نظرا للصعوبات الاقتصادية التي رافقت الجائحة وأعقبتها اضطررنا لإيقاف أقسام اللغات الأجنبية على أمل ان تعود لاحقا بعد ان تتغير الظروف

الهدهد: صحيفة اليكترونية عربية بخمس لغات عالمية
الهدهد: صحيفة اليكترونية عربية بأربع لغات عالمية
Rss
Facebook
Twitter
App Store
Mobile



عيون المقالات

الفرصة التي صنعناها في بروكسل

26/11/2024 - موفق نيربية

المهمة الفاشلة لهوكستين

23/11/2024 - حازم الأمين

العالم والشرق الأوسط بعد فوز ترامب

17/11/2024 - العميد الركن مصطفى الشيخ

إنّه سلام ما بعده سلام!

17/11/2024 - سمير التقي

( ألم يحنِ الوقتُ لنفهم الدرس؟ )

13/11/2024 - عبد الباسط سيدا*

طرابلس "المضطهدة" بين زمنين

13/11/2024 - د.محيي الدين اللاذقاني


الجنرال جون آلن ومصيدة الذباب في سوريا




اشتهرت صور الجنرال الأميركي جون آلن، مع زعماء العشائر العربية في العراق، الذين نسق معهم للقضاء على الإرهاب والقاعدة خلال السنوات الماضية، قبل أن يجري تكليفه بمهمة المنسق الأعلى لقوات التحالف ضد الدولة الإسلامية في العراق والشام (داعش) التي لم ينجح في القضاء عليها حين كان ذلك الهدف على رأس مهماته في العراق.


 

 وقد انتظر جون آلن طويلاً، وهو يحضّر خبراته قبل توليه هذا التكليف الرفيع والخطر، بتفويض عالمي يجري ترسيخه يوماً بعد يوم، فقد ولد آلن في فيرجينيا في العام 1953، وانخرط في البحرية الأميركية متخرجاً من أكاديميتها في العام 1976، وتابع دراساته العليا في “تحليل وإدارة العمليات العسكرية”، والماجستير في علم الدراسات الأمنية من جامعة جورج تاون، وكذلك الماجستير في استراتيجية الاستخبارات واستراتيجية الأمن القومي، أي أنه معدّ تماماً لمواجهة التنظيمات ذات الطابع العسكري المرتبط بالعمل الاستخباري.

من الأستاذية إلى العمليات

الجنرال آلن اختار الحياة العسكرية، ولكنه ذهب إلى الجانب التحليلي النظري أكثر من انغماسه تاريخياً في العمليات، وتحوّل إلى محاضر في الأكاديمية البحرية الأميركية بدءاً من العام 1988، ليتم اختياره بامتياز كأفضل محاضري العلوم السياسية في الأكاديمية.

ولكن الرجل اعتقد أن مرحلة الاستعداد النظري آن أن تنتهي مع مطلع التسعينات، فذهب إلى غرفة قيادة قوات المارينز، وشارك في حروب البلقان في العام 1995، ثم عاد إلى الولايات المتحدة ليصعد بعد أحد عشر عاماً إلى منصب مدير العلاقات العامة في مكتب وزير الدفاع.

الأنبار والصحوات

ومع تدهور الأوضاع الأمنية في العراق بعد احتلاله من قبل الولايات المتحدة وبريطانيا، انتقل جون آلن إلى العراق، ليعمل في مناطق الأنبار، وقد درس الأوضاع على الأرض سكانياً وأمنياً حيث تمكّن من التوصّل إلى نظام “الصحوات” التي هي عبارة عن درع من العشائر السنية في مواجهة الإرهاب، استعملته القوات الأميركية لقتال تنظيم القاعدة بدلاً عنها، بحكم معرفة العشائر العربية السنية بالأرض وطبيعة الإنسان والخارطة السكانية في المنطقة، وكان جون آلن قد أصبح حينها نائب رئيس القيادة المركزية للقوات الأميركية العاملة في العراق.

خليفة بترايوس

وكان “نجاح” الصحوات في القضاء على القاعدة في غرب العراق، سببا لانتهاء مهمة جون آلن فيه، مع أن الفترة التي تولى فيها الجنرال العمل على العشائر العربية، شهدت نمواً هائلاً في تنظيم الدولة الإسلامية في العراق بقيادة البغدادي، الذي يواجهه شخصياً اليوم في سوريا.

ولا يعرف ما هي معايير النجاح في عمل الصحوات التي أفضت إلى تضخم التنظيم الإرهابي، وتمرّد الصحوات ذاتها، بعد تهميش المكوّن السني عن العملية السياسية في العراق، ما أدى إلى احتلال الموصل بالكامل ومعها مناطق عديدة غرب العراق من قبل التنظيم المهزوم حسب معطيات الجنرال جون آلن.

مع إعلان نهاية عمل جون آلن في العراق، تم نقله إلى أفغانستان ليكون خليفة للجنرال ديفيد بترايوس قائد القوات الأميركية في الشرق، ثم تولى آلن قيادة قوات الإيساف في أفغانستان، طيلة فترة الانتفاضات العربية وثورات الشعوب وسقوط الأنظمة ما بين الأعوام 2011 وحتى 2013.

جنرال الانسحاب

وضمن سياسة الرئيس باراك أوباما القاضية بتحقيق التراجع الأميركي من مناطق النفوذ والانتشار، التي أتت كرد فعل على تبعثره في العالم في مرحلة جورج بوش الابن، فقد أشرف الجنرال جون آلن على انسحاب الجيش الأميركي والذي عدّ ما يفوق الثلاثين ألف مقاتل من أفغانستان، بعد أن تم تكليفه بمهمة قيادة العمليات العسكرية الأميركية في الشرق الأوسط وآسيا الوسطى.

تقاعد الجنرال جون آلن من العمل العسكري في فبراير من العام 2013، واعتذر عن قبول ترشيحه كقائد لقوات الناتو خليفة لراسموسن واعتبر أن حياته العسكرية قد انتهت الآن وحان وقت العائلة.

مصيدة الذباب

هذا المصطلح، ليس مصطلحاً صحفيا، وهو أحد التعبيرات التي درج استخدامها طيلة السنوات الأربع الماضية في أروقة المخابرات المركزية الأميركية، حين يجري الحديث عن سوريا، كواحد من خيارات الرئيس أوباما حيال ما يرتكبه رئيس النظام السوري بشار الأسد ضد شعبه، وكان يُقصد بـ”مصيدة الذباب” تحويل سوريا إلى أرض معارك مغلقة، في ظل عدم التدخل الدولي في ما يحدث فيها، ورفع درجة التوتّر ما بين المتقاتلين على أرضها، إلى الدرجة التي تحيلها إلى مصيدة للجهاديين الذين لم يتم القضاء عليهم في برنامج الولايات المتحدة لمحاربة الإرهاب والذي بدأ بعد تفجيرات مانهاتن في سبتمبر من العام 2001.

وقد حصل ما انتظره الرئيس أوباما، تلقائياً أحياناً، بتحوّل كثيرين من العمل المدني إلى العمل العسكري الذي اتخذ طابعاً جهادياً في بعض الأحيان، وفي معظم الأحيان كان يتم تصنيع هذا الطابع الجهادي باشتراطات الداعمين مالياً، ولذلك بدأت تظهر كتائب سورية معارضة تحمل أسماء الصحابة والأنبياء والمجاهدين، ثم بدأت الهجرة نحو سوريا من قبل المقاتلين الأجانب، الذين ساهم بجلبهم وجود تنظيمات مؤسسة استخباريا من قبل النظام السوري والنظام الإيراني، وعلى رأسها تنظيم “داعش” الذي تم إثبات علاقة قيادييه بالمخابرات السورية مراراً، إضافة إلى تنظيم جبهة النصرة الذي قام الأسد بالإفراج عن قادته مع بدء الانتفاضة السورية في ربيع العام 2011، والدور العنيف والاستفزازي الذي لعبه تدخل حزب الله اللبناني والعصائب العراقية الشيعية في قتال الشعب السوري، واحتلال مناطق سورية بأكملها ورفع رايات الحرب الدينية المذهبية المتمثلة في شعارات “يا زينب” وحماية المزارات الشيعية.

وبانتقال تنظيم الدولة الإسلامية في العراق إلى العمل في سوريا، وإضافة كلمة “الشام” إلى اسمه، وبعد أن تم تصنيف جبهة النصرة على قائمة الإرهاب الأميركية، إثر مبايعة قائدها أبو محمد الجولاني، لزعيم القاعدة أيمن الظواهري، بدأت تتشكل أولى ملامح ”مصيدة الذباب”، وبات من النادر أن تجد فرقة جهادية خارج الأراضي السورية، ومع إصرار الولايات المتحدة على عدم التدخل، وكذلك على منع تسليح الجيش السوري الحر، بذريعة الخشية من وقوع تلك الأسلحة في الأيدي الخطأ، رغم وجود مخازن الأسلحة في دول الجوار والتي مولتها مجموعة أصدقاء الشعب السوري، وبعد الموقف الاستثنائي للرئيس أوباما الذي وضع خطوطاً حمراء لبشار الأسد، ولم يكترث بتجاوزه لها، وعلى رأسها استخدام السلاح الكيميائي ضد المدنيين، دون أيّ عقوبات من المجتمع الدولي، وبعد فشل مؤتمر جنيف2، الذي توافقت على مبادئه كل من الولايات المتحدة وروسيا، واستخف به نظام الأسد وطالب بدلاً من المفاوضات مع المعارضة بإعلان الحرب على الإرهاب، بعد هذا كلّه، حان وقت تشغيل مصيدة الذباب التي يقود التنسيق الأعلى لها اليوم الجنرال جون آلن.

جنرال تعيّنه الدبلوماسية

جاء تعيين الجنرال جون آلن بقرار من وزير الخارجية الأميركية جون كيري، ولكن هذا لم يكن أول تكليف له في المنطقة بعد تقاعده، فقد كلّفه كيري بمهمة مستشار أمني في إسرائيل بعد الحرب الأخيرة على غزة، وتجد الخارجية الأميركية في الجنرال آلن الكثير من المواصفات اللازمة للقيام بمهمته الصعبة، فهو على صلة وثيقة بالعشائر العراقية في الأنبار، وعلى صلة قوية بالإسرائيليين، وصاحب خبرة ممتازة في التعامل مع القاعدة من خلال عمله في أفغانستان.

وأعلن مكتب كيري أن تعيين الجنرال آلن جاء ليكون الأخير في منصب المبعوث الرئاسي الخاص للتحالف ضد تنظيم “داعش”، أي أن آلن حسب وصف المتحدثة باسم كيري ماري هارف: “سيعمل بشكل وثيق مع وزارة الدفاع لكي يوفق مع متطلبات معينة للحملة وحاجة التحالف إلى مساهمين محتملين عن طريق تقديم دعم دبلوماسي على أرفع المستويات لتنسيق تحالف دولي يتمكن من تحقيق نتائج محسوسة”.

ما الذي سيواجهه آلن

ما سيواجهه الجنرال آلن، هو ذاته ما تواجه الإدارة الأميركية في مسار ارتكاب الأخطاء الكبرى، ثم معالجة تلك الأخطاء بأخطاء أكبر، في دوامة مستمرة منذ عقود، كان أبرز منعطفاتها قرار احتلال العراق، وتدمير بنية الدولة العراقية، وإنشاء المحاصصة الطائفية والمذهبية والعرقية، بدلاً عن مفهوم المواطنة، ومن ثم تسليم العراق كاملاً بين يدي الإيرانيين، وإقصاء العرب السنة العراقيين، والتنكيل بهم، في السجون من أبي غريب إلى غيره، وخارج السجون على يد حكومة المالكي التي لم تبق أسلوباً للشحن الطائفي إلا ومارسته، و في سوريا كان الخطأ الأميركي، ليس فقط بالامتناع عن التدخل ضد الأسد، ولكن بالعمل على منع تطوّر المعارضة السورية، وزجّها في دوامة تداول السلطة، وإحكام الخناق على الشعب السوري من كل جانب، فكيف سيواجه جون آلن، الخارطة السياسية والعسكرية في مهمته، ضد الإرهاب، دون ارتكاب المزيد من الأخطاء، وهذه المرة سيكون الخطأ الأميركي أكثر صدعاً وفداحة بسبب اتساع التحالف الذي سعى الرئيس أوباما لتشكيله وشرعنته، لا سيما وأن “الجيب السني” الممتد من أعلى حوض الفرات في إدلب وحلب شمالاً إلى دير الزور والموصل جنوباً، لا بد وأن يجد من يملأ الفراغ فيه بعد دحر داعش.

صحيح أن الولايات المتحدة كانت قد أعلنت عن تسليح وتجهيز جيش وطني سوري معارض يقدّر أن يقوده رئيس الائتلاف السابق أحمد الجربا، ولكن ماذا عن التصريحات الأميركية المتضاربة التي مررت أن قوات الأسد قد تكون من ضمن الاحتمالات الهامة لملء ذلك الفراغ الناجم عن تقدّم العمليات ضد الإرهاب؟

يضاف إلى ما سلف، الجبهة الجنوبية السورية، التي باتت على وشك أن تتغير المعطيات فيها كلياً، بعد تقدّم كبير لقوات المعارضة في المحور من القنيطرة إلى درعا وريف دمشق الجنوبي، بالتزامن مع تكامل الاستعدادات العسكرية للقطاع الذي أسسته الولايات المتحدة في الأردن وأشرفت على تسليحه، وحظرت على دول خليجية التعامل معه مباشرة سواءً مالياً أو عسكرياً أو سياسياً، فهل سيتوصل الجنرال جون آلن إلى قناعة تفضي إلى ضرورة محاربة المقاتلين الأجانب ليس فقط على جانب داعش بل ضد حزب الله والحرس الثوري وغيره؟ وهل سيتوصل الجنرال آلن إلى استيعاب أن بقاء الأسد أخطر من ذهابه، أم أن المرحلة القادمة من المهمة زيادة تسعير الجبهات لاستجلاب المزيد من الذباب.

--------------

العرب


إبراهيم الجبين
الاربعاء 1 أكتوبر 2014