... تُعرّف آسيا ، في لغة المسرح بأنها تلك البقاع التي تبدأ من الهند، وتمتد شرقاً حتى أندونيسيا وجزائر الفلبين، وشمالاً حيث تضم الصين واليابان حتى سيبيريا .
وثمة مجموعة فكرية تدخل في مفهوم تعبير " آسيا " تتضمن العالم الإسلامي المترامي الأطراف ، والذي يقع شمالي وغربي الهند ، وبعض المصطلحات مثل " الشرق الأوسط " و " الشرق الأدنى" ، و"آسيا الصغرى " ، وما شابه ذلك ، تؤيده الفكرة التي تبسط كثيراً المساحة التي يشملها تعبير " الشرق " ، أو " آسيا " ، حتى أنها تضم بعض أجزاء القارة الأفريقية .
ومع ذلك فإن هذه البلاد ليست هي التي أشعر بأنها آسيوية حقة، في مفهوم الرقص والدراما. هذه البقاع تعتنق في مجموعها الدين الإسلامي الذي لايشجع المسرح بوجه عام، ومن ثمّ فلا بد أن نصرف أنظارنا عنها، لإنعدام الرقص والدراما بها إنعداماً واقعياً، وللجو غير " الآسيوي " الذي يسود ما قد نجده بها من هذه الفنون ."
بهذا التنويه يصدر الأمريكي فوبيون باورز كتابه " المسرح في الشرق – دراسة في الرقص والمسرح في آسيا " .
ويضيف كذلك - قبل أن أشرع في الحديث عن "المسرح في الوطن اليمني "- في معرض حديثه عن الرحلة لذي الثقافة " المسرحية " من أمريكا إلى الهند قوله:" ...... وليس ثمة شيء أقل قدرة على إعداد الإنسان لتفهم الأشكال الدرامية في آسيا مثل الواقعية والطبيعية المتطرفتين اللتين تعكسهما المسرحيات الأوروبية التي تحاكي الحياة البشرية . أما بلاد الشرق الأوسط ، كمصر ، وبلاد العرب ، وعدن ، بل وباكستان ، فإنها تولد في ذهن السائح ذي الثقافة المسرحية تشويشاً عجيباً . ففي هذه الأقطار لانجد إلا القليل النادر من المسرحيات ، ولو أن أهلها قد يتباهون بغير المسرح من الفضائل ، أما الرقص فإن مزاولته تعتبر في هذه الأقطار عاراً وخطيئة ، حتى يكاد يكون منعدماً بها ..." .
تلك هي نظرة الغربي والأوروبي " المسرحية " إلى اليمن باعتباره جزءا من هذا المسرح الفسيح الممتد من البحر إلى البحر، وليس الغربي الأوروبي فحسب وإنما العربي كذلك فهاهو الناقد الكبير الدكتور علي الراعي في كتابه " المسرح في الوطن العربي " يتناول الدول العربية ويتعرض للمسرح فيها بالنقد والتقليب والشرح والتفسير سوى اليمن كما عن غير قصد أو ولكأنها سقطت سهواً ولاذنب له في ذلك كما أرى خصوصاً حين نعرف أن المهرجان الأول للمسرح اليمني الذي تبنته وزارة الثقافة كان في عام 1990 م برعاية من وزير الثقافة اليمني حينها " حسن اللوزي " كانت إقامته من قبيل الترضية للجنوب حينها، وثقافته التي كانت تعرف المسرح نوعا ما نظراً للتلاقح الثقافي الذي خلفه الاستعمار فيها عدا التوجه السياسي الإشتراكي فيها الذي ينادي بذلك بل ويقدسه، فكان المهرجان الذي أقيم مهرجاناً غفلاً من المعرفة بأهمية المسرح الحقيقية التي تعني أن المسرح حضارة والمسرح فكر والمسرح ثقافة والمسرح رفض والمسرح إنسانية والمسرح فن والمسرح أبو الفنون جميعاً ، ويتكرر المهرجان ذاته في 94 م ثم الثالث والأخير في 97م وأقول الأخير لأنه في ذلك العام تأسس تنظيم الحراك المطالب باستقلال الجنوب ...
إن الصراع القائم والموجود حالياً في المشهد ، كان وما يزال بين طرفين، لن أقول الشمال، ولكن أقول التيار الديني بكل طوائفه وتوجهاته ومذاهبه وبين المسرح الذي يساويه " الجنوب " والذي كان كما أسلفت قد إنطلق المسرح فيه لعوامل كثيرة كما أن مراحل التأسيس له تاريخياً تبدأ من هناك وليس من الشمال لأن الشمال كان وما يزال وسيظل محاصراً بقيم دينية متزمتة متطرفة ومجرد ذكر المسرح فيها يعتبر إهانة لهذا الأخير ... ثم لماذا لم ينظم مهرجان للمسرح حين توجت صنعاء عاصمة للثقافة العربية ..!؟
ذلك أمر في شأن المسرح في الوطن اليمني ، الأمر الآخر هو بعض العادات والتقاليد التي تجعل الناس ينفرون من المسرح وتقلل من نسبة المهتمين بحضور فعالياته ، ومن ذلك عادة القات التي يلتزمها الكثير من اليمنيين، فتبدو المسرحية التي تعرض في قاعة المركز الثقافي بالعاصمة صنعاء لكأنما بها جرب، أو تشتكي حمى الضنك، أو هي بروفة لا مسرحية لشحة الحضور، أو كأنها قاعة تتبع مؤسسة خاصة ليس لها علاقة بالدولة ولا تمت لتوعية المجتمع والرقي به بصلة .
كذلك في المناهج الدراسية يذكر المسرح كنوع من الانواع الادبية في المراحل الدراسية المتأخرة " الثانوية " القسم الأدبي فقط، ربما حتى لاتتهم وزارة التربية والتعليم بأنه تم إلغاء هذا الفن في اليمن ومشكوك في حقيقة وجوده شأنه شأن باقي المحرمات والموبقات .
حين قال شكسبير أن " الحياة مسرح كبير " لم يكن يعرف أن هناك جماهير طردت من هذا المسرح سلفاً ، وألغيت منه بعاداتها وتقاليدها وأعرافها ، التي لاسبيل لك شئت أم أبيت التحرر أو الفكاك منها إلا بسلطان ..!!!
في المسرح الكبير لا يوجد توقعات ولا حتميات فهذه من صنع العادات والتقاليد التي تضعنا بها هذه المجتمعات وسادت في عصور التخلف ومازالت تتكرر ، ومن هذا كان المسرح وسيظل تمرداً على القيم المتخلفة وعلى العادات والتقاليد البائدة ... وعلى كل ما هو إمبريالي ملغي للقبول بثقافة الآخر وبفكره المختلف، ملغٍ للأخذ منه او التعاطي معه .. وكل شيء في عرفه قدريٌ جبريٌ لاسبيل إلى الاختيار فيه أو الاختلاف معه ..!!؟؟؟؟؟
إنني أثق مطلقاً أن القارئ وهو يقرأ هذه السطور لن يجدني مبالغاً حين يعرف أنني لم أعرف المسرح إلا من خلال ما قرأته في الكتب أو ما رأيته في التلفزيون وأنا أعتبر مثقفاً على الأقل لدى من يعرفوني ممن أعيش واختلط في الحياة معهم ..
ولكن هل هذا كان لعدم اهتمام بالمسرح الموجود في الوطن اليمني – لاسمح الله- ؟ ربما ولكني أعتقد اعتقادا كبيرا في تلك المقولة التي قالها الرسام العالمي بيكاسو " أنا لا أبحث أنا اجد " سوى أنني بحثت ولكني لم أجد ...!!!
كل من يمتهن المسرح في الوطن اليمني – إلا من رحم ربك - يمتهنه من اجل التكسب وليس لأن للمسرح رسالة عظيمة يجب أن نؤمن بها ونؤديها، وحيناً يرونه وسيلة للسفر هرباً من صخب الحياة ورتابتها ، غافلين أن المسرح حين نفهمه سفر وهروب وتمرد وتحليق وسياحة، لا نحتاج معه إلى فيزة أو طائرة أو حتى مضيفة تخبرك أنه يلزمك ربط الحزام لا لشيء إلا لأنك بأمان حين تقلع وحين تهبط ولا خوف عليك ولا هم يحزنون...!!!
إن المسرح اليمني يحتاج إلى جهود جبارة من أجل مسرحته، وعموماً فما يزال المواطن اليمني متهماً بالحياة والعقل والمسرح ..!!
تحضرني الآن في ختام هذا المقال "كلمات سبارتاكوس الأخيرة" للشاعر أمل دنقل كتعبير عن معنى المسرح الغائب عن كل ذهن الذي يحمل معنى الرفض والتمرد ولا يحمل معنى "الشيطان " حتى لو كان مذكوراً فيظل رمزاً فقط يحمل دلالة ال " لا " فقط في وجه كل العادات البائدة والتقاليد الإمبريالية الملغية للفكر والاحتمالية والحوار وإعادة النظر وإعماله والتفكير في كل شيء واتخاذ موقف دائماً من أي شيء له هويتنا التي تتعدد وتختلف وتتباين :
" المجد للشيطان معبود الرياح ..
من قال لا في وجه من قالوا نعم ..
من علم الإنسان تمزيق العدم ............"