ولو أخذنا المعنى الاصطلاحي للثورة بما هي من اقتلاع لنظام راسخ وتقويض لبنيات حكم قائمة ومحو لرموز المرحلة البائدة فإننا سنكتشف أن هذا التوصيف ينطبق فقط على الحالة المصرية دون أن ينسحب على حالة ليبيا التي تبدو للبعض أقرب إلى الحرب الأهلية. وفيما تنطبق الحركة المطالبة بالديمقراطية على تونس فقد لا تسعفنا أيضاً في فهم ما يجري من أحداث في سوريا، التي يمكن إدراجهما في خانة التمرد الشعبي والعصيان المدني. ولتفادي هذه الانقسامات والتباينات في توصيف ما يعتمل في العالم العربي من تطورات جسام فإني أفضل شخصيّاً استخدام وصف الربيع العربي لما ينطوي عليه من شاعرية خاصة تغري بإسقاطها على الحالة العربية الراهنة. وربما أيضاً لأن المصطلح يتبنى شيئاً من الحياد في توصيف الأحداث فلا هي ثورة ولا تمرد ولا مجرد حركة تطالب بالديمقراطية، بل تظل عبارة "الربيع العربي" فضفاضة في معانيها لتنضوي تحتها جميع المسميات المشتركة جميعاً في رغبة أكيدة تحدو الشعوب العربية نحو التغيير.
ولكن تعبير الربيع العربي وعلى رغم حياده الظاهر في وصف التطورات على الساحة العربية إلا أنه ينطوي أيضاً على معانٍ ودلالات تتعين الإشارة إليها، فأولًا يحمل الربيع في ثناياه معنى الشباب والتجدد وهو فعلاً ما ينطبق على الثورات العربية التي ساهمت في تحريكها شريحة الشباب أكثر من غيرها، هذا بالإضافة إلى ما يرمز له الربيع عادة من تفاؤل وأمل لينطبق أيضاً على الثورات العربية وانتظاراتها، بحيث تطمح الشعوب العربية إلى فتح صفحة جديدة في تاريخها السياسي تبتعد فيها عن الأنظمة الديكتاتورية التي فشلت في تحقيق التنمية.
وقد كان لافتاً تعبير أوباما ووزيرة خارجيته، كلينتون، عن مساندتهما لمطالب التغيير العربية مستخدمين عبارة الربيع العربي لما تحيل إليه من معاني الشباب والأمل في مستقبل أفضل. ولكن هذا الاحتفال بالمدلولات الإيجابية للربيع عندما يُقرن بحركة الشعوب ورغبتها في رسم مستقبلها وتقرير مصيرها ينبغي ألا يحجب عنا التجارب التاريخية التي أُجهض فيها الربيع، أو على الأقل لم يأتِ بما كان ينتظر منه، فقد استُخدمت لفظة الربيع أول مرة في عام 1968 للإحالة إلى حركة الإصلاح التي شهدتها تشيكوسلوفاكيا التي جربت الإصلاح السياسي للتخلص من قبضة الاتحاد السوفييتي والانعتاق من النظام الشيوعي السابق، فجاء رد موسكو بإرسال دباباتها إلى العاصمة براج مجهضة الربيع قبل أن تتفتح أزهاره، فكانت نهاية ربيع براج الشهير.
وربما تجنباً لهذا المصير لم تشأ الدول الغربية وصف الحركات الديمقراطية التي اجتاحت أوروبا الشرقية بعد إصلاحات جورباتشوف في الثمانينيات بالربيع، بل لجأت وسائل الإعلام ومعهم الأكاديميون في الغرب إلى اختيار مميزات خاصة بكل ثورة، وهكذا سمي التحرك في تشيكوسلوفاكيا بالثورة المخملية لطابعها السلمي ولمساهمة المثقفين وأصحاب الرأي في إطلاقها وعلى رأسهم "فاكلاف هافيل" الذي أصبح أول رئيس ديمقراطي للبلاد، وفي أوكرانيا أُطلق على الحراك الشعبي الثورة البرتقالية بالنظر إلى الأعلام البرتقالية التي رفرفت في الشوارع، وقد استخدم الربيع خلال الأعوام الأخيرة أيضاً في وصف المظاهرات العارمة التي شهدها لبنان للمطالبة بخروج القوات السورية من البلاد، وهو ما أذعنت له دمشق تحت الضغط الشعبي المتنامي، وإن كانت قد عادت إلى لبنان من خلال القوى السياسية المتحالفة معها مفرغة ربيع بيروت من مضمونه الحقيقي.
وإذا كان هذا هو حال الربيع في لبنان وتشيكوسلوفاكيا في 1968 بعدما أجهضته الأنظمة القائمة القابضة فما هو مآل الربيع العربي؟ وهل يلاقي نفس المصير؟ الحقيقة أن نجاح الحراك الشعبي في مصر وتونس يجنبهما مصير الإخفاق ويجعل الربيع متحققاً بالفعل، أما في ليبيا واليمن فإن الربيع يبدو في طريقه للتحقق رغم الصعوبات؛ ولكن الربيع يحمل أيضاً معاني سياسية إذ غالباً ما يستخدمه الغرب بانتقائية ليسبغه على الحالات التي توافق معاييره الخاصة، إذ لا أحد على سبيل المثال أطلق وصف الربيع على الثورة الإيرانية في عام 1979 التي أطاحت بالشاه لأن هذا الأخير كان حليف أميركا. وبالمثل لم نسمع عن الربيع الفلبيني على رغم أن الشعب أطاح بالديكتاتور فرديناند ماركوس الذي رعته أميركا. وأخيراً هناك ربيع من نوع آخر متمثل في الحالة الخاصة للعاهل المغربي الملك محمد السادس الذي ميز نفسه عن قادة المنطقة أولاً عندما أنشأ قبل ست سنوات لجنة الإنصاف والمصالحة التي أنيطت بها مهمة فتح ملف الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان في فترة أبيه الراحل الحسن الثاني، ومرة ثانية عندما أدخل تعديلات دستورية جديدة تنزع بعض صلاحياته لتنقل البلاد من ملكية مطلقة إلى ملكية دستورية، وبهذه التغييرات التلقائية يكون محمد السادس قد أعطى معنى جديداً للربيع العربي يبتعد عن العنف والتغيير الجذري للأنظمة.
وقد كان لافتاً تعبير أوباما ووزيرة خارجيته، كلينتون، عن مساندتهما لمطالب التغيير العربية مستخدمين عبارة الربيع العربي لما تحيل إليه من معاني الشباب والأمل في مستقبل أفضل. ولكن هذا الاحتفال بالمدلولات الإيجابية للربيع عندما يُقرن بحركة الشعوب ورغبتها في رسم مستقبلها وتقرير مصيرها ينبغي ألا يحجب عنا التجارب التاريخية التي أُجهض فيها الربيع، أو على الأقل لم يأتِ بما كان ينتظر منه، فقد استُخدمت لفظة الربيع أول مرة في عام 1968 للإحالة إلى حركة الإصلاح التي شهدتها تشيكوسلوفاكيا التي جربت الإصلاح السياسي للتخلص من قبضة الاتحاد السوفييتي والانعتاق من النظام الشيوعي السابق، فجاء رد موسكو بإرسال دباباتها إلى العاصمة براج مجهضة الربيع قبل أن تتفتح أزهاره، فكانت نهاية ربيع براج الشهير.
وربما تجنباً لهذا المصير لم تشأ الدول الغربية وصف الحركات الديمقراطية التي اجتاحت أوروبا الشرقية بعد إصلاحات جورباتشوف في الثمانينيات بالربيع، بل لجأت وسائل الإعلام ومعهم الأكاديميون في الغرب إلى اختيار مميزات خاصة بكل ثورة، وهكذا سمي التحرك في تشيكوسلوفاكيا بالثورة المخملية لطابعها السلمي ولمساهمة المثقفين وأصحاب الرأي في إطلاقها وعلى رأسهم "فاكلاف هافيل" الذي أصبح أول رئيس ديمقراطي للبلاد، وفي أوكرانيا أُطلق على الحراك الشعبي الثورة البرتقالية بالنظر إلى الأعلام البرتقالية التي رفرفت في الشوارع، وقد استخدم الربيع خلال الأعوام الأخيرة أيضاً في وصف المظاهرات العارمة التي شهدها لبنان للمطالبة بخروج القوات السورية من البلاد، وهو ما أذعنت له دمشق تحت الضغط الشعبي المتنامي، وإن كانت قد عادت إلى لبنان من خلال القوى السياسية المتحالفة معها مفرغة ربيع بيروت من مضمونه الحقيقي.
وإذا كان هذا هو حال الربيع في لبنان وتشيكوسلوفاكيا في 1968 بعدما أجهضته الأنظمة القائمة القابضة فما هو مآل الربيع العربي؟ وهل يلاقي نفس المصير؟ الحقيقة أن نجاح الحراك الشعبي في مصر وتونس يجنبهما مصير الإخفاق ويجعل الربيع متحققاً بالفعل، أما في ليبيا واليمن فإن الربيع يبدو في طريقه للتحقق رغم الصعوبات؛ ولكن الربيع يحمل أيضاً معاني سياسية إذ غالباً ما يستخدمه الغرب بانتقائية ليسبغه على الحالات التي توافق معاييره الخاصة، إذ لا أحد على سبيل المثال أطلق وصف الربيع على الثورة الإيرانية في عام 1979 التي أطاحت بالشاه لأن هذا الأخير كان حليف أميركا. وبالمثل لم نسمع عن الربيع الفلبيني على رغم أن الشعب أطاح بالديكتاتور فرديناند ماركوس الذي رعته أميركا. وأخيراً هناك ربيع من نوع آخر متمثل في الحالة الخاصة للعاهل المغربي الملك محمد السادس الذي ميز نفسه عن قادة المنطقة أولاً عندما أنشأ قبل ست سنوات لجنة الإنصاف والمصالحة التي أنيطت بها مهمة فتح ملف الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان في فترة أبيه الراحل الحسن الثاني، ومرة ثانية عندما أدخل تعديلات دستورية جديدة تنزع بعض صلاحياته لتنقل البلاد من ملكية مطلقة إلى ملكية دستورية، وبهذه التغييرات التلقائية يكون محمد السادس قد أعطى معنى جديداً للربيع العربي يبتعد عن العنف والتغيير الجذري للأنظمة.