نظرا للصعوبات الاقتصادية التي رافقت الجائحة وأعقبتها اضطررنا لإيقاف أقسام اللغات الأجنبية على أمل ان تعود لاحقا بعد ان تتغير الظروف

الهدهد: صحيفة اليكترونية عربية بخمس لغات عالمية
الهدهد: صحيفة اليكترونية عربية بأربع لغات عالمية
Rss
Facebook
Twitter
App Store
Mobile



عيون المقالات

المهمة الفاشلة لهوكستين

23/11/2024 - حازم الأمين

العالم والشرق الأوسط بعد فوز ترامب

17/11/2024 - العميد الركن مصطفى الشيخ

إنّه سلام ما بعده سلام!

17/11/2024 - سمير التقي

( ألم يحنِ الوقتُ لنفهم الدرس؟ )

13/11/2024 - عبد الباسط سيدا*

طرابلس "المضطهدة" بين زمنين

13/11/2024 - د.محيي الدين اللاذقاني

اليونيسيف ومافيا آل كابوني دمشق

12/11/2024 - عبد الناصر حوشان


توني بلير للإيجار





تلاشت، أو كادت أن تتلاشى، فرص توني بلير في اختياره لمنصب رئيس المجلس الأوروبي، وهو المنصب الذي نصت على إنشائه معاهدة لشبونة التي لم تخرج بعد إلى حيز التنفيذ، تلاشت الفرص ولكن بقيت الشكوك حول شخصية توني بلير، بل وأظن أن بعض الشكوك تأكد. بقيت أيضاً واضحة، آراء قيلت عن أوروبا، كان الظن أنها غير دقيقة، فتأكد أنها إلى حد كبير صحيحة.


خرجنا من حكاية ترشيح توني بلير بأن أوروبا مازالت حلما لم يكتمل، أو قارة في حال تمنٍ. تمنت أن يكون لها رئيس، أراده البعض، مثل ميليباند وزير خارجية بريطانيا، شخصاً قوياً له هيبة وتاريخ يقود أوروبا نحو مكانة لائقة على المسرح الدولي، ويستطيع أن يتفاوض، على المستوى نفسه، مع هوجنتاو وباراك أوباما، أراده البعض الآخر رمزا لأوروبا يرأس القمة ويتابع تنفيذ السياسات التي يتفق عليها، تحترمه مختلف الأطراف ولكن لا تخضع له ولا تتنازل عن أي قسط من مكانة رؤسائها لصالح منصب رئيس المجلس.

وكان منطقياً ومتوقعاً أن تكشف أوروبا عن عمق اختلافات الرأي بين أعضائها عند الاقتراب من قضية على هذه الدرجة من الحساسية، وهي اختيار رئيس لها. لم تتأخر مثلا ألمانيا عن إعلان أنها غير مرتاحة لأن يكون المنصب من حظ شخص بريطاني، فبريطانيا لم توقع حتى الآن على اتفاقية اليورو، وهي بالتالي غير ملتزمة بما تلتزم به الدول الست عشرة أعضاء منطقة اليورو، وأعلنت بولندا أنها تعارض اختيار شخص سلوكياته وسياساته محل جدل، وإن من يتولى هذا المنصب يجب أن يكون شخصية قادرة على تحقيق توافق عام داخل القارة، كذلك كان لبلجيكا وهولندا ولوكسمبورج رأيها القاطع برفض ترشيح بلير، ولهذه الدول مكانة خاصة في أوروبا باعتبارها النواة التي بدأت في شكل اتحاد جديد وصلب ثم نمت وترعرعت حتى صارت اتحاداً أوروبياً.

***

كانت هناك أيضا صعوبات موضوعية، أدركها الآباء المؤسسون قبل خمسين عاما ومازالت في إدراك ساسة أوروبا الحاليين. لقد أثيرت مرات عدة قضية صعوبات الانتقال إلى درجة أعلى من الوحدة بين دول لا تجمع بينها لغة واحدة، وتتعدد ثقافاتها المحلية وتتباين على عكس ما يشاع ويتردد عن وجود ثقافة أوروبية واحدة، والملفت للنظر أنه لم يثبت بعد أن “الثقافة الأوروبية الناشئة” بفضل قيام الاتحاد الأوروبي ومؤسساته نجحت في تذويب الثقافات القديمة، بل يثبت أن بعضها يستعيد قوته وأن ثقافات جديدة أضيفت إلى الثقافات المتباينة والمتعددة التي تزخر بها رقعة الثقافات الأوروبية، وبالإضافة إلى عقبة عدم توفر اللغة الواحدة وتعدد الثقافات القديمة والمحلية، لا يخفى أن أوروبا لم تتوحد سوى مرات قليلة على قضية أو أخرى. الثابت بشكل أقوى هو انقسامها حول قضية انفراط يوغوسلافيا والحرب الأهلية التي اشتعلت في أعقاب هذا الانفراط، وانقسامها حول مسألة العراق وحول الموقف من مسؤولية بريطانيا، كدولة عضو في الاتحاد الأوروبي، عن كارثة العراق المستمرة حتى الآن، ومسؤولية توني بلير تحديدا وهو للغرابة يعود مرشحاً لرئاسة قارة شعوبها غاضبة عليه بسبب دوره في هذه الكارثة. ويضيف البعض، وأنا منهم، انقسام أوروبا، أو ترددها، في دعم الجهد العسكري الأمريكي في أفغانستان، وتخليها عن تقديم مساعدة عسكرية قوية للقوات البريطانية هناك. يبقى السؤال، كيف يمكن لقارة أو اتحاد دولي مازالت هكذا بعيدة عن الوحدة أن تقرر أن يكون لها رئيسٌ، وأن يكون رئيساً قوياً؟ إن الفضل في تجديد الشكوك حول إمكانية التوصل إلى صنع سياسة خارجية موحدة لدول القارة يعود إلى هذه الأيام الأخيرة حين أخذ ترشيح توني بلير لرئاسة أوروبا منحى جدياً.

***

ويعود إلى هذه الأيام أيضا الفضل في أننا اكتشفنا وجهاً آخر لتوني بلير لم يكن معروفاً لنا، أو لغيرنا في العالم. اكتشفنا أن الرجل، وكان زعيماً كبيراً في الغرب قاد بلاده في ركاب أمريكا نحو حربين مشكوك كلية في حكمة قرار شن كل منهما، اكتشفنا أن هذا الزعيم المحترم والمخضرم المرشح لرئاسة قارة يسكنها خمسمائة مليون نسمة يعرض نفسه “للإيجار” تقول صحيفة “الصنداي تايمز”، التي تابعت عن قرب تحركاته منذ شهر يناير/كانون الثاني الماضي، إن الزعيم بلير يصطحب معه في زياراته الرسمية، وغالبيتها إلى دول الخليج العربي، مدير مكتب الاستشارات TBC.

ويقع هذا المكتب في ميدان جروفنر في أفخر أحياء لندن. يقول جون أنجور توماس في تحقيقه المستفيض بالصحيفة إن توني بلير يطلب من كبار المسؤولين العرب الذين يقوم بزيارتهم لمدة ساعة ليتحدث معهم عما يستجد في مهمته الرسمية، وهي “مبعوث الرباعية” للسلام في الشرق الأوسط. وفور انتهاء الاجتماع يخرج شريكه جوناثان باول إلى اجتماع آخر مع المسؤولين عن المال. يقول الكاتب إن باول يصطاد الفرص ويقتنص الصفقات وبلير ينهيها. وتنقل الصحيفة عن دبلوماسي كبير في دولة خليجية قوله إن بلير “جاي للحديث عن السلام في الشرق الأوسط وخرج من عندنا بعقد يقوم بموجبه بتقديم مشورات حول الإصلاح الحكومي مقابل مبلغ من سبعة أرقام”. كان هذا في شهر يناير وكرر المشهد في دول أخرى في شهر مايو ومرة أخرى في ليبيا ومرات في دول عربية أخرى.

وتشير الصحف البريطانية إلى أن بلير أعلن بعد ساعات قليلة من مغادرته 10 دواننج ستريت أنه يقبل وظيفة مبعوث الرباعية، وكان متأكداً أن هذه الوظيفة هي الوحيدة التي ستسمح له بدخول قصور الحكم والمال في العالم العربي، وفي الوقت نفسه تجعل الشركات والمصارف الغربية الكبرى تستخدمه ليمثلها لدى أصحاب هذه القصور وتلك الدول. وبالفعل وصل فور إعلانه عن وظيفة المبعوث للسلام على حق تمثيل مصرف ج.ب مورجان في الشرق الأوسط مقابل راتب ضخم، ويبدو أن مثل هذه الطموحات تحتاج إلى ساتر يخفيها عن أفكار الإعلام والحقودين، إذ لم تكن مصادفة أن يقوم كلينتون وبلير ومن قبلهما آخرون بإنشاء صناديق للعمل الخيري تحمل أسماءهم وتختفي فيها ثروات ودخول وأنشطة.

***

قد يكون هنري كيسنجر مسؤولاً بشكل غير مباشر عن ظاهرة “سياسي للإيجار” فهو أحد كبار مبتكريها. وقد دفع الثمن من فقدانه حق العودة لتولي مناصب سياسية عامة، وبخاصة حين استدعي لرئاسة لجنة تقصي الحقائق حول تقصير أجهزة الاستخبارات الأمريكية عن التنبؤ بأحداث 11 سبتمبر، ورفض الكونجرس تعيينه إلا بعد أن يقدم قائمة بأسماء كافة المؤسسات والدول التي يقدم لها الاستشارات والمبالغ التي يتقاضاها، ولم يكن أمامه إلا الانسحاب خشية أن يفقد هؤلاء الزبائن، وبعضهم كان على قائمة الكراهية الأمريكية، وأظن أن بيل كلينتون يعاني الآن من مشكلات مشابهة، وتعرضت زوجته لتحقيق لمعرفة مصادر أموال زوجها، ولكن يبدو أن بريطانيا والاتحاد الأوروبي، عندما طرح بلير نفسه لمنصب رئاسة الاتحاد لم يجدا في وثائقهما القانونية ما يعتبر تضارباً في المصالح، أو ضرراً في أن يكون رئيس قارة أوروبا على قائمة الرواتب السنوية التي تدفعها دول عربية أو إفريقية مقابل استشارات حقيقية أو زيارات أكثرها لم يتجاوز ساعة زمن.
---------------------
الخليج - الشارقة

جميل مطر
الخميس 5 نونبر 2009