إن هناك في طهران من ينشغلون كثيرا بتسويق الجمهورية الإسلامية في الوسط السني العربي. وتعتبر الجمهورية الإسلامية الإيرانية بحق لاعبا ماهرا في التعاطي الدعائي مع محيطها العربي خاصة. كما يخدم السلوك السياسي الداخلي والخارجي الصورة العامة للدولة.
من سوء حظ إيران أن الثورة السورية كشفت تقية السياسة الخارجية الإيرانية. صانع القرار الخارجي في إيران يتذاكي منذ زمن طويل في التعامل مع المحيط العربي تحديدا. وقد حققت سياسة التذاكي بعض النجاحات في إخفاء الوجه الطائفي علي صعيد التعامل مع القضايا العربية وبالذات الفلسطينية. تري هل هناك بصيص أمل في أن تتغير سياسة التذاكي وتتوقف إيران عن دعمها للديكتاتور بشار الأسد وعصابته الحاكمة؟. الرئيس المصري المنتخب محمد مرسي قدم حبل الإنقاذ إلي الأسد في شكل المبادرة الرباعية,ومع ذلك فلا يزال يرفضها, والسبب هو استمرار الدعم الإيراني المالي والعسكري. أما علي المستوي الدولي فالديكتاتور يعتمد علي روسيا والصين.
إيران الرسمية الآن علي مفترق طرق, إما أن تواصل انحيازها الصريح إلي نظام دموي قاتل لشعبه.وهذا الخيار يجعل إيرانتخسر سمعتها ومصالحها عند مئات الملايين من المسلمين السنة, أو تنحو نحو الخيار الثاني فتثوب إلي الرشد المذهبي والسياسي وتتخلي عن السفاح لتكسب رضا أمتها قبل فوات الأوان.
إن إيران المحاصرة والمعرضة للهجوم الإسرائيلي الأمريكي في أي لحظة يجب أن تعلم علم اليقين أنها ستحرم من نجدة نحو مليار وربع مليار مسلم سني ـ إذا وقع عليها العدوان لا قدر الله ـ ومن هنا فإن علي صناع القرار في إيرانإعادة النظر في عواقبالانحياز لنظام دموي قاتل لا تتجاوز قاعدته البشرية العلوية ملايين قليلة.
لست ممن تستهويهم كثيرا نظرية المؤامرة بشأن العلاقات الإيرانية ـ الأمريكية أو الصهيونية, لكن الإصرار الإيراني علي التحالف مع الأسد من شأنه تدعيم نظرية التآمر الإيراني الأمريكي ـ الإسرائيلي علي ثورة سوريا.
تعتبر إيران نفسها دولة ذات حضارة عريقة ممتدة في التاريخ لآلاف السنين, وجاء وقت استطاعت فيه الامبراطورية الفارسية السيطرة علي أجزاء كبيرة في العالم القديم. وتشعر إيران بالفخر والندية في علاقاتها بالحضارات الأخري غربية كانت أو شرقية. الحضارة الإسلامية اللاحقة مدينة لحضارة الفرس ببعض النظم الإدارية, وبعدد لا بأس به من المفكرين والمفسرين واللغويين.
وعلي المستوي الاستراتيجي تحرص إيران المعاصرة علي إظهار نفسها بمظهر الأمة القوية بحكم أن لديها حدودا قلقة: ففي الشمال بحر قزوين الغني بالنفط والغاز. ومن ثم فهناك أطماع خارجية. وفي الجنوب تقع دول الخليج بحدود يبلغ طولها ألف وثمانمائة وثمانين كم, حيث الخزان الطبيعي الأكبر للنفط والغاز, وحيث مضيق هرمز. التدخلات الأجنبية بأشكالها الصريحة والمتخفية موجودة بالفعل من قديم. وعلي الجانب الآخر هناك باكستان التي تمتلك قوة نووية. أما العراق, فالعداوة الإيرانية معه ظلت مستمرة منذ عهد الشاه, إلي أن وصل النظام البعثي السابق إلي الحكم فناصب الثورة الإيرانية العداء من بدايتها.
ثم تدهورت الأمور إلي حرب الثماني سنوات. وفي 2003 حط العم سام بترسانته العسكرية الثقيلة في العراق فأصبح الأمريكيون قاب قوسين أو أدني من الجمهورية الإسلامية الموسومة بـ محور الشر. وبما أن إيران دولة غنية باحتياطيات النفط والغاز, وبما أن موقعها الجغرافي مهم واستراتيجي, فمن حقها أن تكون لاعبا إقليميا له دور كبير في المنطقة, ولكن أمريكا تريد منعها أو منافستها في ذلك.. إيران تخشي أن تفرض عليها الحرب ولهذا تتعمد من حين لآخر استعراض قوتها العسكرية الصاروخية وتقوم بمناورات برية وبحرية.
الثورة الإيرانية ظلت تقدم نفسها منذ 1979 للشارع العربي المقموع كنموذج نجاح أطاح بديكتاتورية الشاه المدعوم غربيا. ثم أخذت إيران كدولة تقدم نفسها علي أنها, ربما أكثر من غيرها, تعيد الاعتبار للإسلام والقضية الفلسطينية. الموقف المناوئ لإسرائيل يعطي إيران جزءا من شرعيتها بين دول العالمين العربي والإسلامي. طهران طردت سفارة إسرائيل وأحلت محلها سفارة للفلسطينيين, بل واحتضنت مكاتب لمنظمتي المقاومة الفلسطينية الجهاد وحماس.
لكن إيران المحاصرة والمعاقبة منذ الثورة وحتي اليوم تشعر بأن جيرانها العرب لم ينصفوها. بالطبع تدرك إيران أنها كدولة شيعية المذهب محاطة بأغلبية سنية, كما تدرك قياداتها الفكرية والسياسية الواعية أن الدولة كلما اتجهت نحو التشدد وسيطر عليها المحافظون, كلما ازداد نفور محيطها العربي السني منها. يجب أن تتزايد ضغوط الداخل الإيراني المعتدل والضغوط العربية والإسلامية علي النظام الإيراني كي ينحو إلي العقلانية ويحسب حساب الخسائر المترتبة علي استمرار الانحياز إلي الجزار بشار ونظامه الدموي.
ومن حسن الطالع أن مصر الرسمية في شخص رئيسها الدكتور مرسي أوصل بنفسه هذه الرسالة إلي الإيرانيين في عقر دارهم. أما مصر الشعبية فأظن أن التيار الإسلامي المعتدل ممثلا في جماعة الإخوان وحزبها لا يزال يفتح الباب لعودة إيران إلي رشدها العقيدي في نطاق التعامل الخارجي وبالذات مع الثورة السورية. ومن تصاريف القدر أن القاهرة تشهد في الأسبوع الحالي والقادم فعاليتين علميتين بحثيتين من شأنهما كشف خطايا التشدد الطائفي الإيراني. الفعالية الأولي بدأت الأحد بإشراف الدكتور محمد عمارة في قاعة الإمام محمد عبده بالأزهر الشريف. أما الأخري فمؤتمر علمي يشارك فيه عدد من الباحثين المصريين والعرب والإيرانيين ويتناول الدور الإيراني في سوريا
-------------------------
الاهرام
إيران الرسمية الآن علي مفترق طرق, إما أن تواصل انحيازها الصريح إلي نظام دموي قاتل لشعبه.وهذا الخيار يجعل إيرانتخسر سمعتها ومصالحها عند مئات الملايين من المسلمين السنة, أو تنحو نحو الخيار الثاني فتثوب إلي الرشد المذهبي والسياسي وتتخلي عن السفاح لتكسب رضا أمتها قبل فوات الأوان.
إن إيران المحاصرة والمعرضة للهجوم الإسرائيلي الأمريكي في أي لحظة يجب أن تعلم علم اليقين أنها ستحرم من نجدة نحو مليار وربع مليار مسلم سني ـ إذا وقع عليها العدوان لا قدر الله ـ ومن هنا فإن علي صناع القرار في إيرانإعادة النظر في عواقبالانحياز لنظام دموي قاتل لا تتجاوز قاعدته البشرية العلوية ملايين قليلة.
لست ممن تستهويهم كثيرا نظرية المؤامرة بشأن العلاقات الإيرانية ـ الأمريكية أو الصهيونية, لكن الإصرار الإيراني علي التحالف مع الأسد من شأنه تدعيم نظرية التآمر الإيراني الأمريكي ـ الإسرائيلي علي ثورة سوريا.
تعتبر إيران نفسها دولة ذات حضارة عريقة ممتدة في التاريخ لآلاف السنين, وجاء وقت استطاعت فيه الامبراطورية الفارسية السيطرة علي أجزاء كبيرة في العالم القديم. وتشعر إيران بالفخر والندية في علاقاتها بالحضارات الأخري غربية كانت أو شرقية. الحضارة الإسلامية اللاحقة مدينة لحضارة الفرس ببعض النظم الإدارية, وبعدد لا بأس به من المفكرين والمفسرين واللغويين.
وعلي المستوي الاستراتيجي تحرص إيران المعاصرة علي إظهار نفسها بمظهر الأمة القوية بحكم أن لديها حدودا قلقة: ففي الشمال بحر قزوين الغني بالنفط والغاز. ومن ثم فهناك أطماع خارجية. وفي الجنوب تقع دول الخليج بحدود يبلغ طولها ألف وثمانمائة وثمانين كم, حيث الخزان الطبيعي الأكبر للنفط والغاز, وحيث مضيق هرمز. التدخلات الأجنبية بأشكالها الصريحة والمتخفية موجودة بالفعل من قديم. وعلي الجانب الآخر هناك باكستان التي تمتلك قوة نووية. أما العراق, فالعداوة الإيرانية معه ظلت مستمرة منذ عهد الشاه, إلي أن وصل النظام البعثي السابق إلي الحكم فناصب الثورة الإيرانية العداء من بدايتها.
ثم تدهورت الأمور إلي حرب الثماني سنوات. وفي 2003 حط العم سام بترسانته العسكرية الثقيلة في العراق فأصبح الأمريكيون قاب قوسين أو أدني من الجمهورية الإسلامية الموسومة بـ محور الشر. وبما أن إيران دولة غنية باحتياطيات النفط والغاز, وبما أن موقعها الجغرافي مهم واستراتيجي, فمن حقها أن تكون لاعبا إقليميا له دور كبير في المنطقة, ولكن أمريكا تريد منعها أو منافستها في ذلك.. إيران تخشي أن تفرض عليها الحرب ولهذا تتعمد من حين لآخر استعراض قوتها العسكرية الصاروخية وتقوم بمناورات برية وبحرية.
الثورة الإيرانية ظلت تقدم نفسها منذ 1979 للشارع العربي المقموع كنموذج نجاح أطاح بديكتاتورية الشاه المدعوم غربيا. ثم أخذت إيران كدولة تقدم نفسها علي أنها, ربما أكثر من غيرها, تعيد الاعتبار للإسلام والقضية الفلسطينية. الموقف المناوئ لإسرائيل يعطي إيران جزءا من شرعيتها بين دول العالمين العربي والإسلامي. طهران طردت سفارة إسرائيل وأحلت محلها سفارة للفلسطينيين, بل واحتضنت مكاتب لمنظمتي المقاومة الفلسطينية الجهاد وحماس.
لكن إيران المحاصرة والمعاقبة منذ الثورة وحتي اليوم تشعر بأن جيرانها العرب لم ينصفوها. بالطبع تدرك إيران أنها كدولة شيعية المذهب محاطة بأغلبية سنية, كما تدرك قياداتها الفكرية والسياسية الواعية أن الدولة كلما اتجهت نحو التشدد وسيطر عليها المحافظون, كلما ازداد نفور محيطها العربي السني منها. يجب أن تتزايد ضغوط الداخل الإيراني المعتدل والضغوط العربية والإسلامية علي النظام الإيراني كي ينحو إلي العقلانية ويحسب حساب الخسائر المترتبة علي استمرار الانحياز إلي الجزار بشار ونظامه الدموي.
ومن حسن الطالع أن مصر الرسمية في شخص رئيسها الدكتور مرسي أوصل بنفسه هذه الرسالة إلي الإيرانيين في عقر دارهم. أما مصر الشعبية فأظن أن التيار الإسلامي المعتدل ممثلا في جماعة الإخوان وحزبها لا يزال يفتح الباب لعودة إيران إلي رشدها العقيدي في نطاق التعامل الخارجي وبالذات مع الثورة السورية. ومن تصاريف القدر أن القاهرة تشهد في الأسبوع الحالي والقادم فعاليتين علميتين بحثيتين من شأنهما كشف خطايا التشدد الطائفي الإيراني. الفعالية الأولي بدأت الأحد بإشراف الدكتور محمد عمارة في قاعة الإمام محمد عبده بالأزهر الشريف. أما الأخري فمؤتمر علمي يشارك فيه عدد من الباحثين المصريين والعرب والإيرانيين ويتناول الدور الإيراني في سوريا
-------------------------
الاهرام