إلى هنا لاتزال الحكاية عادية ومفرحة أن صار للعرب «بوكر»، ومناسبة يكرمون فيها مبدعاً، ويروجون فيها لمنجز أدبي مهم يستحق الترويج والترجمة إلى اللغات الحية والميتة، غير أن هذا الفرع الغض الذي بلغ عامه الثالث لم يسلم من التشويه وليّ العنق، وتحويل الفرحة فيه إلى حزن حقيقي على الثقافة العربية التي صارت مؤسساتها والعاملون فيها لا يختلفون عن أي مؤسسة عربية يسكنها الفساد والمحسوبيات والوساطات و«شيلني وشيلك»، و«تراعيني قيراط أراعيك قيراطين». ومادمنا تحدثنا، منذ البداية، عن الهدوء والرصانة اللذين عُرفت بهما هذه الجائزة العريقة، تعالوا ننظر إلى الضوضاء التي أثارها الفرع العربي الغض، ضوضاء تؤكد العلاقة العضوية التي تجمع العرب بالظواهر الصوتية، نعم.. نحن ظاهرة صوتية، ندمن الضوضاء في كل ما نفعله، وندمن لعبة التشكيك، والريبة من أي شيء، فإذا مات لشخصٍ عزيزٌ في أحد المستشفيات لابد أن يكون الطبيب الجراح مُقصرا، وإذا جاء التلميذ ببضع علامات ناقصة لابد أن يكون ضحية الهيئة التدريسية، وإذا خسرنا لعبة كرة قدم، سيكون الحكم منحازا، وإذا خسرنا حربا نكون ضحية إحدى مؤامرات الإمبريالية والرجعية، وإذا خسرت المؤسسة تكون بسبب علاقة المدير بالسكرتيرة،وإذا انتقد أحدهم مقعدا في حديقة يكون عميلا لجهات خارجية. الحقيقة أننا كائنات اعتادت الصخب، نتحدث على الهاتف النقال كأننا نصرخ لأحد ما، نعيش قصص حب تنتهي بفضائح، بائع اسطوانات الغاز «يدوش» الدنيا، بائع المازوت يخترق جدار الصوت، موجه المدرسة يفتِل رؤوسنا بالشعارات والأقوال الحكيمة، حتى قططنا تموء كأنها نمور وليست حيوانات أليفة، كل ما نفعله يتطلب جعجعة، في أعراسنا تُطلق الأعيرة النارية، في المآتم يضجر صريخنا الموتى الذين ترتسم على وجوههم ملامح الضيق ولسان حالهم يقول «ادفنوني كرمال الله».
الضوضاء التي رافقت تأسيس هذه الجائزة والمؤتمرات الصحافية، والحوارات، والتصريحات، والشيكات، والسفريات، والأسماء الكبيرة، المحترمة والمشبوهة، جعلتنا نشعر بأننا أمام المنعطف الذي سيغير حال الثقافة العربية ويرفع لواء المبدعين ويدفعهم إلى الأمام بعد قرون من الركض إلى الخلف، غير أن ضوضاء الفرح هذه لم يُطل بها المطاف حتى تحولت إلى ضوضاء من التشكيك، والاتهامات، والانسحابات، والمعارك السجالية، كتابة، وملاسنة. لسبب رئيس هو أن كل ما نقوم به يفتقد إلى شيء اسمه صدقية والبعض يقول عنه شفافية، وأننا نعشق صناعة أروقة خلفية لكل شيء، وأن مجموعة من الفقاعات الابداعية صارت تسيطر على كل ما له علاقة بالإبداع العربي وتتحكم فيه وفي ملمحه ومزاجه ومستقبله، والمشكلة الكبرى أن هذه الفقاعات تسيطر أيضا على المنابر الاعلامية التي يمكن لها أن تفضح أو أن تشير إلى الخلل. يوما ما كنا نراهن على أن الثقافة هي ما سيبقى لنا بعد كل هذا الخراب، وأن المبدع العربي سيكون آخر من سيسقط في شرك الفساد، لكن الذي يحدث اليوم هو أكثر من مآساة، لأن بعضهم صار دوره أبشع من أي دكتاتور أبله، وخرابة أثره أكثر قسوة على حياتنا التي صارت تمشي على مئة عكازة، وخيبات متلاحقة.
----------------------------------
الامارات اليوم
hazemm75@hotmail.com
الضوضاء التي رافقت تأسيس هذه الجائزة والمؤتمرات الصحافية، والحوارات، والتصريحات، والشيكات، والسفريات، والأسماء الكبيرة، المحترمة والمشبوهة، جعلتنا نشعر بأننا أمام المنعطف الذي سيغير حال الثقافة العربية ويرفع لواء المبدعين ويدفعهم إلى الأمام بعد قرون من الركض إلى الخلف، غير أن ضوضاء الفرح هذه لم يُطل بها المطاف حتى تحولت إلى ضوضاء من التشكيك، والاتهامات، والانسحابات، والمعارك السجالية، كتابة، وملاسنة. لسبب رئيس هو أن كل ما نقوم به يفتقد إلى شيء اسمه صدقية والبعض يقول عنه شفافية، وأننا نعشق صناعة أروقة خلفية لكل شيء، وأن مجموعة من الفقاعات الابداعية صارت تسيطر على كل ما له علاقة بالإبداع العربي وتتحكم فيه وفي ملمحه ومزاجه ومستقبله، والمشكلة الكبرى أن هذه الفقاعات تسيطر أيضا على المنابر الاعلامية التي يمكن لها أن تفضح أو أن تشير إلى الخلل. يوما ما كنا نراهن على أن الثقافة هي ما سيبقى لنا بعد كل هذا الخراب، وأن المبدع العربي سيكون آخر من سيسقط في شرك الفساد، لكن الذي يحدث اليوم هو أكثر من مآساة، لأن بعضهم صار دوره أبشع من أي دكتاتور أبله، وخرابة أثره أكثر قسوة على حياتنا التي صارت تمشي على مئة عكازة، وخيبات متلاحقة.
----------------------------------
الامارات اليوم
hazemm75@hotmail.com