.
لبنان يدعي أنه تبنى سياسة دخلت القاموس الدولي اسمها «النأي» في التعاطي مع الثورة السورية. إلا أن هذا النأي مورس فقط للتهرب من إدانة جرائم النظام السوري وتبرير الابتعاد عن المساءلة العربية والسورية الشعبية. لكن السلطات اللبنانية لا تنأى بنفس القدر عندما تكون المهمة مطلبا من النظام السوري. لم ينأَ لبنان في شأن السفينة الليبية، ويفعل ما فعلته تركيا التي ضبطت سفينة «أتلانتيك كروزر» محملة بالأسلحة ورست في مرفئها، وعثر على متنها على أسلحة إيرانية في طريقها إلى النظام السوري. الأتراك أخلوا سبيلها وطووا ملف القضية. لبنان جعل السفينة قضيته وأكثر حماسا في ملاحقة تفاصيلها من نظام الأسد نفسه، الذي لا يطارد المهربين كما يفعل المسؤولون اللبنانيون بحماس.
ولم ينأ لبنان بنفسه عندما فر بضعة جنود منشقين من الجيش السوري وعبروا حدوده، بل تدخل وقامت بعض عناصره بالقبض عليهم وتسليمهم إلى القوات السورية ليواجهوا خطر القتل هناك، مخالفا بذلك القوانين الدولية. الحالات التي نأت فيها السلطات اللبنانية، عندما سكتت على قيام السفارتين السورية والإيرانية بخطف أشخاص في شوارع بيروت عيانا بيانا. لم نسمع من الأجهزة الأمنية أو العسكرية أو المؤسسات الرئاسية عن أي جهد للتحقيق في المخطوفين الأهوازيين أو السوريين في بيروت.
ولو كان للبنان الخيار بأن ينأى ويستطيع أن يفعل ذلك حقا فسنكون سعداء، لكن نعرف أنه من المستحيلات تماما أن يتوقف المتقاتلون، أفرادا وحكومات، عن استخدام التراب اللبناني ومياهه. وما تفعله السلطات اللبنانية حاليا هو انحياز واضح، بسكوتها على أفعال النظام السوري والأطراف المنحازة له التي تقدم خدماتها من قتل ومطاردة ودعاية، مستخدمة في بعض الحالات أجهزة الدولة ومؤسساتها. في المقابل، تسخّر الدولة إمكاناتها لملاحقة الثوار السوريين أو التضييق عليهم، كما نرى في تحقيقات محاولة التهريب البحرية، لأنها مرت بميناء لبناني، حتى أصبحت شأنا يتعهد بمتابعته رئيس الجمهورية ووزير الدفاع.
هذا الحماس لإرضاء دمشق من قبل السلطات اللبنانية لن يسعف نظام الأسد المترنح، وسيغضب الحكومات التي على الطرف الآخر، الخليج والغرب، وسيصدم غالبية الشعوب العربية، وهذه الدول أكثر أهمية للبنان.
لبنان سيبقى محطة رئيسية للحدث السوري، بغض النظر عن تطوراته والكيفية التي ينتهي بها. وإذا كان لا يريد أن يكون كذلك حينها نفترض أنه عندما يعلن أنه ينأى بنفسه فعليه فعلا أن يبرهن على ذلك؛ إما بسياسة منع الجانبين السوريين أو بغض الطرف عن مخالفاتهما.
المتوقع من اللبنانيين أن يساندوا التغيير في دمشق، ودعم إسقاط النظام الذي أنهك لبنان ومزقه بالحروب والتدخلات، ولم يتورع حتى عن نهب مدخرات مواطنيه وبنوكه. الثورة في سوريا في حقيقتها تعبر عن مطلب لبناني قديم مستمر.
والحقيقة الأكيدة أن سقوط نظام دمشق لن يحرر السوريين فقط، بل سيحرر لبنان وأهله من أي نظام سوري.
ولم ينأ لبنان بنفسه عندما فر بضعة جنود منشقين من الجيش السوري وعبروا حدوده، بل تدخل وقامت بعض عناصره بالقبض عليهم وتسليمهم إلى القوات السورية ليواجهوا خطر القتل هناك، مخالفا بذلك القوانين الدولية. الحالات التي نأت فيها السلطات اللبنانية، عندما سكتت على قيام السفارتين السورية والإيرانية بخطف أشخاص في شوارع بيروت عيانا بيانا. لم نسمع من الأجهزة الأمنية أو العسكرية أو المؤسسات الرئاسية عن أي جهد للتحقيق في المخطوفين الأهوازيين أو السوريين في بيروت.
ولو كان للبنان الخيار بأن ينأى ويستطيع أن يفعل ذلك حقا فسنكون سعداء، لكن نعرف أنه من المستحيلات تماما أن يتوقف المتقاتلون، أفرادا وحكومات، عن استخدام التراب اللبناني ومياهه. وما تفعله السلطات اللبنانية حاليا هو انحياز واضح، بسكوتها على أفعال النظام السوري والأطراف المنحازة له التي تقدم خدماتها من قتل ومطاردة ودعاية، مستخدمة في بعض الحالات أجهزة الدولة ومؤسساتها. في المقابل، تسخّر الدولة إمكاناتها لملاحقة الثوار السوريين أو التضييق عليهم، كما نرى في تحقيقات محاولة التهريب البحرية، لأنها مرت بميناء لبناني، حتى أصبحت شأنا يتعهد بمتابعته رئيس الجمهورية ووزير الدفاع.
هذا الحماس لإرضاء دمشق من قبل السلطات اللبنانية لن يسعف نظام الأسد المترنح، وسيغضب الحكومات التي على الطرف الآخر، الخليج والغرب، وسيصدم غالبية الشعوب العربية، وهذه الدول أكثر أهمية للبنان.
لبنان سيبقى محطة رئيسية للحدث السوري، بغض النظر عن تطوراته والكيفية التي ينتهي بها. وإذا كان لا يريد أن يكون كذلك حينها نفترض أنه عندما يعلن أنه ينأى بنفسه فعليه فعلا أن يبرهن على ذلك؛ إما بسياسة منع الجانبين السوريين أو بغض الطرف عن مخالفاتهما.
المتوقع من اللبنانيين أن يساندوا التغيير في دمشق، ودعم إسقاط النظام الذي أنهك لبنان ومزقه بالحروب والتدخلات، ولم يتورع حتى عن نهب مدخرات مواطنيه وبنوكه. الثورة في سوريا في حقيقتها تعبر عن مطلب لبناني قديم مستمر.
والحقيقة الأكيدة أن سقوط نظام دمشق لن يحرر السوريين فقط، بل سيحرر لبنان وأهله من أي نظام سوري.