وهناك بعض الأسباب الوجيهة للقلق من سك هذه العملة. فالاحتياط الاتحادي، وهو شبه مستقل، قد لا يوافق. والاستراتيجية قد تواجه تحديات قانونية. وباللجوء إلى هذه الحيلة سننقل إلى العالم رسالة مفادها أننا أمة مرتبكة تواجه مشكلات كبيرة في حكم نفسها، لكن الحقيقة هي أننا أمة مرتبكة بسبب عدمية واحد من حزبينا الكبيرين، ولذا فإن سك العملة اعتراف بما هو واضح. لكن بلغني أن بعض المسؤولين الكبار في الإدارة يقيمون حجة أخرى ضد سك العملة أو أي استراتيجية مشابهة، تردد مخاوف لويس دوجلاس تحديدا، وهي أن سلوك هذا الطريق سيقوض مصداقية الدولار. وهذا خطأ.
ودعنا نتناول الأمور بالترتيب. فأولا، لا يرقى سك العملة إلى تمويل عجز الميزانية بطباعة أوراق النقد. وما نعنيه بالفعل حين نتحدث عن «طباعة النقود» هو الزيادة في القاعدة النقدية- أي مبالغ النقد المتداول والاحتياطي المتواجد لدى البنوك الخاصة، أساساً في صورة ودائع لدى الاحتياط الاتحادي.
والتأثير الاقتصادي للاحتياط الاتحادي يتأتى من قدرته على زيادة القاعدة النقدية بحسب الرغبة، عادة عن طريق شراء الديون الاتحادية من البنوك والدفع مقابل المشتريات بإضافة أموال وُجدت من العدم في حسابات البنوك. وإذا كان الاحتياط الاتحادي بقبوله العملة يعلن ببساطة أن الخزانة لديها حساب بقيمة تريليون دولار، أليس السماح للخزانة بدفع فواتيرها بالسحب من حساب وجد أيضا من العدم يعني زيادة القاعدة النقدية؟
ليس الأمر كذلك، إذا لم يرغب الاحتياط الاتحادي. والعمليات النقدية السابقة تركت الاحتياط الاتحادي يمتلك محفظة مالية كبيرة تتضمن أكثر من خمسة تريليونات دولار من ديون الحكومة الأميركية. والاحتياط الاتحادي يمكنه بالتأكيد ويستطيع أن «يصيب بالعقم» أي أثر للسحب الاتحادي من القاعدة النقدية من خلال بيع بعض من المحفظة المالية. لننظر إلى الخزانة والاحتياط الاتحادي- لديهما بعض الاستقلال في السياسة لكنهما ماليا جزء من الحكومة الاتحادية- باعتبارهما كياناً واحداً. وحالياً يدفع هذا الكيان المندمج فواتيره ببيع السندات للقطاع الخاص.
وإذا سككنا العملة فإنه سيواصل القيام بهذا. والتغيير الوحيد هو أنه بدلاً من بيع السندات الصادرة حديثاً، فإنه سيبيع السندات الموجودة حالياً لدى الاحتياط الاتحادي. ومن وجهة نظر اقتصادية لا فرق بالمرة. فما مصدر قلق الأشخاص الذين يتحدثون عن المصداقية؟ إحدى الحجج التي ألقى بيتر كوي، الزميل في نيويورك تايمز، الضوء عليها في الأيام القليلة الماضية هي أن النقود غير المدعومة بغطاء من الذهب أو نوع آخر من الأصول لعبة خداع وأن سك العملة سيفسح الطريق للخدعة.
ووفقاً لهذه الحجة، فالمال ليس له قيمة إلا لأن الناس تتوقع قبول قيمته من الآخرين، والمناورة المالية المخادعة قد تكسر هذا. لكن النقد الورقي ليس له قيمة لمجرد قبول هذه القيمة من الآخرين، بل هو ما نستخدمه لدفع الضرائب مما يقدم له مرساة جوهرية تربطه بالواقع. وعمليا لا تنهار الأموال أبدا ببساطة لأن الناس يفقدون الثقة في قيمتها. فالتضخم الفاحش الذي تنهار فيه القيمة الشرائية للنقود يحدث، لكنه يحدث دوماً تقريباً بسبب رغبة الحكومات الأخرى في طباعة نقود لتغطية عجزها المالي، وهو ما لا ترغب فيه الحكومة الأميركية.
ولذا ما دامت الحكومة الأميركية لا تعتمد على إنتاج النقود لدفع فواتيرها، فالدولار لن ينهار. لكن ألا يغري سك العملات ببدء القيام بهذا فحسب؟ الحكومات تتسبب أحياناً في ارتفاع التضخم بالاعتماد على طباعة النقود. وفنزويلا هي في الواقع المثال الوحيد، الآن ومنذ فترة من الوقت. والحقيقة أن الحكومات نادراً، إذا حدث أصلاً، ما تبدأ في طبع النقود بلا اكتراث لأنها ببساطة لا يمكنها مقاومة الإغراء. والتضخم الفاحش هو عادة منتج ثانوي لخل وظيفي سياسي شديد يترك الحكومات غير قادرة على زيادة العائدات أو تقليص الإنفاق. وأتمنى أن يمكنني القول إن أميركا في مأمن من هذا النوع من الخلل الوظيفي الشديد لكن المشكلات التي تواجه ديمقراطيتنا لا علاقة لها بآليات الميزانية ولا يمكن حسمها بحظر التمويل الإبداعي.
وبصفة عامة، فالمصداقية يجري المبالغة فيها كعامل يجب أن يرشد بالسياسة. وإذا جعلنا السياسات الجوهرية صحيحة، فالمصداقية ستتبع ذلك وإذا لم نفعل، فمحاولات الالتزام بالقواعد لن يكون لها تأثير. والصواب الذي يتعين القيام به حاليا هو العثور على طريقة لمواصلة دفع نفقات الحكومة في مواجهة التخريب السياسي حتى إذا انطوى هذا على حيل تستغل ثغرات قانونية. فالقيام بأشياء قد تبدو سخيفة يكون أحياناً هو نهج التصرف المسؤول الوحيد.
----------------------------
- *أكاديمي أميركي حاصل على جائزة نوبل في الاقتصاد.