هؤلاء المواطنون يدركون أن الشاب تحرش بالفتاة، وهم لا شك لديهم بنات وأخوات لا يقبلون أن يتحرش بهن أحد. لكنهم جميعاً يعتقدون أن الأمر لا يستدعي تحريك دعوى قضائية ضد المتحرش، بل إنهم يعتبرون الحفاظ على مستقبل الشاب أهم بكثير من عقابه على الجريمة التي ارتكبها. لو كان هذا الشاب سارقاً أو قاتلا، هل كان المواطنون سيتسامحون معه بنفس القدر؟! لو كان هذا الشاب قبطياً أو بهائياً أو شيعياً وقال ما اعتبروه نقداً غير مقبول للإسلام هل كانوا سيتسامحون معه، أم أنهم كانوا سيوسعونه ضرباً ويصرون على محاكمته؟! الإجابة معروفة، والمصريون غالباً لا يتسامحون في أي نوع من الجرائم، ما عدا التحرش الجنسي. إنهم يتسامحون مع المتحرش ويعتبرونه «عيّل وغلط» ويقولون «حصل خير» و«الموضوع مش مستاهل».
تسامح المصريين مع التحرش الجنسي لا يرجع الى طيبة القلب وإنما يرتبط بنظرتهم للمرأة.. نقول إن المرأة نصف المجتمع وإنها الأخت والإبنة والزوجة... الى آخر هذه الصياغات المستهلكة التي نكررها ليل نهار، لكننا في الواقع قلما نحترم المرأة فعلا. المواطنون الذين طالبوا الفتاة بالتسامح مع المتحرش لا يعتبرون التحرش جريمة حقيقية. كل ما فعله الشاب ـ في نظرهم ـ أنه لمس جسد امرأة. إنهم لا ينظرون الى الفتاة باعتبارها إنسانة أهينت مشاعرها وأهدرت كرامتها عندما تم التحرش بها. إنها في نظرهم جسد تم الاحتكاك به من فوق الثياب مرة أو مرتين وانتهى الأمر، وما دامت البنت تحتفظ بغشاء البكارة فهي بخير، لأن الرجل الذي سيتزوجها سيضمن أن أحداً لم يستعملها جنسياً قبله.
إن التحرش الجنسي هو التطبيق العملي لاحتقارنا للمرأة. نحن لم نعد نحترم المرأة في مصر، وأقول لم نعد نحترمها، لأن المرأة في مصر شهدت ثقافة احترام حقيقية على مدى عقود. المرأة المصرية كانت رائدة في التعليم والعمل والعمل العام حتى تسربت الى مصر القراءة الوهابية للإسلام (المدعومة بأموال النفط) التي تختصر المرأة في وظائف جسدها، ونشأت أجيال من المصريين لا يرون في المرأة إلا أداة للمتعة يجب تغطيتها وفصلها عن الرجال حتى لا يقع أحد في غوايتها. ونحن نرى الآن مشايخ السلفيين الوهابيين وهم يرفضون تحديد سن الزواج للمرأة في الدستور لأنهم يعتبرون أن من حق الرجل أن يتزوج بالمرأة حتى لو كانت طفلة في العاشرة، ما دامت تطيق المعاشرة، كما قال أحد شيوخهم. هؤلاء لا يفكرون ان الزواج يحتاج الى نضج ذهني ونفسي لا يمكن أن يتوفر في طفلة حتى ولو بلغت جسدياً.. المرأة بالنسبة اليهم ماكينة لذة من حق الرجل أن يستعملها ما دامت لن تتلف أو تتعطل.
إنني أسأل القراء الرجال: عندما ترى امرأة لأول مرة ماذا يثير انتباهك أكثر ذكاؤها وتعليمها.. أم صدرها وسيقانها؟! الإجابة معروفة. لقد تم نزع الطابع الإنساني عن المرأة وهذا هو السبب الأساسي في انتشار ظاهرة التحرش في مصر. خلال الأعياد تظهر جماعات من الشبان، يجوبون الشوارع كالحيوانات الهائجة ليتحرشوا بأي امرأة يصادفونها.. وفقاَ لدراسة أجراها المركز المصري لحقوق المرأة في العام 2008 وشملت 1010 نساء، تبين أن 98 في المئة من النساء الأجنبيات و83 في المئة من المصريات تعرضن للتحرش الجنسي. هذه الظاهرة الهمجية غريبة تماماً عن المجتمع المصري، وعادة ما يحاول البعض تفسيرها بحجج غير مقنعة.
يقولون مثلا إن التحرش يحدث نتيجة لارتداء النساء ملابس مثيرة. هذا المنطق العجيب يلوم الضحية ويعتبر الجاني مضطراً لارتكاب الجريمة. إن ارتداء المرأة ملابس تكشف عن ذراعيها مثلاً لا يبرر إطلاقاً الاعتداء عليها ولا ينزع عنها الحق في المعاملة المحترمة، لأن الفرق بين الانسان والحيوان هو أن الانسان يستطيع السيطرة على شهواته، كما أن تبرير التحرش بارتداء أزياء مثيرة يقدم منطقاً يصلح لتبرير الجرائم جميعاً. بنفس المنطق لماذا نلوم من يسرق أموال الآخرين؟ إنه فقير لم يستطع مقاومة إغراء المال. ولماذا نلوم من يسرق سيارة فاخرة؟ إنه تمنى مثل هذه السيارة لكنه حرم من اقتنائها فلما رآها أمامه لم يستطع مقاومتها فسرقها.
مهما ارتدت المرأة من ملابس فإن التحرش بها جريمة همجية وضيعة. الغريب أن معظم النساء في مصر مسلمات محجبات فلا مجال للحديث أصلاً عن أزياء مثيرة. زي المرأة لا علاقة له إطلاقاً بانتشار التحرش وعلى من يجادل في ذلك أن يجيب على هذا السؤال:
خلال عقود من الزمن، وحتى السبعينيات من القرن الماضي، كانت النساء المصريات غير محجبات، ويرتدين ثياباً حديثة تكشف عن أجزاء من أجسادهن ويذهبن الى الشواطئ وينزلن البحر وقد ارتدين المايوه الذي يكشف عن سيقانهن، وبالرغم من ذلك لم يكن هناك تحرش... لماذا صرنا نتحرش بالمحجبات والمنقبات بينما لم نكن نتحرش بالنساء في السبعينيات وما قبلها، وهن يرتدين الفساتين القصيرة (الميني جيب)؟! الإجابة إننا كنا نحترم المرأة ونعتبرها إنساناً لا جسداً. كنا ننظر الى المرأة باعتبارها إنساناً، حدث أنه أنثى، كما أن الرجل انسان حدث أنه ذكر.. لا يمكن أن نحترم المرأة ونعتبرها كائناً له عقل وإدراك ومشاعر ثم نتحرش بها. من يتحرش بالمرأة يعتبرها جسداً يملكه الزوج أو الأب، وحيث أن المتحرش لا يستطيع أن يشتري جسداً بعقد زواج ليفرغ فيه شهوته فإنه بمجرد أن يجد فرصة للمس نساء الآخرين والإفلات من العقاب لن يتردد في التحرش بهن.
تفسير آخر شائع للتحرش هو أنه نتيجة اختلاط الرجل بالمرأة. هذا أيضاً غير صحيح... لقد عرف المجتمع المصري اختلاط الرجل بالمرأة على مدى سنوات طويلة ولم يكن هناك تحرش. ان المجتمعات المغلقة التي تمنع النساء من الاختلاط بالرجال، تزيد فيها نسبة التحرش عن المجتمعات المختلطة.. عندما يمنع المجتمع الرجل عن رؤية النساء والتعامل معهن في المدرسة والجامعة والعمل، فعادة ما ينشأ الرجل جاهلاً بالطريقة الصحيحة لمعاملة المرأة، لأنه لم يتعود أن يراها زميلة له يحترمها وإنما تتحول المرأة في نظره الى أداة متعة محجوبة عنه، ومن هنا غالباً ما يتحرش بها ليقتنص المتعة في أول فرصة.. نراجع هنا إحصائية أشرفت عليها وكالة الأنباء العالمية «رويترز» فنجد أن السعودية تحتل المركز الثالث من بين 24 دولة في قضايا التحرش الجنسي في مواقع العمل. وقد بينت الدراسة التي شملت 12 ألف امرأة من دول مختلفة أن 16 في المئة من النساء العاملات في السعودية يتعرضن للتحرش الجنسي من قبل المسؤولين في العمل. وهكذا تكشف الدراسة أن نسبة التحرش في السعودية (16%) أعلى بكثير من الولايات المتحدة حيث كانت النسبة (8%) وأعلى من أسبانيا (6 %) وألمانيا (5 %) وبريطانيا (4%)، بينما تأتي فرنسا والسويد في ذيل القائمة حيث لا تزيد نسبة التحرش بالنساء في العمل عن (3 %).
وهكذا يتأكد لنا أن المجتمعات المنفتحة تشهد تحرشاً أقل بكثير من المجتمعات المغلقة.
بالطبع سيثور أتباع الاسلام السياسي ويتساءلون مستنكرين:
ـ كيف تكون الدول الغربية التي تسمح بالعلاقات الجنسية خارج الزواج أقل في التحرش من مجتمعاتنا الاسلامية حيث الناس متدينون بطبيعتهم؟ الإجابة، أن التسامح مع العلاقات خارج الزواج، لا يعني إطلاقاً التسامح مع التحرش والجرائم الجنسية.. المجتمع الغربي يعطي كل انسان رجلا أو امرأة الحق في أن يمارس الجنس متزوجاً كان أو غير متزوج، وهو يعتبر أن العلاقات الجنسية من شؤون الحياة الخاصة لا يجوز محاسبة الناس عليها أو تقييمهم على أساسها. المجتمع هناك يقيم المرء بعمله وتعامله مع الآخرين ويترك له حياته الخاصة ملكاً له وحده.
أما حكاية أننا في مصر شعب متدين بطبيعته فعلينا أن نعيد النظر فيها، كيف تتعرض 83 في المئة من النساء في مصر للتحرش ثم نزعم بعد ذلك أننا شعب متدين؟ نحن من أكثر الشعوب حرصاً على مظاهر التدين ومن أقلهم عملا بمبادئ الدين.. كان المصريون قبل التأثير الوهابي أقل اهتماماً بمظاهر الدين وأكثر عملا بمبادئه، أما الآن فنحن قد أخذنا من الدين الشكل والإجراءات وتركنا جوهر الدين.. مصريون كثيرون يحرصون على الصلاة والصيام والحج ويؤدون العمرة، لكنهم في المعاملات المالية لا يتصفون بالأمانة وهم يكذبون وينافقون رؤساءهم في العمل، ويسكتون عن الحق ويفعلون كل ما يحقق مصالحهم، بغض النظر عن مدى مشروعيته الاخلاقية.
التحرش الجنسي أحد أعراض مرض ثقافي أصاب المجتمع المصري هو احتقار المرأة. هو اعتبار المرأة أنثى أولاً وقبل أي شيء آخر. هو اختصار المرأة في جسدها وعدم الاهتمام بمشاعرها وعقلها وكفاءتها كإنسان. هو اعتبار المرأة وسيلة متعة، للرجل أن يحصل عليها بعقد الزواج أو يختلس متعته منها في الاماكن المزدحمة. المدهش أنه خلال الثورة المصرية عادت لنا نظرتنا المتحضرة للمرأة. ملايين النساء اشتركن في الثورة وعلى مدة ثلاثة أسابيع لم يشهد ميدان التحرير أو ميادين الثورة في المحافظات حادثة تحرش واحدة، وكأن مصر عندما حين ثارت عادت اليها تلقائياً كل صفاتها الحضارية .. لا يمكن أن نمنع التحرش الجنسي الا اذا استعدنا احـترامنا للمرأة. إلا لو رأيناها إنساناً مساوياً للرجل في الامكانات والحقوق والأحاسيس والكرامة. عندئذ فقط لن نتربص بجسد المرأة ولن نحملق في سيقانها وانما سنكتشف ما هو أهم بكثير: إنها إنسانة.
تسامح المصريين مع التحرش الجنسي لا يرجع الى طيبة القلب وإنما يرتبط بنظرتهم للمرأة.. نقول إن المرأة نصف المجتمع وإنها الأخت والإبنة والزوجة... الى آخر هذه الصياغات المستهلكة التي نكررها ليل نهار، لكننا في الواقع قلما نحترم المرأة فعلا. المواطنون الذين طالبوا الفتاة بالتسامح مع المتحرش لا يعتبرون التحرش جريمة حقيقية. كل ما فعله الشاب ـ في نظرهم ـ أنه لمس جسد امرأة. إنهم لا ينظرون الى الفتاة باعتبارها إنسانة أهينت مشاعرها وأهدرت كرامتها عندما تم التحرش بها. إنها في نظرهم جسد تم الاحتكاك به من فوق الثياب مرة أو مرتين وانتهى الأمر، وما دامت البنت تحتفظ بغشاء البكارة فهي بخير، لأن الرجل الذي سيتزوجها سيضمن أن أحداً لم يستعملها جنسياً قبله.
إن التحرش الجنسي هو التطبيق العملي لاحتقارنا للمرأة. نحن لم نعد نحترم المرأة في مصر، وأقول لم نعد نحترمها، لأن المرأة في مصر شهدت ثقافة احترام حقيقية على مدى عقود. المرأة المصرية كانت رائدة في التعليم والعمل والعمل العام حتى تسربت الى مصر القراءة الوهابية للإسلام (المدعومة بأموال النفط) التي تختصر المرأة في وظائف جسدها، ونشأت أجيال من المصريين لا يرون في المرأة إلا أداة للمتعة يجب تغطيتها وفصلها عن الرجال حتى لا يقع أحد في غوايتها. ونحن نرى الآن مشايخ السلفيين الوهابيين وهم يرفضون تحديد سن الزواج للمرأة في الدستور لأنهم يعتبرون أن من حق الرجل أن يتزوج بالمرأة حتى لو كانت طفلة في العاشرة، ما دامت تطيق المعاشرة، كما قال أحد شيوخهم. هؤلاء لا يفكرون ان الزواج يحتاج الى نضج ذهني ونفسي لا يمكن أن يتوفر في طفلة حتى ولو بلغت جسدياً.. المرأة بالنسبة اليهم ماكينة لذة من حق الرجل أن يستعملها ما دامت لن تتلف أو تتعطل.
إنني أسأل القراء الرجال: عندما ترى امرأة لأول مرة ماذا يثير انتباهك أكثر ذكاؤها وتعليمها.. أم صدرها وسيقانها؟! الإجابة معروفة. لقد تم نزع الطابع الإنساني عن المرأة وهذا هو السبب الأساسي في انتشار ظاهرة التحرش في مصر. خلال الأعياد تظهر جماعات من الشبان، يجوبون الشوارع كالحيوانات الهائجة ليتحرشوا بأي امرأة يصادفونها.. وفقاَ لدراسة أجراها المركز المصري لحقوق المرأة في العام 2008 وشملت 1010 نساء، تبين أن 98 في المئة من النساء الأجنبيات و83 في المئة من المصريات تعرضن للتحرش الجنسي. هذه الظاهرة الهمجية غريبة تماماً عن المجتمع المصري، وعادة ما يحاول البعض تفسيرها بحجج غير مقنعة.
يقولون مثلا إن التحرش يحدث نتيجة لارتداء النساء ملابس مثيرة. هذا المنطق العجيب يلوم الضحية ويعتبر الجاني مضطراً لارتكاب الجريمة. إن ارتداء المرأة ملابس تكشف عن ذراعيها مثلاً لا يبرر إطلاقاً الاعتداء عليها ولا ينزع عنها الحق في المعاملة المحترمة، لأن الفرق بين الانسان والحيوان هو أن الانسان يستطيع السيطرة على شهواته، كما أن تبرير التحرش بارتداء أزياء مثيرة يقدم منطقاً يصلح لتبرير الجرائم جميعاً. بنفس المنطق لماذا نلوم من يسرق أموال الآخرين؟ إنه فقير لم يستطع مقاومة إغراء المال. ولماذا نلوم من يسرق سيارة فاخرة؟ إنه تمنى مثل هذه السيارة لكنه حرم من اقتنائها فلما رآها أمامه لم يستطع مقاومتها فسرقها.
مهما ارتدت المرأة من ملابس فإن التحرش بها جريمة همجية وضيعة. الغريب أن معظم النساء في مصر مسلمات محجبات فلا مجال للحديث أصلاً عن أزياء مثيرة. زي المرأة لا علاقة له إطلاقاً بانتشار التحرش وعلى من يجادل في ذلك أن يجيب على هذا السؤال:
خلال عقود من الزمن، وحتى السبعينيات من القرن الماضي، كانت النساء المصريات غير محجبات، ويرتدين ثياباً حديثة تكشف عن أجزاء من أجسادهن ويذهبن الى الشواطئ وينزلن البحر وقد ارتدين المايوه الذي يكشف عن سيقانهن، وبالرغم من ذلك لم يكن هناك تحرش... لماذا صرنا نتحرش بالمحجبات والمنقبات بينما لم نكن نتحرش بالنساء في السبعينيات وما قبلها، وهن يرتدين الفساتين القصيرة (الميني جيب)؟! الإجابة إننا كنا نحترم المرأة ونعتبرها إنساناً لا جسداً. كنا ننظر الى المرأة باعتبارها إنساناً، حدث أنه أنثى، كما أن الرجل انسان حدث أنه ذكر.. لا يمكن أن نحترم المرأة ونعتبرها كائناً له عقل وإدراك ومشاعر ثم نتحرش بها. من يتحرش بالمرأة يعتبرها جسداً يملكه الزوج أو الأب، وحيث أن المتحرش لا يستطيع أن يشتري جسداً بعقد زواج ليفرغ فيه شهوته فإنه بمجرد أن يجد فرصة للمس نساء الآخرين والإفلات من العقاب لن يتردد في التحرش بهن.
تفسير آخر شائع للتحرش هو أنه نتيجة اختلاط الرجل بالمرأة. هذا أيضاً غير صحيح... لقد عرف المجتمع المصري اختلاط الرجل بالمرأة على مدى سنوات طويلة ولم يكن هناك تحرش. ان المجتمعات المغلقة التي تمنع النساء من الاختلاط بالرجال، تزيد فيها نسبة التحرش عن المجتمعات المختلطة.. عندما يمنع المجتمع الرجل عن رؤية النساء والتعامل معهن في المدرسة والجامعة والعمل، فعادة ما ينشأ الرجل جاهلاً بالطريقة الصحيحة لمعاملة المرأة، لأنه لم يتعود أن يراها زميلة له يحترمها وإنما تتحول المرأة في نظره الى أداة متعة محجوبة عنه، ومن هنا غالباً ما يتحرش بها ليقتنص المتعة في أول فرصة.. نراجع هنا إحصائية أشرفت عليها وكالة الأنباء العالمية «رويترز» فنجد أن السعودية تحتل المركز الثالث من بين 24 دولة في قضايا التحرش الجنسي في مواقع العمل. وقد بينت الدراسة التي شملت 12 ألف امرأة من دول مختلفة أن 16 في المئة من النساء العاملات في السعودية يتعرضن للتحرش الجنسي من قبل المسؤولين في العمل. وهكذا تكشف الدراسة أن نسبة التحرش في السعودية (16%) أعلى بكثير من الولايات المتحدة حيث كانت النسبة (8%) وأعلى من أسبانيا (6 %) وألمانيا (5 %) وبريطانيا (4%)، بينما تأتي فرنسا والسويد في ذيل القائمة حيث لا تزيد نسبة التحرش بالنساء في العمل عن (3 %).
وهكذا يتأكد لنا أن المجتمعات المنفتحة تشهد تحرشاً أقل بكثير من المجتمعات المغلقة.
بالطبع سيثور أتباع الاسلام السياسي ويتساءلون مستنكرين:
ـ كيف تكون الدول الغربية التي تسمح بالعلاقات الجنسية خارج الزواج أقل في التحرش من مجتمعاتنا الاسلامية حيث الناس متدينون بطبيعتهم؟ الإجابة، أن التسامح مع العلاقات خارج الزواج، لا يعني إطلاقاً التسامح مع التحرش والجرائم الجنسية.. المجتمع الغربي يعطي كل انسان رجلا أو امرأة الحق في أن يمارس الجنس متزوجاً كان أو غير متزوج، وهو يعتبر أن العلاقات الجنسية من شؤون الحياة الخاصة لا يجوز محاسبة الناس عليها أو تقييمهم على أساسها. المجتمع هناك يقيم المرء بعمله وتعامله مع الآخرين ويترك له حياته الخاصة ملكاً له وحده.
أما حكاية أننا في مصر شعب متدين بطبيعته فعلينا أن نعيد النظر فيها، كيف تتعرض 83 في المئة من النساء في مصر للتحرش ثم نزعم بعد ذلك أننا شعب متدين؟ نحن من أكثر الشعوب حرصاً على مظاهر التدين ومن أقلهم عملا بمبادئ الدين.. كان المصريون قبل التأثير الوهابي أقل اهتماماً بمظاهر الدين وأكثر عملا بمبادئه، أما الآن فنحن قد أخذنا من الدين الشكل والإجراءات وتركنا جوهر الدين.. مصريون كثيرون يحرصون على الصلاة والصيام والحج ويؤدون العمرة، لكنهم في المعاملات المالية لا يتصفون بالأمانة وهم يكذبون وينافقون رؤساءهم في العمل، ويسكتون عن الحق ويفعلون كل ما يحقق مصالحهم، بغض النظر عن مدى مشروعيته الاخلاقية.
التحرش الجنسي أحد أعراض مرض ثقافي أصاب المجتمع المصري هو احتقار المرأة. هو اعتبار المرأة أنثى أولاً وقبل أي شيء آخر. هو اختصار المرأة في جسدها وعدم الاهتمام بمشاعرها وعقلها وكفاءتها كإنسان. هو اعتبار المرأة وسيلة متعة، للرجل أن يحصل عليها بعقد الزواج أو يختلس متعته منها في الاماكن المزدحمة. المدهش أنه خلال الثورة المصرية عادت لنا نظرتنا المتحضرة للمرأة. ملايين النساء اشتركن في الثورة وعلى مدة ثلاثة أسابيع لم يشهد ميدان التحرير أو ميادين الثورة في المحافظات حادثة تحرش واحدة، وكأن مصر عندما حين ثارت عادت اليها تلقائياً كل صفاتها الحضارية .. لا يمكن أن نمنع التحرش الجنسي الا اذا استعدنا احـترامنا للمرأة. إلا لو رأيناها إنساناً مساوياً للرجل في الامكانات والحقوق والأحاسيس والكرامة. عندئذ فقط لن نتربص بجسد المرأة ولن نحملق في سيقانها وانما سنكتشف ما هو أهم بكثير: إنها إنسانة.