سقوط الائتلاف السوري والإجهاز على الثورة
ميشيل كيلو
25 يوليو 2014 ميشيل كيلو
كاتب سوري، مواليد 1940، ترأس مركز حريات للدفاع عن حرية الرأي والتعبير في سورية، تعرض للاعتقال مرات، ترجم كتباً في الفكر السياسي، عضو بارز في الائتلاف الوطني السوري المعارض.
- 1 أغسطس 2014 |
معركة غزة الأسدية
- 30 يوليو 2014 |
كيف نرد على "داعش"؟
- 26 يوليو 2014 |
كذب حبله قصير
- 22 يوليو 2014 |
من حرب المدن إلى حرب الحركة
-
اختيارات القرّاء
مشاهدة تعليقاً إرسالاً - 1 2 3 4 5 6
عندما تأسس الائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة السورية، كان هناك وعدان كبيران: الأول أنه سيكون محلّ اعتراف دولي واسع، والثاني أنه ستتدفق على خزائنه أموال قارون.
بعد أقل من شهر من تأسيسه، تمت دعوة 663 ضابطاً وثورياً إلى مؤتمرٍ، هدفه هيكلة الجيش الحر وتوحيده، وتأسيس هيئة أركان له، ووضع قيادته بين يدي قيادة عسكرية عليا تضم 41 شخصاً (حولته ألاعيب السياسة والعسكر إلى "مجلس عسكري أعلى " سُمّي خطأ "مجلس الثلاثين"، الذي لم يتخذ في أي يوم أي قرار بتشكيله، ويعتبر وجوده، لهذا السبب، غير شرعي ومنعدماً!). وقد لاحظت، في حينه، أنه لم تتم دعوة "الائتلاف" إلى المؤتمر، مع أنه مرجعية العسكر السياسية المفترضة، وأنه تمت دعوة كل من هبّ ودبّ من عرب وأجانب إليه، فكتبت مقالةً طالبت "الائتلاف" فيها بإعلان عدم شرعية ما حدث، ورفض الاعتراف بما قرره الآخرون في غيابه، ثم هاتفت رئيسه يومذاك وكررت مطالبتي، مع أنني لم أكن عضواً فيه، بل ورفضت الانتماء إليه بالنيابة عن "المنبر الديمقراطي".
كتبت وقلت في مقالتي وحديثي الهاتفي: إن عدم دعوة الائتلاف إلى اللقاء، وهيكلة الجيش
الحر في غيابه، يعني إزاحته جانبا كمرجعية سياسية للثورة، ووضع أيد غير سورية على الجيش الحر. وأضفت أن الفعلتين تعادلان إخراج السوريين من مسألتهم الوطنية، ووضع أيدٍ غريبة عليها بتغييب أصحابها الأصليين تغييباً تاماً عنها. لا داعي للقول إن الاعتراف السياسي الدولي والعربي جاء بكثافة، لكنه بقي اعترافاً سياسياً، بينما أبقى الاعتراف القانوني النظام الطرف المعترف به دولياً، مرجعية سياسية للدولة والمجتمع السوريين، في حين غابت أموال قارون، ولم يصل منها ولو قرش واحد.
تلك كانت اللعبة التي مرّروها علينا، من دون أن نقوم بأي رد فعل تجاهها، ومن دون أن يدافع أحد عن "الائتلاف"، ويعمل للخروج منها بأي ثمن، ولاستعادة قرارنا الوطني المستقل، الذي كان ضياعه يعني قبول رؤية ما يجري في بلادنا بأعين غيرنا، وجعل خياراتنا جزءاً من خياراته، والانضواء تحت إرادته ومصالحه.
كانت استعادة القرار الوطني السوري المهمة التي وضعتها القائمة الديمقراطية نصب عينيها، عندما دخلت إلى "الائتلاف". لذلك، ربطت رؤيتها بعمل جماعي، تشاركي، من نمط مغاير للنمط الحزبي أو الفئوي السائد فيه، الذي رأى سورية وثورتها من منظوراته الجزئية والضيقة، بدل أن يرى نفسه ودوره بمنظورها الوطني الجامع. أما هدف القائمة فقام على تأسيس قيادةٍ جماعيةٍ، تنجز بالتوافق مع مكونات الائتلاف المختلفة مهامَّ حددتها ورقة كتبتها شخصياً، تتلخص في: مأسسة الائتلاف، بحيث يخدم الثورة، ولا يكون في خدمة أي شخص أو حزب أو تيار، بما في ذلك التيار الديمقراطي، أو دولة، داخل سورية وخارجها، وبناء جيش حر وطني، يدافع عن جميع السوريين من دون تمييز، ويشجع منتسبي جيش النظام على الخروج منه، وإيجاد مكان لهم في صفوفه، جيشاً لجميع فئات الشعب، وتشكيل حكومة تكون مرجعية للسوريين، بما أن الائتلاف نفسه ليس مرجعية كهذه بالنسبة إليهم، بسبب تداخل وظائفه، وغموض الحدود الفاصلة بينها، وعدم وضوح هويته ذاتها.
خرج أحمد الجربا، رئيس "الائتلاف" الجديد، على هذا النهج الذي كان قد ألزم نفسه بتحقيقه، بالتعاون مع جميع أعضاء "الائتلاف"، خصوصاً منهم أعضاء القائمة الديمقراطية. وبدأ يقيم سلطة فردية/ شخصية، أحاطها بعدد صغير من داخل القائمة وخارجها، شكل
بمعونتهم "مطبخاً سرياً"، عمل تحت يده، ولبّى كل ما طلبه منه. لذلك، دعوت، بعد شهر ونصف من انتخابه، إلى إصدار إعلانٍ عن القائمة الديمقراطية، يتضمن سحب ثقتها منه، وإخراجه من صفوفها، وقلت لأعضائها: انتخبناه باسم الديمقراطية، وعلينا أن نقاومه ونعارضه باسم الديمقراطية، وإلا خنّا قناعاتنا، وسمحنا للأخطاء التي ترتكب اليوم بالتحول قريباً إلى كوارث لا علاج لها، وهو ما حدث بالفعل، وتظهر نتائجه، اليوم، في كل مكان، مثل تلاشي الثورة المتسارع، وتراجعها كثورة حرية، وتدهور حال الجيش الحر الذي كان يسيطر قبل الجربا على 60 إلى 65 % من مساحة سورية، ولم يعد في يده اليوم غير 10% منها، بينما تنقسم بلادنا أكثر فأكثر إلى منطقتين، هما دولة الأسد ودولة داعش، ويقال إن دولة ثالثة ستنضم قريباً إليهما هي دولة النصرة.
هل وعى الجربا وفريقه هذه النتائج التي ترتبت على سياساته، وعمل لإصلاحها أو للتصدي لها؟ لا هذا ولا ذاك، بل كلف بعض أعضاء مطبخه السري بفبركة أكاذيب، تحجب حقيقة ما يجري، أنكرت وقوع هزائم متعاقبة خلال عام من رئاسته، بدأت في تل كلخ، ومرت بالقصير وجنوب دمشق وشرقها وغربها وبالقلمون وجيرود ويبرود وحمص وقلعة الحصن والزارة والرقة ودير الزور ومنطقة كسب وحلب ومعظم أرياف سورية. في المقابل، شطح الخيال بواحدٍ من هؤلاء، خال أنه يستطيع إقناع السوريين بوجود انتصارات تحدث عنها في مقالةٍ، كرسها للإنجاز التاريخي/الثوري، الذي تحقق بتفاهم أحمد الجربا/ مصطفى الصباغ على تعيين هادي البحرة رئيساً للائتلاف بالوكالة، ريثما يسمح نظامه الداخلي لصاحب الكرسي الأصلي باستعادته، بما أن "الرئيس" الجديد "رجل كرسي" في فريقه، وبالتالي مؤتمن على ما تولاه. لقد انقلب إخصائي فبركة الأوهام الانتصارية إلى شخصٍ، يتحاشى الحديث عن الواقع، ويستعيض عنه بـ "قراءات وتفسيرات" حافلةٍ بما يسميه العامة "العلاك"، حولته إلى "المبرراتي" الأول لكل ما يفعله رجل يسميه كواحد من اتباعه "سيادة الرئيس"، لقب نفسه أمام سوريي أميركا بـ"القائد" الذي سيدير "الرئيس" و"العلاك" من موقعه، ريثما يصل "الائتلاف" إلى دورة رئاسية جديدة، مدتها عام كامل قابل للتجديد، تعطي "القائد" فرصة إدارة "الائتلاف" حتى تحقيق الانتصار: انتصار النظام على الثورة، وليس العكس، بما أن وتيرة الهزائم التي وقعت خلال عامه الأول ستحتفظ بسرعتها، وستزيدها في الفترة المقبلة.
لم تتم مأسسه "الائتلاف"، بل تمت شخصنة قيادته وفردنتها. ولم يشهد أي عمل جماعي، بل نشأ مطبخ سري، ضم قلة منها هادي البحرة وفايز سارة. ولم تتصف علاقاته بالشفافية، بل وقع تسييره بالمال السياسي، وعبر نسج شبكة علاقاتٍ سريةٍ، ومفعمةٍ بالغموض مع أطرافٍ مختلفةٍ، خارجه وداخله، حجبت حقيقة ما يجري عن أعضائه، وتحكمت بهم من خلال ما يحفل به "الائتلاف" من تناقضات كتليةٍ، وخلافات سياسية وشخصية، وما في نفوس البشر من عيوب ونقاط ضعف. باختصار، تحول "الائتلاف" إلى تنظيم يشبه حزب البعث، تسيره عقليةٌ ترتبت في ظل دولة أمنية، تجهل كل شيء عن البديل الديمقراطي، سواء في النظر أم في التطبيق، دأبت على اتباع نهج استبدادي أحدث هوةً متزايدة الاتساع بين "القائد" ومن يقودهم، جعلت منه شخصاً خارج متناول أيديهم، مجرداً ومتألهاً، تلاشت علاقاته معهم بدل أن تتزايد، قبل أن تنحصر تماماً في بيئة معينة، لحمتها وسداها سياسياً مطبخه السري، ومن تم تقريبه منه وإبعاده عنه، وعسكرياً بعض أعضاء ما سمي "المجلس العسكري الأعلى"، ورهط من أمراء الحرب، الذين سئل أحدهم عن سرّ تقاربه معه، فكان ردّه: "نبيعه حكي وصور ونأخذ مصرياته".
... واليوم، وبعد انتخاب هادي البحرة رئيساً بالوكالة أو احتياطياً، واستبعاد الكتل السياسية والحزبية عن أي تمثيل في رئاسة الائتلاف، على الرغم من أنها جسم المعارضة الرئيس، الذي تشكل منه المجلس الوطني السوري و"الائتلاف"، تكون قضيتنا الوطنية قد آلت إلى شخصين، لم يكن لهما أي تاريخ سياسي في المعارضة، ولم يكونا بعيدين عن النظام، هما أحمد الجربا ومصطفى الصباغ، الخصمان اللدودان اللذان سمّم عداؤهما حياة "الائتلاف"، وحال بينه وبين أن يكون مؤسسة عمل وطني، غير أنهما توافقا على إقصاء غيرهما عن
التمثيل والقرار، بعد أن جعل الثاني منهما إقصاءه في أثناء رئاسة الجربا قضية القضايا، وعندما سئل عن سبب موافقته على الصفقة مع غريمه، قال "خليهن يضلوا بره، اللعبة ست شهور متل ما ضلينا نحنا سنة براتها". وللعلم، فإن من أقصى الصباغ لم يكن الأحزاب بل الجربا نفسه الذي لاحقه بموجات من الحقد والشتائم الشخصية المقذعة، إلى ما قبل الصفقة بساعات قليلة!
في لحظة سقوط كارثية، لا يجد "الائتلاف" حلاً غير وضع القضية الوطنية بين يدي عدوين لدودين، ستكون صفقتهما مؤقتة وعابرة، سينتهي خلافهما إلى ترك المسألة السورية بين يدي الجربا الذي سينفرد بتخلصه من عدوه بكل شيء وسيبعد أية قوة، وسيحوله إلى "مكب نفايات شبيحة"، لن يمانع في دعم أي قرار يتخذه "القائد"، مهما كان نوعه وموضوعه.
كنا في الثورة التي طرقت أبواب دمشق مرات عديدة، فصرنا في مسلسل هزائم يقودنا إلى الهاوية، سيواصله البحرة، وستكون فيه نهاية الثورة، وإلا ما معنى أن يسقط "الائتلاف" وتؤول قيادته إلى شخصٍ نصّب نفسه بديلاً لجميع القوى السياسية والحزبية المعارضة، قوض الأركان إلى حد جعل رئيسها، العميد عبد الإله البشير، يقول أمام 116 عضو هيئة عامة: بصراحة، ليس هناك اليوم أركان، ونحن شهود زور على كل ما يجري، وليس لنا أي دور، ولا نشارك في أي عمل على الإطلاق. في حين نفذ البحرة أمراً أصدره إليه من عمّان بإقالة الحكومة، ثالثة مؤسسات الثورة التي أدى الإجهاز عليها إلى بقائه مرجعها الوحيد؟ ماذا ستكون نتيجة ذلك؟ ولمصلحة من ما يقوم الجربا به، الثورة أم النظام. الشعب أم الأسد؟
- See more at: http://www.alaraby.co.uk/opinion/c800c6f0-d210-466b-a18a-7119f5974e2d#sthash.AdI6dV2S.dpuf بعد أقل من شهر من تأسيسه، تمت دعوة 663 ضابطاً وثورياً إلى مؤتمرٍ، هدفه هيكلة الجيش الحر وتوحيده، وتأسيس هيئة أركان له، ووضع قيادته بين يدي قيادة عسكرية عليا تضم 41 شخصاً (حولته ألاعيب السياسة والعسكر إلى "مجلس عسكري أعلى " سُمّي خطأ "مجلس الثلاثين"، الذي لم يتخذ في أي يوم أي قرار بتشكيله، ويعتبر وجوده، لهذا السبب، غير شرعي ومنعدماً!). وقد لاحظت، في حينه، أنه لم تتم دعوة "الائتلاف" إلى المؤتمر، مع أنه مرجعية العسكر السياسية المفترضة، وأنه تمت دعوة كل من هبّ ودبّ من عرب وأجانب إليه، فكتبت مقالةً طالبت "الائتلاف" فيها بإعلان عدم شرعية ما حدث، ورفض الاعتراف بما قرره الآخرون في غيابه، ثم هاتفت رئيسه يومذاك وكررت مطالبتي، مع أنني لم أكن عضواً فيه، بل ورفضت الانتماء إليه بالنيابة عن "المنبر الديمقراطي".
كتبت وقلت في مقالتي وحديثي الهاتفي: إن عدم دعوة الائتلاف إلى اللقاء، وهيكلة الجيش
تلك كانت اللعبة التي مرّروها علينا، من دون أن نقوم بأي رد فعل تجاهها، ومن دون أن يدافع أحد عن "الائتلاف"، ويعمل للخروج منها بأي ثمن، ولاستعادة قرارنا الوطني المستقل، الذي كان ضياعه يعني قبول رؤية ما يجري في بلادنا بأعين غيرنا، وجعل خياراتنا جزءاً من خياراته، والانضواء تحت إرادته ومصالحه.
كانت استعادة القرار الوطني السوري المهمة التي وضعتها القائمة الديمقراطية نصب عينيها، عندما دخلت إلى "الائتلاف". لذلك، ربطت رؤيتها بعمل جماعي، تشاركي، من نمط مغاير للنمط الحزبي أو الفئوي السائد فيه، الذي رأى سورية وثورتها من منظوراته الجزئية والضيقة، بدل أن يرى نفسه ودوره بمنظورها الوطني الجامع. أما هدف القائمة فقام على تأسيس قيادةٍ جماعيةٍ، تنجز بالتوافق مع مكونات الائتلاف المختلفة مهامَّ حددتها ورقة كتبتها شخصياً، تتلخص في: مأسسة الائتلاف، بحيث يخدم الثورة، ولا يكون في خدمة أي شخص أو حزب أو تيار، بما في ذلك التيار الديمقراطي، أو دولة، داخل سورية وخارجها، وبناء جيش حر وطني، يدافع عن جميع السوريين من دون تمييز، ويشجع منتسبي جيش النظام على الخروج منه، وإيجاد مكان لهم في صفوفه، جيشاً لجميع فئات الشعب، وتشكيل حكومة تكون مرجعية للسوريين، بما أن الائتلاف نفسه ليس مرجعية كهذه بالنسبة إليهم، بسبب تداخل وظائفه، وغموض الحدود الفاصلة بينها، وعدم وضوح هويته ذاتها.
خرج أحمد الجربا، رئيس "الائتلاف" الجديد، على هذا النهج الذي كان قد ألزم نفسه بتحقيقه، بالتعاون مع جميع أعضاء "الائتلاف"، خصوصاً منهم أعضاء القائمة الديمقراطية. وبدأ يقيم سلطة فردية/ شخصية، أحاطها بعدد صغير من داخل القائمة وخارجها، شكل
هل وعى الجربا وفريقه هذه النتائج التي ترتبت على سياساته، وعمل لإصلاحها أو للتصدي لها؟ لا هذا ولا ذاك، بل كلف بعض أعضاء مطبخه السري بفبركة أكاذيب، تحجب حقيقة ما يجري، أنكرت وقوع هزائم متعاقبة خلال عام من رئاسته، بدأت في تل كلخ، ومرت بالقصير وجنوب دمشق وشرقها وغربها وبالقلمون وجيرود ويبرود وحمص وقلعة الحصن والزارة والرقة ودير الزور ومنطقة كسب وحلب ومعظم أرياف سورية. في المقابل، شطح الخيال بواحدٍ من هؤلاء، خال أنه يستطيع إقناع السوريين بوجود انتصارات تحدث عنها في مقالةٍ، كرسها للإنجاز التاريخي/الثوري، الذي تحقق بتفاهم أحمد الجربا/ مصطفى الصباغ على تعيين هادي البحرة رئيساً للائتلاف بالوكالة، ريثما يسمح نظامه الداخلي لصاحب الكرسي الأصلي باستعادته، بما أن "الرئيس" الجديد "رجل كرسي" في فريقه، وبالتالي مؤتمن على ما تولاه. لقد انقلب إخصائي فبركة الأوهام الانتصارية إلى شخصٍ، يتحاشى الحديث عن الواقع، ويستعيض عنه بـ "قراءات وتفسيرات" حافلةٍ بما يسميه العامة "العلاك"، حولته إلى "المبرراتي" الأول لكل ما يفعله رجل يسميه كواحد من اتباعه "سيادة الرئيس"، لقب نفسه أمام سوريي أميركا بـ"القائد" الذي سيدير "الرئيس" و"العلاك" من موقعه، ريثما يصل "الائتلاف" إلى دورة رئاسية جديدة، مدتها عام كامل قابل للتجديد، تعطي "القائد" فرصة إدارة "الائتلاف" حتى تحقيق الانتصار: انتصار النظام على الثورة، وليس العكس، بما أن وتيرة الهزائم التي وقعت خلال عامه الأول ستحتفظ بسرعتها، وستزيدها في الفترة المقبلة.
لم تتم مأسسه "الائتلاف"، بل تمت شخصنة قيادته وفردنتها. ولم يشهد أي عمل جماعي، بل نشأ مطبخ سري، ضم قلة منها هادي البحرة وفايز سارة. ولم تتصف علاقاته بالشفافية، بل وقع تسييره بالمال السياسي، وعبر نسج شبكة علاقاتٍ سريةٍ، ومفعمةٍ بالغموض مع أطرافٍ مختلفةٍ، خارجه وداخله، حجبت حقيقة ما يجري عن أعضائه، وتحكمت بهم من خلال ما يحفل به "الائتلاف" من تناقضات كتليةٍ، وخلافات سياسية وشخصية، وما في نفوس البشر من عيوب ونقاط ضعف. باختصار، تحول "الائتلاف" إلى تنظيم يشبه حزب البعث، تسيره عقليةٌ ترتبت في ظل دولة أمنية، تجهل كل شيء عن البديل الديمقراطي، سواء في النظر أم في التطبيق، دأبت على اتباع نهج استبدادي أحدث هوةً متزايدة الاتساع بين "القائد" ومن يقودهم، جعلت منه شخصاً خارج متناول أيديهم، مجرداً ومتألهاً، تلاشت علاقاته معهم بدل أن تتزايد، قبل أن تنحصر تماماً في بيئة معينة، لحمتها وسداها سياسياً مطبخه السري، ومن تم تقريبه منه وإبعاده عنه، وعسكرياً بعض أعضاء ما سمي "المجلس العسكري الأعلى"، ورهط من أمراء الحرب، الذين سئل أحدهم عن سرّ تقاربه معه، فكان ردّه: "نبيعه حكي وصور ونأخذ مصرياته".
... واليوم، وبعد انتخاب هادي البحرة رئيساً بالوكالة أو احتياطياً، واستبعاد الكتل السياسية والحزبية عن أي تمثيل في رئاسة الائتلاف، على الرغم من أنها جسم المعارضة الرئيس، الذي تشكل منه المجلس الوطني السوري و"الائتلاف"، تكون قضيتنا الوطنية قد آلت إلى شخصين، لم يكن لهما أي تاريخ سياسي في المعارضة، ولم يكونا بعيدين عن النظام، هما أحمد الجربا ومصطفى الصباغ، الخصمان اللدودان اللذان سمّم عداؤهما حياة "الائتلاف"، وحال بينه وبين أن يكون مؤسسة عمل وطني، غير أنهما توافقا على إقصاء غيرهما عن
في لحظة سقوط كارثية، لا يجد "الائتلاف" حلاً غير وضع القضية الوطنية بين يدي عدوين لدودين، ستكون صفقتهما مؤقتة وعابرة، سينتهي خلافهما إلى ترك المسألة السورية بين يدي الجربا الذي سينفرد بتخلصه من عدوه بكل شيء وسيبعد أية قوة، وسيحوله إلى "مكب نفايات شبيحة"، لن يمانع في دعم أي قرار يتخذه "القائد"، مهما كان نوعه وموضوعه.
كنا في الثورة التي طرقت أبواب دمشق مرات عديدة، فصرنا في مسلسل هزائم يقودنا إلى الهاوية، سيواصله البحرة، وستكون فيه نهاية الثورة، وإلا ما معنى أن يسقط "الائتلاف" وتؤول قيادته إلى شخصٍ نصّب نفسه بديلاً لجميع القوى السياسية والحزبية المعارضة، قوض الأركان إلى حد جعل رئيسها، العميد عبد الإله البشير، يقول أمام 116 عضو هيئة عامة: بصراحة، ليس هناك اليوم أركان، ونحن شهود زور على كل ما يجري، وليس لنا أي دور، ولا نشارك في أي عمل على الإطلاق. في حين نفذ البحرة أمراً أصدره إليه من عمّان بإقالة الحكومة، ثالثة مؤسسات الثورة التي أدى الإجهاز عليها إلى بقائه مرجعها الوحيد؟ ماذا ستكون نتيجة ذلك؟ ولمصلحة من ما يقوم الجربا به، الثورة أم النظام. الشعب أم الأسد؟
سقوط الائتلاف السوري والإجهاز على الثورة
ميشيل كيلو
25 يوليو 2014 ميشيل كيلو
كاتب سوري، مواليد 1940، ترأس مركز حريات للدفاع عن حرية الرأي والتعبير في سورية، تعرض للاعتقال مرات، ترجم كتباً في الفكر السياسي، عضو بارز في الائتلاف الوطني السوري المعارض.
- 1 أغسطس 2014 |
معركة غزة الأسدية
- 30 يوليو 2014 |
كيف نرد على "داعش"؟
- 26 يوليو 2014 |
كذب حبله قصير
- 22 يوليو 2014 |
من حرب المدن إلى حرب الحركة
-
اختيارات القرّاء
مشاهدة تعليقاً إرسالاً - 1 2 3 4 5 6
عندما تأسس الائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة السورية، كان هناك وعدان كبيران: الأول أنه سيكون محلّ اعتراف دولي واسع، والثاني أنه ستتدفق على خزائنه أموال قارون.
بعد أقل من شهر من تأسيسه، تمت دعوة 663 ضابطاً وثورياً إلى مؤتمرٍ، هدفه هيكلة الجيش الحر وتوحيده، وتأسيس هيئة أركان له، ووضع قيادته بين يدي قيادة عسكرية عليا تضم 41 شخصاً (حولته ألاعيب السياسة والعسكر إلى "مجلس عسكري أعلى " سُمّي خطأ "مجلس الثلاثين"، الذي لم يتخذ في أي يوم أي قرار بتشكيله، ويعتبر وجوده، لهذا السبب، غير شرعي ومنعدماً!). وقد لاحظت، في حينه، أنه لم تتم دعوة "الائتلاف" إلى المؤتمر، مع أنه مرجعية العسكر السياسية المفترضة، وأنه تمت دعوة كل من هبّ ودبّ من عرب وأجانب إليه، فكتبت مقالةً طالبت "الائتلاف" فيها بإعلان عدم شرعية ما حدث، ورفض الاعتراف بما قرره الآخرون في غيابه، ثم هاتفت رئيسه يومذاك وكررت مطالبتي، مع أنني لم أكن عضواً فيه، بل ورفضت الانتماء إليه بالنيابة عن "المنبر الديمقراطي".
كتبت وقلت في مقالتي وحديثي الهاتفي: إن عدم دعوة الائتلاف إلى اللقاء، وهيكلة الجيش
الحر في غيابه، يعني إزاحته جانبا كمرجعية سياسية للثورة، ووضع أيد غير سورية على الجيش الحر. وأضفت أن الفعلتين تعادلان إخراج السوريين من مسألتهم الوطنية، ووضع أيدٍ غريبة عليها بتغييب أصحابها الأصليين تغييباً تاماً عنها. لا داعي للقول إن الاعتراف السياسي الدولي والعربي جاء بكثافة، لكنه بقي اعترافاً سياسياً، بينما أبقى الاعتراف القانوني النظام الطرف المعترف به دولياً، مرجعية سياسية للدولة والمجتمع السوريين، في حين غابت أموال قارون، ولم يصل منها ولو قرش واحد.
تلك كانت اللعبة التي مرّروها علينا، من دون أن نقوم بأي رد فعل تجاهها، ومن دون أن يدافع أحد عن "الائتلاف"، ويعمل للخروج منها بأي ثمن، ولاستعادة قرارنا الوطني المستقل، الذي كان ضياعه يعني قبول رؤية ما يجري في بلادنا بأعين غيرنا، وجعل خياراتنا جزءاً من خياراته، والانضواء تحت إرادته ومصالحه.
كانت استعادة القرار الوطني السوري المهمة التي وضعتها القائمة الديمقراطية نصب عينيها، عندما دخلت إلى "الائتلاف". لذلك، ربطت رؤيتها بعمل جماعي، تشاركي، من نمط مغاير للنمط الحزبي أو الفئوي السائد فيه، الذي رأى سورية وثورتها من منظوراته الجزئية والضيقة، بدل أن يرى نفسه ودوره بمنظورها الوطني الجامع. أما هدف القائمة فقام على تأسيس قيادةٍ جماعيةٍ، تنجز بالتوافق مع مكونات الائتلاف المختلفة مهامَّ حددتها ورقة كتبتها شخصياً، تتلخص في: مأسسة الائتلاف، بحيث يخدم الثورة، ولا يكون في خدمة أي شخص أو حزب أو تيار، بما في ذلك التيار الديمقراطي، أو دولة، داخل سورية وخارجها، وبناء جيش حر وطني، يدافع عن جميع السوريين من دون تمييز، ويشجع منتسبي جيش النظام على الخروج منه، وإيجاد مكان لهم في صفوفه، جيشاً لجميع فئات الشعب، وتشكيل حكومة تكون مرجعية للسوريين، بما أن الائتلاف نفسه ليس مرجعية كهذه بالنسبة إليهم، بسبب تداخل وظائفه، وغموض الحدود الفاصلة بينها، وعدم وضوح هويته ذاتها.
خرج أحمد الجربا، رئيس "الائتلاف" الجديد، على هذا النهج الذي كان قد ألزم نفسه بتحقيقه، بالتعاون مع جميع أعضاء "الائتلاف"، خصوصاً منهم أعضاء القائمة الديمقراطية. وبدأ يقيم سلطة فردية/ شخصية، أحاطها بعدد صغير من داخل القائمة وخارجها، شكل
بمعونتهم "مطبخاً سرياً"، عمل تحت يده، ولبّى كل ما طلبه منه. لذلك، دعوت، بعد شهر ونصف من انتخابه، إلى إصدار إعلانٍ عن القائمة الديمقراطية، يتضمن سحب ثقتها منه، وإخراجه من صفوفها، وقلت لأعضائها: انتخبناه باسم الديمقراطية، وعلينا أن نقاومه ونعارضه باسم الديمقراطية، وإلا خنّا قناعاتنا، وسمحنا للأخطاء التي ترتكب اليوم بالتحول قريباً إلى كوارث لا علاج لها، وهو ما حدث بالفعل، وتظهر نتائجه، اليوم، في كل مكان، مثل تلاشي الثورة المتسارع، وتراجعها كثورة حرية، وتدهور حال الجيش الحر الذي كان يسيطر قبل الجربا على 60 إلى 65 % من مساحة سورية، ولم يعد في يده اليوم غير 10% منها، بينما تنقسم بلادنا أكثر فأكثر إلى منطقتين، هما دولة الأسد ودولة داعش، ويقال إن دولة ثالثة ستنضم قريباً إليهما هي دولة النصرة.
هل وعى الجربا وفريقه هذه النتائج التي ترتبت على سياساته، وعمل لإصلاحها أو للتصدي لها؟ لا هذا ولا ذاك، بل كلف بعض أعضاء مطبخه السري بفبركة أكاذيب، تحجب حقيقة ما يجري، أنكرت وقوع هزائم متعاقبة خلال عام من رئاسته، بدأت في تل كلخ، ومرت بالقصير وجنوب دمشق وشرقها وغربها وبالقلمون وجيرود ويبرود وحمص وقلعة الحصن والزارة والرقة ودير الزور ومنطقة كسب وحلب ومعظم أرياف سورية. في المقابل، شطح الخيال بواحدٍ من هؤلاء، خال أنه يستطيع إقناع السوريين بوجود انتصارات تحدث عنها في مقالةٍ، كرسها للإنجاز التاريخي/الثوري، الذي تحقق بتفاهم أحمد الجربا/ مصطفى الصباغ على تعيين هادي البحرة رئيساً للائتلاف بالوكالة، ريثما يسمح نظامه الداخلي لصاحب الكرسي الأصلي باستعادته، بما أن "الرئيس" الجديد "رجل كرسي" في فريقه، وبالتالي مؤتمن على ما تولاه. لقد انقلب إخصائي فبركة الأوهام الانتصارية إلى شخصٍ، يتحاشى الحديث عن الواقع، ويستعيض عنه بـ "قراءات وتفسيرات" حافلةٍ بما يسميه العامة "العلاك"، حولته إلى "المبرراتي" الأول لكل ما يفعله رجل يسميه كواحد من اتباعه "سيادة الرئيس"، لقب نفسه أمام سوريي أميركا بـ"القائد" الذي سيدير "الرئيس" و"العلاك" من موقعه، ريثما يصل "الائتلاف" إلى دورة رئاسية جديدة، مدتها عام كامل قابل للتجديد، تعطي "القائد" فرصة إدارة "الائتلاف" حتى تحقيق الانتصار: انتصار النظام على الثورة، وليس العكس، بما أن وتيرة الهزائم التي وقعت خلال عامه الأول ستحتفظ بسرعتها، وستزيدها في الفترة المقبلة.
لم تتم مأسسه "الائتلاف"، بل تمت شخصنة قيادته وفردنتها. ولم يشهد أي عمل جماعي، بل نشأ مطبخ سري، ضم قلة منها هادي البحرة وفايز سارة. ولم تتصف علاقاته بالشفافية، بل وقع تسييره بالمال السياسي، وعبر نسج شبكة علاقاتٍ سريةٍ، ومفعمةٍ بالغموض مع أطرافٍ مختلفةٍ، خارجه وداخله، حجبت حقيقة ما يجري عن أعضائه، وتحكمت بهم من خلال ما يحفل به "الائتلاف" من تناقضات كتليةٍ، وخلافات سياسية وشخصية، وما في نفوس البشر من عيوب ونقاط ضعف. باختصار، تحول "الائتلاف" إلى تنظيم يشبه حزب البعث، تسيره عقليةٌ ترتبت في ظل دولة أمنية، تجهل كل شيء عن البديل الديمقراطي، سواء في النظر أم في التطبيق، دأبت على اتباع نهج استبدادي أحدث هوةً متزايدة الاتساع بين "القائد" ومن يقودهم، جعلت منه شخصاً خارج متناول أيديهم، مجرداً ومتألهاً، تلاشت علاقاته معهم بدل أن تتزايد، قبل أن تنحصر تماماً في بيئة معينة، لحمتها وسداها سياسياً مطبخه السري، ومن تم تقريبه منه وإبعاده عنه، وعسكرياً بعض أعضاء ما سمي "المجلس العسكري الأعلى"، ورهط من أمراء الحرب، الذين سئل أحدهم عن سرّ تقاربه معه، فكان ردّه: "نبيعه حكي وصور ونأخذ مصرياته".
... واليوم، وبعد انتخاب هادي البحرة رئيساً بالوكالة أو احتياطياً، واستبعاد الكتل السياسية والحزبية عن أي تمثيل في رئاسة الائتلاف، على الرغم من أنها جسم المعارضة الرئيس، الذي تشكل منه المجلس الوطني السوري و"الائتلاف"، تكون قضيتنا الوطنية قد آلت إلى شخصين، لم يكن لهما أي تاريخ سياسي في المعارضة، ولم يكونا بعيدين عن النظام، هما أحمد الجربا ومصطفى الصباغ، الخصمان اللدودان اللذان سمّم عداؤهما حياة "الائتلاف"، وحال بينه وبين أن يكون مؤسسة عمل وطني، غير أنهما توافقا على إقصاء غيرهما عن
التمثيل والقرار، بعد أن جعل الثاني منهما إقصاءه في أثناء رئاسة الجربا قضية القضايا، وعندما سئل عن سبب موافقته على الصفقة مع غريمه، قال "خليهن يضلوا بره، اللعبة ست شهور متل ما ضلينا نحنا سنة براتها". وللعلم، فإن من أقصى الصباغ لم يكن الأحزاب بل الجربا نفسه الذي لاحقه بموجات من الحقد والشتائم الشخصية المقذعة، إلى ما قبل الصفقة بساعات قليلة!
في لحظة سقوط كارثية، لا يجد "الائتلاف" حلاً غير وضع القضية الوطنية بين يدي عدوين لدودين، ستكون صفقتهما مؤقتة وعابرة، سينتهي خلافهما إلى ترك المسألة السورية بين يدي الجربا الذي سينفرد بتخلصه من عدوه بكل شيء وسيبعد أية قوة، وسيحوله إلى "مكب نفايات شبيحة"، لن يمانع في دعم أي قرار يتخذه "القائد"، مهما كان نوعه وموضوعه.
كنا في الثورة التي طرقت أبواب دمشق مرات عديدة، فصرنا في مسلسل هزائم يقودنا إلى الهاوية، سيواصله البحرة، وستكون فيه نهاية الثورة، وإلا ما معنى أن يسقط "الائتلاف" وتؤول قيادته إلى شخصٍ نصّب نفسه بديلاً لجميع القوى السياسية والحزبية المعارضة، قوض الأركان إلى حد جعل رئيسها، العميد عبد الإله البشير، يقول أمام 116 عضو هيئة عامة: بصراحة، ليس هناك اليوم أركان، ونحن شهود زور على كل ما يجري، وليس لنا أي دور، ولا نشارك في أي عمل على الإطلاق. في حين نفذ البحرة أمراً أصدره إليه من عمّان بإقالة الحكومة، ثالثة مؤسسات الثورة التي أدى الإجهاز عليها إلى بقائه مرجعها الوحيد؟ ماذا ستكون نتيجة ذلك؟ ولمصلحة من ما يقوم الجربا به، الثورة أم النظام. الشعب أم الأسد؟
- See more at: http://www.alaraby.co.uk/opinion/c800c6f0-d210-466b-a18a-7119f5974e2d#sthash.AdI6dV2S.dpufبعد أقل من شهر من تأسيسه، تمت دعوة 663 ضابطاً وثورياً إلى مؤتمرٍ، هدفه هيكلة الجيش الحر وتوحيده، وتأسيس هيئة أركان له، ووضع قيادته بين يدي قيادة عسكرية عليا تضم 41 شخصاً (حولته ألاعيب السياسة والعسكر إلى "مجلس عسكري أعلى " سُمّي خطأ "مجلس الثلاثين"، الذي لم يتخذ في أي يوم أي قرار بتشكيله، ويعتبر وجوده، لهذا السبب، غير شرعي ومنعدماً!). وقد لاحظت، في حينه، أنه لم تتم دعوة "الائتلاف" إلى المؤتمر، مع أنه مرجعية العسكر السياسية المفترضة، وأنه تمت دعوة كل من هبّ ودبّ من عرب وأجانب إليه، فكتبت مقالةً طالبت "الائتلاف" فيها بإعلان عدم شرعية ما حدث، ورفض الاعتراف بما قرره الآخرون في غيابه، ثم هاتفت رئيسه يومذاك وكررت مطالبتي، مع أنني لم أكن عضواً فيه، بل ورفضت الانتماء إليه بالنيابة عن "المنبر الديمقراطي".
كتبت وقلت في مقالتي وحديثي الهاتفي: إن عدم دعوة الائتلاف إلى اللقاء، وهيكلة الجيش
تلك كانت اللعبة التي مرّروها علينا، من دون أن نقوم بأي رد فعل تجاهها، ومن دون أن يدافع أحد عن "الائتلاف"، ويعمل للخروج منها بأي ثمن، ولاستعادة قرارنا الوطني المستقل، الذي كان ضياعه يعني قبول رؤية ما يجري في بلادنا بأعين غيرنا، وجعل خياراتنا جزءاً من خياراته، والانضواء تحت إرادته ومصالحه.
كانت استعادة القرار الوطني السوري المهمة التي وضعتها القائمة الديمقراطية نصب عينيها، عندما دخلت إلى "الائتلاف". لذلك، ربطت رؤيتها بعمل جماعي، تشاركي، من نمط مغاير للنمط الحزبي أو الفئوي السائد فيه، الذي رأى سورية وثورتها من منظوراته الجزئية والضيقة، بدل أن يرى نفسه ودوره بمنظورها الوطني الجامع. أما هدف القائمة فقام على تأسيس قيادةٍ جماعيةٍ، تنجز بالتوافق مع مكونات الائتلاف المختلفة مهامَّ حددتها ورقة كتبتها شخصياً، تتلخص في: مأسسة الائتلاف، بحيث يخدم الثورة، ولا يكون في خدمة أي شخص أو حزب أو تيار، بما في ذلك التيار الديمقراطي، أو دولة، داخل سورية وخارجها، وبناء جيش حر وطني، يدافع عن جميع السوريين من دون تمييز، ويشجع منتسبي جيش النظام على الخروج منه، وإيجاد مكان لهم في صفوفه، جيشاً لجميع فئات الشعب، وتشكيل حكومة تكون مرجعية للسوريين، بما أن الائتلاف نفسه ليس مرجعية كهذه بالنسبة إليهم، بسبب تداخل وظائفه، وغموض الحدود الفاصلة بينها، وعدم وضوح هويته ذاتها.
خرج أحمد الجربا، رئيس "الائتلاف" الجديد، على هذا النهج الذي كان قد ألزم نفسه بتحقيقه، بالتعاون مع جميع أعضاء "الائتلاف"، خصوصاً منهم أعضاء القائمة الديمقراطية. وبدأ يقيم سلطة فردية/ شخصية، أحاطها بعدد صغير من داخل القائمة وخارجها، شكل
هل وعى الجربا وفريقه هذه النتائج التي ترتبت على سياساته، وعمل لإصلاحها أو للتصدي لها؟ لا هذا ولا ذاك، بل كلف بعض أعضاء مطبخه السري بفبركة أكاذيب، تحجب حقيقة ما يجري، أنكرت وقوع هزائم متعاقبة خلال عام من رئاسته، بدأت في تل كلخ، ومرت بالقصير وجنوب دمشق وشرقها وغربها وبالقلمون وجيرود ويبرود وحمص وقلعة الحصن والزارة والرقة ودير الزور ومنطقة كسب وحلب ومعظم أرياف سورية. في المقابل، شطح الخيال بواحدٍ من هؤلاء، خال أنه يستطيع إقناع السوريين بوجود انتصارات تحدث عنها في مقالةٍ، كرسها للإنجاز التاريخي/الثوري، الذي تحقق بتفاهم أحمد الجربا/ مصطفى الصباغ على تعيين هادي البحرة رئيساً للائتلاف بالوكالة، ريثما يسمح نظامه الداخلي لصاحب الكرسي الأصلي باستعادته، بما أن "الرئيس" الجديد "رجل كرسي" في فريقه، وبالتالي مؤتمن على ما تولاه. لقد انقلب إخصائي فبركة الأوهام الانتصارية إلى شخصٍ، يتحاشى الحديث عن الواقع، ويستعيض عنه بـ "قراءات وتفسيرات" حافلةٍ بما يسميه العامة "العلاك"، حولته إلى "المبرراتي" الأول لكل ما يفعله رجل يسميه كواحد من اتباعه "سيادة الرئيس"، لقب نفسه أمام سوريي أميركا بـ"القائد" الذي سيدير "الرئيس" و"العلاك" من موقعه، ريثما يصل "الائتلاف" إلى دورة رئاسية جديدة، مدتها عام كامل قابل للتجديد، تعطي "القائد" فرصة إدارة "الائتلاف" حتى تحقيق الانتصار: انتصار النظام على الثورة، وليس العكس، بما أن وتيرة الهزائم التي وقعت خلال عامه الأول ستحتفظ بسرعتها، وستزيدها في الفترة المقبلة.
لم تتم مأسسه "الائتلاف"، بل تمت شخصنة قيادته وفردنتها. ولم يشهد أي عمل جماعي، بل نشأ مطبخ سري، ضم قلة منها هادي البحرة وفايز سارة. ولم تتصف علاقاته بالشفافية، بل وقع تسييره بالمال السياسي، وعبر نسج شبكة علاقاتٍ سريةٍ، ومفعمةٍ بالغموض مع أطرافٍ مختلفةٍ، خارجه وداخله، حجبت حقيقة ما يجري عن أعضائه، وتحكمت بهم من خلال ما يحفل به "الائتلاف" من تناقضات كتليةٍ، وخلافات سياسية وشخصية، وما في نفوس البشر من عيوب ونقاط ضعف. باختصار، تحول "الائتلاف" إلى تنظيم يشبه حزب البعث، تسيره عقليةٌ ترتبت في ظل دولة أمنية، تجهل كل شيء عن البديل الديمقراطي، سواء في النظر أم في التطبيق، دأبت على اتباع نهج استبدادي أحدث هوةً متزايدة الاتساع بين "القائد" ومن يقودهم، جعلت منه شخصاً خارج متناول أيديهم، مجرداً ومتألهاً، تلاشت علاقاته معهم بدل أن تتزايد، قبل أن تنحصر تماماً في بيئة معينة، لحمتها وسداها سياسياً مطبخه السري، ومن تم تقريبه منه وإبعاده عنه، وعسكرياً بعض أعضاء ما سمي "المجلس العسكري الأعلى"، ورهط من أمراء الحرب، الذين سئل أحدهم عن سرّ تقاربه معه، فكان ردّه: "نبيعه حكي وصور ونأخذ مصرياته".
... واليوم، وبعد انتخاب هادي البحرة رئيساً بالوكالة أو احتياطياً، واستبعاد الكتل السياسية والحزبية عن أي تمثيل في رئاسة الائتلاف، على الرغم من أنها جسم المعارضة الرئيس، الذي تشكل منه المجلس الوطني السوري و"الائتلاف"، تكون قضيتنا الوطنية قد آلت إلى شخصين، لم يكن لهما أي تاريخ سياسي في المعارضة، ولم يكونا بعيدين عن النظام، هما أحمد الجربا ومصطفى الصباغ، الخصمان اللدودان اللذان سمّم عداؤهما حياة "الائتلاف"، وحال بينه وبين أن يكون مؤسسة عمل وطني، غير أنهما توافقا على إقصاء غيرهما عن
في لحظة سقوط كارثية، لا يجد "الائتلاف" حلاً غير وضع القضية الوطنية بين يدي عدوين لدودين، ستكون صفقتهما مؤقتة وعابرة، سينتهي خلافهما إلى ترك المسألة السورية بين يدي الجربا الذي سينفرد بتخلصه من عدوه بكل شيء وسيبعد أية قوة، وسيحوله إلى "مكب نفايات شبيحة"، لن يمانع في دعم أي قرار يتخذه "القائد"، مهما كان نوعه وموضوعه.
كنا في الثورة التي طرقت أبواب دمشق مرات عديدة، فصرنا في مسلسل هزائم يقودنا إلى الهاوية، سيواصله البحرة، وستكون فيه نهاية الثورة، وإلا ما معنى أن يسقط "الائتلاف" وتؤول قيادته إلى شخصٍ نصّب نفسه بديلاً لجميع القوى السياسية والحزبية المعارضة، قوض الأركان إلى حد جعل رئيسها، العميد عبد الإله البشير، يقول أمام 116 عضو هيئة عامة: بصراحة، ليس هناك اليوم أركان، ونحن شهود زور على كل ما يجري، وليس لنا أي دور، ولا نشارك في أي عمل على الإطلاق. في حين نفذ البحرة أمراً أصدره إليه من عمّان بإقالة الحكومة، ثالثة مؤسسات الثورة التي أدى الإجهاز عليها إلى بقائه مرجعها الوحيد؟ ماذا ستكون نتيجة ذلك؟ ولمصلحة من ما يقوم الجربا به، الثورة أم النظام. الشعب أم الأسد؟
من حق إيران أن يكون لديها مشروع، يجعل منها قوة كبيرة، شريكة في صناعة القرارات المتعلّقة بالمنطقة الممتدة على طول «الهلال» الذي رسمته، لكن ليس من حقّها مطلقاً أن تلغي الآخر، خصوصاً إذا كان جزءاً جغرافياً وتاريخياً من المنطقة. الأسوأ أن يكون تنفيذ مشروعها، على حساب وجود من يجب أن يكون شريكاً لها في صناعة القرار، وفي تحقيق حلم أكبر وهو التحرر من نفوذ القوى العظمى خصوصاً الولايات المتحدة الأميركية.
الأسوأ اعتقاد إيران أنها قادرة على مقارعة الولايات المتحدة الأميركية. الأرجح أن طهران اعتقدت أن الرئيس باراك أوباما، رئيس فاشل، وضعيف، وغير قادر على قيادة بلاده فكيف بالعالم؟
باراك أوباما، سيدخل التاريخ، لأنه «أخبث» رئيس أميركي، ولأنه اعتمد سياسة «التدخل السلبي»، عكس سياسة كل الرؤساء الـ43 الذين سبقوه وهي «التدخل الإيجابي»، بالحرب والحصار. عماد إستراتيجية «التدخّل السلبي»، إغراق أي خصم في وحول الصدامات والمواجهات من دون حساب لخسائره، شرط أن تكون الكلفة الأميركية المادية والبشرية صفراً.
إيران سقطت في «الفخ الأوبامي» بطريقة مأسوية. اعتقد المرشد آية الله علي خامنئي، أن قوته بالإكثار من «الملفات»، ليستثمرها في المفاوضات مع واشنطن، ويأخذ منها التنازل بعد التنازل، تماماً كما في لعبة الدومينو، وليكون التنازل الأكبر في الملف النووي.
«الإدارة الأوبامية»، أرادت إيران قوية شرط أن تكون معها ولها عاجلاً أم آجلاً. تركت إيران تتابع «لحس» المبرد في سوريا، فخسرت مالياً في وقت تعاني فيه من ضائقة مالية حادة، وأيديولوجياً عندما دفعت «حزب الله»، الذي بنى مجده في الحرب ضد إسرائيل، للتحول إلى «بندقية» تعمّق الأحقاد المذهبية في مسار متدرج ومكلف من سوريا إلى العراق.
خسارة «حزب الله» ضخمة جداً معنوياً وسياسياً. في مثل هذه الأيام من العام 2006 كان الحزب يقاتل إسرائيل، ويحقّق أسطورة في الصمود والشجاعة. فماذا عن الآن حيث يتساقط المقاتلون في القلمون وفي العراق؟ من أجل أن يبقى الأسد والمالكي العاملان في «المشروع الإيراني»، باسم شعارات مذهبية أحدثت زلازل انقلابية لدى السنة من المحيط إلى الخليج، من ارتداداتها صعود «داعش» الظلامية والمتوحّشة. مهما قيل عمن يقف وراء ولادة «داعش»، فإن المذهبية وممارساتها غزت وأفسدت في الوقت نفسه الشرائح الشيعية التي تعيش حالياً حالة «داعشية» عكسية باسم الدفاع الوجودي.
المالكي، لن يبقى إلا كما الأسد فوق حطام العراق وسوريا. في النهاية ستكون التسوية. على حسابهما. عندما يقع التناقض بين مصالح إيران وبقاء الأسد والمالكي. إيران ستختار حكماً مصالحها.
أما غزة، التي يسجّل أهلها الغزاويون، أعلى درجات البطولة والصمود والشجاعة، من حقهم أن يستردوا حريتهم والعيش بكرامة.
هذه الحرب، يجب الاعتراف بكل شجاعة، حولت الغزاويين الى «كيس ملاكمة بشري» مطلوب فيها أن يتعب الملاكم ليتوقّف عن القتل.
أما أوباما، فإنه ترك نتنياهو يغرق في رمال غزة والرأي العام الدولي، حتى تزداد حاجته له، فيطلب منه الحل بعد أن تمنع على وزير الخارجية كيري رغم جولاته المكوكية.
أسوأ ما في حرب الإبادة التي يعيشها الغزاويون، حالة «الكوما» العربية، وفي مقدمها الضفة الغربية، مأسوية. سكون «أهل الكهف» يلف العرب. ربما لأنهم منهمكون من زلازل «الربيع العربي». لكن أيضاً لأنهم لم يعودوا يصدّقون شعارات التحرير.
إيران خسرت معركة غزة، لأنها غير قادرة على نجدتها. عندما يتم الاتفاق بين غزة وإسرائيل تحت رعاية مصرية، يكون الوقت قد تأخّر على الانخراط الإيراني. وعندما يلقي جنرال مثل الجنرال قاسم سليماني خطاباً في دعم غزة عماده «أن الغضب سيصب جامه على رؤوس الصهاينة في الوقت المناسب». وألا يجد جنرال «فيلق القدس» الذي تعرف الميادين في سوريا والعراق واليمن ولبنان قدراته وبأسه سوى طلب «لعنة الله على كل ظالم»، فمعنى ذلك أنه إشهار عسكري بخسارة المعركة.
لم يبق أمام إيران، سوى أن تتواضع قيادتها وتفتح الباب أمام إنجاز مصالحة تاريخية أولاً مع العرب لمواجهة المذهبية وتطرفها، وبعد ذلك بزمن بعيد، إلى أن يستعيد العرب قوتهم تكون المواجهة مع اسرائيل، لأن هزيمة إسرائيل لا تكون بالصلوات، والجنرال سليماني يعرف أكثر من الجميع هذا الواقع.
=========
المستقبل