الجميع يعرف أن الحريري كان قد اعتزل العمل السياسي في مطلع العام 2022، ودعا أنصاره وأعضاء حزبه إلى مقاطعة الانتخابات النيابية في أيار 2022.
استغل السنيورة هذا الفراغ ودخل تلك الانتخابات عن طريق دعم لائحة سنية، معلناً كسر عصا الطاعة وانتفاضته على حليف الأمس وابن صديقه الصدوق رفيق الحريري، الذي لولاه لما كان السنيورة وصل إلى ما وصل إليه، لا مادياً أو سياسياً.
مساعي السنيورة البرلمانية لم تنجح، بسبب عدم قدرته في الحصول على دعم مادي لمرشحيه من المملكة العربية السعودية، وانتقل الصراع بينه وبين الحريري إلى انتخابات المجلس الشرعي الإسلامي الأعلى، المحددة في 1 تشرين الأول المقبل.
تعثر عودة سعد الحريري.
الحريري لم يقلها علناً ولكن المراقب الدقيق لتطورات المشهد اللبناني الداخلي يعلم جيداً أنه ينوي العودة إلى السياسة ن بوابة تلك الانتخابات، للهيمنة على المجلس الإسلامي وتعيين مفتي جديد للجمهورية مع بتر يد السنيورة في أعلى مؤسسة دينية في لبنان.
في 7-8 أيلول، توجه أحمد الحريري – بتكليف من الرئيس الحريري – إلى قرى البقاع لاستعادة قاعدة حركة المستقبل الشعبية، والتي كان السنيورة قد تمكن من خرقها في عدة مناطق.
التقي الرئيس الحريري في مقر إقامته في أبو ظبي مع موفد من السعودية في مطلع شهر أيلول الجاري وسمع منه نفس الكلام، أن المملكة لا ترغب بالدخول في صغائر الأمور اللبنانية – أي أنها غير مهتمة بدعمه بعد اليوم، وهو أمر متوقع نظراً لانعدام الود بينه وبين والي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان.
مع ذلك قرر الحريري خوض انتخابات المجلس الإسلامي الأعلى، بما تبقى له من مال ورصيد في الأوساط السنية. كثيرون قرروا دعمه، إما خوفاً من المجهول أو نظراً لعدم ثقتهم بالسنيورة الذي اعتبروه منشقاً عن الحريرية السياسية وناكراً لفضل رفيق الحريري عليه.
وهناك كثيرون دعموا الحريري الابن لأنه يبقى الوجه السني الوحيد – في نظرهم – القادر على الوقوف في وجه حزب الله.
أما في الرياض فكانت نظرة مختلفة. الحكم القائم في السعودية منذ وفاة الملك عبد الله بن عبد العزيز – ربيب الحريري الأب والابن – لا ينظر إلى سعد الحريري بكثير من الإعجاب.
لا بل يعتقد الكثير من المسؤولين السعوديين انه غير جدير بالدعم الكبير الذي كان قد تلقاه من المملكة أثناء تواجده الأخير في السراي الحكومي لأنه كان ضعيفاً في وجه حزب الله.
حاولت السعودية البحث عن بدائل، مثل أخيه بهاء الحريري وفؤاد السنيورة، وتبين لها سريعاً أنهما مثله، لا يستطيعون مجابهة النفوذ الإيراني في لبنان. تعاملت أيضاً مع سمير جعجع، رئيس القوات اللبنانية، وكان على أتم استعداد للقيام بهذه المهمة، وأشهر السلاح في وجه حزب الله وقتل ستة منهم في أحداث الطيّونة الدامية في تشرين الأول 2021.
ولكن سلاح جعجع لا يوفي بالغرض لأنه مرفوض إسلامياً في لبنان لكونه سلاحاً مسيحياً بالمطلق، وقد يؤدي حمله نتيجة عكسية ويجعل المسلمين يقفون خلف حزب الله في حال تحول الصراع من “سني – شيعي” إلى “مسلم – مسيحي.”.
وهنا قررت السعودية أن يكون حليفها المقبل الشيخ عبد اللطيف دريان، وهو مختلف عن كل القيادات السنية التقليدية التي عرفتها البلاد ابتداء من رياض الصلح في مرحلة الأربعينيات مروراً بصائب سلام في الخمسينيات ورفيق الحريري في التسعينيات.
المفتي دريان لا يملك مالاً وفيراً مثل الحريري ولا يقف خلفه إرث سياسي أو عائلة تاريخية مثل آل سلام وآل الصلح أو آل كرامي في طرابلس. يدياه غير ملطختان بالدم – أي أنه لم يحمل السلاح يومهاً في حياته ولم يدخل في ميليشيا أو حزب.
قضى سنوات الحرب الأهلية في تحصيله العلمي، في الجامعة الإسلامية في المدينة المنورة ثم في الأزهر الشريف في مصر، وعاد ليكون أمين سر المفتي حسن خالد في بيروت، الذي اغتيل وهو يغادر دار الفتوى سنة 1989.
انتخب أميناً لسر خلفه غير المباشر محمد رشيد قباني عام 1991 وكان قاضي بيروت الشرعي ورئيس محاكم لبنان السنية قبل انتخابه مفتياً للبلاد في 10 آب 2014.
بين مفتي القدس ومفتي بيروت.
بالمختصر، هو نظيف اليد والسمعة، قادر على ترأس الطائفة السنية، في غياب أي شخصية مدنية أو سياسية أخرى. تاريخياً لا تذهب الزعامة إلى رجل دين في بلد متنوع وغني بمشاربه إلا في حال غياب بدائل تقليدية مدنية، وهو ما حدث في فلسطين بعد تحيّد طبقتها السياسية في ثلاثينيات القرن العشرين، عندما ذابوا في صراعاتهم الداخلية ونسوا التهديد المباشر لهم، من الإنكليز ومن الهجرة اليهودية المتزايدة من أوروبا.
يومها ظهر مفتي القدس الحاج أمين الحسيني ونصّب نفسه زعيماً على الفلسطينيين، وأطاح كل الأعيان التقليدين من آل النشاشيبي والخالدي والحسني أيضاً.
استمد الشرعية من عمامته البيضاء ومن موقعه المرموق بين الأئمة والدعاة والمفسرين والقارئين والعلماء، وظلّ متربعاً على الزعامة إلى أن جاء ياسر عرفات ( المهندس أحمد القدوة ) وأطاح به في منتصف ستينيات القرن الماضي.
وفي لبنان، وبترتيب سعودي – مصري، اجتمع أعضاء المجلس الإسلامي في منتصف شهر أيلول سبتمبر الجاري وصوتوا لولاية ثانية للمفتي دريان، ضاربين بعرض الحائط مساعي الحريري والسنيورة، الذي كان قد خرج ببيان رسمي في 7 أيلول 2023، طالباً إلى المفتي عدم تجديد ولايته.
جُددت ولاية المفتي خمس سنوات، وعدّل سن التقاعد في دار الإفتاء ليصبح 76 عاماً، تمشياً مع عمره. المفتي من تولد عام 1953 وسيبلغ تلك العتبة العمرية سنة 2029. وإلى أن يحدث ذلك بعد ست سنوات، سيكون دار الإفتاء محجاً لأهل السنة والجماعة، تماماً كما كان قصر المصيطبة في عهد صائب سلام وقصر قريطم في عهد الحريري الأب والابن.
في مكتبه المزين بآيات قرآنية ستشكل لوائح الانتخابات النيابية المقبلة، وتخصص الحقائب الوزارية للسنة. أولى تحدياته ستكون في انتخابات المجلس الإسلامي الأعلى بعد قرابة الأسبوعين من الآن التي ينوي الحريري والسنيورة خوضها في العاصمة بيروت، حيث يتنافس 35 مرشح على مقاعد المجلس الثمانية.
-----------
الناس نيوز
استغل السنيورة هذا الفراغ ودخل تلك الانتخابات عن طريق دعم لائحة سنية، معلناً كسر عصا الطاعة وانتفاضته على حليف الأمس وابن صديقه الصدوق رفيق الحريري، الذي لولاه لما كان السنيورة وصل إلى ما وصل إليه، لا مادياً أو سياسياً.
مساعي السنيورة البرلمانية لم تنجح، بسبب عدم قدرته في الحصول على دعم مادي لمرشحيه من المملكة العربية السعودية، وانتقل الصراع بينه وبين الحريري إلى انتخابات المجلس الشرعي الإسلامي الأعلى، المحددة في 1 تشرين الأول المقبل.
تعثر عودة سعد الحريري.
الحريري لم يقلها علناً ولكن المراقب الدقيق لتطورات المشهد اللبناني الداخلي يعلم جيداً أنه ينوي العودة إلى السياسة ن بوابة تلك الانتخابات، للهيمنة على المجلس الإسلامي وتعيين مفتي جديد للجمهورية مع بتر يد السنيورة في أعلى مؤسسة دينية في لبنان.
في 7-8 أيلول، توجه أحمد الحريري – بتكليف من الرئيس الحريري – إلى قرى البقاع لاستعادة قاعدة حركة المستقبل الشعبية، والتي كان السنيورة قد تمكن من خرقها في عدة مناطق.
التقي الرئيس الحريري في مقر إقامته في أبو ظبي مع موفد من السعودية في مطلع شهر أيلول الجاري وسمع منه نفس الكلام، أن المملكة لا ترغب بالدخول في صغائر الأمور اللبنانية – أي أنها غير مهتمة بدعمه بعد اليوم، وهو أمر متوقع نظراً لانعدام الود بينه وبين والي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان.
مع ذلك قرر الحريري خوض انتخابات المجلس الإسلامي الأعلى، بما تبقى له من مال ورصيد في الأوساط السنية. كثيرون قرروا دعمه، إما خوفاً من المجهول أو نظراً لعدم ثقتهم بالسنيورة الذي اعتبروه منشقاً عن الحريرية السياسية وناكراً لفضل رفيق الحريري عليه.
وهناك كثيرون دعموا الحريري الابن لأنه يبقى الوجه السني الوحيد – في نظرهم – القادر على الوقوف في وجه حزب الله.
أما في الرياض فكانت نظرة مختلفة. الحكم القائم في السعودية منذ وفاة الملك عبد الله بن عبد العزيز – ربيب الحريري الأب والابن – لا ينظر إلى سعد الحريري بكثير من الإعجاب.
لا بل يعتقد الكثير من المسؤولين السعوديين انه غير جدير بالدعم الكبير الذي كان قد تلقاه من المملكة أثناء تواجده الأخير في السراي الحكومي لأنه كان ضعيفاً في وجه حزب الله.
حاولت السعودية البحث عن بدائل، مثل أخيه بهاء الحريري وفؤاد السنيورة، وتبين لها سريعاً أنهما مثله، لا يستطيعون مجابهة النفوذ الإيراني في لبنان. تعاملت أيضاً مع سمير جعجع، رئيس القوات اللبنانية، وكان على أتم استعداد للقيام بهذه المهمة، وأشهر السلاح في وجه حزب الله وقتل ستة منهم في أحداث الطيّونة الدامية في تشرين الأول 2021.
ولكن سلاح جعجع لا يوفي بالغرض لأنه مرفوض إسلامياً في لبنان لكونه سلاحاً مسيحياً بالمطلق، وقد يؤدي حمله نتيجة عكسية ويجعل المسلمين يقفون خلف حزب الله في حال تحول الصراع من “سني – شيعي” إلى “مسلم – مسيحي.”.
وهنا قررت السعودية أن يكون حليفها المقبل الشيخ عبد اللطيف دريان، وهو مختلف عن كل القيادات السنية التقليدية التي عرفتها البلاد ابتداء من رياض الصلح في مرحلة الأربعينيات مروراً بصائب سلام في الخمسينيات ورفيق الحريري في التسعينيات.
المفتي دريان لا يملك مالاً وفيراً مثل الحريري ولا يقف خلفه إرث سياسي أو عائلة تاريخية مثل آل سلام وآل الصلح أو آل كرامي في طرابلس. يدياه غير ملطختان بالدم – أي أنه لم يحمل السلاح يومهاً في حياته ولم يدخل في ميليشيا أو حزب.
قضى سنوات الحرب الأهلية في تحصيله العلمي، في الجامعة الإسلامية في المدينة المنورة ثم في الأزهر الشريف في مصر، وعاد ليكون أمين سر المفتي حسن خالد في بيروت، الذي اغتيل وهو يغادر دار الفتوى سنة 1989.
انتخب أميناً لسر خلفه غير المباشر محمد رشيد قباني عام 1991 وكان قاضي بيروت الشرعي ورئيس محاكم لبنان السنية قبل انتخابه مفتياً للبلاد في 10 آب 2014.
بين مفتي القدس ومفتي بيروت.
بالمختصر، هو نظيف اليد والسمعة، قادر على ترأس الطائفة السنية، في غياب أي شخصية مدنية أو سياسية أخرى. تاريخياً لا تذهب الزعامة إلى رجل دين في بلد متنوع وغني بمشاربه إلا في حال غياب بدائل تقليدية مدنية، وهو ما حدث في فلسطين بعد تحيّد طبقتها السياسية في ثلاثينيات القرن العشرين، عندما ذابوا في صراعاتهم الداخلية ونسوا التهديد المباشر لهم، من الإنكليز ومن الهجرة اليهودية المتزايدة من أوروبا.
يومها ظهر مفتي القدس الحاج أمين الحسيني ونصّب نفسه زعيماً على الفلسطينيين، وأطاح كل الأعيان التقليدين من آل النشاشيبي والخالدي والحسني أيضاً.
استمد الشرعية من عمامته البيضاء ومن موقعه المرموق بين الأئمة والدعاة والمفسرين والقارئين والعلماء، وظلّ متربعاً على الزعامة إلى أن جاء ياسر عرفات ( المهندس أحمد القدوة ) وأطاح به في منتصف ستينيات القرن الماضي.
وفي لبنان، وبترتيب سعودي – مصري، اجتمع أعضاء المجلس الإسلامي في منتصف شهر أيلول سبتمبر الجاري وصوتوا لولاية ثانية للمفتي دريان، ضاربين بعرض الحائط مساعي الحريري والسنيورة، الذي كان قد خرج ببيان رسمي في 7 أيلول 2023، طالباً إلى المفتي عدم تجديد ولايته.
جُددت ولاية المفتي خمس سنوات، وعدّل سن التقاعد في دار الإفتاء ليصبح 76 عاماً، تمشياً مع عمره. المفتي من تولد عام 1953 وسيبلغ تلك العتبة العمرية سنة 2029. وإلى أن يحدث ذلك بعد ست سنوات، سيكون دار الإفتاء محجاً لأهل السنة والجماعة، تماماً كما كان قصر المصيطبة في عهد صائب سلام وقصر قريطم في عهد الحريري الأب والابن.
في مكتبه المزين بآيات قرآنية ستشكل لوائح الانتخابات النيابية المقبلة، وتخصص الحقائب الوزارية للسنة. أولى تحدياته ستكون في انتخابات المجلس الإسلامي الأعلى بعد قرابة الأسبوعين من الآن التي ينوي الحريري والسنيورة خوضها في العاصمة بيروت، حيث يتنافس 35 مرشح على مقاعد المجلس الثمانية.
-----------
الناس نيوز