أوضحته إحدى الشخصيات الرسمية الأميركية في التقرير الكامل المتكامل الذي نشرته مجموعة الأزمات الدولية (ICG)، أصبحنا نشهد «حربا سورية إقليمية الأبعاد قيد التحوّل الى حرب إقليمية تتمحور حول سوريا». «حرب باردة» جديدة تُقسم الشرق الأوسط، مشابهة لتلك التي شهدتها فترة الخمسينات والستينات من القرن الماضي. لكن الأزمنة اليوم مختلفة: فالقوميّة العربية قد تداعت، والخطابات الطائفية بدأت تنتشر، وبتنا نشكّك في استمرارية الدول نفسها، ونشكّك أيضا في الحدود التي رُسمت بعد الحرب العالمية الأولى.

سوريا هي الضحية الأساسية لهذه المواجهة. والحرب الدائرة في رحاها أودت حتى الآن بأرواح عشرات الآلاف، وتسببت بتهجير الملايين، وتدمير البنى التحتية والصناعية والإرث التاريخي للبلاد. الأمل الذي ولد في ربيع العام 2011 قد تحوّل هنا الى كابوس: لماذا لم يحدث في دمشق ما هو ممكن الحدوث في القاهرة؟

 

«الفزاعة الإسلامية»

 

لقد تمت الإطاحة بالرئيس حسني مبارك بسهولة نسبية، وذلك لسببين على الأقلّ. فالنخب والفئات الاجتماعية المرتبطة بالطغمة الحاكمة لم تشعر بتهديد فعلي لامتيازاتها، ولا لسلامتها الجسدية، سواء كانوا رجال أعمال، ضباطا رفيعي المستوى في الجيش أو مسؤولين عن الأجهزة الأمنية، جميعهم تمكنوا من تغيير ولائهم بهدوء بُعيد الثورة. وحدها أقلية صغيرة جداً أحيلت – ببطء وتحفّظ شديدين- أمام القضاء. من جهة أخرى، لم يؤدِّ رحيل مبارك الى أي تغيير للواقع الجغراسي الإقليمي. فتمكنت الولايات المتحدة والسعودية من التأقلم مع متغيرات لم تكونا لترغبا بها، لكنها لم تكن لتمثل تهديداً لمصالحها الأساسية، بشرط احتوائها.

في سوريا، نتابع سيناريو مختلفاً تماماً. فمنذ بداية النزاع، سمح الاستخدام اللامحدود للعنف من قبل أجهزة المخابرات، للنظام بكسب وقت ثمين لتنظيم نفسه وتعزيز قوته. فقد دفع الى عسكرة المعارضة والتصعيد، لا بل الاصطفاف الطائفي، وذلك بغية إحياء المخاوف في أوساط شرائح مهمّة من الشعب، ليس الأقليات فقط، إنما أيضاً البورجوازية والطبقات الوسطى المدينية التي أرعبها الخطاب المتطرّف لبعض جماعات المعارضة، وتدفّق المحاربين الأجانب، وهذا ما عمل النظام على إبرازه.

كلما كانت تتراكم المقابر الجماعية، كلما كان يستحيل أكثر فأكثر إجراء عملية انتقالية من دون أي خلفيات ثأرية. وقد دفع ذلك طبقات واسعة من المجتمع التي تخشى على حياتها في حال فوز «الإسلاميين» للالتحاق بالنظام طوعاً أو رغماً عنها.

تثير الفزاعة الإسلامية المخاوف، كونها رُفعت منذ سنوات وسط عدد من العواصم الغربية، وهي تمنح مصداقية لخطاب دمشق الموجه الى فرنسا: «لماذا تساعدون في سوريا المجموعات التي تحاربونها في مالي»

تصميم إيراني

لقد استغلّ النظام أيضاً موقعه الاستراتيجي الى جانب حليفتيه الأساسيتين، إيران وروسيا، اللتين انخرطتا في النزاع بتصميم أكبر من الدول العربية أو الغربيين، وهو تصميم فاجأ أخصامهما.

فبالنسبة إلى إيران، تشكّل سوريا، منذ ثورة العام 1979، الحليف الوحيد المضمون، الحليف الذي ساندها في الأوقات الصعبة كافة، خصوصاً في مواجهة اجتياح العراق في العام 1980. وفي حين أن عزلة إيران تفاقمت خلال الأعوام الأخيرة، وباتت عرضة لعقوبات أميركية وأوروبية متصلّبة، ولم يعد من الممكن استبعاد خطر التدخل العسكري الإسرائيلي و/أو الأميركي، يشكّل تدخّل الجمهورية الإسلامية في سوريا خياراً استراتيجياً عقلانياً، وليس بالضرورة أخلاقياً، من المرجّح ألا يؤدي انتخاب الرئيس الجديد حسن روحاني الى التراجع عنه. ولم تتوانَ طهران أمام أية وسيلة لإنقاذ حليفتها: من توفير الاعتمادات للمصرف المركزي السوري، الى تزويد النفط، الى إرسال المستشارين العسكريين.

وقد حملها هذا الالتزام الى دفع حزب الله، بموافقة الكرملين، للمشاركة مباشرة بالمعارك. وطبعاً، تحجج الحزب وأمينه العام بالقول إن آلاف المحاربين الإسلاميين كانوا قد باشروا بالتوافد الى سوريا، من لبنان ومن سائر الدول العربية. لكن هذا التدخل لم يكن إلا ليؤجّج النزاع بين السنّة والشيعة – فتضاعفت الحوادث المسلحة في لبنان- وليمنح مزيدا من الحجج للخطباء السنًّة الأكثر تطرّفاً.

ومثال على ذلك، المؤتمر الذي عُقد في القاهرة في 13 يونيو 2013، تحت شعار «دعماً لإخواننا السوريين»، دعا الى الجهاد. وكان الرئيس المصري (آنذاك) محمد مرسي مشاركاً فيه. هو الذي أبدى حذره إزاء الملف، أعلن عن قطع علاقاته الدبلوماسية مع دمشق. وقد شكّل الاجتماع تصعيداً للخطاب المناهض للشيعة، بما فيه لدى المشايخ المعتدلين. وقد تساءل ممثّل جامعة الأزهر التي تشكّل مؤسسة أساسية للإسلام السنّي في القاهرة: «ما هو مردّ تدخّل حزب الله الذي يريق دم الأبرياء في القصير؟ لماذا هم هناك؟ إنها حرب ضدّ السنّة، وإثبات على النزعة الطائفية للشيعة».

 

.. وروسي

 

أما بالنسبة إلى روسيا، فأسباب انخراطها بالنزاع السوري تتخطّى بشكل كبير شخص الرئيس فلاديمير بوتين الذي أصبح مجرّد كاريكاتور في الصحافة الغربية. وهي تعكس قبل كلّ شيء رغبة موسكو بوضع حدّ لتواريها عن الساحة الدولية.

يلزمنا دبلوماسي مصري كي يفكك لنا رموز هذا الاهتمام بالقول: «يدفع الغربيون ثمن محاولاتهم لتهميش روسيا منذ نهاية الاتحاد السوفيتي، لذا، بالرغم من حسن نية بوريس يلتسن إزاءهم، توسّعت منظمة حلف شمال الأطلسي لتصل الى حدود البلد». حول الملفّ السوري، «اقترح الغربيون (على مدى سنتين) على الكرملين تأييداً بلا قيد أو شرط لخطتهم. لم يكن ذلك أمراً واقعياً».

ساهمت الطريقة التي تم من خلالها تحريف القرار 1973 الصادر عن مجلس الأمن التابع لمنظمة الأمم المتحدة حول ليبيا، بغية منح شرعية للتدخّل العسكري، في إخافة روسيا وليس روسيا وحدها: فعدد من البلدان، على غرار البرازيل، الهند، أفريقيا الجنوبية أو الصين قد عبّرت منذ ذلك الحين عن تحفّظات حيال القرارات الغربية المتعلّقة بسوريا التي تم عرضها أمام منظمة الأمم المتحدة. فبالنسبة إلى الكرملين، قد يترتب على انهيار نظام الأسد مساوئ خطيرة، إذ إنه قد يشكّل انتصاراً جديداً للإسلاميين، وقد يؤثر، ضمن الاتحاد الروسي نفسه، على الشعوب المسلمة التي تندّد موسكو بوجود بروباغاندا وهّابية ناشطة في أوساطها.

انقسام المعارضة

في مواجهة هذا التصميم الروسي الإيراني، انقسمت الجهات الخارجية الداعمة للمعارضة السورية، المفتقدة للتنظيم والفعالية. من تركيا الى السعودية، ومن قطر الى فرنسا، لعب كل طرف معزوفته ودعم زبائنه، ومنح مساعدته لطرف وحجبها عن طرف آخر. أما ذروة السخرية فكانت في أبريل 2013، مع فرض قطر، بدفعها ملايين الدولارات، غسّان هيتو، الأميركي الجنسية، في منصب رئيس لحكومة «انتقالية» لا وجود فعليا لها. وإن تدخّل رجال أعمال أثرياء من الخليج غير تابعين لأية استراتيجية حكومية، ومتنصّلين من أية رقابة، يزيد الأمور تعقيداً.

أخيراً، من الصعب الاهتداء وسط معمعة الكتائب (الوحدات المحاربة) المجموعة تحت تسمية «الإسلاميين» السهلة بقدر ما هي مخادعة، الأمر الذي يسمح بطمس تنوّعها واختلافاتها الاستراتيجية والسياسية. فجبهة النصرة، مثلاً، التي تدّعي انتماءها الى القاعدة، تثير مخاوف الغرب، والسعودية التي خاضت بين العامين 2003 و2005 حرباً قاتلة ضدّ منظمة أسامة بن لادن. وتراود أيضاً هذه المخاوف بعض المنظّمات السلفية.

نادر بقّار، المعروف جداً بفضل وسائل الإعلام، والناطق الرسمي باسم الحزب السلفي المصري الأساسي (حزب النور)، أوضح لنا كيفية قطع الطريق على منظمة القاعدة: «ما نطلبه هو منطقة حظر جويّ...... لكي يتمكن الثوار من تحقيق النصر بأنفسهم. إننا نطلب من الناس في مصر عدم الذهاب الى هناك، فعلى السوريين تحقيق النصر بمفردهم».

وقد ساهم في هذه المعمعة تواري الولايات المتحدة التي، وإن كانت ترغب بسقوط نظام الأسد، فهي ليست مستعدّة لخوض مغامرة شرق أوسطية جديدة بُعيد إخفاقاتها في العراق وأفغانستان. إن رتشار هاس هو أفضل من يعكس تطور الذهنية هذا في واشنطن. فهذا المفكر المرجعي في مجال العلاقات الدولية داخل النخبة الجمهورية هناك، والمعاون السابق للرئيس السابق جورج بوش، قد نشر لتوّه كتاباً بعنوان «السياسة الخارجية تبدأ في الداخل: لماذا يجب إعادة ترتيب الأمور في الولايات المتحدة نفسها»؟ أما المنطق الذي يتبعه، فيقول إن المشاكل الداخلية، من تداعي نظام النقل، وصولاً الى النقص في العمّال الأكفاء، تمنع الولايات المتحدة من ممارسة دورها القيادي على الصعيد العالمي.

لا بد من خاسر

كيف يمكن إذاً تفسير قرار الرئيس باراك أوباما بتزويد المتمردين السوريين بالأسلحة؟

إن استخدام غاز السارين من قبل الجيش السوري الذي يدور لغط كبير حوله – قد تسبّب، وفق واشنطن، بمقتل مائة وأربعين من أصل التسعين ألف قتيل الذين سقطوا جراء النزاع-، يبدو على ما هو عليه: مجرّد حجّة. لكن لِمَ؟

لقد تحوّلت سوريا الى ساحة لحرب إقليمية ودولية، ولا يمكن لأي من الطرفين القبول بهزيمة أبطاله. فبعد النصر في القصير، تريد الولايات المتحدة منع انتصار النظام السوري، غير المحتمل على الأرجح، كون السلطة مرفوضة من قبل جزء كبير من الشعب السوري الذي لم يعد لديه ما يخسره. إنما دون أن تترجم هذه النوايا بتدخّل كثيف، وطبعاً ليس بفرض مناطق حظر جويّ، أو إرسال جيوش الى الأرض.

مع المحافظة على توازن القوى، يُفترض بالأزمة أيضاً أن تستمرّ، مع موكب الدمار والقتل المرافق لها، إنما أيضاً مع مخاطر توسّعها الى المنطقة بمجملها، التي تتلخص في تقرير مجموعة الأزمات الدولية (ICG) «انتشار الصراع السوري».

انسحب النزاع إلى كلّ من العراق، والأردن، ولبنان. فعدد من المحاربين العراقيين واللبنانيين، السنّة والشيعة، يتواجهون في سوريا. إن الطرق السريعة «للأممية الجهادية» التي تنقل المحاربين، الأسلحة والأفكار من أفغانستان الى منطقة الصحراء الأفريقية، باتت متخمة. وطالما سيستمرّ الفرقاء الخارجيون بالنظر الى النزاع كلعبة لا بد من خاسر فيها، فالجلجلة السورية ستستمرّ. الأمر الذي قد يؤدي الى جرف المنطقة بأكملها في دوّامة لامتناهية
------------------------------------

* القبس بالتنسيق مع لوموند ديبلوماتيك


آلان غريش - رئيس تحرير لوموند ديبلوماتيك
السبت 20 يوليوز 2013