حيث عمد هؤلاء الكتاب إلى التذكير بأن هايغل لم ينشق يوما على الإجماع 'القومي العدواني' في قضية الموقف من إيران، وأن انفتاحه على إمكانية الحوار مع حركة حماس لا يخرج على الموقف الذي تدافع عنه مؤسسات البحث الليبرالية الأمريكية منذ مدة طويلة (على أساس أن المصلحة هي في احتواء حماس أمريكيا بمثلما تم احتواء إخوان مصر وسورية)، وأن تصوره لحل النزاع العربي الإسرائيلي لا يغير نقطة ولا فاصلة في ما تفتق عنه ذهن جورج بوش وكوندوليزا رايس من روائع في كراس تمارين 'حل الدولتين'.
وهذا في معظمه صحيح. فالرجل ليس ثوريا ولا عالمثالثيا. وما هو بداعية سلام ولا حقوق مدنية. وما هو بتشومسكي ولا حتى كارتر. ورغم ذلك، فإن جلسة الاستماع لهايغل في مجلس الشيوخ، التي كانت منعقدة عند كتابة هذه السطور، أكدت صحة التوقع بأن حالته مستعصية. ومعلوم أن الاستعصاء لا يتعلق بكثرة الاتهامات، رغم أن لائحة الاتهام السياسي والإعلامي ضد هايغل طويلة. بل إنه يتعلق حصرا بالاتهام المركزي الذي من شأنه أن يزلزل الجبال الراسيات في واشنطن: وهو أن الرجل قد اقترف جرم انتقاد إسرائيل أكثر من مرة. أي أنه ما زال لم يثبت حتى الآن أنه منخرط انخراطا كليا في هارمونية الموقف الأمريكي السائد حول قدسية البقرة الإسرائيلية. على أن النبأ السار هو أن كهنة المعبد لم يبلغوا حد رمي هايغل بأنه كافر جاحد بالبقرة. ولكن المعضلة أن الإعلام الأمريكي ضبطه متلبسا مرارا وتكرارا بجرم الشك، فالسؤال فالمساءلة الدالة على زوال برد اليقين. أي أن الرجل مؤمن ولكنه يفكر أكثر من اللزوم.
ورغم أن المشهد كان متوقعا ولم يكن فيه خروج على النص، فإنه قد كان باعثا على الرثاء. حيث أن تباري أعضاء مجلس الشيوخ، وخاصة الجمهوريين، في إمطار هايغل بوابل الأسئلة البوليسية حول القديم والجديد والمحفوظ والمنسي من أقواله بشأن إسرائيل ومعاملتها للفلسطينيين قد أثبت مجددا أن هؤلاء القوم ليسوا سوى جمع من المشرعين (الأمريكيين) بأمر اللوبيات (الصهيونية). بل إنهم أقرب، في حقيقة الأمر، لأن يكونوا نواب إسرائيل في أمريكا، أو أعضاء الكنيست في الكونغرس!
هذا والحال أن هايغل، الذي يجمع الحس البراغماتي إلى النزعة الدولية، هو مجرد سياسي جمهوري من المدرسة الواقعية القديمة (التي قد يكون جيمس بيكر أحد آخر ممثليها). وقد أبدعت الغارديان عندما كتبت، مداعبة، أن 'فلسفة هايغل ليست متماسكة على الدوام، ولكنه عدو لكانط ويستحق الثناء لإتيانه بالجديد في مجال التفكير في مكانة أمريكا في العالم'.
تلاعب لفظي لطيف مأتاه اشتراك الأسماء بين هايغل وهيغل، والاشتراك الصوتي بين كلمة 'كانط' الإنكليزية (التي تعني هنا النفاق والرياء) وبين اسم إمانويل كانطô ولهذا ختمت الجريدة، في شبه عتاب للذات، أن كفى بهذا تورية وتلاعبا بأسماء الفلاسفة الألمان!
وهذا في معظمه صحيح. فالرجل ليس ثوريا ولا عالمثالثيا. وما هو بداعية سلام ولا حقوق مدنية. وما هو بتشومسكي ولا حتى كارتر. ورغم ذلك، فإن جلسة الاستماع لهايغل في مجلس الشيوخ، التي كانت منعقدة عند كتابة هذه السطور، أكدت صحة التوقع بأن حالته مستعصية. ومعلوم أن الاستعصاء لا يتعلق بكثرة الاتهامات، رغم أن لائحة الاتهام السياسي والإعلامي ضد هايغل طويلة. بل إنه يتعلق حصرا بالاتهام المركزي الذي من شأنه أن يزلزل الجبال الراسيات في واشنطن: وهو أن الرجل قد اقترف جرم انتقاد إسرائيل أكثر من مرة. أي أنه ما زال لم يثبت حتى الآن أنه منخرط انخراطا كليا في هارمونية الموقف الأمريكي السائد حول قدسية البقرة الإسرائيلية. على أن النبأ السار هو أن كهنة المعبد لم يبلغوا حد رمي هايغل بأنه كافر جاحد بالبقرة. ولكن المعضلة أن الإعلام الأمريكي ضبطه متلبسا مرارا وتكرارا بجرم الشك، فالسؤال فالمساءلة الدالة على زوال برد اليقين. أي أن الرجل مؤمن ولكنه يفكر أكثر من اللزوم.
ورغم أن المشهد كان متوقعا ولم يكن فيه خروج على النص، فإنه قد كان باعثا على الرثاء. حيث أن تباري أعضاء مجلس الشيوخ، وخاصة الجمهوريين، في إمطار هايغل بوابل الأسئلة البوليسية حول القديم والجديد والمحفوظ والمنسي من أقواله بشأن إسرائيل ومعاملتها للفلسطينيين قد أثبت مجددا أن هؤلاء القوم ليسوا سوى جمع من المشرعين (الأمريكيين) بأمر اللوبيات (الصهيونية). بل إنهم أقرب، في حقيقة الأمر، لأن يكونوا نواب إسرائيل في أمريكا، أو أعضاء الكنيست في الكونغرس!
هذا والحال أن هايغل، الذي يجمع الحس البراغماتي إلى النزعة الدولية، هو مجرد سياسي جمهوري من المدرسة الواقعية القديمة (التي قد يكون جيمس بيكر أحد آخر ممثليها). وقد أبدعت الغارديان عندما كتبت، مداعبة، أن 'فلسفة هايغل ليست متماسكة على الدوام، ولكنه عدو لكانط ويستحق الثناء لإتيانه بالجديد في مجال التفكير في مكانة أمريكا في العالم'.
تلاعب لفظي لطيف مأتاه اشتراك الأسماء بين هايغل وهيغل، والاشتراك الصوتي بين كلمة 'كانط' الإنكليزية (التي تعني هنا النفاق والرياء) وبين اسم إمانويل كانطô ولهذا ختمت الجريدة، في شبه عتاب للذات، أن كفى بهذا تورية وتلاعبا بأسماء الفلاسفة الألمان!