يصعب فهم طبيعة العمل الإرهابي الأخير في سيناء، وهو عمل جرى وخطّط له بدقّة، من دون العودة قليلا إلى خلف.
في تموز ـ يوليو وآب ـ اغسطس الماضيين،تعرّضت غزّة لعدوان واسع. استغلت اسرائيل قتل ثلاثة مراهقين من المستوطنين في الخليل، احدى اكبر مدن الضفّة الغربية، لشنّ هذا العدوان الذي ألحق خسائر كبيرة بالقطاع وأهله المساكين. سقط مئات القتلى وآلاف الجرحى وكان تدمير لآلاف المنازل وعشرات المدارس والمستشفيات.
بدل رفع الحصار عن غزّة، زاد هذا الحصار. لم تقبل اسرائيل بأي شرط من شروط «حماس» التي اعلنت بلسان أحد قيادييها مسؤوليتها عن قتل المراهقين الثلاثة في الخليل. بدت «حماس» التي تحكم غزّة وكأنّها تعمّدت تبرير الوحشية الإسرائيلية، على أمل أن يؤدي ذلك إلى ردود فعل داخل مصر نفسها. من يحتاج إلى دليل على ذلك يستطيع أن يسأل نفسه لماذا تعمّدت «حماس» مستندة إلى حجج واهية، رفض المبادرة المصرية التي كانت كفيلة بوقف العدوان الإسرائيلي باكرا؟ لماذا قبلت المبادرة بعد ما يزيد على شهر من الإعلان عنها، علما أن الحكومة الإسرائيلية وافقت عليها؟
ربما جاءت موافقة حكومة بنيامين نتنياهو على المبادرة المصرية من باب المناورة. ألم يكن يجدر بحركة مثل «حماس»، تدّعي الحرص على الشعب الفلسطيني، كشف المناورة بدل كشف شبكة الأنفاق، التي لا فائدة منها، ونوعية الصواريخ التي وُجد من يزودها بها خدمة لإسرائيل وسياسة ارهاب الدولة التي تعتمدها؟
في النهاية، عادت «حماس» وقبلت المبادرة المصرية بعدما الحقت اسرائيل اكبر مقدار من الخسائر بالقطاع وببنيته التحتية. ترافق قبول المبادرة المصرية، التي أوقفت العدوان الإسرائيلي، بسعي إلى استعادة الوحدة الوطنية الفلسطينية.
للمرّة الأولى، اجتمعت حكومة الوفاق الفلسطيني التي تشكّلت بعد المصالحة بين «فتح» و«حماس» في منزل الرئيس الفلسطيني السيّد محمود عبّاس (ابو مازن) في غزّة. الواضح أن «حماس» كانت وقتذاك في حاجة إلى تهدئة الفلسطينيين المقيمين في القطاع واقناعهم بأنّها ستعمل كلّ ما تستطيع من أجل وصول المساعدات ومباشرة اعادة اعمار القطاع.
ظاهرا، تصرّفت «حماس» بما يوحي بأنّها تعلّمت شيئا من دروس حرب غزّة. في الواقع، تبيّن أن الكلام عن «انتصار» لم يكن سوى كلام فارغ يستهدف تغطية السبب الحقيقي، الذي تقف خلفه قوى خارجية، من وراء اطالة تلك الحرب. كلّ ما في الأمر أن هناك قوى لم تقبل ولن تقبل بخروج الإخوان المسلمين من السلطة في مصر. تصرّ هذه القوى، مستخدمة القضية الفلسطينية والقاعدة الإرهابية التي اقامتها «حماس» في غزة وامتدت إلى سيناء، كي تستمر الحرب على مصر.
هذا هو التفسير الوحيد المتوافر للعملية الإرهابية الأخيرة التي استهدفت القوات المسلحة والعناصر الأمنية في سيناء. ولذلك، كان طبيعيا أن تشمل الإجراءات التي اتخذتها السلطات المصرية اغلاق معبر رفح ومتابعة البحث عن انفاق التهريب بين سيناء وغزة بغية تدميرها.
تتظاهر «حماس» بلعب ورقة التهدئة مع السلطة الوطنية الفلسطينية ومع السلطات المصرية، فيما نجدها تعمل في الخفاء على مخطط زعزعة الاستقرار في مصر.
لا يمكن لمثل هذه السياسة إلّا أن تلحق الأذى بالشعب الفلسطيني وما بقي من قضيته المحقة التي لا يمكن إلّا أن تنتصر يوما ولكن عبر الوسائل السلمية وليس عبر الأنفاق والصواريخ التي تساعد في تكريس الانقسام بين الضفة الغربية وغزّة...
بعد حرب غزّة الأخيرة، كانت «حماس» أمام خيارين. كانت بين الاعتراف بفشلها والاعتذار من الفلسطينيين عموما وأهل غزّة خصوصا، ومن مصر أوّلا واخيرا...وبين اتباع سياسة المراوغة التي يتقنها «الإخوان المسلمين».
يبدو جليّا من خلال ما جرى في سيناء أن «حماس» اختارت مرّة أخرى، وليست أخيرة، سياسة المراوغة. لا يزال يراود الإخوان المسلمين، ومن يقف خلفهم، حلم مستحيل يقوم على استخدام «الإمارة الإسلامية» في غزّة من أجل قلب الأوضاع في مصر.
المؤسف أن الشعب الفلسطيني يدفع ثمن هذه اللعبة التي يعتبر أفضل تعبير عنها الإصرار الذي تبديه «حماس» على ابقاء الميليشيات التابعة لها في شوارع غزّة. لا تدرك «حماس» أن الإخوان المسلمين خسروا مصر لأنّهم راهنوا على وهم آخر يتمثّل في نقل مشروع غزّة إلى البلد العربي الأكبر. ليس من افلاس أكبر من هذا الإفلاس الذي يستند إلى جعل مصر تحت رحمة الميليشيات التي سعى الإخوان إلى انشائها في البلد ونشرها في القرى والمدن بغية السيطرة على السكان، على غرار ما نشهده وشهدناه في غزّة.
فضلا عن ذلك، لم تستوعب «حماس» أن «ثورة الثلاثين من يونيو» كانت ثورة حقيقية ولم تكن انقلابا عسكريا في أي شكل. سبق تحرّك الجيش نزول ملايين المصريين إلى الشارع للاحتجاج على فقدان الزمن والنظام أوّلا وعلى غياب أي مشروع سياسي أو اقتصادي أو اجتماعي لدى الرئيس المخلوع محمد مرسي والذين كانوا يديرونه من خلف الستار من داخل مصر وخارجها.
هؤلاء كانوا يريدون إلغاء مصر لا أكثر وذلك في اطار مشروع تعميق حال الخلل في التوازن الذي يعاني منه الشرق الأوسط. هذا الخلل الذي تستفيد منه ثلاث قوى هي ايران وتركيا واسرائيل.
كانت «ثورة الثلاثين من يونيو» تحرّكا شعبيا لم يسبق لمصر أن عاشت مثيلا له. يفترض في «حماس» وفي من يسيّرها الاقتناع بأن لا جدوى متابعة الحرب على مصر من خلال عصابات ارهابية في سيناء لديها من يحمي ظهرها في غزّة...أو من خلال الحدود الليبية.
يمكن ايجاد ملحق لحرب غزّة عن طريق عملية ارهابية تنفّذ هنا أو هناك في مصر. سيؤثر ذلك في المدى القصير على الاستقرار في البلد، لكنّ شيئا لن يتغيّر في المدى الطويل، لا لشيء سوى لأنّ مصر تبقى مصرعلى الرغم من المشاكل الضخمة التي تعاني منها. في اساس هذه المشاكل تراكمات تعود إلى عشرات السنوات من غياب الاستثمار في مشاريع تستهدف محاربة الفقر والتطرّف من جهة وتوعية المواطن عبر المدرسة أوّلا إلى خطورة النمو العشوائي لعدد السكّان من جهة أخرى...
"الراي" الكويتية
في تموز ـ يوليو وآب ـ اغسطس الماضيين،تعرّضت غزّة لعدوان واسع. استغلت اسرائيل قتل ثلاثة مراهقين من المستوطنين في الخليل، احدى اكبر مدن الضفّة الغربية، لشنّ هذا العدوان الذي ألحق خسائر كبيرة بالقطاع وأهله المساكين. سقط مئات القتلى وآلاف الجرحى وكان تدمير لآلاف المنازل وعشرات المدارس والمستشفيات.
بدل رفع الحصار عن غزّة، زاد هذا الحصار. لم تقبل اسرائيل بأي شرط من شروط «حماس» التي اعلنت بلسان أحد قيادييها مسؤوليتها عن قتل المراهقين الثلاثة في الخليل. بدت «حماس» التي تحكم غزّة وكأنّها تعمّدت تبرير الوحشية الإسرائيلية، على أمل أن يؤدي ذلك إلى ردود فعل داخل مصر نفسها. من يحتاج إلى دليل على ذلك يستطيع أن يسأل نفسه لماذا تعمّدت «حماس» مستندة إلى حجج واهية، رفض المبادرة المصرية التي كانت كفيلة بوقف العدوان الإسرائيلي باكرا؟ لماذا قبلت المبادرة بعد ما يزيد على شهر من الإعلان عنها، علما أن الحكومة الإسرائيلية وافقت عليها؟
ربما جاءت موافقة حكومة بنيامين نتنياهو على المبادرة المصرية من باب المناورة. ألم يكن يجدر بحركة مثل «حماس»، تدّعي الحرص على الشعب الفلسطيني، كشف المناورة بدل كشف شبكة الأنفاق، التي لا فائدة منها، ونوعية الصواريخ التي وُجد من يزودها بها خدمة لإسرائيل وسياسة ارهاب الدولة التي تعتمدها؟
في النهاية، عادت «حماس» وقبلت المبادرة المصرية بعدما الحقت اسرائيل اكبر مقدار من الخسائر بالقطاع وببنيته التحتية. ترافق قبول المبادرة المصرية، التي أوقفت العدوان الإسرائيلي، بسعي إلى استعادة الوحدة الوطنية الفلسطينية.
للمرّة الأولى، اجتمعت حكومة الوفاق الفلسطيني التي تشكّلت بعد المصالحة بين «فتح» و«حماس» في منزل الرئيس الفلسطيني السيّد محمود عبّاس (ابو مازن) في غزّة. الواضح أن «حماس» كانت وقتذاك في حاجة إلى تهدئة الفلسطينيين المقيمين في القطاع واقناعهم بأنّها ستعمل كلّ ما تستطيع من أجل وصول المساعدات ومباشرة اعادة اعمار القطاع.
ظاهرا، تصرّفت «حماس» بما يوحي بأنّها تعلّمت شيئا من دروس حرب غزّة. في الواقع، تبيّن أن الكلام عن «انتصار» لم يكن سوى كلام فارغ يستهدف تغطية السبب الحقيقي، الذي تقف خلفه قوى خارجية، من وراء اطالة تلك الحرب. كلّ ما في الأمر أن هناك قوى لم تقبل ولن تقبل بخروج الإخوان المسلمين من السلطة في مصر. تصرّ هذه القوى، مستخدمة القضية الفلسطينية والقاعدة الإرهابية التي اقامتها «حماس» في غزة وامتدت إلى سيناء، كي تستمر الحرب على مصر.
هذا هو التفسير الوحيد المتوافر للعملية الإرهابية الأخيرة التي استهدفت القوات المسلحة والعناصر الأمنية في سيناء. ولذلك، كان طبيعيا أن تشمل الإجراءات التي اتخذتها السلطات المصرية اغلاق معبر رفح ومتابعة البحث عن انفاق التهريب بين سيناء وغزة بغية تدميرها.
تتظاهر «حماس» بلعب ورقة التهدئة مع السلطة الوطنية الفلسطينية ومع السلطات المصرية، فيما نجدها تعمل في الخفاء على مخطط زعزعة الاستقرار في مصر.
لا يمكن لمثل هذه السياسة إلّا أن تلحق الأذى بالشعب الفلسطيني وما بقي من قضيته المحقة التي لا يمكن إلّا أن تنتصر يوما ولكن عبر الوسائل السلمية وليس عبر الأنفاق والصواريخ التي تساعد في تكريس الانقسام بين الضفة الغربية وغزّة...
بعد حرب غزّة الأخيرة، كانت «حماس» أمام خيارين. كانت بين الاعتراف بفشلها والاعتذار من الفلسطينيين عموما وأهل غزّة خصوصا، ومن مصر أوّلا واخيرا...وبين اتباع سياسة المراوغة التي يتقنها «الإخوان المسلمين».
يبدو جليّا من خلال ما جرى في سيناء أن «حماس» اختارت مرّة أخرى، وليست أخيرة، سياسة المراوغة. لا يزال يراود الإخوان المسلمين، ومن يقف خلفهم، حلم مستحيل يقوم على استخدام «الإمارة الإسلامية» في غزّة من أجل قلب الأوضاع في مصر.
المؤسف أن الشعب الفلسطيني يدفع ثمن هذه اللعبة التي يعتبر أفضل تعبير عنها الإصرار الذي تبديه «حماس» على ابقاء الميليشيات التابعة لها في شوارع غزّة. لا تدرك «حماس» أن الإخوان المسلمين خسروا مصر لأنّهم راهنوا على وهم آخر يتمثّل في نقل مشروع غزّة إلى البلد العربي الأكبر. ليس من افلاس أكبر من هذا الإفلاس الذي يستند إلى جعل مصر تحت رحمة الميليشيات التي سعى الإخوان إلى انشائها في البلد ونشرها في القرى والمدن بغية السيطرة على السكان، على غرار ما نشهده وشهدناه في غزّة.
فضلا عن ذلك، لم تستوعب «حماس» أن «ثورة الثلاثين من يونيو» كانت ثورة حقيقية ولم تكن انقلابا عسكريا في أي شكل. سبق تحرّك الجيش نزول ملايين المصريين إلى الشارع للاحتجاج على فقدان الزمن والنظام أوّلا وعلى غياب أي مشروع سياسي أو اقتصادي أو اجتماعي لدى الرئيس المخلوع محمد مرسي والذين كانوا يديرونه من خلف الستار من داخل مصر وخارجها.
هؤلاء كانوا يريدون إلغاء مصر لا أكثر وذلك في اطار مشروع تعميق حال الخلل في التوازن الذي يعاني منه الشرق الأوسط. هذا الخلل الذي تستفيد منه ثلاث قوى هي ايران وتركيا واسرائيل.
كانت «ثورة الثلاثين من يونيو» تحرّكا شعبيا لم يسبق لمصر أن عاشت مثيلا له. يفترض في «حماس» وفي من يسيّرها الاقتناع بأن لا جدوى متابعة الحرب على مصر من خلال عصابات ارهابية في سيناء لديها من يحمي ظهرها في غزّة...أو من خلال الحدود الليبية.
يمكن ايجاد ملحق لحرب غزّة عن طريق عملية ارهابية تنفّذ هنا أو هناك في مصر. سيؤثر ذلك في المدى القصير على الاستقرار في البلد، لكنّ شيئا لن يتغيّر في المدى الطويل، لا لشيء سوى لأنّ مصر تبقى مصرعلى الرغم من المشاكل الضخمة التي تعاني منها. في اساس هذه المشاكل تراكمات تعود إلى عشرات السنوات من غياب الاستثمار في مشاريع تستهدف محاربة الفقر والتطرّف من جهة وتوعية المواطن عبر المدرسة أوّلا إلى خطورة النمو العشوائي لعدد السكّان من جهة أخرى...
"الراي" الكويتية