فقوى 14 آذار تتمسك بحقها الدستوري بالاحتفاظ بالاغلبية داخل الحكومة بعد ان اكدت فوزها بالانتخابات الاخيرة، في حين ان قوى 8 آذار، التي لم تكن تترقب هزيمتها الانتخابية، تعمل على تعطيل مفاعيل الانتخابات تحت مسميات مختلفة، من "الثلث المعطل" او "الضامن" او "الشراكة" او "التمثيل النسبي" او التمسك بتوزير جبران باسيل. وجميعها مسمّيات محلية لرغبة اقليمية سورية ايرانية في الامساك بالورقة اللبنانية للتفاوض بشأنها في غير اتجاه.
وفي حين غابت المعطيات الاكيدة بشأن ما دار في القمة بشأن الملف اللبناني، او الزاوية التي طرح فيها الملف اللبناني في القمة، فان قوى 14 آذار تتخوف من حصول صفقة سورية سعودية على حساب الاغلبية ترغمها على التنازل لصالح قوى الاقلية. في حين ان قوى 8 آذار ليست بأفضل حالا، وهي تنتظر ورود الاشارات او التعليمات من دمشق لتعرف هوى الاتفاق السوري السعودي على الملف اللبناني، والثمن المطلوب لبنانيا من اجل تـأكيد نجاح القمة .
وفي معزل عن النتائج التي يبدو انها لن تظهر في القريب العاجل، بل هي سـتأخذ وقتا لاعطاء سائر الاطراف اللبنانيين الفرصة لاعادة صياغة مواقفهم في ضوء ما سيتم ابلاغهم به من نتائج للقمة، فان مراقبون اعادوا قراءة التطورات السياسية الاقليمية والوضع السوري في محاولة لاستشراف المطلوب سوريا وسعوديا من الساحة اللبنانية وما اذا كانت المملكة العربية السعودية في وارد تقديم تنازلات او اعتراف بدور او نفوذ سوري يتجاوز الحدود اللبنانية.
ففي المعلومات، حسب المراقبين، فان الرئيس السوري يعيش هذه الايام حالة انعدام الوزن بعد ان اخفقت الوساطة التركية في رأب الصدع بينه وبين الحكومة العراقية التي تحتفظ بـ"مشكل مع وقف التنفيذ" مع دمشق على قاعدة مطالبة حكومة نوري المالكي بمحكمة دولية لمحاكمة مرتكبي عمليات الاعمال الارهابية في العراق، خصوصا الاربعاء الدامي، والتي تشير فيها حكومة المالكي باصابع الاتهام الى دمشق وفي اقل تقدير لبعثيي الرئيس العراقي السابق صدام حسين المقيمين في كنف النظام السوري.
ويضيف المراقبون ان ايران بدأت تتلمس خطاها نحو العودة الى كنف المجتمع الدولي سلما او بالاكراه، وان هناك مهلا محددة امام حكومة طهران ليست اميركية فقط هذه المرة بل مدعومة من مجموعة خمسة زائد واحد، وحيث تمثل كل من فرنسا وبريطانيا شركاء بالتكافل والتضامن مع واشنطن في مطالبة ايران بوقف التخصيب تحت طائلة العقوبات، الامر الذي لم يتأمن للادارة الاميركية السابقة ابان حربها على النظام العراقي السابق.
الأسد فاجأ السعودية بزيارته!
وفي هذا السياق يشير المراقبون الى ان هناك تحولا دراميا حصل على الخطاب السوري منذ اقل من شهر، من المطالبة بانشاء حلف يضم دمشق وانقره وبغداد وطهران ضمن ادبيات جاهزة تحفظ لسوريا دورها الاقليمي من ضمن المظلة السابقة ما استدعى موقفا ممانعا من الرئيس السوري بشار الاسد لتلبية دعوة خادم الحرمين لحضور حفل افتتاح جامعة العلوم والكنولوجيا في جدة. وهذا الموقف ابلغ به الاسد نظيره اللبناني ميشال سليمان من انه لن يشارك في حفل الافتتاح.
وما حصل لاحقا، يشير المراقبون، هو ان الاسد حط فجأة في الرياض والتقى العاهل السعودي ودعاه لتلبية دعوته لزيارة دمشق.
وفي سياق متصل يشير المراقبون الى ان جبهة الممانعة تلقت تهديدات على شكل نصائح بضرورة التوقف عن العبث بأمن عدد من الدول العربية، وفي مقدمها لبنان والعراق والساحة الفلسطينية واليمن، لان الرد الذي سيأخذ شكل المبادرة سيكون على غرار ما هو حاصل في "صعدة" في حرب لن تتوقف حتى القضاء على التمرد الحوثي، بما هو اصبع ايراني في خاصرة دولة عربية خليجية.
وفي السياق عينه، تحركت الفصائل الفلسطينية وعلى رأسها حركة "حماس" نحو تكريس المصالحة في كنف الاعتدال العربي المتمثل في مصر وتراجع حماس عن الكثير من مطالبها التعجيزية.
لذلك يرى المراقبون ان انعكاس نتائج القمة السورية السعودية على لبنان لن يكون تنازلات تـُفرض على قوى الاغلبية، بل على العكس من ذلك سوف تسعى سوريا بما لها من نفوذ على بعض مكونات المعارضة للحد من غلوائها في المطالبة بالغاء نتائج الانتخابات وتكريس سيطرتها مدعومة بسلاح حزب الله على الوضع الحكومي.
ولكن، يلفت المراقبون الى أمر يتصل بالوضع الداخلي اللبناني وهو بتلخص بقدرة سوريا على التأثير على حزب الله على حساب التأثير الايراني. فهل سينصاع حزب الله للرغبات السورية بتسهيل الحياة السياسية في البلاد؟
والجواب على التساؤل سوف تحملة الايام القادمة. وهو يؤشر الى ما اذا كانت عودة سوريا الى الحضن العربي تمت بالتنسيق مع طهران ام انها نابعة من ارادة سورية سوف تعمل دمشق على اقناع طهران بجدواها.
فاذا كانت الخطوة السورية منسقة مع طهران فان تشكيل الحكومة اللبنانية اصبح مسألة وقت يتطلبه ايجاد المخارج لتتراجع المعارضة وتعيد صياغة خطابها السياسي، من التعجيزي الى المسهّل وصولا الى تحمل تبعات مسؤولية عرقلة تشكيل الحكومة طوال الفترة السابقة.
اما اذا كانت الخطوة السورية غير منسقة مع طهران، وهو أمر يستبعده المراقبون، فان تشكيل الحكومة اللبنانية سيبقى يراوح في مكانه بين تصعيد من قبل المعارضة وتمسك بالمكاسب الانتخابية من قبل قوى 14 آذار، وصولا الى تبلور السيرورة الايرانية مع المجتمع الدولي، وهو الامر الذي لن تظهر معالمه قبل نهاية العام الجاري.
---------------------------
شفاف الشرق الاوسط