لا يصعب كشف الأسباب الذاتية أو الشخصية وراء التهجم على المعارضة السورية وإجازة هذا النوع من تحميلها المسؤولية المطلقة، ربما لتعويض حالة عجز عن المشاركة والتفاعل مع الثورة أو مع قوى المعارضة ذاتها، وربما كرفض طفولي ممن يدعي بأنه لا يجد في المعارضة الراهنة ما يطابق الصورة المثالية التي رسمها في ذهنه، وربما لأن هذا الأسلوب هو طريق سهل ومجرب للتهرب من النقد الموجه إلى الذات عبر الهجوم على الآخر بنقد أشد، واستخدام ما تيسر من إساءات للحط من مكانته وتحقير انتقاداته، وحينما تحضر الدوافع الذاتية تغلب نزعة المبالغة على طرائق السجال والنقد ويجرى دفع الأمور الى نهايتها القصوى، فتضخم الظواهر الخاطئة الصغيرة ويسارع الى تعميمها، ما يجعل المعارضة في حالتنا، العدو الرقم واحد الذي يجب أن توجه كل أنواع النيران إليه، ليفضي هذا السلوك، وبغض النظر عن النيات، الى إغفال الشروط الموضوعية التي تحكم حياة المعارضة السورية، وإلى تبرئة النظام من دوره الرئيس في ما وصلنا إليه، ما يضع أكثر من علامة استفهام عن دوافع هؤلاء النقاد والمتهجمين في جعل الضحية مكان الجاني وتجاهل تعقيدات الواقع الملموس للثورة السورية أو المسؤولية الرئيسة التي تقع على عاتق السلطة وارتكاباتها.
واستدراكاً علينا الاعتراف بأن ثمة شروطاً موضوعية تحكم مسار الثورة السورية وتطورها وهي بالضرورة تحكم أيضاً عمل المعارضة وترسم حدود مسؤوليتها، ومثل هذه الشروط لا يمكن بأي حال إغفالها أو تجاوزها اياً تكن الرغبات أو الحماسة والجاهزية الذاتية وحتى لو وجدت معارضة موحدة ومتراصة وقوية وواضحة المواقف والرؤى
فمن جهة، لا يمكن للمعارضة السورية أن تخرج «الزير من البير» كما يقول المثل الدارج في طلب دعم أممي لحماية المدنيين، فثمة هوامش موضوعية للدور الخارجي، عربياً كان أم دولياً، لا يمكن القفز فوقها، أياً تكن الرغبات وشدة الحرج الأخلاقي، ترسمها خصوصية الحالة السورية وتعقيداتها، وبعبارة أخرى فإن أشكال التدخل الخارجي في الأزمة السورية لا تقرره مواقف المعارضة، بل مشروط بلعبة الأمم والمصالح، التي تبدأ غربياً وعربياً بحسابات التكلفة وجدول الربح والخسارة من طابع التدخل في بلد يرتبط مصيره بمصير أهم الملفات الشائكة في المنطقة، وتالياً بحسابات الموقف الروسي ومطامحه وبردود أفعال القوى الداعمة للنظام، كإيران وحلفائها في العراق ولبنان، والأهم بحقيقة الموقف الإسرائيلي وتأثيره الكبير على مراكز صنع القرار في أوروبا وأميركا.
ومن جهة أخرى يبدو أن تأثير قوى المعارضة السورية على الحراك الثوري لا يزال محدوداً، جراء تباين الوعي واختلاف ظروف النشأة والتطور، وليست مصادفة أن لا تستطيع أية قوة سياسية معارضة أن تقرر مثلاً أسماء أيام الجمع أو أهم الشعارات التي ترفع في التظاهرات، ولا يغير من هذه الحقيقة انضمام بعض التنسيقيات إلى المجلس الوطني، إذ لا يزال الجسم الرئيس الفاعل من الحراك الشعبي خارج مظلة المعارضة السياسية، ونضيف هنا تقدم دور الجيش الوطني الحر ونجاحه في نيل ثقة الناس بما حققه من نتائج في حماية المتظاهرين ورد الأذى عنهم، ما جعل كلمته مسموعة ومقررة أحياناً، زاد الأمر تعقيداً الدور الذي تلعبه مصادر التمويل المادي من خارج قنوات المعارضة السياسية، وتأثيرها على بعض القطاعات الشعبية في المناطق المحتاجة والمنكوبة.
إشهار بعض الشروط الموضوعية التي تحيق بالمعارضة السورية لا يعفيها من المسؤولية الذاتية لجهة إلحاح تطوير أدائها وحضورها بالتناغم وطرداً مع التطور المتصاعد الذي تشهده الثورة السورية، وإذ تجاوزنا صرخاتها الصادقة التي تصدح في كل وادٍ طلباً لحماية المدنيين، ومحاولاتها الحثيثة لتشديد عزل النظام وأخيراً توظيف المبادرة العربية بما يخفف معاناة الحراك الثوري ويمكنه، فإن المسؤولية الأوضح التي تقع على عاتقها لتوفير هذه الحماية هو تعزيز دورها السياسي والإعلامي لإثارة أوجاع السوريين وما يكابدونه، ولزيادة حجم التعاطف الشعبي والإنساني معهم، ما يحرج السياسات الرسمية ويكرهها على البحث عن مخارج وحلول لوقف القمع والتنكيل.
ولعل وجه المسؤولية الأكبر هو الاستمرار في العمل على لملمة صفوفها أو على الأقل توحيد إيقاع ممارستها وخطابها السياسي وتصوراتها عن المرحلة الانتقالية التي تضع البلاد على سكة التغيير الديموقراطي، والأهم تضافر أدوارها ومساهمتها في الحفاظ على الوجه السلمي للثورة وإجهاض المحاولات المتكررة لتأجيج النزاعات الطائفية وجر البلاد نحو اقتتال أهلي، والمفتاح تعميق دعمها للحراك الشعبي وتواصلها معه لكسب ثقته، والمجالدة لإظهار نفسها كبديل يحترم التنوع والتعددية وأمين لثقافة الديموقراطية وقواعدها، والغرض إثارة المزيد من الاطمئنان حول مستقبل البلاد، مرة لكسب بعض المتخوفين في مراكز صنع القرار العربي أو الدولي، ومرة لجذب الفئات المترددة من المجتمع السوري التي لا تزال سلبية ومحجمة عن الانخراط في الثورة.
نعم تعاني المعارضة السورية من مثالب وأمراض بعضها قديم قدم نشأتها وبعضها حديث حداثة الدور الجديد الذي وقع على عاتقها، لكن مع تنامي الضغط الأخلاقي لحاجات الانتفاضة الشعبية وتضحياتها، ومع وجود قوى وشخصيات عركتها سنوات طويلة من مقارعة الاستبداد وانضمام الكثير من الكفاءات العلمية والسياسية إلى صفوفها، يبدو أن الوقت لن يطول حتى نقف أمام معارضة سياسية وقد نفضت الغبار عما يشوب دورها وآليات عملها من تشوهات وقادرة على مواجهة تحديات الراهن السوري ومستقبل تطوره الديموقراطي.
واستدراكاً علينا الاعتراف بأن ثمة شروطاً موضوعية تحكم مسار الثورة السورية وتطورها وهي بالضرورة تحكم أيضاً عمل المعارضة وترسم حدود مسؤوليتها، ومثل هذه الشروط لا يمكن بأي حال إغفالها أو تجاوزها اياً تكن الرغبات أو الحماسة والجاهزية الذاتية وحتى لو وجدت معارضة موحدة ومتراصة وقوية وواضحة المواقف والرؤى
فمن جهة، لا يمكن للمعارضة السورية أن تخرج «الزير من البير» كما يقول المثل الدارج في طلب دعم أممي لحماية المدنيين، فثمة هوامش موضوعية للدور الخارجي، عربياً كان أم دولياً، لا يمكن القفز فوقها، أياً تكن الرغبات وشدة الحرج الأخلاقي، ترسمها خصوصية الحالة السورية وتعقيداتها، وبعبارة أخرى فإن أشكال التدخل الخارجي في الأزمة السورية لا تقرره مواقف المعارضة، بل مشروط بلعبة الأمم والمصالح، التي تبدأ غربياً وعربياً بحسابات التكلفة وجدول الربح والخسارة من طابع التدخل في بلد يرتبط مصيره بمصير أهم الملفات الشائكة في المنطقة، وتالياً بحسابات الموقف الروسي ومطامحه وبردود أفعال القوى الداعمة للنظام، كإيران وحلفائها في العراق ولبنان، والأهم بحقيقة الموقف الإسرائيلي وتأثيره الكبير على مراكز صنع القرار في أوروبا وأميركا.
ومن جهة أخرى يبدو أن تأثير قوى المعارضة السورية على الحراك الثوري لا يزال محدوداً، جراء تباين الوعي واختلاف ظروف النشأة والتطور، وليست مصادفة أن لا تستطيع أية قوة سياسية معارضة أن تقرر مثلاً أسماء أيام الجمع أو أهم الشعارات التي ترفع في التظاهرات، ولا يغير من هذه الحقيقة انضمام بعض التنسيقيات إلى المجلس الوطني، إذ لا يزال الجسم الرئيس الفاعل من الحراك الشعبي خارج مظلة المعارضة السياسية، ونضيف هنا تقدم دور الجيش الوطني الحر ونجاحه في نيل ثقة الناس بما حققه من نتائج في حماية المتظاهرين ورد الأذى عنهم، ما جعل كلمته مسموعة ومقررة أحياناً، زاد الأمر تعقيداً الدور الذي تلعبه مصادر التمويل المادي من خارج قنوات المعارضة السياسية، وتأثيرها على بعض القطاعات الشعبية في المناطق المحتاجة والمنكوبة.
إشهار بعض الشروط الموضوعية التي تحيق بالمعارضة السورية لا يعفيها من المسؤولية الذاتية لجهة إلحاح تطوير أدائها وحضورها بالتناغم وطرداً مع التطور المتصاعد الذي تشهده الثورة السورية، وإذ تجاوزنا صرخاتها الصادقة التي تصدح في كل وادٍ طلباً لحماية المدنيين، ومحاولاتها الحثيثة لتشديد عزل النظام وأخيراً توظيف المبادرة العربية بما يخفف معاناة الحراك الثوري ويمكنه، فإن المسؤولية الأوضح التي تقع على عاتقها لتوفير هذه الحماية هو تعزيز دورها السياسي والإعلامي لإثارة أوجاع السوريين وما يكابدونه، ولزيادة حجم التعاطف الشعبي والإنساني معهم، ما يحرج السياسات الرسمية ويكرهها على البحث عن مخارج وحلول لوقف القمع والتنكيل.
ولعل وجه المسؤولية الأكبر هو الاستمرار في العمل على لملمة صفوفها أو على الأقل توحيد إيقاع ممارستها وخطابها السياسي وتصوراتها عن المرحلة الانتقالية التي تضع البلاد على سكة التغيير الديموقراطي، والأهم تضافر أدوارها ومساهمتها في الحفاظ على الوجه السلمي للثورة وإجهاض المحاولات المتكررة لتأجيج النزاعات الطائفية وجر البلاد نحو اقتتال أهلي، والمفتاح تعميق دعمها للحراك الشعبي وتواصلها معه لكسب ثقته، والمجالدة لإظهار نفسها كبديل يحترم التنوع والتعددية وأمين لثقافة الديموقراطية وقواعدها، والغرض إثارة المزيد من الاطمئنان حول مستقبل البلاد، مرة لكسب بعض المتخوفين في مراكز صنع القرار العربي أو الدولي، ومرة لجذب الفئات المترددة من المجتمع السوري التي لا تزال سلبية ومحجمة عن الانخراط في الثورة.
نعم تعاني المعارضة السورية من مثالب وأمراض بعضها قديم قدم نشأتها وبعضها حديث حداثة الدور الجديد الذي وقع على عاتقها، لكن مع تنامي الضغط الأخلاقي لحاجات الانتفاضة الشعبية وتضحياتها، ومع وجود قوى وشخصيات عركتها سنوات طويلة من مقارعة الاستبداد وانضمام الكثير من الكفاءات العلمية والسياسية إلى صفوفها، يبدو أن الوقت لن يطول حتى نقف أمام معارضة سياسية وقد نفضت الغبار عما يشوب دورها وآليات عملها من تشوهات وقادرة على مواجهة تحديات الراهن السوري ومستقبل تطوره الديموقراطي.