بالنسبة لكثير من البلدان، بمن فيها الولايات المتحدة التي بنت سياساتها على أمل أنّ الأسد سينتهي به المطاف خارج السلطة، فإنّ صمود الأسد ربّما أتى مخيّباً للآمال. لكن نظراً لتدخلاتهم غير الحاسمة في الحرب، لا ينبغي أنّ تأتي النتيجة صادمة. مع ذلك، فإنّ واشنطن وحلفاءها بحاجة لتحسّب المسار المرّ لسوريا اليوم. النظام الذي يبدو أنه يخرج من الحرب الأهلية سيكون أشدّ قمعاً وأكثر فوضوية من ذلك الوحشيّ لكن المستقر الذي كان موجوداً قبل الحرب.
أولاً، من المهم فهم ماذا سيعني الانتصار. لكي يعتبر الأسد نفسه الفائز في هذا الصراع، تحتاج قوّاته لأن تبسط سلطتها على 40 بالمئة من الأراضي السورية، تتركز في الجزء الغربي من البلاد، حيث يعيش 60 إلى 70 بالمئة من السوريين. سيكون هدفاً عسكرياً أساسياً تأمين الطريق السريع بين الشمال والجنوب، والذي يربط دمشق بحمص، حماة، ومدينة حلب التي تشهد صراعاً محموماً. في الوقت نفسه، سيحتاج الأسد لمسح جيوب المقاومة خلف خطوط النظام الرئيسية (هذا بالضبط ما تم إنجازه في القصير والمنطقة المحيطة بحمص، مما أعطى مقاتلي الأسد إمكانية الوصول دون عائق إلى وادي البقاع ومناطق سيطرة حزب الله في لبنان). إذا حقق الأسد كل ذلك، سيكون قد نال سيطرة محكمة في دويلته المقوّضة إلى أجل غير مسمّى – وموقفاً مناسباً في أيّة مفاوضات مع المعارضة في نهاية المطاف.
بطبيعة الحال، إذا تمكّن الأسد من البقاء في السلطة فإنّ مستوى سيطرته على البلاد لن يكون كما هو قبل الحرب، البتّة. من ناحية، فإنَ متناول حكومته الجغرافي سيتقلّص: أجزاء من البلاد (تحديداً في الشمال الغربي وعلى طول نهر الفرات) ستبقى تحت سيطرة المعارضة السورية -بما فيها الجماعات الإرهابية المنظّمة- حتّى إن تخلّت المعارضة عن الهدف الحالي بإسقاط نظام الأسد.
حتى في تلك المناطق التي يحافظ فيها الأسد على هيمنته، فإن سلطته ستكون متقلّصة إلى حد كبير. لقد شنّ حرباً شاملة ضد بلده، لاجئاً إلى استخدام صواريخ السكود والمواد الكيميائية ضد السكان المدنيين. هذه التكتيكات قد تكون ساعدته للبقاء في السلطة، لكنها ستكون أيضاً قد كلّفته آخر أوراق شرعيّته الشعبية.
في المقابل، فإن الأسد سيلجاً أكثر فأكثر إلى القوة الوحشية لإبراز سلطته للسوريين. من المرجّح أن يستهدف حكم ما بعد الحرب، القائم على الترهيب، الأكثرية السنية من السكان، والتي قامت بالانتفاضة عليه. المناطق «المحررة» سابقاً في سوريا سيكون لها النصيب الأكبر من الخوف. إذا بذل النظام جهداً لاستعادة هذه المناطق، ولو مؤقتاً، فمن السهل أن نتصوّر آلافاً من السُّنّة يتمّ تطويقهم وإخضاعهم لأرخبيل السجون ومراكز التعذيب في البلاد. ومن المرجح أن يؤدي ذلك إلى موجات من اللاجئين الفارين للحفاظ على سلامتهم إلى مناطق سيطرة المعارضة الأخرى داخل سوريا أو إلى البلدان المجاورة.
إنّ أيّة حملة تطهير طائفي من هذا القبيل ستقوم بتشكيل المنطقة بأسرها بطرق جديدة. على الأرجح سيعتمد الأسد على الشبيحة، وهي ميليشيات علوية مدعومة من حزب الله والحرس الثوري الإيراني، للقيام بالقمع: على مدار الحرب، أثبتت هذه الميليشيات أنّه يمكن الاعتماد عليها أكثر من الأجهزة الأمنية التقليدية في إطباق الحصار على الجيوب التي تسيطر عليها المعارضة في سوريا (لقد تمّ استخدام الشبيحة مسبقاً لتهجير -وذبح، بحسب ما تدّعيه المعارضة- السُّنّة السوريين في حمص ووادي العاصي المجاور). بعبارة أخرى، ستنجرّ سوريا إلى تحالفات أعمق مع إيران وحزب الله. وردّاً على ذلك، فّإنّ الدول السنية في المنطقة ربّما تحاول أن تدعم تمرّداً سنيّاً مستمراً – حتى ولو عنى ذلك الاعتماد حصراً على الجهاديين الذين يمتلكون أجندتهم الخاصة.
والنتيجة: ربّما تبقى قوات حزب الله وإيران في سوريا إلى أجل غير مسمى، مُمَأسِسةً بشكل دائم ما كان في الأساس ترتيباً ظرفياً. أمّا التمرّد السني المدعوم خارجياً والغارق في مأزق مع الأسد، فمن المرجّح أن يبدأ التركيز على الإرهاب الدولي. من غير المرجّح أن تجد المعارضة السورية العلمانية موطئ قدم في تلك الأماكن غير المحكومة; أولئك الذين استطاعوا تجنّب التعذيب أو القتل على أيدي نظام الأسد سيحاولون تشكيل جيوبهم الخاصة بهم، أو الانضمام إلى موجات اللاجئين المجبرين على المنفى.
هناك أيضاً سؤال حول كيف يمكن للأسد أن يحاول إصلاح اقتصاد سوريا المدمّر. وفقاً لدراسة أجراها المركز السوري لأبحاث السياسات، فإنّ الخسائر الإجمالية للحرب تُقدّر بـ85 مليار دولار، 40 منها في الربع الأول من هذا العام وحده. لقد أحرق النظام السوري الكثير من احتياطيات العملة الصعبة المقدرة بـ17 مليار دولار والتي كان يمتلكها عند بداية الانتفاضة. كل هذا للتعويض عن مجموعة عقوبات من الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي وجامعة الدول العربية على إنتاج النفط السوري – وهذه تدابير من غير المرجح أن يتمّ رفعها حتى لو صمد الأسد.
للحفاظ على رأسها من الغرق، فإنّ دمشق، بحسب ما ورد، قد تلقّت ما يصل إلى 500 مليون دولار شهرياً وخطوط ائتمان من طهران لتمويل واردات الغذاء والنفط. هذا الاعتماد سيزداد بلا شكّ في السنوات المقبلة. البنك المركزي السوري، وبمساعدة روسيا حسب ما أورد البعض، قد لجأ أيضاً إلى طباعة النقود، وهذا دفع معدلات التضخم الشهرية إلى ما يقارب 35 في المئة. الفقر المدقع -الوسط الذي ينمو ويزدهر فيه المتطرفون- سيستمرّ دون إخماد.
لذلك فإنّ أي تفكير بأنّ انتصار الأسد سيقود إلى استقرار في سوريا ينبغي التقليل من شأنه عبر إدراك أنّ الأسد سيعتمد بشكل بائس على بلدان أخرى من أجل الأمن والمال. وهذا الاعتماد سوف ينتج الكثير من عدم الاستقرار. نظام الأسد المعاد تشكيله سيكون مديناً بشكل خاص لطهران، وهذا سيوسّع نفوذ إيران في المنطقة بشكل دراماتيكي، ليصبح من المرجح بازدياد أن يتم استعمال الأراضي السورية واللبنانية لمواجهة إسرائيل وحلفاء الولايات المتحدة السُّنّة.
في الوقت نفسه، فإن المساحات غير المحكومة في سوريا ستصبح ملاذاً للجماعات السنية أو الكردية المتطرفة، بشكل مشابه للمناطق المنعدمة القانون في الصومال حيث تعمل مجموعة «الشباب» الإرهابية. الأسوأ من ذلك، هذه الملاجئ ستكون في المناطق المتاخمة لحدود اسرائيل، مضيفةً المزيد إلى قائمة مشاكل القدس [كذا] المتزايدة باستمرار. وإذا تمكن الأسد من الحفاظ على سلطته في معظم سوريا، يمكن أن تصبح إسرائيل هدفاً أكثر جاذبية بالنسبة للجماعات المتطرفة وداعميها.
السيناريو الأكثر واقعية إذاً لسوريا يقودها الأسد بعد الحرب هو دولة يتافس فيها داعمون متعددون للإرهاب -الأسد نفسه، النظام الإيراني، الفروع السنيّة من القاعدة- بشكل متزامن لتحقيق أهدافهم الخاصة إلى جانب بعضهم البعض. من المرجح أن يكون ذلك مصدراً لعدم الاستقرار، ومكاناً لجرائم وحشية ضد الإنسانية لسنوات قادمة. لذلك فإنّه من مصلحة الغرب منع بقاء الأسد عبر أوامر بضربات جوية على أهداف النظام، والضغط على موسكو وطهران لوقف دعم الأسد، ومساعدة الأعضاء المعتدلين في المعارضة السورية. وإلّا فإن الجانب الإيجابي الوحيد الذي يمكن رؤيته من مستقبل سوريا هو أنّها ستفنّد مقولة «الشيطان الذي تعرفه أفضل من الذي لا تعرفه
-------------------
ترجمة: جلال عمران
27 آب 2013