خلال حكمه الطويل، غزا صدام حسين دولتين جارتين خلال عقد من الزمن: إيران والكويت، وتسبب بحربين مكلفتين، ومارس القتل الجماعي ضد شعبه بما في ذلك استخدام الأسلحة الكيماوية ضد الأكراد العراقيين.
صدام أعطى العراق اسم "جمهورية الخوف" خلال حكمه الدموي، واحتل المركز الأول في نادي طغاة العرب، إلى أن خلفه على هذا العرش الراسخ على قمة هرم من الجثث بشار الأسد، وهو الطاغي العربي المعاصر الوحيد الذي يستطيع أن يقول إنه استخدم كل سلاح متاح في ترسانته ضد شعبه خلال عقد من الزمن حوّل خلاله سوريا إلى أرض محروقة، ما أدى إلى قتل نصف مليون سوري وتشريد واقتلاع حوالي عشرة ملايين مواطن.
بشار الأسد، المنبوذ دوليا والمسؤول الأول بين مجموعة من الأطراف الدموية التي ساهمت في نحر السوريين مثل "الدولة الإسلامية" (داعش) وجبهة النصرة، وإيران وروسيا وتركيا وحزب الله، يجد نفسه الآن على مشارف العودة إلى "الحظيرة العربية" وإلى حد أقل إلى ما يسمى "المجتمع الدولي" على خلفية التسليم الإقليمي والدولي المتزايد بأنه باق في السلطة في المستقبل المنظور على الأقل، وأنه حافظ على وحدة سوريا ولو نظريا، على الرغم من أن أراضي سوريا خاضعة لاحتلال أو سيطرة جيوش إسرائيلية وتركية وإيرانية وأميركية.
في السنوات الماضية، بدأت دول عربية وأوروبية سيرها البطيء على طريق دمشق. في 2018، افتتحت دولة الإمارات العربية المتحدة سفارتها في دمشق واستأنفت المساعدات الإنسانية وغيرها إلى سوريا، ولحقتها البحرين والأردن، وقامت عمان بإعادة سفيرها إلى دمشق.
وفي الثالث من أكتوبر الماضي، جرى اتصال هاتفي بين العاهل الأردني، الملك عبدالله الثاني، وبشار الأسد، هو الأول بعد عشر سنوات من دعوة العاهل الأردني للرئيس السوري بالتنحي عن السلطة.
وفي التاسع من نوفمبر، قام وزير خارجية الإمارات، الشيخ عبدالله بن زايد، بزيارة دمشق واجتمع بالأسد في خطوة رئيسية باتجاه التطبيع الكامل للعلاقات بين البلدين.
وفي اليوم التالي دعا وزير خارجية الجزائر، رمطان لعمامرة، إلى عودة سوريا إلى جامعة الدول العربية. وقال إن بلاده التي ستستضيف الاجتماع المقبل للجامعة، في شهر مارس المقبل، تتطلع إلى إجماع عربي بهذا الشأن.
وكان وزير خارجية مصر، سامح شكري، قد اجتمع بنظيره السوري، فيصل مقداد، على هامش أعمال الجمعية العامة للأمم المتحدة.
وعلى الرغم من تبادل الزيارات بين مسؤولين سوريين وسعوديين إلا أن الرياض لم تعد فتح سفارتها في دمشق، ويعتقد أن عودة سوريا إلى جامعة الدول العربية لن تكون ممكنة دون موافقة مصر والسعودية.
وعلى الرغم من وجود قرارات من الاتحاد الأوروبي تدين النظام السوري، إلا أن دولا مثل بلغاريا وهنغاريا واليونان وقبرص قد أعادت فتح سفاراتها في دمشق، وإن أبقت تمثيلها على مستوى القائم بالأعمال.
الدول العربية التي تسعى إلى تطبيع العلاقات مع سوريا، دون الإصرار كشروط مسبقة على بدء عملية إصلاح سياسي حقيقية أو حتى إجراءات مثل إطلاق سراح سجناء سياسيين، تبرر موقفها بالقول إنها تريد أن تساعد سوريا على الإفلات من النفوذ الإيراني ومساعدتها على التصدي للاحتلال التركي واحتواء القوى الإسلامية التي تسيطر على مدينة إدلب ومحيطها.
كما تقول هذه الدول إنها تريد احتواء مضاعفات حروب سوريا الاقتصادية والاجتماعية على جيرانها، مثل الأردن والعراق ولبنان وخاصة أعباء اللاجئين، كما يتبين من جهود مصر والأردن توفير الطاقة الكهربائية إلى لبنان.
يعكس ذلك أيضا قلق بعض دول المنطقة من الانحسار التدريجي للانتشار العسكري الأميركي، ومعه انحسار الاهتمام السياسي النسبي بالمنطقة، والأهم من ذلك عدم معارضة واشنطن، بشكل علني وفعلي، لمساعي تطبيع العلاقات العربية مع نظام الأسد، هي التي تفسر هذه الظاهرة.
يؤكد المسؤولون في إدارة الرئيس بايدن أن الولايات المتحدة ستواصل تمسكها بمقاطعة نظام الأسد سياسيا واقتصاديا، وهذا ما أوضحه وزير الخارجية، أنطوني بلينكن، قبل أسابيع حين قال إن سياسة واشنطن في سوريا تهدف إلى مواصلة المساعدات الإنسانية، والتصدي لتنظيم (داعش) وإبقاء الضغوط على نظام الأسد ودعم اتفاقات وقف إطلاق النار المحلية.
وأضاف "ما لم نفعله، وما لا نعتزم فعله، هو إظهار أي دعم للجهود الرامية إلى تطبيع العلاقات أو إعادة الاعتبار للأسد، أو إلغاء أي عقوبة ضد سوريا أو تغيير موقفنا من معارضة إعادة البناء في سوريا، إلا في حال حدوث تقدم غير قابل للإلغاء باتجاه الحل السياسي".
ولكن هذا الموقف الأميركي الرسمي لم يترجم إلى معارضة علنية أو فعلية لمحاولات التطبيع العربية مع نظام الأسد. كما أن رغبة واشنطن بمساعدة الدول العربية المتضررة من الأزمة السورية مثل الأردن ولبنان دفعتها للإعلان بأنها لن تستخدم العقوبات المفروضة على التعامل الاقتصادي مع سوريا وفقا "لقانون قيصر" لمعاقبة مصر والأردن في سعيهما لإيصال إمدادات الطاقة من مصر عبر سوريا إلى لبنان.
إذا، هناك معارضة أميركية مبدئية ونظرية للتطبيع مع نظام الأسد في سوريا، ولكن واشنطن لن تترجم هذه المعارضة في نقد علني أو في إجراءات عملية ضد الأطراف التي تسعى للتطبيع السياسي مع سوريا.
ويقول السفير الأميركي السابق في سوريا والدبلوماسي المخضرم، كريستوفر روس، في مقابلة خاصة: "قال بريت ماكغورك، منسق شؤون الشرق الأوسط في البيت الأبيض إن إدارة الرئيس بايدن لا تعتزم السعي إلى تغيير الأنظمة في الشرق الاوسط. ونظام الأسد هو امتحان لهذا الموقف".
ويضيف روس "لقد حاولنا خلال عقد من الزمن إيجاد بديل، ولكن الحقيقة المرّة أن الأسد وقواته، بممارساتها الوحشية ومؤيديه العرب وغيرهم، هم اللاعبون الوحيدون القادرون على المضي إلى ما وراء سفك الدماء والحفاظ بشكل أو بآخر على وحدة سوريا، والبدء بإعادة بناء اقتصادها المدمّر" ويرى السفير روس أن "هذه الواقعية تتطلب وتفسر رغبة دول عربية وغير عربية باتخاذ خطوات لاستئناف العلاقات مع بشار الأسد".
ولكن هذه الحقيقة المرّة تشمل أيضا أن تطبيع العلاقات مع نظام الأسد، يعني التعايش مع نظام مارس القتل الجماعي وارتكب جرائم ضد الإنسانية، كما أن مثل هذه الأنظمة غير قابلة لتغيير أساليبها. وحتى إذا لم تعد هناك أعمال قتل جماعي في سوريا، فإن الطبيعة القمعية لنظام الأسد سوف تبقى كما هي، لأنه غير قادر على الاستمرار في السلطة دونها.
إعادة سوريا إلى "الحظيرة العربية" لن يؤدي بالضرورة إلى تقليص النفوذ الإيراني بشكل جذري في سوريا، لأنه نفوذ وصل إلى مختلف أوجه الحياة السياسية والاقتصادية والمذهبية والثقافية في سوريا.
ويمكن القول إن تدخل إيران وحزب الله أنقذ نظام الأسد من السقوط في بداية الانتفاضة المسلحة، ولاحقا ساهم التدخل الروسي في تعزيز ديمومة النظام.
وعودة الدول العربية إلى دمشق دبلوماسيا لن تساهم في إنهاء الاحتلال التركي لشمال سوريا، وهذا الاحتلال مرشح للبقاء في المستقبل المنظور.
أما مسألة إعادة إعمار سوريا والاستثمار في عملية إعادة البناء، فهذه أهداف لن تتحقق في أي وقت قريب، في غياب المستثمرين الأجانب، والغربيين تحديدا، مع استمرار العقوبات الأميركية.
تطبيع العلاقات العربية والدولية مع نظام الأسد وإعادة تأهيله تعني مسامحة جرائم بشار الأسد ضد شعبه وهي جرائم مستمرة، ودماؤها لم تجف حتى الآن.
---------
الحرة
بشار الأسد، المنبوذ دوليا والمسؤول الأول بين مجموعة من الأطراف الدموية التي ساهمت في نحر السوريين مثل "الدولة الإسلامية" (داعش) وجبهة النصرة، وإيران وروسيا وتركيا وحزب الله، يجد نفسه الآن على مشارف العودة إلى "الحظيرة العربية" وإلى حد أقل إلى ما يسمى "المجتمع الدولي" على خلفية التسليم الإقليمي والدولي المتزايد بأنه باق في السلطة في المستقبل المنظور على الأقل، وأنه حافظ على وحدة سوريا ولو نظريا، على الرغم من أن أراضي سوريا خاضعة لاحتلال أو سيطرة جيوش إسرائيلية وتركية وإيرانية وأميركية.
في السنوات الماضية، بدأت دول عربية وأوروبية سيرها البطيء على طريق دمشق. في 2018، افتتحت دولة الإمارات العربية المتحدة سفارتها في دمشق واستأنفت المساعدات الإنسانية وغيرها إلى سوريا، ولحقتها البحرين والأردن، وقامت عمان بإعادة سفيرها إلى دمشق.
وفي الثالث من أكتوبر الماضي، جرى اتصال هاتفي بين العاهل الأردني، الملك عبدالله الثاني، وبشار الأسد، هو الأول بعد عشر سنوات من دعوة العاهل الأردني للرئيس السوري بالتنحي عن السلطة.
وفي التاسع من نوفمبر، قام وزير خارجية الإمارات، الشيخ عبدالله بن زايد، بزيارة دمشق واجتمع بالأسد في خطوة رئيسية باتجاه التطبيع الكامل للعلاقات بين البلدين.
وفي اليوم التالي دعا وزير خارجية الجزائر، رمطان لعمامرة، إلى عودة سوريا إلى جامعة الدول العربية. وقال إن بلاده التي ستستضيف الاجتماع المقبل للجامعة، في شهر مارس المقبل، تتطلع إلى إجماع عربي بهذا الشأن.
وكان وزير خارجية مصر، سامح شكري، قد اجتمع بنظيره السوري، فيصل مقداد، على هامش أعمال الجمعية العامة للأمم المتحدة.
وعلى الرغم من تبادل الزيارات بين مسؤولين سوريين وسعوديين إلا أن الرياض لم تعد فتح سفارتها في دمشق، ويعتقد أن عودة سوريا إلى جامعة الدول العربية لن تكون ممكنة دون موافقة مصر والسعودية.
وعلى الرغم من وجود قرارات من الاتحاد الأوروبي تدين النظام السوري، إلا أن دولا مثل بلغاريا وهنغاريا واليونان وقبرص قد أعادت فتح سفاراتها في دمشق، وإن أبقت تمثيلها على مستوى القائم بالأعمال.
الدول العربية التي تسعى إلى تطبيع العلاقات مع سوريا، دون الإصرار كشروط مسبقة على بدء عملية إصلاح سياسي حقيقية أو حتى إجراءات مثل إطلاق سراح سجناء سياسيين، تبرر موقفها بالقول إنها تريد أن تساعد سوريا على الإفلات من النفوذ الإيراني ومساعدتها على التصدي للاحتلال التركي واحتواء القوى الإسلامية التي تسيطر على مدينة إدلب ومحيطها.
كما تقول هذه الدول إنها تريد احتواء مضاعفات حروب سوريا الاقتصادية والاجتماعية على جيرانها، مثل الأردن والعراق ولبنان وخاصة أعباء اللاجئين، كما يتبين من جهود مصر والأردن توفير الطاقة الكهربائية إلى لبنان.
يعكس ذلك أيضا قلق بعض دول المنطقة من الانحسار التدريجي للانتشار العسكري الأميركي، ومعه انحسار الاهتمام السياسي النسبي بالمنطقة، والأهم من ذلك عدم معارضة واشنطن، بشكل علني وفعلي، لمساعي تطبيع العلاقات العربية مع نظام الأسد، هي التي تفسر هذه الظاهرة.
يؤكد المسؤولون في إدارة الرئيس بايدن أن الولايات المتحدة ستواصل تمسكها بمقاطعة نظام الأسد سياسيا واقتصاديا، وهذا ما أوضحه وزير الخارجية، أنطوني بلينكن، قبل أسابيع حين قال إن سياسة واشنطن في سوريا تهدف إلى مواصلة المساعدات الإنسانية، والتصدي لتنظيم (داعش) وإبقاء الضغوط على نظام الأسد ودعم اتفاقات وقف إطلاق النار المحلية.
وأضاف "ما لم نفعله، وما لا نعتزم فعله، هو إظهار أي دعم للجهود الرامية إلى تطبيع العلاقات أو إعادة الاعتبار للأسد، أو إلغاء أي عقوبة ضد سوريا أو تغيير موقفنا من معارضة إعادة البناء في سوريا، إلا في حال حدوث تقدم غير قابل للإلغاء باتجاه الحل السياسي".
ولكن هذا الموقف الأميركي الرسمي لم يترجم إلى معارضة علنية أو فعلية لمحاولات التطبيع العربية مع نظام الأسد. كما أن رغبة واشنطن بمساعدة الدول العربية المتضررة من الأزمة السورية مثل الأردن ولبنان دفعتها للإعلان بأنها لن تستخدم العقوبات المفروضة على التعامل الاقتصادي مع سوريا وفقا "لقانون قيصر" لمعاقبة مصر والأردن في سعيهما لإيصال إمدادات الطاقة من مصر عبر سوريا إلى لبنان.
إذا، هناك معارضة أميركية مبدئية ونظرية للتطبيع مع نظام الأسد في سوريا، ولكن واشنطن لن تترجم هذه المعارضة في نقد علني أو في إجراءات عملية ضد الأطراف التي تسعى للتطبيع السياسي مع سوريا.
ويقول السفير الأميركي السابق في سوريا والدبلوماسي المخضرم، كريستوفر روس، في مقابلة خاصة: "قال بريت ماكغورك، منسق شؤون الشرق الأوسط في البيت الأبيض إن إدارة الرئيس بايدن لا تعتزم السعي إلى تغيير الأنظمة في الشرق الاوسط. ونظام الأسد هو امتحان لهذا الموقف".
ويضيف روس "لقد حاولنا خلال عقد من الزمن إيجاد بديل، ولكن الحقيقة المرّة أن الأسد وقواته، بممارساتها الوحشية ومؤيديه العرب وغيرهم، هم اللاعبون الوحيدون القادرون على المضي إلى ما وراء سفك الدماء والحفاظ بشكل أو بآخر على وحدة سوريا، والبدء بإعادة بناء اقتصادها المدمّر" ويرى السفير روس أن "هذه الواقعية تتطلب وتفسر رغبة دول عربية وغير عربية باتخاذ خطوات لاستئناف العلاقات مع بشار الأسد".
ولكن هذه الحقيقة المرّة تشمل أيضا أن تطبيع العلاقات مع نظام الأسد، يعني التعايش مع نظام مارس القتل الجماعي وارتكب جرائم ضد الإنسانية، كما أن مثل هذه الأنظمة غير قابلة لتغيير أساليبها. وحتى إذا لم تعد هناك أعمال قتل جماعي في سوريا، فإن الطبيعة القمعية لنظام الأسد سوف تبقى كما هي، لأنه غير قادر على الاستمرار في السلطة دونها.
إعادة سوريا إلى "الحظيرة العربية" لن يؤدي بالضرورة إلى تقليص النفوذ الإيراني بشكل جذري في سوريا، لأنه نفوذ وصل إلى مختلف أوجه الحياة السياسية والاقتصادية والمذهبية والثقافية في سوريا.
ويمكن القول إن تدخل إيران وحزب الله أنقذ نظام الأسد من السقوط في بداية الانتفاضة المسلحة، ولاحقا ساهم التدخل الروسي في تعزيز ديمومة النظام.
وعودة الدول العربية إلى دمشق دبلوماسيا لن تساهم في إنهاء الاحتلال التركي لشمال سوريا، وهذا الاحتلال مرشح للبقاء في المستقبل المنظور.
أما مسألة إعادة إعمار سوريا والاستثمار في عملية إعادة البناء، فهذه أهداف لن تتحقق في أي وقت قريب، في غياب المستثمرين الأجانب، والغربيين تحديدا، مع استمرار العقوبات الأميركية.
تطبيع العلاقات العربية والدولية مع نظام الأسد وإعادة تأهيله تعني مسامحة جرائم بشار الأسد ضد شعبه وهي جرائم مستمرة، ودماؤها لم تجف حتى الآن.
---------
الحرة