وكانت روسيا قد سحبت من سورية 2000 مقاتل روسي بينهم ضباط من قاعدة “حميميم” على الساحل السوري، كما قامت قيادة الجيش الروسي بإبلاغ النظام السوري أنَّ المعارك المصيرية التي تخوضها روسيا ضد أوكرانيا قد تضطرها إلى سحب المزيد من القوات والسلاح (لاسيما الطيران الحربي).ومن المؤكد أن المعركة الروسية ضد أوكرانيا 2022 ليست كسابقاتها من التدخل العسكري الروسي في كزاخستان وقبله في ليبيا وقبله في سورية وقبله في القرم وقبله في جورجيا، حيث بالفعل تخوض روسيا حرباً مصيرية ومواجهة مفتوحة وطويلة مع الغرب، والتفاعل الغربي وبالتالي آثار هذه المعركة لن تكون كما معارك بوتين السابقة، وهو يدرك ذلك، وأمام طموحه القيصري ورغبته الإمبراطورية ونزعته الشخصية المتعاظمة، لم يكن أمامه إلا الرهان على الحرب ليكسب استعادة أمجاد الاتحاد السوفياتي أو يخسر روسيا، وهو مع علمه بكثرة التحديات والعوائق وأثر الضغوط التي أمامه إلا أن تقديراته كانت تُرِيه المكسب أقرب وأكثر حظاً من الخسارة.
معركة كهذه لن تقتصر حدودها على الجغرافيا في أوكرانيا بالنظر للتسعير الأمريكي والتصعيد الروسي، مع احتمالٍ ضعيفٍ بنجاح المفاوضات التي تحرص عليها أوروبا خشيةً من الاستنزاف الطويل، لكن في كل السيناريوهات فإن آثار هذه الحرب ستكون أوسع بكثير من ميدانها، وبالذات وبشكل مباشر على القضية السورية التي جاء التدخل الروسي العسكري فيها عقب العقوبات الغربية على سيطرة روسيا على شِبه جزيرة القرم الأوكرانية، وربما من الصعوبة استشراف هذه الآثار مع السيناريوهات المفتوحة لنتائج الهجمات الروسية في مقابل الصمود الأوكراني المدعوم من الغرب، غير أن المؤشرات في سورية تدل على أنَّ الغرب حريص على التأثير العامّ على روسيا وليس فقط على قواتها في أوكرانيا؛ ولذلك كان التفاعُل الغربي الأول هو التصعيد الاقتصادي الواسع والذي سيكون تأثيره على النظام السوري مباشراً، حيث يعتمد النظام على الدعم الروسي بالقمح والحبوب وبشكل غير مباشر على توسُّط الروسي بينه وبين “قسد” ليحصل من الأخيرة على النفط والغاز والمنتجات الزراعية.
كذلك فمن المتوقَّع أن يكون هناك سحب للمقاتلين الروس من سورية بشكل متزايد مع تصاعُد المواجهات والاستنزاف الروسي في أوكرانيا انتقالاً لاحتمالات الاعتماد على المجموعات المحلية التي موَّلتها ودرَّبتها روسيا من السوريين، بالتزامن مع تغيُّرات سياسية محتملة قد تُنهي ثبات خطوطِ التماسّ بين مناطق السيطرة على كامل الخريطة السورية والذي استمر لعامين كاملين، حيث لن يوفر الغرب أوراق الضغط الميدانية على روسيا أو السياسية، وبالتالي ربما نتكلم عن موت مشروع التعافي المبكِّر قبل ولادته، وعن نهاية مبكرة لمشروع خُطوة مقابل خُطوة وآمال النظام في التطبيع والعودة لجامعة الدول العربية.
قد تنظر المعارضة السورية إلى تأثيرات الموقف الغربي ضد روسيا بعين التفاؤل والأمل، غير أن في المشهد جانباً آخرَ يرسمه إدراك النظام للفراغ الذي يُحدثه سحب القوات الروسية من سورية، والضغط الغربي على الدعم السياسي الروسي للنظام، والتخلي النسبي الروسي عن النظام في مقابل أولويات أكثر أهمية بالنسبة لروسيا، لذلك فإن أمل السوريين بضعف وانسحاب روسيا من الملف السوري قد يُعكِّره التوسعُ الإيرانيُّ بكافة أشكال النفوذ والتي ستجد فرصتها بالانشغال الروسي والدولي بمعارك أوكرانيا، كما ستستفيد من شعور النظام بالخطر وهَلَعه من جديد إلى الحضن الإيراني الذي سيحميه أمنياً وعسكرياً، وسيعوضه اقتصادياً، خاصة أنَّ إيران لم تُضطرَّ لاتخاذ موقف مستفزّ للغرب تجاه ما يحصل في أوكرانيا، وهي تطمع باقتراب الارتياح الاقتصادي مع التقدُّم في التفاهُمات النووية، كما أنها مصدر للطاقة (النفط والغاز) مع ما يعانيه العالم وأوروبا خصوصاً من تعطُّل الإنتاج الأوكراني بفعل الحرب وفَقْدِ الإنتاج الروسي بفعل العقوبات، وينسحب ذلك على ما هو أوسع من الطاقة مثل مصادر الغذاء وسلاسل التوريد.
هَلَع النظام إلى إيران سيكون من أبرز آثار الحرب الروسية الأوكرانية، وهذا ما تستثمره إيران لتوسيع نفوذها العسكري والاقتصادي في سورية، وهذا ما حمله مدير مكتب الأمن الوطني للنظام علي مملوك إلى طهران في 27 شباط/ فبراير 2022، ولقاؤه الرئيس الإيراني وأمين المجلس الأعلى للأمن القومي، وقد كان الطلب من مملوك صريحاً بحاجة النظام للمقاتلين الإيرانيين، كما وقَّع مجموعة من الاتفاقيات الأمنية والعسكرية، وناقش معه الإيرانيون ضرورة تنفيذ المشاريع الاقتصادية.
بينما في سورية ستبقى هناك فرص كبيرة أمام المعارضة السورية لمواجهة النظام من جديد، حتى مع أقصى درجات الدعم والسيطرة الإيرانية، غير أن ذلك يحتاج في الوقت نفسه إلى الدعم الإقليمي والدولي للمعارضة السورية، أو بالأحرى للشعب السوري عموماً الذي يحتاج للاستقرار والحياة وأن يتخلص من الاستبداد ويَتحرَّر من الاحتلال.
----------
نداء بوست
معركة كهذه لن تقتصر حدودها على الجغرافيا في أوكرانيا بالنظر للتسعير الأمريكي والتصعيد الروسي، مع احتمالٍ ضعيفٍ بنجاح المفاوضات التي تحرص عليها أوروبا خشيةً من الاستنزاف الطويل، لكن في كل السيناريوهات فإن آثار هذه الحرب ستكون أوسع بكثير من ميدانها، وبالذات وبشكل مباشر على القضية السورية التي جاء التدخل الروسي العسكري فيها عقب العقوبات الغربية على سيطرة روسيا على شِبه جزيرة القرم الأوكرانية، وربما من الصعوبة استشراف هذه الآثار مع السيناريوهات المفتوحة لنتائج الهجمات الروسية في مقابل الصمود الأوكراني المدعوم من الغرب، غير أن المؤشرات في سورية تدل على أنَّ الغرب حريص على التأثير العامّ على روسيا وليس فقط على قواتها في أوكرانيا؛ ولذلك كان التفاعُل الغربي الأول هو التصعيد الاقتصادي الواسع والذي سيكون تأثيره على النظام السوري مباشراً، حيث يعتمد النظام على الدعم الروسي بالقمح والحبوب وبشكل غير مباشر على توسُّط الروسي بينه وبين “قسد” ليحصل من الأخيرة على النفط والغاز والمنتجات الزراعية.
كذلك فمن المتوقَّع أن يكون هناك سحب للمقاتلين الروس من سورية بشكل متزايد مع تصاعُد المواجهات والاستنزاف الروسي في أوكرانيا انتقالاً لاحتمالات الاعتماد على المجموعات المحلية التي موَّلتها ودرَّبتها روسيا من السوريين، بالتزامن مع تغيُّرات سياسية محتملة قد تُنهي ثبات خطوطِ التماسّ بين مناطق السيطرة على كامل الخريطة السورية والذي استمر لعامين كاملين، حيث لن يوفر الغرب أوراق الضغط الميدانية على روسيا أو السياسية، وبالتالي ربما نتكلم عن موت مشروع التعافي المبكِّر قبل ولادته، وعن نهاية مبكرة لمشروع خُطوة مقابل خُطوة وآمال النظام في التطبيع والعودة لجامعة الدول العربية.
قد تنظر المعارضة السورية إلى تأثيرات الموقف الغربي ضد روسيا بعين التفاؤل والأمل، غير أن في المشهد جانباً آخرَ يرسمه إدراك النظام للفراغ الذي يُحدثه سحب القوات الروسية من سورية، والضغط الغربي على الدعم السياسي الروسي للنظام، والتخلي النسبي الروسي عن النظام في مقابل أولويات أكثر أهمية بالنسبة لروسيا، لذلك فإن أمل السوريين بضعف وانسحاب روسيا من الملف السوري قد يُعكِّره التوسعُ الإيرانيُّ بكافة أشكال النفوذ والتي ستجد فرصتها بالانشغال الروسي والدولي بمعارك أوكرانيا، كما ستستفيد من شعور النظام بالخطر وهَلَعه من جديد إلى الحضن الإيراني الذي سيحميه أمنياً وعسكرياً، وسيعوضه اقتصادياً، خاصة أنَّ إيران لم تُضطرَّ لاتخاذ موقف مستفزّ للغرب تجاه ما يحصل في أوكرانيا، وهي تطمع باقتراب الارتياح الاقتصادي مع التقدُّم في التفاهُمات النووية، كما أنها مصدر للطاقة (النفط والغاز) مع ما يعانيه العالم وأوروبا خصوصاً من تعطُّل الإنتاج الأوكراني بفعل الحرب وفَقْدِ الإنتاج الروسي بفعل العقوبات، وينسحب ذلك على ما هو أوسع من الطاقة مثل مصادر الغذاء وسلاسل التوريد.
هَلَع النظام إلى إيران سيكون من أبرز آثار الحرب الروسية الأوكرانية، وهذا ما تستثمره إيران لتوسيع نفوذها العسكري والاقتصادي في سورية، وهذا ما حمله مدير مكتب الأمن الوطني للنظام علي مملوك إلى طهران في 27 شباط/ فبراير 2022، ولقاؤه الرئيس الإيراني وأمين المجلس الأعلى للأمن القومي، وقد كان الطلب من مملوك صريحاً بحاجة النظام للمقاتلين الإيرانيين، كما وقَّع مجموعة من الاتفاقيات الأمنية والعسكرية، وناقش معه الإيرانيون ضرورة تنفيذ المشاريع الاقتصادية.
من هذه الزاوية فنحن أمام المفاضلة بين السيئ والأسوأ، حيث التوسع الإيراني بالتأكيد هو أكثر سُوءاً للسوريين من النفوذ الروسي، لكن بالعودة لتقييم ما قامت به روسيا منذ تدخُّلها عام 2015 فإن النظام لم يكن ليصمد لولا التدخل الروسي عسكرياً وأمنياً واقتصادياً، على الرغم من الدعم الكامل الذي تلقَّاه النظام من إيران ومن حزب الله قبل ذلك, ولم يكن لينقذ النظام من الانهيار لولا التدخل الروسي.
يبقى كل ذلك تحليلاً واستشرافاً بناءً على المعطيات الحالية من المعلومات وبمتابعة المؤشرات، والتي تُرجِّح التوسعَ الإيراني في سورية على حساب الوجود والنفوذ الروسي الذي سينسحب تباعاً بشكل جزئي أو ربما كلي، بحسب ما ستتطور إليه المواجهات الأوكرانية حالياً، وبحسب الخياريْنِ اللذيْنِ سيمضي إليهما بوتين في نهاية الرهان: أن يربح كل شيء أو يخسر كل شيء، لأن اضطراره للعودة عن السيطرة على أوكرانيا يعني فعلياً الخسارة الكاملة وإنْ بقيت له روسيا، حيث لن يسمح له الغرب المنتصر حينها بأكثر من روسيا.بينما في سورية ستبقى هناك فرص كبيرة أمام المعارضة السورية لمواجهة النظام من جديد، حتى مع أقصى درجات الدعم والسيطرة الإيرانية، غير أن ذلك يحتاج في الوقت نفسه إلى الدعم الإقليمي والدولي للمعارضة السورية، أو بالأحرى للشعب السوري عموماً الذي يحتاج للاستقرار والحياة وأن يتخلص من الاستبداد ويَتحرَّر من الاحتلال.
----------
نداء بوست