نظرا للصعوبات الاقتصادية التي رافقت الجائحة وأعقبتها اضطررنا لإيقاف أقسام اللغات الأجنبية على أمل ان تعود لاحقا بعد ان تتغير الظروف

الهدهد: صحيفة اليكترونية عربية بخمس لغات عالمية
الهدهد: صحيفة اليكترونية عربية بأربع لغات عالمية
Rss
Facebook
Twitter
App Store
Mobile



عيون المقالات

الفرصة التي صنعناها في بروكسل

26/11/2024 - موفق نيربية

المهمة الفاشلة لهوكستين

23/11/2024 - حازم الأمين

العالم والشرق الأوسط بعد فوز ترامب

17/11/2024 - العميد الركن مصطفى الشيخ

إنّه سلام ما بعده سلام!

17/11/2024 - سمير التقي

( ألم يحنِ الوقتُ لنفهم الدرس؟ )

13/11/2024 - عبد الباسط سيدا*

طرابلس "المضطهدة" بين زمنين

13/11/2024 - د.محيي الدين اللاذقاني


ثلاثية تليق ببيان الرباعية





ليست الغاية من تناول بيان سياسي لجهات هشة، بعضها خلبي، هي تناول الجهات ذاتها، فهي غير مهمة، بل هي محاولة لإيضاح الحقائق التي يسعى لطمسها مثل هذا البيان، خاصة في ظل تعقد المشهد السوري واختلاط الأوراق، وما يحمله ذلك من تأثير سلبي على وضوح الرؤية لدى الكثير من السوريين.


 
في الحقيقة، لست من مؤيدي السباب والشتم في الممارسة السياسية، وقد حاولت أن أكون لبقاً، قدر الإمكان، عندما قرأت بيان الرباعية أو الجهات السياسية الأربع (جبهة التغيير والتحرير، مجلس الحكماء، ائتلاف القوى العلمانية، هيئة التنسيق الوطنية لقوى التغيير الديمقراطي) بتاريخ 16 تشرين الأول 2014، لكنني لم أجد توصيفاً أكثر لباقة من قولي إن هناك ثلاثية من الكلمات تليق بأن تكون في خاتمة البيان، على اعتبار أن هذه الجهات تعشق الكلمات والشعارات الثلاثية في جميع مقارباتها السياسية. 
 
هذه الثلاثية هي: النفاق و"الوطاوة" والجبن. لا شك أن هذا التوصيف أخلاقي، وقد لا يكون له قيمة في الممارسة السياسية السائدة، لكنه مع ذلك مهم من حيث أن جميع القوى والجهات السياسية تحاول دائماً وضع غلالة أخلاقية على مواقفها من أجل تسويق نفسها، ومن الضروي بالتالي استكشاف جدية هذه الادعاءات الأخلاقية، وكذلك الادعاءات الوطنية والإنسانية. 
 
هذه الثلاثية ليست سباباً أو شتيمة، وإلا لكنت منطقياً استخدمت كلمات أخرى أشد قسوة ودلالة على الشتيمة، بل هي توصيف حقيقي ومطابق للبيان، وهذا التوصيف ناجم عن تحليل لمفردات الخطاب السياسي فيه، وللمواقف السياسية المبثوثة فيه، فضلاً عن محاولة استذكار مواقف سابقة لهذه الجهات الأربع، أو على الأقل مواقف جهتين معروفتين بالنسبة لنا: جبهة التغيير والتحرير، هيئة التنسيق الوطنية لقوى التغيير الديمقراطي.
 
أولاً: يظهر النفاق بدءاً من السطر الأول في البيان الذي يقول: "تبرز اليوم المواجهات المستمرة في عين العرب- كوباني بين أبناء وبنات المدينة وتنظيم داعش الإرهابي"، وكأن أصحاب البيان أرادوا أن يقولوا إنهم حضاريون يحترمون دور المرأة ومشاركتها للرجل، منطلقين من بعض الصور التي ظهرت في الإعلام، وتبين مشاركة بعض النساء في كوباني في المواجهات مع تنظيم داعش. وكان يمكن أن تمر هذه العبارة بشكل طبيعي لو تعاملت هذه الجهات بمنطقية وأخلاق مع المواجهات التي خاضها السوريون في كل بقعة من سورية ضد نظام الإرهاب، وكانت النساء مشاركات فيها من ألفها إلى يائها، فلا أحد يستطيع إنكار مشاركة المرأة في التظاهر والقتال والإغاثة والطبابة في دوما وداريا ودرعا والوعر وكفرنبل وغيرها.
 
ثانياً: جاء في البيان: "تشكل هذه المواجهات عنواناً عريضاً جديداً من أبرز مفرداته بدء تبلور وتثمير المقاومة الشعبية الوطنية السورية بوجه الإرهاب". نجد هنا أن الجهات الأربع الموقعة على البيان تخترع مصطلحاً جديداً نكشته من أيديولوجياتها وذاكرتها "المقاومة الشعبية الوطنية"، لتسبغه على واقع المواجهة العسكرية ضد داعش في كوباني-عين العرب. لماذا لم تر هذه الجهات في صمود أهل داريا مثلاً، وغيرها، مقاومة شعبية وطنية، على الرغم من أن داريا أعلنت بوضوح أنها تقاتل من أجل سورية كلها، بينما لا يخفى على أحد أن قيادة حزب الاتحاد الديمقراطي لم يظهر حتى الآن أنها تقاتل من أجل سورية، وثمة شكوك عديدة، تحتاج إلى تأكيد أو نفي، حول تنسيقها مع النظام السوري؟. 
 
الجواب بسيط: 1- هي حالة من النفاق المكشوف تجاه الأكراد السوريين، وكان يمكن أن يكون ذلك طبيعياً لو كان لهذه الجهات مواقف إيجابية سابقة تجاه السوريين ومعاناتهم طوال السنوات الأربع الماضية، 2- لا يوجد ثمن يمكن أن تدفعه هذه الجهات بسبب تأييدها لحمل السلاح ضد داعش في كوباني-عين العرب، خاصة أن هذا الموقف يتطابق مع موقف النظام المعلن على الأقل، بينما يمكن أن تدفع هذه الجهات ضريبة كبيرة فيما لو وصفت صمود أهل داريا مثلاً بالمقاومة الشعبية الوطنية، وهذا يعبر عن حالة مزدوجة من النفاق والخوف في آن معاً. 3- لو كانت هذه الجهات تبحث عن حالة من الانسجام الأخلاقي في مواقفها لوصفت ما فعله النظام سابقاً في داريا والبيضا وجديدة الفضل مثلاً بأنه سلوك إرهابي، ولوصفت ما يفعله اليوم أيضاً في جوبر والوعر بأنه سلوك إرهابي، بل لأعلنت بصراحة أن إرهاب الطغمة الحاكمة يفوق إرهاب داعش بمسافات ضوئية. حالة عدم الانسجام الأخلاقي هذه ليس لها من اسم سوى "الوطاوة". 4- يبدو أن هذه الجهات تسمي ما يصدر عن ذوي اللحى من سلوكات وجرائم بالإرهاب (وهذا صحيح)، لكنها لا ترى في جرائم الإبادة التي يقوم بها ذوو ربطات العنق بالإرهاب، وهذا التناقض الصارخ يمكن القول أنه يجمع بين النفاق و"الوطاوة" والخوف والسخافة في آن معاً.
 
5- لقد وقفت هذه الجهات طوال السنوات الأربع الماضية ضد العسكرة والتسليح، كما فعل معظم السوريين، لكن في ضوء عوامل كثيرة انتقلت الثورة إلى التسليح، وكان العامل الأضعف في عملية الانتقال تلك هو "التشبيح" الذي قام به معارضون بلا عقل، حكمهم المنطق الشعبوي وضيق الأفق السياسي، بينما كان العامل الأساسي هو عنف النظام وجرائمه. لكن تلك الجهات لم تقف عند انتقاد المعارضين الداعين للتسلح فحسب، بل عبرت شخصيات كثيرة فيها عن احتقار لآلام الناس ومعاناتهم، وسخرت من مبدأ حق الدفاع عن النفس، وكانت ألسنتها بارعة و"وقحة" في نقد المعارضين الداعين للتسلح (وهم بالفعل يستحقون ما هو أكثر من النقد)، لكنها كانت تختار كلماتها بلباقة ودقة عندما تتعرض للنظام السوري، بل هي لم تكن تنظر إليه على أنه المولد الأساسي للعنف والعسكرة. تلك الشخصيات كانت تتحول إلى حمائم وديعة و"حكيمة" كلما أرادت مخاطبة النظام، وتصبح أبطالاً وشجعاناً في كل مرة تتناول فيها أطراف المعارضة الأخرى. واليوم يظهر أنه لا مشكلة لديها في حمل السلاح ضد إرهاب داعش، فيما تقف ضد حمل السلاح في وجه ميليشيات النظام السوري والميليشيات التي استجلبها من الخارج. هل لهذا التناقض في الموقف من اسم سوى النفاق وانعدام المبدئية السياسية، فضلاً عما يكتنف موقفها من خوف إزاء البوح بتوصيف حقيقي للنظام السوري أسوة بتوصيفها الصحيح لداعش وأخواتها.
 
6- لا يقف الأمر عند ذلك فحسب، فهذه الجهات لم تجد أي حرج في وجود حزب سياسي داخلها لديه جناح عسكري، أي حزب الاتحاد الديمقراطي والميليشيا التابعة له "وحدات الحماية الشعبية"، في الوقت الذي ترفع فيه شعار "لا للعسكرة والعنف"، الأمر الذي منعها من التعامل طوال السنوات الماضية مع أي حالة عسكرية أخرى خارج إطار شعارها الأثير. أليس غريباً أيضاً أن هذه الجهات الأربع تقف مع تسليح الأكراد، وفي الوقت نفسه ضد تسليح الجيش الحر الذي يقاتل مع الأكراد ضد داعش! أيضاً ليس هناك من اسم لهذا التناقض الفاقع سوى "النفاق والوطاوة والجبن".
 
ثالثاً: جاء في البيان: "معركة عين العرب هي معركة وطنية سورية من الدرجة الأولى، تجمع سوريين، كرداً وعرباً". لماذا تعتبر معركة عين العرب-كوباني فحسب معركة وطنية سورية من الدرجة الأولى؟ هل هذا التقويم للمعركة يأتي بسبب اشتراك العرب والكرد في هذه المعركة؟ لماذا لا يجري النظر لمعارك أخرى اشترك فيها العرب والكرد وآخرون من فئات الشعب السوري كافة على أنها معارك وطنية؟ هل توصيف أي معركة بأنها وطنية يتوقف فحسب على اشتراك فئات متعددة من الشعب السوري أم يتوقف على هدف المعركة؟ لماذا تصبح المعركة ضد داعش الإرهابية معركة وطنية فيما لا يجري النظر لمعارك السوريين ضد إرهاب النظام في جميع بقاع سورية على أنها معارك وطنية، خاصة عندما يعلن أصحابها أنها معارك وطنية، كما جرى في مناطق عديدة من سورية في المرحلة الأولى من العسكرة قبل سيطرة الكتائب المتأسلمة على المشهد العسكري؟ 
 
هذه الجهات تعرف جيداً أهداف وغايات حزب الاتحاد الديمقراطي وممارساته، وتعرف أن إجراءاته على الأرض لا تصب بالتأكيد في إطار الوطنية السورية، وتعلم أن ظلمه واستبداده يطال العرب والكرد في آن معاً، لكنها تحاول مجاملته بقصد احتوائه تحت "الخيمة الوطنية السورية"، وهو شكل من النفاق الغبي على حساب الوطنية السورية.
 
رابعاً: جاء في البيان: "إن الواجب الوطني والإنساني يقتضي من جميع السوريين على اختلاف انتماءاتهم السياسية دعم صمود شعبنا في عين العرب-كوباني. وكذلك يتوجب على النظام السوري أن يسارع إلى الدفاع عنها في وجه الإرهاب وهو الذي لا يكف عن ترديد دعاوى مكافحة الإرهاب."
 
صحيح أن الواجب الوطني والإنساني يتطلب دعم صمود شعبنا في عين العرب-كوباني، وكان يمكن أن نصدق هذه الدعوة ونحترمها لو سمعنا نداء من هذه الجهات الأربع تدعو فيه إلى دعم صمود شعبنا اليوم في جوبر والوعر وداريا. بالطبع السبب الرئيس لهذه الحالة من الكيل بمكاييل عدة هو الخوف والجبن، فالدعوة للصمود في عين العرب-كوباني ضد داعش لا يترتب عليها أي مسؤولية، وتنسجم مع الخطاب المعلن على أقل تقدير للنظام السوري، بينما الدعوة ذاتها في مناطق أخرى سيترتب عليها الشيء الكثير. لكن المدهش الأكبر، والمثير للسخرية في الوقت ذاته، هو دعوة هذه الجهات للنظام السوري للمشاركة في الدفاع عن كوباني في وجه الإرهاب:
 
1- على ما يبدو، لا تزال هذه الجهات الأربع تنظر إلى النظام السوري بوصفه مقياس الأشياء جميعاً، ومقياس الوطنية، والظاهر أنها لا تعرف ممارسة سياسية سوى العمل كمعارضة هزيلة تحت سقف النظام فحسب، لدرجة تجعلنا نجزم بأنها ستموت بموت النظام الحاكم.
 
2- عندما تدعو هذه الجهات النظام السوري للمشاركة في مكافحة الإرهاب، فهذا معناه أنها تنفي عنه، بشكل غير مباشر، صفة الإرهاب. يبدو أن هذه الجهات الأربع مستعدة لغفران الإرهاب بربطة عنق لكنها غير مستعدة لغفران الإرهاب بلحية، على الرغم من أن ربطة العنق تفوقت كثيراً على اللحية، وأنها المصدر الأساسي للإرهاب ولولادة اللحى الإرهابية ذاتها. تعلم الجهات الأربع علم اليقين أن جيش النظام كمؤسسة قد فقد أي صفة وطنية، وهو أصلاً لم يكن كذلك قبل الثورة، منذ دخوله في معركة مع الشعب السوري، وتحول إلى ميليشيا مسلحة بيد طغمة حاكمة لا أكثر ولا أقل، على الرغم من معرفتنا بوجود كثير من الوطنيين المغلوبين على أمرهم داخله. وتعلم أيضاً أن ما يسمى "الدفاع الوطني" ليس أكثر من منظمة إرهابية، وكذلك شأن الميليشيات الإرهابية التي استجلبها النظام من لبنان والعراق. ليس من معنى لذلك سوى أن هذه الجهات تبلع لسانها إزاء كل ما يتعلق بالنظام وميليشياته وإرهابها.
 
3- لا يحتاج القول إن داعش إرهابية إلى شجاعة، فهي أصبحت معلومة بديهية لدى جميع السوريين، الموالين والمعارضين على حد سواء، وهذا القول ينسجم مع الخطاب العلني للنظام، لكن القول إن الطغمة الحاكمة إرهابية يحتاج إلى تلك الشجاعة، وهي التي لم تتوافر في أي لحظة لدى هذه الجهات. نستطيع أن نتفهم خوف "القوى السياسية" من بطش النظام، وهنا يغدو الحل الملائم، أو أضعف الإيمان هو الصمت، أما أن يكون الحل هو تزوير الحقائق والتغطية على إرهاب النظام فتلك اسمها "وطاوة".
 
4- على ما يبدو، هناك محاولة لأخذ الجميع نحو العمل تحت سقف محاربة الإرهاب بالصيغة التي يطرحها النظام السوري، وبخصوص هذا الأخير فقد عفى الله عما سلف، ولنفتح صفحة جديدة تحت شعار "كلنا ضد داعش"، وهي أيضاً، على ما يبدو، الصيغة التي يريدها "التحالف العالمي ضد داعش" الذي ترفع صوتها ضده هذه الجهات.
 
خامساً: جاء في البيان "إن الوقائع الميدانية والعسكرية الجارية اليوم، تثبت بما لا يدع مجالاً للشك لدى أي مراهن واهم، أن التحالف الحالي غير جاد بمكافحة داعش وأشباهه"...."، وهذا يستدعي "قيام إطار دولي موسع وجدي وفاعل بمكافحة الإرهاب، ومستند إلى الشرعية الدولية بقرار واضح التفويضات والأهداف والآجال من مجلس الأمن الدولي، وغير قابل للاستغلال من أي طرف فيه للتوظيف في تنفيذ أجندات جيوسياسية خاصة، بل مكرس أولاً وأخيراً لمساعدة الشعب السوري في الخلاص من الإرهاب التكفيري".
 
يظهر من هذا الكلام أن الجهات الأربع تلوم التحالف الدولي ضد داعش على عدم جديته، وأنها تدعوه، بشكل غير مباشر، إلى أن يكون جدياً في تدخله العسكري ضد داعش. ألا يوحي ذلك بوجود تناقض، أو بالأحرى نفاق، في خطاب هذه الجهات، وهي التي ما فتئت تكرر موقفها ضد التدخل الخارجي؟ أم أن التدخل ضد داعش في عرفها حلال، بينما هو محرم ضد الطغمة الحاكمة الإرهابية؟ أنا هنا لا أقدم رأياً بخصوص مسألة التدخل، فلهذا مكان آخر، على الرغم من أنني كتبت بتفصيل شديد حول هذا الأمر في السابق، لكنني هنا أناقش نفاق الخطاب السياسي لهذه الجهات ولا مبدئيته الفاقعة.
 
تطالب الجهات الأربع في بيانها بإنشاء "إطار دولي موسع وجدي وفاعل لمكافحة الإرهاب، ومستند إلى الشرعية الدولية بقرار من مجلس الأمن". ماذا تختلف هذه المطالبة عن مطالبة "المجلس الوطني" و"الائتلاف الوطني" وجهات معارضة أخرى عندما لجأوا إلى الجامعة العربية ومجلس الأمن يطالبون بالتدخل العسكري تحت البند السابع ضد النظام السوري؟ القضية إذاً ليست مبدئية في رفض التدخل الخارجي، بل في أهداف التدخل الخارجي، فعندما يكون هذا التدخل ضد النظام السوري تقف ضده، وعندما يكون ضد داعش أو غيرها تكون معه.
 
يؤكد ذلك المواقف السابقة لهذه الجهات، عندما كانت ترفع صوتها عالياً ضد المقبلين من أصقاع الأرض لمقاتلة النظام (وهو موقف صحيح)، لكنها كانت تخفض صوتها إزاء التدخل الخارجي الروسي لمصلحة النظام، بل وقدمت للروس الشكر في بعض المحطات على تدخلهم. كما بلعت لسانها إزاء التدخلات الإيرانية السافرة، من حيث الدعم المالي للنظام، أو حتى التدخل العسكري المباشر، إلى جانب صمتها المريب عن مشاركة ميليشيا حزب الله والميليشيات العراقية الطائفية ضد السوريين. وعندما كانت تقع في موقف محرج، كانت تصدر بياناً خجولاً ولبقاً، وبصيغة عامة، تطالب فيه جميع القوى غير السورية بمغادرة سورية. هل من معنى لكل ذلك غير النفاق السياسي مقروناً بشيء من "الوطاوة"؟!
 
نضيف هنا حقيقة سياسية، مفادها أنه ما كان من الممكن بالطبع لأهل كوباني، ولا للقوى العسكرية مثل "وحدات الحماية الشعبية"، وبعض الفصائل العسكرية العربية، الوقوف في وجه داعش التي اكتسحت مئات القرى في أيام، لولا التدخل العسكري الخارجي، أو بالأحرى لولا التدخل العسكري الأميركي. بمعنى آخر، إن جميع المواقف القطعية والنهائية في السياسية لا بد لها من أن تصطدم بتعقيد الواقع السياسي والميداني في سورية، وهنا تصبح الشعارات المرفوعة بلا معنى وبلا أي قيمة، تلك الشعارات التي أطلقتها تلك الجهات الأربع كشكل من أشكال "الجكارة" ضد أطراف المعارضة الأخرى، أو كشكل من أشكال حماية نفسها، أفراداً وقوى، من بطش النظام، أو كشكل من أشكال السعي لحيازة "شهادة في الوطنية" من النظام السوري، فيما على أرض الواقع لم تتوافر لديها المبدئية والصدقية في الحفاظ على تلك الشعارات.
 
لا شك أن أهل كوباني-عين العرب يستحقون التحية، كسائر السوريين في بقاع سورية المختلفة، على صمودهم في وجه الإرهاب من كل نوع، لكن النفاق يظهر عندما ترتفع عقيرة الجهات الأربع من أجل كوباني فحسب. لا يمكن نفي نفاق التيار القومي العربي، الذي يشكل جزءاً كبيراً من تلك الجهات الأربع، للقوى الكردية، وهو التيار الذي كان شخوصه يصابون بالسكتة القلبية قبل الثورة السورية عندما يأتي ذكر الأكراد، فهل تطورت شخصياته بعد الثورة وأخذت تفكر بالقضية الكردية في سورية باعتبارها قضية وطنية، أم أنها تمارس نفاقاً صارخاً يلتقي مع نفاق النظام السوري للأكراد بقصد احتوائهم، وهو الذي رفض مجرد إعطائهم الجنسية السورية في السابق؟!
 
سادساً: جاء في البيان: "إن القوى الوطنية والديمقراطية الموقعة على هذا البيان، إذ تعلن دعمها بكل الوسائل المتاحة لأبناء عين العرب – كوباني في معركتهم الوطنية السورية، تجدد التأكيد على أن الاجتثاث الجدي والفعلي للإرهاب في سورية لن يتم إلا بتوفير مقدماته الضرورية المتمثلة في التوجه إلى حل سياسي تفاوضي وفقاً لبيان جنيف يلبي احتياجات سورية والسوريين في التغيير الوطني الديمقراطي الجذري والعميق والشامل لنظام الاستبداد". يا لها من تعابير قوية ومثيرة:
 
1- تعلن هذه الجهات الأربع دعمها "بكل الوسائل المتاحة" لأهل كوباني، من أجل "الاجتثاث الجدي والفعلي للإرهاب في سورية". ربما هي أول مرة نسمع فيها مثل هذه التعابير القوية والواضحة والحاسمة، بينما مجازر البيضا وجديدة الفضل والحولة وغيرها لم تكن تتطلب مثل هذه المواقف الحاسمة. كذلك، على ما يبدو، لا يحتاج إلقاء البراميل على السوريين في بقاع مختلفة، ولا يحتاج إلقاء صواريخ السكود على المدن، إلى مثل هذه التعابير الواضحة والقوية. كما لم تكن مجزرة الكيماوي في غوطة دمشق تحتاج إلى أي كلمة إدانة، إذ لا نزال نذكر مواقف هذه القوى آنذاك، عندما اتهمت أهل الغوطة بقتل أنفسهم تارة، واتهمت جبهة النصرة بالمجزرة تارة أخرى، في الوقت الذي كان فيه العالم كله يشير إلى النظام بأصابع الاتهام. في العرف الأخلاقي، والسياسي أيضاً، ليس من اسم لهذه التناقضات سوى "الوطاوة".
 
لماذا هذا التناقض المفضوح في المواقف؟ على ما يبدو، لأن الموقف من داعش لا يترتب عليه أي ضريبة كما قلنا، فيما المواقف الحقيقية من المجازر السابقة قد يترتب عليها الشيء الكثير من جانب النظام. ربما يصف بعضهم هذه المواقف بـ "الحكيمة": من جهة أولى، هناك فرق كبير بين الحكمة والجبن، ومن جهة ثانية يبدو أن هذه "الحكمة" المدعاة لا تظهر إلا في كل ما يتعلق بالموقف الواضح من النظام السوري، ومن جهة ثالثة يبدو أن هذه الجهات الأربع لم تقتنع بعد أنه بالنسبة للنظام السوري، فإن المعارض له بنسبة 1 في المئة هو تماماً كالمعارض له بنسبة 100 في المئة، ولو أنه يميز بين درجات المعارضة أصلاً لما وصلنا إلى هذه الحالة. إنه لا يريد من السوريين سوى أن يكونوا طبالين وزمارين يسبحون بحمده، ويتغنون بـ "حكمته" العظيمة.
 
2- أما بالنسبة إلى الحل، فيشير البيان إلى "حل سياسي تفاوضي وفقاً لبيان جنيف"، وهدفه هو "التغيير الوطني الديمقراطي الجذري والعميق والشامل لنظام الاستبداد". هنا نشير إلى أن هذا الحل السياسي ليس من اختراع هذه الجهات الأربع، ولا هو نتيجة جهدها وبياناتها التي لا تقدم ولا تؤخر، ولا فضل لها فيه. فإذا كان العالم قد وصل إلى هذه الصيغة من الحل السياسي، فإن سببها هو توازنات إقليمية دولية راهنة بالدرجة الأولى، وجهد أولئك السوريين الذين تتعامل معهم هذه الجهات باحتقار تارة، وبحالة من عدم الاكتراث بآلامهم وتضحياتهم تارة أخرى، لدرجة أنها تطلب منهم أن يكونوا ملائكة في مواجهة نظام همجي لم يتورع عن فعل أي شيء في سبيل البقاء.
 
في الختام نقول: لا نظلم هذه الجهات الأربع بالتأكيد عندما نقول إنهن، بطريقة أو أخرى، شقيقات النظام السوري بالرضاعة، وتستحق أن يدار لها الظهر إلى الأبد، إن بقيت في قيد الحياة السياسية في سورية المستقبل، فكراً ونهجاً وسلوكاً وممارسة.
----------------
زمان الوصل
 

د.حازم نهار
الثلاثاء 21 أكتوبر 2014