بكلمات أخرى: هل يحاول التاريخ أن يقول شيئا للسوريين؟ هل تحاول الثورة السورية الراهنة أن توصل إليهم رسالة معينة
وباختصار ووضوح: هل يمكن أن يكون في تلك الجدلية كُمون يجبر السوريين على مواجهة تحدي البحث عن (نموذج جديد)؟
ليست صناعة التاريخ ولا صناعة نماذج الحياة حكراً على أحد في هذه الدنيا، فلماذا نهرب من مواجهة ذلك السؤال؟
يفهم المرء تخوف البعض من الروح (الرسالية) حين (تتلبس) العقل العربي المعاصر في سورية وغيرها، لأن نتيجة ذلك التلبس كانت مأساوية في كثير من الأحيان. لكن مقاربة هذا الموضوع لا يجب أن تكون بالضرورة (رسالية) بالإيحاءات السلبية السائدة في ثقافتنا لهذه الكلمة.
ففي غياب شروط فكرية وثقافية موضوعية تساعد الروح الرسالية على صناعة التاريخ والحياة، صارت تلك الروح في الماضي نقمةً على أهلها حيناً، ونقمةً على العالم بأسره حيناً آخر. يستوي الأمر فيما يتعلق بالروح الرسالية القومية أو الإسلامية أو الحداثية.
فباسم الرسالة القومية، أنتج البعض التسلط السياسي، ومعه التخلف الاقتصادي والاجتماعي على كل صعيد.
وباسم الرسالة الإسلامية، أنتج البعض الآخر العزلة عن الآخر والتقوقع حول (الأنا)، والهروب من الدنيا في اتجاه (الآخرة)، والغربة عن الحاضر والمستقبل في اتجاه (الماضي).
وباسم رسالة الحداثة والعصرنة والتحضر، أنتج البعض الثالث ضياع الهوية حيناً، وضياع البوصلة التنموية والثقافية حيناً آخر.
هذا ما تفعله الروح الرسالية عندما تتملك عقلاً لا يعرف الحلول الوسط، ويعالج ردود الأفعال بردود الأفعال.
لكن هذا لا يعني أن يتمثل الخيار البديل في (الاستقالة) الحضارية، والوقوع في فخ التقليد للنماذج القائمة وكأنها مطلقة ونهائية. فتلك هي عقلية الثنائيات المتقابلة التي تحاصر واقع الناس وتخنقه، حين يقفزون على الدوام على أي خيار (ثالث).
لا مفر من الاعتراف علنياً، دون مداورة أو تهرب، بأن الإسلام سيكون بشكل أو بآخر عنصراً رئيساً في رسم ملامح صورة سوريا المستقبل.
فقد تمنى البعض في يوم من الأيام أن يصبح الدين بشكل عام والإسلام تحديداً شيئاً من الماضي، وساد لفترة واقع أوهمهم بإمكانية تحقيق ذلك الحلم، لكن الحياة البشرية أفرزت معطيات سرعان ما محت تلك الأوهام، حيث عاد الدين اليوم ليزاحم كل انتماء وكل فكرة، وليجد لنفسه تأثيراً في كل قضية.
لهذا، صار مطلوباً أن يتم البحث في جدلية الديني والسياسي في سوريا المستقبل، لأن هذا قد يؤدي إلى تقديم نموذج (استيعاب) و(استجابة) جديد، هدفه تمكين السوريين من التعامل مع قضاياهم بحد أدنى من العقلانية والواقعية والمنهجية.
وهذا لا يتم إلا عبر إعادة التفكير بهدوء في عناصر تلك الجدلية التي تفرض نفسها باضطراد. كما أنه لن يكون ممكناً إلا إذا استطاع الساسة والمثقفون السوريون، من مختلف المدارس الفكرية والأيديولوجية، تجاوز مواقفهم الصارمة المحددة والمعروفة تجاه تلك الجدلية.
لقد أصبح إضفاء القداسة على أي ممارسات سياسية تمارس باسم الإسلام مستحيلاً ما دام الذين يمارسونها بشراً يخطئون ويصيبون، هذه حقيقة لم يعد ممكناً رفضُها، ومحاولة العمل بعكس مقتضياتها ستجر الوبال على من يقوم بذلك ابتداءً، فضلاً عن التأثير السلبي المؤكد لمثل هذا التفكير على سوريا الجديدة كوطن وكدولة.
لكن من غير المقبول أيضاً النظر إلى كل ما هو (إسلامي)، خاصةً في فضاء السياسة، بمنطق (الرفض المبدئي) المبني على مزيج من الشعور بالفوقية الثقافية تجاهه من ناحية، ومنطق الخوف والحذر منه من ناحية ثانية. وأخطر ما في الأمر أن يحاول البعض القفز على دور الإسلام وإلغائه من خلال حلول التفافية سريعة، عادة ما تكون قصيرة النظر وقليلة الحسابات.
لا إمكانية للتعامل مع جدلية الديني والسياسي من مثل تلك المنطلقات بعد اليوم. والسؤال الأساسي المطروح: أي فهم للإسلام هو الذي يصلح لسوريا الجديدة؟
واضح أننا بحاجة منذ الآن إلى الكثير من المرونة والموضوعية والتجرد والحوار للإجابة عن هذا السؤال.
ربما كانت هذه الشروط صعبة، ولكنها ليست مستحيلة.
نعرف صعوبة زحزحة جميع شرائح المثقفين السوريين، من مختلف الانتماءات، عن مواقعهم الفكرية لسبب أو لآخر، لكن الأمر لا يتطلب ذلك النوع من الإجماع، فالمسألة تتعلق بالنوع وليس بالكمّ، وهي أولاً وقبل كل شيء (موقف) ثقافي سنترك للتاريخ الحكم عليه. يكفي أن توجد بعض الشرائح المستعدة لتحريك الراكد لكي ينطلق القطار، عندها يصبح الآخرون أمام الخيار المعروف بين القفز إليه في آخر لحظة، أو الحياة بعد مغادرته في قاعات الانتظار
------------------------
العرب القطرية
وباختصار ووضوح: هل يمكن أن يكون في تلك الجدلية كُمون يجبر السوريين على مواجهة تحدي البحث عن (نموذج جديد)؟
ليست صناعة التاريخ ولا صناعة نماذج الحياة حكراً على أحد في هذه الدنيا، فلماذا نهرب من مواجهة ذلك السؤال؟
يفهم المرء تخوف البعض من الروح (الرسالية) حين (تتلبس) العقل العربي المعاصر في سورية وغيرها، لأن نتيجة ذلك التلبس كانت مأساوية في كثير من الأحيان. لكن مقاربة هذا الموضوع لا يجب أن تكون بالضرورة (رسالية) بالإيحاءات السلبية السائدة في ثقافتنا لهذه الكلمة.
ففي غياب شروط فكرية وثقافية موضوعية تساعد الروح الرسالية على صناعة التاريخ والحياة، صارت تلك الروح في الماضي نقمةً على أهلها حيناً، ونقمةً على العالم بأسره حيناً آخر. يستوي الأمر فيما يتعلق بالروح الرسالية القومية أو الإسلامية أو الحداثية.
فباسم الرسالة القومية، أنتج البعض التسلط السياسي، ومعه التخلف الاقتصادي والاجتماعي على كل صعيد.
وباسم الرسالة الإسلامية، أنتج البعض الآخر العزلة عن الآخر والتقوقع حول (الأنا)، والهروب من الدنيا في اتجاه (الآخرة)، والغربة عن الحاضر والمستقبل في اتجاه (الماضي).
وباسم رسالة الحداثة والعصرنة والتحضر، أنتج البعض الثالث ضياع الهوية حيناً، وضياع البوصلة التنموية والثقافية حيناً آخر.
هذا ما تفعله الروح الرسالية عندما تتملك عقلاً لا يعرف الحلول الوسط، ويعالج ردود الأفعال بردود الأفعال.
لكن هذا لا يعني أن يتمثل الخيار البديل في (الاستقالة) الحضارية، والوقوع في فخ التقليد للنماذج القائمة وكأنها مطلقة ونهائية. فتلك هي عقلية الثنائيات المتقابلة التي تحاصر واقع الناس وتخنقه، حين يقفزون على الدوام على أي خيار (ثالث).
لا مفر من الاعتراف علنياً، دون مداورة أو تهرب، بأن الإسلام سيكون بشكل أو بآخر عنصراً رئيساً في رسم ملامح صورة سوريا المستقبل.
فقد تمنى البعض في يوم من الأيام أن يصبح الدين بشكل عام والإسلام تحديداً شيئاً من الماضي، وساد لفترة واقع أوهمهم بإمكانية تحقيق ذلك الحلم، لكن الحياة البشرية أفرزت معطيات سرعان ما محت تلك الأوهام، حيث عاد الدين اليوم ليزاحم كل انتماء وكل فكرة، وليجد لنفسه تأثيراً في كل قضية.
لهذا، صار مطلوباً أن يتم البحث في جدلية الديني والسياسي في سوريا المستقبل، لأن هذا قد يؤدي إلى تقديم نموذج (استيعاب) و(استجابة) جديد، هدفه تمكين السوريين من التعامل مع قضاياهم بحد أدنى من العقلانية والواقعية والمنهجية.
وهذا لا يتم إلا عبر إعادة التفكير بهدوء في عناصر تلك الجدلية التي تفرض نفسها باضطراد. كما أنه لن يكون ممكناً إلا إذا استطاع الساسة والمثقفون السوريون، من مختلف المدارس الفكرية والأيديولوجية، تجاوز مواقفهم الصارمة المحددة والمعروفة تجاه تلك الجدلية.
لقد أصبح إضفاء القداسة على أي ممارسات سياسية تمارس باسم الإسلام مستحيلاً ما دام الذين يمارسونها بشراً يخطئون ويصيبون، هذه حقيقة لم يعد ممكناً رفضُها، ومحاولة العمل بعكس مقتضياتها ستجر الوبال على من يقوم بذلك ابتداءً، فضلاً عن التأثير السلبي المؤكد لمثل هذا التفكير على سوريا الجديدة كوطن وكدولة.
لكن من غير المقبول أيضاً النظر إلى كل ما هو (إسلامي)، خاصةً في فضاء السياسة، بمنطق (الرفض المبدئي) المبني على مزيج من الشعور بالفوقية الثقافية تجاهه من ناحية، ومنطق الخوف والحذر منه من ناحية ثانية. وأخطر ما في الأمر أن يحاول البعض القفز على دور الإسلام وإلغائه من خلال حلول التفافية سريعة، عادة ما تكون قصيرة النظر وقليلة الحسابات.
لا إمكانية للتعامل مع جدلية الديني والسياسي من مثل تلك المنطلقات بعد اليوم. والسؤال الأساسي المطروح: أي فهم للإسلام هو الذي يصلح لسوريا الجديدة؟
واضح أننا بحاجة منذ الآن إلى الكثير من المرونة والموضوعية والتجرد والحوار للإجابة عن هذا السؤال.
ربما كانت هذه الشروط صعبة، ولكنها ليست مستحيلة.
نعرف صعوبة زحزحة جميع شرائح المثقفين السوريين، من مختلف الانتماءات، عن مواقعهم الفكرية لسبب أو لآخر، لكن الأمر لا يتطلب ذلك النوع من الإجماع، فالمسألة تتعلق بالنوع وليس بالكمّ، وهي أولاً وقبل كل شيء (موقف) ثقافي سنترك للتاريخ الحكم عليه. يكفي أن توجد بعض الشرائح المستعدة لتحريك الراكد لكي ينطلق القطار، عندها يصبح الآخرون أمام الخيار المعروف بين القفز إليه في آخر لحظة، أو الحياة بعد مغادرته في قاعات الانتظار
------------------------
العرب القطرية