يحتدم الجدل اليوم في الأوساط السورية حول طبيعة القرارات التي اتخذها مؤخرا رئيس الائتلاف السوري المعارض سالم المسلط بفصل العشرات من الأعضاء والكتل السياسية من تشكيلات ائتلافه، قرارات نظر إليها البعض على أنها تأتي ترجمة لإرادة تركيا الدولة الراعية للائتلاف وصاحبة التأثير الأكبر عليه.
وفي الوقت الذي يرى فيه المُبعَدون عن عضوية الائتلاف في خطوة المسلط نوعا من الانقلاب على الشرعية، ينظر آخرون إلى الوضع الجديد باعتباره خطوة إصلاحية، حتى وإن لم تصب تلك الإصلاحات في ما طالب به السوريون طويلا، فلم تُبعد أحدا ممن هيمنوا على قرار الائتلاف وتوجهاته، بل استهدفت من هم أقل فعالية وتأثيرا مع الإبقاء على رؤوس أينعت لكن يبدو أن قطافها لم يحن بعد.
بنظام داخلي جديد يستجيب للانتقادات الموجهة إلى قيادة المعارضة السورية، لاسيما المتعلق منها بتداول السلطة داخل مؤسساتها وفترات الولاية، يتصوّر الائتلاف أنه قد طوّق المشروع التركي – العربي، وأن الأمر قضي عند هذا الحد.
الإخوان المسلمون سارعوا إلى انتقاد تلك القرارات، معتبرين أنهم مستهدفون، حتى أن بعض شخصياتهم، وكما هو حال الخطاب الإخواني المتكرر، اعتبرت أن قرارات المسلط “انقلاب” مشبهين إياها بما حصل في تونس، في مواصلة لمشوار الأوهام الذي يجعل من قضية محلية جزءا من قضية أكبر، دون النظر في الأداء والمسار الطويل الذي قادوا به، أو تحكموا خلاله بقرار المعارضة السورية، في الكثير من الأحيان كان ذلك التعنت مجانيا يهدف للحفاظ على مصالحهم ووجودهم أكثر منه تشبثا برؤية وطنية عامة. ومن جانب آخر لم يتعظ الذين سلّموا قيادهم لغيرهم من بقية الأطياف أن السياسة رؤى وبرامج يجب أن تتكامل دون أن يطغى أي منها على الآخر، لا بشراء ولائه ولا بالتحكّم بمواقفه بوسائل لا عدّ لها ولا حصر.
حالة المؤسسات السورية المعارضة كانت قد وصلت إلى درك لا يمكن تجاهله ولا تغطيته لا بغربال ولا بورقة توت، وكان يمكن للإخفاق في الأداء أن يكون مفهوما متقبّلا لو أنه تجاور مع اعتراف بالأخطاء السياسية وتراجع عنها وتصحيح لها، لكنه ترافق مع إصرار على الرقص في الظلام، منتقلا من حسبة خاطئة إلى حسبة خاطئة أخرى. وكأن أحدا لا يراهم ولا يراقب ما يفعلون، حتى ضاقت عليهم الدائرة وخنقها راعيها بيديه. الإجراء العقابي الذي حصل لا يندرج ضمن الإصلاحات التي لم يعد ينتظرها أحدٌ من السوريين، فاليأس قد أطبق على من أعطى الفرصة تلو الفرصة لمؤسسات لم يحسن هؤلاء إدارتها لا بالنوايا الحسنة ولا بغيرها. فتم إبعاد الكفاءات والمختصين، ونبذ الشخصيات القيادية القادرة بالفعل على اتخاذ قرارات مصيرية، لصالح تصدير شخصيات أقرب إلى موظفين منها إلى زعماء وقادة رأي عام.
المشهد السياسي تغير كثيرا منذ العام 2012 حين تأسس الائتلاف في العاصمة القطرية الدوحة التي اشتكى رئيس وزرائها السابق الشيخ حمد بن جاسم آل ثاني مؤخرا مما اعتبره فوضى و”بزنس” في صفوف المعارضة السورية، وقد كان لكلماته وقع الصدمة في آذان أولئك، بنفس الدرجة التي أصاب بها آذان الإخوان في مصر الذين وصفهم بأنهم عاجزون عن إدارة “دكان”. وتلك المتغيرات التي طرأت على الملف السوري لم تواكبها أي تطويرات لرؤية وأداء المعارضة السورية، العكس تماما هو ما حدث، ولكما استجدّت معطيات في الإقليم والأوضاع الدولية رأيت قيادات المعارضة أكثر انغلاقا على قضايا لم تعد تهمّ أحدا، مثل نظام داخلي وإصلاح هيئات وغيرها. بينما نسوا تماما صراعهم مع الأسد وحولوه إلى مناسبات وفعاليات واحتفاليات في ظل أوضاع سورية صعبة سواء في الأحوال المعيشية في مناطق سيطرة الأسد، أو في تلك الخارجة عن سيطرته.
فقدت المعارضة السورية بوصلتها منذ أن تخلّت عن الدور العربي الذي يحفظه العرب لسوريا، ومثلما حوّل الأسد نفسه إلى ورقة روسية – إيرانية حوّلت المعارضة السورية نفسها إلى ورقة، متمثلة أداء النظام. الفارق أنها لا تملك ما تفاوض به، ولا ما تبيعه وتسوّق مقابله مواقفها التي تلاشت تماما وأصبحت مجرّد بيانات يمكن لأي تيار أو حزب سياسي صغير أن يحدث ردود فعل بمثلها أكثر مما تحدثه هي.
تحويل الائتلاف إلى منصة، مثلها مثل بقية المنصات السياسية السورية المعارضة، ليس مشروعا تركيا، فهذا تحصيل حاصل. لكن استمرار الائتلاف بالصورة التي هو عليها لم يعد مقبولا حتى من قبل تركيا ذاتها، فكيف ستتقبله الدول العربية في الطريق إلى حلّ للمسألة السورية وفق قرارات مجلس الأمن؟
ما يزال الإسلام السياسي موجودا في سدة الائتلاف، وإن أظهر الإخوان استياءهم من إبعاد بعض شخوصهم أو الموالين لهم، وما تزال الفقاعات السياسية “الليبرالية” التي خلقتها حال الترهّل في مواقعها، مستعدة للعمل بالطريقة ذاتها دون إيلاء أي أهمية للزمن الذي تآكلت فيه شرعية مؤسسة أوكل إليها المجتمع الدولي مهمة تمثيل الثورة السورية بالدرجة الأولى، وقيادة مشروع توحيد كلمة السوريين بدرجة تالية، فأخفقت في المهمة الأولى بقدر ما أخفقت في الثانية.
خشية الائتلاف من تهديد قد يطال شرعيته، سواء صدر من رئيس الوزراء المنشق رياض حجاب، أو من الشارع السوري الغاضب من أداء الائتلاف وهيئة التفاوض واللجنة الدستورية التي وصفها المندوب الفرنسي لدى الأمم المتحدة نيكولا دو ريفيير بأنّها صارت “مجرد مزحة”، وسط تعنّت النظام السوري وعرّابيه، أو حتى قلق شخوص المعارضة الرسمية من تمرّد داخلي قد يباغتهم، كل هذا جعل الائتلاف يحاول التشاطر على الجميع، بطرح تغيير لا يقدّم ولا يؤخر، سرعان ما ستتكشف نتائجه بعد ساعات من إجرائه.
وفي حقيقة الأمر، التغيير الذي أرادت له تركيا أن يكون مكمّلا للعديد من الخطوات التي اتخذتها مؤخرا لتذليل العقبات أمام تطبيع علاقاتها مع الرياض والقاهرة، ومن قبلهما أبوظبي، لم يبدأ بعد، وهو تغيير كان سيشمل جهات ذات وزن داخل الائتلاف ومن ثم هيئة التفاوض واللجنة الدستورية، وما الإجراءات التي اتخذها رئيس الائتلاف ومن حوله سوى نوع من الالتفاف الاستباقي على التوجّه التركي – العربي، كي لا يطالهم التغيير حين يقع.
---------
العرب
وفي الوقت الذي يرى فيه المُبعَدون عن عضوية الائتلاف في خطوة المسلط نوعا من الانقلاب على الشرعية، ينظر آخرون إلى الوضع الجديد باعتباره خطوة إصلاحية، حتى وإن لم تصب تلك الإصلاحات في ما طالب به السوريون طويلا، فلم تُبعد أحدا ممن هيمنوا على قرار الائتلاف وتوجهاته، بل استهدفت من هم أقل فعالية وتأثيرا مع الإبقاء على رؤوس أينعت لكن يبدو أن قطافها لم يحن بعد.
بنظام داخلي جديد يستجيب للانتقادات الموجهة إلى قيادة المعارضة السورية، لاسيما المتعلق منها بتداول السلطة داخل مؤسساتها وفترات الولاية، يتصوّر الائتلاف أنه قد طوّق المشروع التركي – العربي، وأن الأمر قضي عند هذا الحد.
الإخوان المسلمون سارعوا إلى انتقاد تلك القرارات، معتبرين أنهم مستهدفون، حتى أن بعض شخصياتهم، وكما هو حال الخطاب الإخواني المتكرر، اعتبرت أن قرارات المسلط “انقلاب” مشبهين إياها بما حصل في تونس، في مواصلة لمشوار الأوهام الذي يجعل من قضية محلية جزءا من قضية أكبر، دون النظر في الأداء والمسار الطويل الذي قادوا به، أو تحكموا خلاله بقرار المعارضة السورية، في الكثير من الأحيان كان ذلك التعنت مجانيا يهدف للحفاظ على مصالحهم ووجودهم أكثر منه تشبثا برؤية وطنية عامة. ومن جانب آخر لم يتعظ الذين سلّموا قيادهم لغيرهم من بقية الأطياف أن السياسة رؤى وبرامج يجب أن تتكامل دون أن يطغى أي منها على الآخر، لا بشراء ولائه ولا بالتحكّم بمواقفه بوسائل لا عدّ لها ولا حصر.
حالة المؤسسات السورية المعارضة كانت قد وصلت إلى درك لا يمكن تجاهله ولا تغطيته لا بغربال ولا بورقة توت، وكان يمكن للإخفاق في الأداء أن يكون مفهوما متقبّلا لو أنه تجاور مع اعتراف بالأخطاء السياسية وتراجع عنها وتصحيح لها، لكنه ترافق مع إصرار على الرقص في الظلام، منتقلا من حسبة خاطئة إلى حسبة خاطئة أخرى. وكأن أحدا لا يراهم ولا يراقب ما يفعلون، حتى ضاقت عليهم الدائرة وخنقها راعيها بيديه.
فقدت المعارضة السورية بوصلتها منذ أن تخلّت عن الدور العربي الذي يحفظه العرب لسوريا، ومثلما حوّل الأسد نفسه إلى ورقة روسية – إيرانية حوّلت المعارضة السورية نفسها إلى ورقة، متمثلة أداء النظام
المشهد السياسي تغير كثيرا منذ العام 2012 حين تأسس الائتلاف في العاصمة القطرية الدوحة التي اشتكى رئيس وزرائها السابق الشيخ حمد بن جاسم آل ثاني مؤخرا مما اعتبره فوضى و”بزنس” في صفوف المعارضة السورية، وقد كان لكلماته وقع الصدمة في آذان أولئك، بنفس الدرجة التي أصاب بها آذان الإخوان في مصر الذين وصفهم بأنهم عاجزون عن إدارة “دكان”. وتلك المتغيرات التي طرأت على الملف السوري لم تواكبها أي تطويرات لرؤية وأداء المعارضة السورية، العكس تماما هو ما حدث، ولكما استجدّت معطيات في الإقليم والأوضاع الدولية رأيت قيادات المعارضة أكثر انغلاقا على قضايا لم تعد تهمّ أحدا، مثل نظام داخلي وإصلاح هيئات وغيرها. بينما نسوا تماما صراعهم مع الأسد وحولوه إلى مناسبات وفعاليات واحتفاليات في ظل أوضاع سورية صعبة سواء في الأحوال المعيشية في مناطق سيطرة الأسد، أو في تلك الخارجة عن سيطرته.
فقدت المعارضة السورية بوصلتها منذ أن تخلّت عن الدور العربي الذي يحفظه العرب لسوريا، ومثلما حوّل الأسد نفسه إلى ورقة روسية – إيرانية حوّلت المعارضة السورية نفسها إلى ورقة، متمثلة أداء النظام. الفارق أنها لا تملك ما تفاوض به، ولا ما تبيعه وتسوّق مقابله مواقفها التي تلاشت تماما وأصبحت مجرّد بيانات يمكن لأي تيار أو حزب سياسي صغير أن يحدث ردود فعل بمثلها أكثر مما تحدثه هي.
تحويل الائتلاف إلى منصة، مثلها مثل بقية المنصات السياسية السورية المعارضة، ليس مشروعا تركيا، فهذا تحصيل حاصل. لكن استمرار الائتلاف بالصورة التي هو عليها لم يعد مقبولا حتى من قبل تركيا ذاتها، فكيف ستتقبله الدول العربية في الطريق إلى حلّ للمسألة السورية وفق قرارات مجلس الأمن؟
ما يزال الإسلام السياسي موجودا في سدة الائتلاف، وإن أظهر الإخوان استياءهم من إبعاد بعض شخوصهم أو الموالين لهم، وما تزال الفقاعات السياسية “الليبرالية” التي خلقتها حال الترهّل في مواقعها، مستعدة للعمل بالطريقة ذاتها دون إيلاء أي أهمية للزمن الذي تآكلت فيه شرعية مؤسسة أوكل إليها المجتمع الدولي مهمة تمثيل الثورة السورية بالدرجة الأولى، وقيادة مشروع توحيد كلمة السوريين بدرجة تالية، فأخفقت في المهمة الأولى بقدر ما أخفقت في الثانية.
خشية الائتلاف من تهديد قد يطال شرعيته، سواء صدر من رئيس الوزراء المنشق رياض حجاب، أو من الشارع السوري الغاضب من أداء الائتلاف وهيئة التفاوض واللجنة الدستورية التي وصفها المندوب الفرنسي لدى الأمم المتحدة نيكولا دو ريفيير بأنّها صارت “مجرد مزحة”، وسط تعنّت النظام السوري وعرّابيه، أو حتى قلق شخوص المعارضة الرسمية من تمرّد داخلي قد يباغتهم، كل هذا جعل الائتلاف يحاول التشاطر على الجميع، بطرح تغيير لا يقدّم ولا يؤخر، سرعان ما ستتكشف نتائجه بعد ساعات من إجرائه.
وفي حقيقة الأمر، التغيير الذي أرادت له تركيا أن يكون مكمّلا للعديد من الخطوات التي اتخذتها مؤخرا لتذليل العقبات أمام تطبيع علاقاتها مع الرياض والقاهرة، ومن قبلهما أبوظبي، لم يبدأ بعد، وهو تغيير كان سيشمل جهات ذات وزن داخل الائتلاف ومن ثم هيئة التفاوض واللجنة الدستورية، وما الإجراءات التي اتخذها رئيس الائتلاف ومن حوله سوى نوع من الالتفاف الاستباقي على التوجّه التركي – العربي، كي لا يطالهم التغيير حين يقع.
---------
العرب