ما كان على الرئيس أوباما أن يستبعد لجوء بلاده إلى العمل العسكري ولا أن يقلل من شأن فرض الحظر الجوي الذي تطالب به المعارضة السورية ويطالب به بعض العرب، إنْ بشكل علني وبصراحة، وإنْ سرا في الاجتماعات المغلقة، وذلك من قبيل المناورة وعدم إعطاء بوتين انطباعا بأن الأميركيين غير جادين، وأنهم كالعادة يقولون ما لا يفعلون وأن عليه ما دام أن هذا هو الوضع أن يدفع بشار الأسد إلى المزيد من التصعيد وإلى مواصلة هجومه المعاكس لإحراز المزيد من الإخلال بموازين القوى على الأرض ليتمكن من فرض رأيه ورأي حلفائه الإيرانيين في حال انعقاد هذا المؤتمر الدولي «جنيف 2».
وهنا فإنه يبدو أن هناك ضرورة للعودة إلى الدوافع التي جعلت الأميركيين يستيقظون فجأة ويتخذون قرار تسليح المعارضة السورية، والجيش السوري الحر على وجه التحديد، هذا القرار الذي يبدو أنه، وفقا لما قاله باراك أوباما في تصريحاته العلنية على هامش اجتماعات مؤتمر بلفاست الأخير، لا يزال غير واضح وهو يعطي الانطباع بأن الأميركيين ما زالوا مترددين وأنهم رغم حديثهم عن التسلح والتسليح لا تزال عيونهم وربما قلوبهم أيضا تتجه نحو «جنيف 2»، ولا يزالون يراهنون على حل سياسي لهذه الأزمة التي تجاوزت مرحلة الحلول السياسية منذ فترة بعيدة.
أول هذه الدوافع التي أيقظت الأميركيين من سباتهم وجعلتهم يهرولون هرولة، بحجة تأكدهم من أن نظام بشار الأسد قد تجاوز الخطوط الحمر وأنه استخدم الأسلحة الكيماوية ضد الشعب السوري المنتفض ضده أكثر من مرة، لإعلان استعدادهم لتسليح المعارضة، الجيش السوري الحر على وجه التحديد، هو أن التدخل الإيراني في الشؤون السورية الداخلية قد أصبح سافرا وأنه بمشاركة ميليشيات حزب الله قد تحول إلى اجتياح عسكري كامل ليس لسوريا فقط بل للمنطقة كلها، وأنه سيترتب على هذا الاجتياح الذي يبدو أنه جاء مباغتا ومفاجئا لواشنطن معادلات شرق أوسطية جديدة غير تلك المعادلات التي بقيت صامدة ومستمرة منذ حرب عام 1973 العربية – الإسرائيلية.
أما ثاني هذه الدوافع فهي أن الروس بتماديهم في خوض معركة بشار الأسد ضد الشعب السوري بالأسلحة وبالصواريخ الاستراتيجية ومن بينها صواريخ (300S) وبالطائرات القاصفة والمقاتلة المتطورة وبالسياسة، وهذا هو أهم شيء، قد وجهوا إهانة ما بعدها إهانة للولايات المتحدة.. الدولة التي لا تزال تعتبر نفسها الأهم في الكرة الأرضية والقطب الأوحد في العالم بأسره.
وحقيقة أن ظهور وزير الخارجية الأميركي جون كيري أكثر من مرة أمام وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف بمظهر الضعيف أمام الأبواب الروسية قد هز صورة الولايات المتحدة أمام شعبها أولا وأمام حلفائها ثانيا وبخاصة «الحلفاء» الأوروبيين وأمام العالم كله، وأظهر هذه الدولة العملاقة التي أصبحت بعد انهيار الاتحاد السوفياتي في بدايات تسعينات القرن الماضي القطب الأوحد في الكرة الأرضية كلها وكأنها دولة قليلة الحيلة لا وزن لها إطلاقا في المعادلة الكونية.
كان منظر كيري وهو يقف إلى جانب لافروف وفي كل لقاءات وزير الخارجية الروسي بوزير خارجية الولايات المتحدة يبعث على الأسى والشفقة معا، وكانت الذروة عندما وافق ممثل القطب العالمي الأوحد والدولة الأعظم في العالم على كل إملاءات الروس لجهة عقد المؤتمر الدولي المقترح «جنيف 2» ومن بينها بقاء بشار الأسد في موقع الحكم رئيسا للجمهورية حتى نهاية ولايته الثانية في يوليو (تموز) عام 2014 وبقاء مسؤولية الجيش والأجهزة الأمنية والبنك المركزي في يده بعيدا عن صلاحيات الحكومة الانتقالية المفترض تشكيلها كمدخل سياسي وعسكري لحل الأزمة السورية.
ثم وإن مما زاد صورة الولايات المتحدة اهتزازا أمام الشعب الأميركي وأمام شعوب ودول العالم بأسره، هو أن باراك أوباما قد غاب خلال هذه الفترة عما يجري في الشرق الأوسط وأيضا في العالم غيابا كاملا وكأنه لم يعد لأميركا كل هذه المصالح الحيوية والاستراتيجية في هذه المنطقة الشرق أوسطية الملتهبة، وكأنه لا يعنيها وهي لا تزال تعتبر نفسها القطب الأوحد في الكرة الأرضية، أن تتمدد إيران في العراق وفي سوريا وفي لبنان واليمن والسودان ومصر وغزة كل هذا التمدد وأن تنهض روسيا من كبوتها على هذا النحو المفاجئ وتبدأ بفرض قراراتها على الأميركيين ليس بالنسبة لما يتعلق بالأزمة السورية وتداخلاتها وفقط بل أيضا لقضايا عالمية كثيرة إنْ في أفريقيا وأميركا اللاتينية وآسيا وإنْ حتى في بعض دول أوروبا الغربية وأوروبا الشرقية.
«من يهن يسهل الهوان عليه».. وهكذا وبعد طول انتظار وغياب فقد وجد الرئيس باراك أوباما أن عليه أن يسارع لتدارك الأمور، بعد ما أصبح حتى الأوروبيون الغربيون وحتى أصدقاء بلاده التاريخيون في العالم بأسره ينظرون إلى الولايات المتحدة كدولة بلا إرادة وبلا سياسة دولية وبلا مكانة عالمية، وإن عليه أن يتحرك قبل فوات الأوان وعلى أساس «أن تأتي متأخرا خير من ألا تأتي أبدا»، ولذلك فقد جاء قرار تسليح المعارضة السورية الذي لا يزال غير واضح والذي زاده غموضا أن الرئيس الأميركي لم يعتصم بفضيلة الصمت في قمة بلفاست ولو من قبيل المناورة وأنه استبعد في بعض التصريحات التي أطلقها على هامش هذه القمة أي عمل عسكري ضد نظام بشار الأسد، وأنه أيضا قلل من أهمية فرض أي حظر جوي إنْ فوق سوريا كلها وإنْ فوق بعض مناطقها الحدودية.
لقد كان بإمكان الولايات المتحدة تبني هذا الموقف إذا كان هدفها من خطوة تسليح المعارضة السورية هو مجرد الضغط على الروس والإيرانيين وعلى نظام بشار الأسد أيضا لتقديم تنازلات فعلية في مؤتمر «جنيف 2» في حال انعقاده. لكن هذا لم يحصل لأن باراك أوباما قد بادر في إيضاحاته - غير الضرورية ولو من قبيل المناورة - الى استبعاد قيام بلده وحلفائها بأي عمل عسكري ضد النظام السوري وقلل فيها أيضا من أهمية فرض حظر جوي، إنْ فوق سوريا كلها، وإنْ فوق حدودها مع الأردن وتركيا.
لكن ورغم ذلك فإن كل هذا التحشيد الجدي الذي قامت وتقوم به المملكة العربية السعودية والذي أدى ويؤدي إلى تزايد التحضيرات العسكرية الأميركية وغير الأميركية وبخاصة في مناطق التماس الأردنية - السورية يعزز الاعتقاد بأن صقور الولايات المتحدة، وقد وصلت الأمور في الشرق الأوسط إلى ما وصلت إليه وقد تمادى الروس والإيرانيون أكثر من اللزوم، سيتغلبون على حمائم الإدارة الأميركية وأنهم سيحولون قرار تسليح المعارضة من مجرد إجراء لرفع العتب إلى أفعال جدية ستتجسد وقريبا إلى اختلال كبير في المعادلة على الأرض لمصلحة الجيش الحر ومصلحة هذه المعارضة.
إن كثافة الوجود العسكري الأميركي في المنطقة، والتغيير الذي طرأ أخيرا على موقف الأردن بالنسبة للمشاركة في أي معالجة جراحية للأزمة السورية يعطيان الانطباع، ورغم كل ما جاء في تصريحات باراك أوباما في قمة بلفاست وعلى هامشها، بأن الأميركيين قد حسموا أمرهم بضرورة تغيير نظام بشار الأسد ودعم المعارضة السورية بكل ما تحتاجه من أسلحة فتاكة لضمان الفوز في هذه المواجهة الذي هو في حقيقة الأمر فوز على الإيرانيين وحزب الله وعلى الروس أكثر مما هو فوز على هذه الطغمة الطائفية الحاكمة
---------------------
الشرق الاوسط
وهنا فإنه يبدو أن هناك ضرورة للعودة إلى الدوافع التي جعلت الأميركيين يستيقظون فجأة ويتخذون قرار تسليح المعارضة السورية، والجيش السوري الحر على وجه التحديد، هذا القرار الذي يبدو أنه، وفقا لما قاله باراك أوباما في تصريحاته العلنية على هامش اجتماعات مؤتمر بلفاست الأخير، لا يزال غير واضح وهو يعطي الانطباع بأن الأميركيين ما زالوا مترددين وأنهم رغم حديثهم عن التسلح والتسليح لا تزال عيونهم وربما قلوبهم أيضا تتجه نحو «جنيف 2»، ولا يزالون يراهنون على حل سياسي لهذه الأزمة التي تجاوزت مرحلة الحلول السياسية منذ فترة بعيدة.
أول هذه الدوافع التي أيقظت الأميركيين من سباتهم وجعلتهم يهرولون هرولة، بحجة تأكدهم من أن نظام بشار الأسد قد تجاوز الخطوط الحمر وأنه استخدم الأسلحة الكيماوية ضد الشعب السوري المنتفض ضده أكثر من مرة، لإعلان استعدادهم لتسليح المعارضة، الجيش السوري الحر على وجه التحديد، هو أن التدخل الإيراني في الشؤون السورية الداخلية قد أصبح سافرا وأنه بمشاركة ميليشيات حزب الله قد تحول إلى اجتياح عسكري كامل ليس لسوريا فقط بل للمنطقة كلها، وأنه سيترتب على هذا الاجتياح الذي يبدو أنه جاء مباغتا ومفاجئا لواشنطن معادلات شرق أوسطية جديدة غير تلك المعادلات التي بقيت صامدة ومستمرة منذ حرب عام 1973 العربية – الإسرائيلية.
أما ثاني هذه الدوافع فهي أن الروس بتماديهم في خوض معركة بشار الأسد ضد الشعب السوري بالأسلحة وبالصواريخ الاستراتيجية ومن بينها صواريخ (300S) وبالطائرات القاصفة والمقاتلة المتطورة وبالسياسة، وهذا هو أهم شيء، قد وجهوا إهانة ما بعدها إهانة للولايات المتحدة.. الدولة التي لا تزال تعتبر نفسها الأهم في الكرة الأرضية والقطب الأوحد في العالم بأسره.
وحقيقة أن ظهور وزير الخارجية الأميركي جون كيري أكثر من مرة أمام وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف بمظهر الضعيف أمام الأبواب الروسية قد هز صورة الولايات المتحدة أمام شعبها أولا وأمام حلفائها ثانيا وبخاصة «الحلفاء» الأوروبيين وأمام العالم كله، وأظهر هذه الدولة العملاقة التي أصبحت بعد انهيار الاتحاد السوفياتي في بدايات تسعينات القرن الماضي القطب الأوحد في الكرة الأرضية كلها وكأنها دولة قليلة الحيلة لا وزن لها إطلاقا في المعادلة الكونية.
كان منظر كيري وهو يقف إلى جانب لافروف وفي كل لقاءات وزير الخارجية الروسي بوزير خارجية الولايات المتحدة يبعث على الأسى والشفقة معا، وكانت الذروة عندما وافق ممثل القطب العالمي الأوحد والدولة الأعظم في العالم على كل إملاءات الروس لجهة عقد المؤتمر الدولي المقترح «جنيف 2» ومن بينها بقاء بشار الأسد في موقع الحكم رئيسا للجمهورية حتى نهاية ولايته الثانية في يوليو (تموز) عام 2014 وبقاء مسؤولية الجيش والأجهزة الأمنية والبنك المركزي في يده بعيدا عن صلاحيات الحكومة الانتقالية المفترض تشكيلها كمدخل سياسي وعسكري لحل الأزمة السورية.
ثم وإن مما زاد صورة الولايات المتحدة اهتزازا أمام الشعب الأميركي وأمام شعوب ودول العالم بأسره، هو أن باراك أوباما قد غاب خلال هذه الفترة عما يجري في الشرق الأوسط وأيضا في العالم غيابا كاملا وكأنه لم يعد لأميركا كل هذه المصالح الحيوية والاستراتيجية في هذه المنطقة الشرق أوسطية الملتهبة، وكأنه لا يعنيها وهي لا تزال تعتبر نفسها القطب الأوحد في الكرة الأرضية، أن تتمدد إيران في العراق وفي سوريا وفي لبنان واليمن والسودان ومصر وغزة كل هذا التمدد وأن تنهض روسيا من كبوتها على هذا النحو المفاجئ وتبدأ بفرض قراراتها على الأميركيين ليس بالنسبة لما يتعلق بالأزمة السورية وتداخلاتها وفقط بل أيضا لقضايا عالمية كثيرة إنْ في أفريقيا وأميركا اللاتينية وآسيا وإنْ حتى في بعض دول أوروبا الغربية وأوروبا الشرقية.
«من يهن يسهل الهوان عليه».. وهكذا وبعد طول انتظار وغياب فقد وجد الرئيس باراك أوباما أن عليه أن يسارع لتدارك الأمور، بعد ما أصبح حتى الأوروبيون الغربيون وحتى أصدقاء بلاده التاريخيون في العالم بأسره ينظرون إلى الولايات المتحدة كدولة بلا إرادة وبلا سياسة دولية وبلا مكانة عالمية، وإن عليه أن يتحرك قبل فوات الأوان وعلى أساس «أن تأتي متأخرا خير من ألا تأتي أبدا»، ولذلك فقد جاء قرار تسليح المعارضة السورية الذي لا يزال غير واضح والذي زاده غموضا أن الرئيس الأميركي لم يعتصم بفضيلة الصمت في قمة بلفاست ولو من قبيل المناورة وأنه استبعد في بعض التصريحات التي أطلقها على هامش هذه القمة أي عمل عسكري ضد نظام بشار الأسد، وأنه أيضا قلل من أهمية فرض أي حظر جوي إنْ فوق سوريا كلها وإنْ فوق بعض مناطقها الحدودية.
لقد كان بإمكان الولايات المتحدة تبني هذا الموقف إذا كان هدفها من خطوة تسليح المعارضة السورية هو مجرد الضغط على الروس والإيرانيين وعلى نظام بشار الأسد أيضا لتقديم تنازلات فعلية في مؤتمر «جنيف 2» في حال انعقاده. لكن هذا لم يحصل لأن باراك أوباما قد بادر في إيضاحاته - غير الضرورية ولو من قبيل المناورة - الى استبعاد قيام بلده وحلفائها بأي عمل عسكري ضد النظام السوري وقلل فيها أيضا من أهمية فرض حظر جوي، إنْ فوق سوريا كلها، وإنْ فوق حدودها مع الأردن وتركيا.
لكن ورغم ذلك فإن كل هذا التحشيد الجدي الذي قامت وتقوم به المملكة العربية السعودية والذي أدى ويؤدي إلى تزايد التحضيرات العسكرية الأميركية وغير الأميركية وبخاصة في مناطق التماس الأردنية - السورية يعزز الاعتقاد بأن صقور الولايات المتحدة، وقد وصلت الأمور في الشرق الأوسط إلى ما وصلت إليه وقد تمادى الروس والإيرانيون أكثر من اللزوم، سيتغلبون على حمائم الإدارة الأميركية وأنهم سيحولون قرار تسليح المعارضة من مجرد إجراء لرفع العتب إلى أفعال جدية ستتجسد وقريبا إلى اختلال كبير في المعادلة على الأرض لمصلحة الجيش الحر ومصلحة هذه المعارضة.
إن كثافة الوجود العسكري الأميركي في المنطقة، والتغيير الذي طرأ أخيرا على موقف الأردن بالنسبة للمشاركة في أي معالجة جراحية للأزمة السورية يعطيان الانطباع، ورغم كل ما جاء في تصريحات باراك أوباما في قمة بلفاست وعلى هامشها، بأن الأميركيين قد حسموا أمرهم بضرورة تغيير نظام بشار الأسد ودعم المعارضة السورية بكل ما تحتاجه من أسلحة فتاكة لضمان الفوز في هذه المواجهة الذي هو في حقيقة الأمر فوز على الإيرانيين وحزب الله وعلى الروس أكثر مما هو فوز على هذه الطغمة الطائفية الحاكمة
---------------------
الشرق الاوسط