وعبّر هيل خلال حديثه الذي استمر أكثر من نصف ساعة، عن اعتزازه بالتواصل مع القائد الروحي للموحدين الدروز، متمنيًا بناء علاقة وطيدة معه، ومشدّدًا على أن سلامته الشخصية هي موضع اهتمام خاص. اهتمام السيناتور بحراك السويداء طرح جملة من التساؤلات عن مدى اهتمام الإدارة الأمريكية بالاحتجاج السلمي، لا سيما أن السيناتور قد قاد عدة تشريعات داعمة للسوريين وتدين نظام الأسد، كان آخرها مشروع قانون وافق عليه مجلس النواب الأمريكي نهاية فبراير/ شباط الماضي، بشأن الزلزال الذي ضرب سوريا وتركيا، علاوة على ذلك إسهامه في تقديم تشريع في الكونغرس، كجزء من قانون تفويض الدفاع المدني، يطالب الحكومة الفيدرالية بوضع خطة لتعطيل وتفكيك إنتاج النظام السوري وتهريبه لمخدرات الكبتاغون.
إلى جانب ذلك، يبدو أن هناك استشعارًا من مؤسسة التشريع في الولايات المتحدة الأمريكية لأهمية الحراك ومطالبه السياسية ضد منظومة الأسد، في منطقة طالما ادّعى النظام أنها أقلية ومحمية منه، إضافة إلى كونها رسالة للأسد وإيران بأنهما المسؤولان عن مواجهة الحراك بالنار.
ورغم إعادة الإدارة الأمريكية تقييمها للأوضاع في سوريا مؤخرًا، من إصدار عدة قوانين تحاصر فيها نظام الأسد كقانون عقوبات قيصر ومكافحة الكبتاغون ومحاربة التطبيع، إلا أن ذلك لا يرقى إلى مصافّ مراجعة السياسة الأمريكية المتبعة منذ عام 2011، والتي تركز على محاربة تنظيم “داعش”، ومؤخرًا توجيه عدة ضربات للميليشيات الإيرانية فقط دون ضربات حاسمة تسقط النظام.
إلى جانب التفاعل الإيجابي الداخلي لحراك السويداء، لاقى الاحتجاج دعمًا من شيخ العقل لطائفة الموحدين الدروز في لبنان الشيخ سامي أبي المنى، إذ شدد أبي المنى خلال اتصاله بالهجري على “ضرورة إبقاء التحرك سلميًّا، ليكون نموذجًا أرقى في الوطنية وصون الكرامات والترفع عن الإساءات لما فيه خير الجبل والوطن”.
وقال أبي المنى: “نعتز في لبنان بإخواننا في السويداء ونحيي شجاعتهم ومواقفهم الوطنية الثابتة”، محذرًا من “محاولة إذلالهم وتخوينهم، وهم أبناء العروبة الأصيلون وأبناء سلطان باشا الأطرش المجاهدون والوطنيون بامتياز والعرب الأقحاح”.
لافتًا أن “المشايخ الأفاضل والأهالي عمومًا لا يقبلون احتلال بلدهم، مهما كان نوع هذا الاحتلال، ولا يرضون إطلاقًا تحويل السويداء إلى بؤرة فساد وخروج على القانون الأخلاقي والاجتماعي” .
وكان الهجري قد هدّد عبر كلمته التي ألقاها أمام جمع من أهالي السويداء، بعد حادثة إطلاق قوات النظام النار على المتظاهرين، من مضافته بدار الرئاسة الروحية ببلدة قنوات، أن “أي سلاح ضد الشعب السوري يجب اجتثاثه.. الطلقة ببيت النار وبدو يضل سلاحنا منضّف بس لوقت منطلب التدخل”.
ومما لا شك فيه، أن سياسة إيران الممنهجة بنشر التشيُّع على الجغرافية السورية والتي تستهدف كل الطوائف، تفرز خوفًا كبيرًا من امتدادها إلى السويداء ذات الأغلبية الدرزية، لا سيما أن إيران باتت اليوم صاحبة أكبر انتشار عسكري في سوريا.
فحسب الخريطة التحليلية التي نشرها مركز جسور للدراسات في يوليو/ تموز الفائت، تتمركز إيران في 570 موقعًا، 55 منها قواعد عسكرية، للسويداء نصيب بـ 15 نقطة، إضافة إلى 84 نقطة في جاراتَيها درعا والقنيطرة، تأخذ هذه النقاط والقواعد أحيانًا صفة مدنية، كغطاء لأعمالها الأمنية المتعلقة بالتجسُّس وجمع المعلومات عن المجتمع المحلي.
يشير الباحث في الشأن الإيراني، عمار جلو، أن دعوة الشيخ الهجري للجهاد ضد الإيرانيين تتضمن أبعادًا مذهبية وتاريخية وسياسية وبراغماتية ونفعية محلية، فبالنسبة إلى البُعد المذهبي التاريخي لا يجب إغفال الانشقاق الذي شهده المذهب الشيعي بعد وفاة الإمام السادس جعفر الصادق إلى إسماعيلية تتبع الإمام إسماعيل بن جعفر (رغم ثبوت وفاته ودفنه بيد والده الإمام جعفر لاحقًا حسب بعض الروايات التاريخية)، وهو من يتبع له الدروز أو الموحّدون، فيما يتبع الشيعة الإثنا عشرية للإمام موسى الكاظم.
مضيفًا أن مناهضة السويداء للوجود الإيراني تحقق لها دعمًا سياسيًّا (أمريكيًّا – إسرائيليًّا – أردنيًّا – خليجيًّا – عربيًّا وحتى روسي)، بالإضافة إلى ما تحققه للمحافظة من تحييدها عن ضربات إسرائيلية محتملة ضد الوجود الإيراني، أو تحصين مجتمعها المحلي ضد الميليشيات والمخدرات وعصابات تهريب السلاح والمخدرات.
ومن خلال هذه الدعوة تعزز المحافظة من مكانتها في مكافحة النفوذ الإيراني وعمليات تهريب الأسلحة والكبتاغون اللصيقة لهذا الوجود، ما يقوي طلبها لدى الجانب الأردني بإمكانية فتح معبر ذيبين ليربط بين سوريا والأردن عبر السويداء.
وحري بنا التطرق إلى المقاطع المصورة التي انتشرت للرئيس الإيراني، إبراهيم رئيسي، خلال زيارته دمشق في مايو/ أيار الفائت ومرقد السيدة زينب، في ضاحية دمشق الجنوبية على الطريق السريع المؤدي إلى مطار دمشق الدولي، والطريق المؤدي إلى مدينة السويداء، إذ أظهرت المقاطع هناك أناشيد باللغة الفارسية وبكاء شديدًا من رئيسي، ما يعطي رسالة أن إيران ماضية ومهتمة بمشروعها التشييعي الذي يستهدف كل الطوائف السورية من دون استثناء، لا سيما أن خزائن مراكزها الثقافية والدينية مليئة بالأموال التي تستخدمها، مستغلة ما يعانيه المجتمع الدرزي من فقر مدقع وأوضاع متردية.
ورغم التغلغل الشيعي الناعم في السويداء، يرى جلو أن المجتمع الدرزي في سوريا أقل المجتمعات تأثرًا بعملية التشيُّع التي مارستها إيران في سوريا، إلا أن انفلات السلاح والمخدرات هو ما يهدد المجتمعات المحلية، فضلًا عن سعي إيران وبقوة لتأسيس وجود عسكري ميليشياوي قريبًا من “إسرائيل”، لتعزيز أوراق قوتها الإقليمية وأوراقها التفاوضية مع الغرب عمومًا وأمريكا خصوصًا.
هذا فضلًا عن اتخاذ المحافظة موقفًا شبه محايد من الثورة السورية والنظام على حد سواء، إذ اختارت سياسة النأي بالنفس وعدم مشاركة نظام الأسد بمجازره ضد السوريين، وهو ما رأته الأكثرية السنّية حيادًا إيجابيًّا، الأمر الذي جعل الأكثرية يميلون نوعًا ما إليها والعكس صحيح.
وبالرجوع إلى الوراء قليلًا، لا بدَّ من التأكيد على دور الأمير شكيب أرسلان المنتمي إلى المجتمع الدرزي، والذي كانت له جهود كبيرة لتوحيد المسلمين عندما أسّس جمعية الشعائر الإسلامية في برلين عام 1924، وكان الغرض منها تلافي أسباب الخلاف والشقاق التي قد تنجم عن اختلاف الأيديولوجيات السياسية بين الشعوب والدول المختلفة، ناهيك عن دوره الكبير خلال الحرب الأهلية اللبنانية عام 1860 في تحقيق الذوبان الاستراتيجي للدروز وسط المحيط الإسلامي والسوري الأوسع.
وعلى النقيض من التقارب بين الانسجام القديم المتجدد وأكثرية لا تزال تدعم حراك الأقلية، نلاحظ تشبُّع الذاكرة الدرزية بالخلافات التي حصلت في لبنان ووصلت إلى أعمال عنف ومعارك بينهم وبين الموارنة من جهة، أدّت إلى نزوح كثير منهم من لبنان إلى سوريا عام 1860 وخلال الحرب الأهلية (1975-1990)، وأيضًا بينهم وبين العلويين الموالين لنظام الحكم السوري من جهة أخرى.
حيث بلغ الخلاف مع العلويين أوجه عندما قتل الأسد الأب زعيمهم السابق في لبنان كمال جنبلاط، ولاحقًا اغتيال الأسد الابن الشيخ المعارض زعيم مجموعة رجال الكرامة أو مشايخ الكرامة، وحيد البلعوس، في سبتمبر/ أيلول 2015، فضلًا عن استياء النظام من رفض الطائفة إرسال أبنائها ضمن قوات الأسد وميليشياته لقتل السوريين الثائرين.
يؤكد الناشط مروان حمزة لـ”نون بوست” على أن حراك السويداء هو تتمة للثورة السورية 2011، فالسويداء لم تتوقف يومًا عن مشاركة باقي المحافظات في ثورتها، وقد عانت من الاعتقالات والإخفاءات القسرية وهجمات مدبَّرة من النظام عبر تنظيم “داعش” الذي استهدف الريف الشرقي دون أن يحرك النظام ساكنًا.
ناهيك عن تعمُّد النظام خلق فتنة ما بين الدروز والبدو أو الدروز مع سهل حوران عبر أداته أحمد العودة، والتي أدت إلى سقوط ضحايا جراء عدة اقتتالات، إضافة إلى رفض الطائفة إرسال 40 شابًّا إلى الخدمة العسكرية حتى لا يحملوا في عنقهم دم إخوانهم.
ينوّه حمزة بأن النظام لا يستطيع أن يشيطن حراك السويداء كما شيطن انتفاضة السوريين في عدة محافظات، لأن صورة الحراك واضحة في كونه حراكًا سلميًّا يشارك فيه الجميع بكل حضارة، والمطالب واضحة ومشروعة وهي مجتمع مدني وحرية وعدالة والإفراج عن المعتقلين وتطبيق القرار 2254.
كما أن روسيا لها إقليمها الساحلي وإيران إقليمها الوسطي، في حين أن أوروبا ضمنيًّا مع أي مشروع يمنع تدفق لاجئين إليها، وأخيرًا أمريكا والاحتلال الإسرائيلي ورغبتهما في تقليص نفوذ طهران في شمال شرق سوريا، وما يعنيه ذلك من ربط قاعدة التنف على المثلث الحدودي العراقي السوري الأردني بدير الزور وبمساحات واسعة من بادية الشام.
وبطبيعة الحال، باتت السويداء بما تحمله من خصوصية على مفترق 3 طرق، الأول يكمن في جعل إيران غارقة في حمّام دم، رغم ما يشكّله ذلك الحل من إرباك للنظام المختبئ خلف روايته المشروخة “حماية الأقليات”، وهذا الحل يمكن -رغم غياب بوادره إلى الآن- أن يكون واردًا بالنظر إلى سياسة إيران القمعية من جهة، ورغبتها في عدم خسارة موقع المحافظة الاستراتيجي المتاخم للأردن والأراضي الفلسطينية من جهة أخرى.
أما الثاني هو استمرار حالة اللامبالاة والتهميش من قبل النظام، كونه عاجزًا عن تلبية مطالبهم وتحسين مستوى معيشتهم، وهذا يعتمد على استمرار سلمية الحراك أيضًا وعدم تحوله إلى صراع مسلح ضد قوات النظام.
في حين أن الطريق الثالث هو ما يتردد وبكثرة خلال الآونة الأخيرة، من إنشاء إقليم في الجنوب يضمّ المحافظة إلى جانب درعا والقنيطرة بدعم إقليمي، لا سيما بعد وصول اللاعبين الإقليميين إلى قناعة استحالة تعاون النظام فيما يتعلق بمكافحة تهريب المخدرات عبر الأردن إلى أسواق الخليج.
---------
نون بوست
إلى جانب ذلك، يبدو أن هناك استشعارًا من مؤسسة التشريع في الولايات المتحدة الأمريكية لأهمية الحراك ومطالبه السياسية ضد منظومة الأسد، في منطقة طالما ادّعى النظام أنها أقلية ومحمية منه، إضافة إلى كونها رسالة للأسد وإيران بأنهما المسؤولان عن مواجهة الحراك بالنار.
ورغم إعادة الإدارة الأمريكية تقييمها للأوضاع في سوريا مؤخرًا، من إصدار عدة قوانين تحاصر فيها نظام الأسد كقانون عقوبات قيصر ومكافحة الكبتاغون ومحاربة التطبيع، إلا أن ذلك لا يرقى إلى مصافّ مراجعة السياسة الأمريكية المتبعة منذ عام 2011، والتي تركز على محاربة تنظيم “داعش”، ومؤخرًا توجيه عدة ضربات للميليشيات الإيرانية فقط دون ضربات حاسمة تسقط النظام.
خطوة غير مجدية وإصرار على السلمية
يقلّل الناشط السياسي المقيم في السويداء، مروان حمزة، من أهمية اتصال السيناتور الأمريكي هيل، إذ إن الخطوة عديمة الجدوى، ولا يُبنى عليها أي تطور، حالها كحال زيارة السفير الأمريكي المظاهرة المليونية بحماة في يوليو/ تموز 2011، والتي كانت وبالًا على المظاهرات فيما بعد، مذكرًا بتهديدات الرئيس الأمريكي الأسبق أوباما المتكررة والتي لم تحرك ساكنًا خلال حرب النظام على السوريين، لا سيما بعد استخدامه السلاح الكيماوي، إذ لا يعوَّل على الموقف الأمريكي عمومًا، حسب حمزة.إلى جانب التفاعل الإيجابي الداخلي لحراك السويداء، لاقى الاحتجاج دعمًا من شيخ العقل لطائفة الموحدين الدروز في لبنان الشيخ سامي أبي المنى، إذ شدد أبي المنى خلال اتصاله بالهجري على “ضرورة إبقاء التحرك سلميًّا، ليكون نموذجًا أرقى في الوطنية وصون الكرامات والترفع عن الإساءات لما فيه خير الجبل والوطن”.
وقال أبي المنى: “نعتز في لبنان بإخواننا في السويداء ونحيي شجاعتهم ومواقفهم الوطنية الثابتة”، محذرًا من “محاولة إذلالهم وتخوينهم، وهم أبناء العروبة الأصيلون وأبناء سلطان باشا الأطرش المجاهدون والوطنيون بامتياز والعرب الأقحاح”.
لافتًا أن “المشايخ الأفاضل والأهالي عمومًا لا يقبلون احتلال بلدهم، مهما كان نوع هذا الاحتلال، ولا يرضون إطلاقًا تحويل السويداء إلى بؤرة فساد وخروج على القانون الأخلاقي والاجتماعي” .
الجهاد ضد إيران
“الميليشيات الإيرانية محتلة لأراضينا والجهاد ضدها واجب”، كلمات الهجري هذه كانت محطّ اهتمام كبير في الأوساط السورية المعارضة، ومثار استياء واسع من موالي النظام وحاضنته الشعبية، إذ شكّلت صفعة كبيرة للنظام، لا سيما أنها تعكس مدى رفض الطائفة الدرزية سياسة النظام المتبعة ضد الثورة السورية، إضافة إلى رفض الوجود الإيراني بالمجمل.وكان الهجري قد هدّد عبر كلمته التي ألقاها أمام جمع من أهالي السويداء، بعد حادثة إطلاق قوات النظام النار على المتظاهرين، من مضافته بدار الرئاسة الروحية ببلدة قنوات، أن “أي سلاح ضد الشعب السوري يجب اجتثاثه.. الطلقة ببيت النار وبدو يضل سلاحنا منضّف بس لوقت منطلب التدخل”.
ومما لا شك فيه، أن سياسة إيران الممنهجة بنشر التشيُّع على الجغرافية السورية والتي تستهدف كل الطوائف، تفرز خوفًا كبيرًا من امتدادها إلى السويداء ذات الأغلبية الدرزية، لا سيما أن إيران باتت اليوم صاحبة أكبر انتشار عسكري في سوريا.
فحسب الخريطة التحليلية التي نشرها مركز جسور للدراسات في يوليو/ تموز الفائت، تتمركز إيران في 570 موقعًا، 55 منها قواعد عسكرية، للسويداء نصيب بـ 15 نقطة، إضافة إلى 84 نقطة في جاراتَيها درعا والقنيطرة، تأخذ هذه النقاط والقواعد أحيانًا صفة مدنية، كغطاء لأعمالها الأمنية المتعلقة بالتجسُّس وجمع المعلومات عن المجتمع المحلي.
يشير الباحث في الشأن الإيراني، عمار جلو، أن دعوة الشيخ الهجري للجهاد ضد الإيرانيين تتضمن أبعادًا مذهبية وتاريخية وسياسية وبراغماتية ونفعية محلية، فبالنسبة إلى البُعد المذهبي التاريخي لا يجب إغفال الانشقاق الذي شهده المذهب الشيعي بعد وفاة الإمام السادس جعفر الصادق إلى إسماعيلية تتبع الإمام إسماعيل بن جعفر (رغم ثبوت وفاته ودفنه بيد والده الإمام جعفر لاحقًا حسب بعض الروايات التاريخية)، وهو من يتبع له الدروز أو الموحّدون، فيما يتبع الشيعة الإثنا عشرية للإمام موسى الكاظم.
ومن الجانب السياسي، تحتاج المحافظة في انتفاضتها إلى نصير إقليمي أو دولي، حسب جلو، وهو ما تحققه لها مقاومة الوجود الإيراني، الذي تشترك كل الدول الإقليمية أو الدولية على إخراجه من الساحة السورية أو تحجيم وجوده ونفوذه فيها.المجتمع الدرزي في سوريا أقل المجتمعات تأثرًا بعملية التشيُّع التي مارستها إيران في سوريا، إلا أن انفلات السلاح والمخدرات هو ما يهدد المجتمعات المحلية.
مضيفًا أن مناهضة السويداء للوجود الإيراني تحقق لها دعمًا سياسيًّا (أمريكيًّا – إسرائيليًّا – أردنيًّا – خليجيًّا – عربيًّا وحتى روسي)، بالإضافة إلى ما تحققه للمحافظة من تحييدها عن ضربات إسرائيلية محتملة ضد الوجود الإيراني، أو تحصين مجتمعها المحلي ضد الميليشيات والمخدرات وعصابات تهريب السلاح والمخدرات.
ومن خلال هذه الدعوة تعزز المحافظة من مكانتها في مكافحة النفوذ الإيراني وعمليات تهريب الأسلحة والكبتاغون اللصيقة لهذا الوجود، ما يقوي طلبها لدى الجانب الأردني بإمكانية فتح معبر ذيبين ليربط بين سوريا والأردن عبر السويداء.
وحري بنا التطرق إلى المقاطع المصورة التي انتشرت للرئيس الإيراني، إبراهيم رئيسي، خلال زيارته دمشق في مايو/ أيار الفائت ومرقد السيدة زينب، في ضاحية دمشق الجنوبية على الطريق السريع المؤدي إلى مطار دمشق الدولي، والطريق المؤدي إلى مدينة السويداء، إذ أظهرت المقاطع هناك أناشيد باللغة الفارسية وبكاء شديدًا من رئيسي، ما يعطي رسالة أن إيران ماضية ومهتمة بمشروعها التشييعي الذي يستهدف كل الطوائف السورية من دون استثناء، لا سيما أن خزائن مراكزها الثقافية والدينية مليئة بالأموال التي تستخدمها، مستغلة ما يعانيه المجتمع الدرزي من فقر مدقع وأوضاع متردية.
ورغم التغلغل الشيعي الناعم في السويداء، يرى جلو أن المجتمع الدرزي في سوريا أقل المجتمعات تأثرًا بعملية التشيُّع التي مارستها إيران في سوريا، إلا أن انفلات السلاح والمخدرات هو ما يهدد المجتمعات المحلية، فضلًا عن سعي إيران وبقوة لتأسيس وجود عسكري ميليشياوي قريبًا من “إسرائيل”، لتعزيز أوراق قوتها الإقليمية وأوراقها التفاوضية مع الغرب عمومًا وأمريكا خصوصًا.
خصوصية المجتمع الدرزي
تعدّ وحدة الصف في أوساط الدروز، سواء في سوريا ولبنان والجولان المحتل أو داخل فلسطين المحتلة، واحدة من مميزات هذه الأقلية الدينية، عدا عن استفادتها من سردية النظام بحماية الأقليات، وهو ما يجعل من الصعب بمكان وسم حراك المحافظة بالوسم المتطرف الذي طالما اعتمده النظام عبر إعلامه منذ اليوم الأول لاندلاع ثورة السوريين.هذا فضلًا عن اتخاذ المحافظة موقفًا شبه محايد من الثورة السورية والنظام على حد سواء، إذ اختارت سياسة النأي بالنفس وعدم مشاركة نظام الأسد بمجازره ضد السوريين، وهو ما رأته الأكثرية السنّية حيادًا إيجابيًّا، الأمر الذي جعل الأكثرية يميلون نوعًا ما إليها والعكس صحيح.
وبالرجوع إلى الوراء قليلًا، لا بدَّ من التأكيد على دور الأمير شكيب أرسلان المنتمي إلى المجتمع الدرزي، والذي كانت له جهود كبيرة لتوحيد المسلمين عندما أسّس جمعية الشعائر الإسلامية في برلين عام 1924، وكان الغرض منها تلافي أسباب الخلاف والشقاق التي قد تنجم عن اختلاف الأيديولوجيات السياسية بين الشعوب والدول المختلفة، ناهيك عن دوره الكبير خلال الحرب الأهلية اللبنانية عام 1860 في تحقيق الذوبان الاستراتيجي للدروز وسط المحيط الإسلامي والسوري الأوسع.
وعلى النقيض من التقارب بين الانسجام القديم المتجدد وأكثرية لا تزال تدعم حراك الأقلية، نلاحظ تشبُّع الذاكرة الدرزية بالخلافات التي حصلت في لبنان ووصلت إلى أعمال عنف ومعارك بينهم وبين الموارنة من جهة، أدّت إلى نزوح كثير منهم من لبنان إلى سوريا عام 1860 وخلال الحرب الأهلية (1975-1990)، وأيضًا بينهم وبين العلويين الموالين لنظام الحكم السوري من جهة أخرى.
حيث بلغ الخلاف مع العلويين أوجه عندما قتل الأسد الأب زعيمهم السابق في لبنان كمال جنبلاط، ولاحقًا اغتيال الأسد الابن الشيخ المعارض زعيم مجموعة رجال الكرامة أو مشايخ الكرامة، وحيد البلعوس، في سبتمبر/ أيلول 2015، فضلًا عن استياء النظام من رفض الطائفة إرسال أبنائها ضمن قوات الأسد وميليشياته لقتل السوريين الثائرين.
يؤكد الناشط مروان حمزة لـ”نون بوست” على أن حراك السويداء هو تتمة للثورة السورية 2011، فالسويداء لم تتوقف يومًا عن مشاركة باقي المحافظات في ثورتها، وقد عانت من الاعتقالات والإخفاءات القسرية وهجمات مدبَّرة من النظام عبر تنظيم “داعش” الذي استهدف الريف الشرقي دون أن يحرك النظام ساكنًا.
ناهيك عن تعمُّد النظام خلق فتنة ما بين الدروز والبدو أو الدروز مع سهل حوران عبر أداته أحمد العودة، والتي أدت إلى سقوط ضحايا جراء عدة اقتتالات، إضافة إلى رفض الطائفة إرسال 40 شابًّا إلى الخدمة العسكرية حتى لا يحملوا في عنقهم دم إخوانهم.
ينوّه حمزة بأن النظام لا يستطيع أن يشيطن حراك السويداء كما شيطن انتفاضة السوريين في عدة محافظات، لأن صورة الحراك واضحة في كونه حراكًا سلميًّا يشارك فيه الجميع بكل حضارة، والمطالب واضحة ومشروعة وهي مجتمع مدني وحرية وعدالة والإفراج عن المعتقلين وتطبيق القرار 2254.
احتمالات متوقعة
يمكن القول إن الأقاليم ضمن الجغرافيا السورية ستكون خلال الفترة القادمة حقيقة قائمة، في ظل عدم الرغبة بإيجاد حل جذري للمسألة السورية، فتركيا بحاجة الإقليم لإعادة اللاجئين ولإحكام قبضتها وتمددها على الحدود التي تعاني تشابكات عسكرية مع ميليشيات “قسد” المصنفة إرهابيًّا على اللائحة التركية، والأردن يحتاج الإقليم لإعادة اللاجئين وفرض منطقة تعزل شحنات الكبتاغون عن حدوده.كما أن روسيا لها إقليمها الساحلي وإيران إقليمها الوسطي، في حين أن أوروبا ضمنيًّا مع أي مشروع يمنع تدفق لاجئين إليها، وأخيرًا أمريكا والاحتلال الإسرائيلي ورغبتهما في تقليص نفوذ طهران في شمال شرق سوريا، وما يعنيه ذلك من ربط قاعدة التنف على المثلث الحدودي العراقي السوري الأردني بدير الزور وبمساحات واسعة من بادية الشام.
وبطبيعة الحال، باتت السويداء بما تحمله من خصوصية على مفترق 3 طرق، الأول يكمن في جعل إيران غارقة في حمّام دم، رغم ما يشكّله ذلك الحل من إرباك للنظام المختبئ خلف روايته المشروخة “حماية الأقليات”، وهذا الحل يمكن -رغم غياب بوادره إلى الآن- أن يكون واردًا بالنظر إلى سياسة إيران القمعية من جهة، ورغبتها في عدم خسارة موقع المحافظة الاستراتيجي المتاخم للأردن والأراضي الفلسطينية من جهة أخرى.
أما الثاني هو استمرار حالة اللامبالاة والتهميش من قبل النظام، كونه عاجزًا عن تلبية مطالبهم وتحسين مستوى معيشتهم، وهذا يعتمد على استمرار سلمية الحراك أيضًا وعدم تحوله إلى صراع مسلح ضد قوات النظام.
في حين أن الطريق الثالث هو ما يتردد وبكثرة خلال الآونة الأخيرة، من إنشاء إقليم في الجنوب يضمّ المحافظة إلى جانب درعا والقنيطرة بدعم إقليمي، لا سيما بعد وصول اللاعبين الإقليميين إلى قناعة استحالة تعاون النظام فيما يتعلق بمكافحة تهريب المخدرات عبر الأردن إلى أسواق الخليج.
---------
نون بوست