في الخلفية، توقفت المعارك بين فصائل المعارضة السورية وقوات النظام في ريف حلب الشمالي والشرقي بشكل نهائي منذ العام 2017 واقتصر مشروع الجيش الوطني على قتال «الوحدات» الكردية إلى جانب الجيش التركي في عمليتي «غصن الزيتون» في عفرين 2018 و«نبع السلام» في تل ابيض وراس العين بريفي الرقة والحسكة 2019. وفشلت مأسسة «الجيش الوطني» واستقال وزير الدفاع وقائد الجيش اللواء الدكتور سليم إدريس، بسبب إعاقة قادة الفصائل مشروع الدمج واستمرار الفصائلية والتناحر، ويعتبر تشكيل غرفة عمليات «عزم» داخل الجيش الوطني وتحت لوائه آخر الضربات التي دفعت إدريس إلى الإصرار على الاستقالة. ودفع تشكيل الغرفة إلى تشكيل تكتل مقابلها يضم الفصائل المستهدفة أساسا بالتشكيل وهي فرقة «الحمزة» وفرقة «المعتصم» وفرقة «السلطان سليمان شاه» تحت اسم «الجبهة السورية للتحرير». ورغم أن الظاهر يشير إلى أن «عزم» تحالف إسلامي وشبه إسلامي إلا أنه تغطى بوجود فرقة «السلطان مراد» التركمانية والمقربة من تركيا والتي يقودها فهيم عيسى أكثر قادة الفصائل قربة من أنقرة. وولدت غرفة علميات «عزم» أساسا بسبب خلافات غير ظاهرة بين الأخير وقائد فرقة «الحمزة» سيف أبو بكر الذي يعتبره فهيم الأكثر منافسة له في العلاقة مع تركيا.
وفي محاولة تقليص دور الفصائل المنضوية في الجبهة «السورية للتحرير» وجدت «الجبهة الشامية» أن الطريق إلى تفتيت وإضعاف الفصائل يبدأ بفرقة «أبو عمشة» كون سجل الرجل مليء بالانتهاكات الموثقة والخلافات الظاهرة إلى العلن، فتمكنت «الشامية» من جمع الشهود وحمايتهم وتقديم إفادات لدى الشرطة العسكرية ضد الدائرة الضيقة من أبو عمشة ومنهم إخوته وأصهاره، ومنها قضايا اغتصاب وقتل، كانت ظهرت إلى العلن قبل عامين وبثت تسجيلات مصورة لزوجة أحد العناصر تعترف بها بقيام أحد القادة باغتصابها، ثم عادت وتنكرت للأمر، وتكرر أمر الشرائط المصورة مع مقاتلين جرحى في الفصيل، ادعوا أن قائدهم «أبو عمشة» سرق تعويضاتهم المالية كجرحى بعد إصابتهم في معارك ليبيا ضد الجيش الوطني الليبي الذي يقوده حفتر.
وآخر الفضائح كانت لأحد أصهاره الذي سجنه في ليبيا بسبب سرقته مليون و200 ألف دولار.
وفي محاولة لكسر شوكة أبو عمشة، قامت «الجبهة الشامية» بقطع الطرق المؤدية إلى معقله في الشيخ حديد غربي عفرين وتقديم قائمة مطلوبين من أجل تسليمهم إلى الشرطة العسكرية، وتضم القائمة أكثر من ثلاثين اسما بينهم كامل القادة الأمنيين وقادة الصف الأول وبينهم أخوه سيف الجاسم المعروف باسم «سيف العمشة».
من جهته، تنبه قائد فرقة «السلطان مراد» فهيم عيسى إلى خطورة ما يحدث، الأمر الذي جعله يتدخل لدى قائد «الجبهة الشامية» أبو احمد نور لسحب الأرتال وإزالة الحواجز التي قطعت الطرق إلى الشيخ حديد، وضمان تسليم المطلوبين إلى القضاء. بعد أيام على التوتر وبسبب شعور «الشامية» بأن الظروف غير ناضجة لحسم ملف أبو عمشة بالقوة، حاولت تحويل القضية إلى قضية رأي عام من خلال إحالة ملف فرقة «السلطان سليمان شاه» إلى المفتي الشيخ أسامة الرفاعي. إلا أن هذه الإحالة خطيرة من حيث النتيجة، وهي تقزيم لدور المفتي أساسا وتحويله إلى قاض شرعي ورجل صلح. كما أنه إقرار بفشل دور القضاء العسكري وعدم وجود سطلة قضاء في منطقة تسيطر عليها الفصائلية. وفي نهاية الأمر لن يتمكن الشيخ الرفاعي من حسم قضية أبو عمشة. كذلك فإن أغلب قادة الفصائل لا يتمنون ضمنيا إنهاء ملف أبو عمشة، ففي حال القضاء عليه بذرائع الفساد والسلب والجرائم سيأتي دورهم لاحقا وسيصبحون هدفا للجبهة الشامية التي تسعى للسيطرة على منطقة شمال سوريا بشكل كامل. وفي السياق، نجح «أبو عمشة» في تحشيد المقاتلين النازحين من منطقة ريف حماة الشمالي وتصوير الهجوم المحتمل عليه انه موجه ضد النازحين جميعا والتف حوله أبناء العشائر السورية بوصفه أحد أبناء قبيلة النعيم.
ويذكر مشروع «الجبهة الشامية» بمشروع «جبهة النصرة» عندما استخدمت نفس الحجج للقضاء على الفصائل، رغم الاختلاف الكبير بين فصائل الجيش الحر التي قضت عليها «جبهة النصرة» وبين أبو عمشة الغارق حتى أذنيه بالانتهاكات. فحجج الفساد والانتهاكات جاهزة وكل الفصائل تملك من الأدلة ضد بعضها الكثير. إلا أن القول الفصل بينهم هو حجم القوة على الأرض، إضافة إلى إحساس الجبهة الشامية بانها صاحبة الأرض والمشروعية الثورية مقابل فصائل هجرت من قبل النظام من مناطق «خفض التصعيد» أو بسبب طردها من قبل «جبهة النصرة» عامي 2014 و2015 وأعادت تشكيل نفسها مرة أخرى برعاية تركية بهدف قتال تنظيم «الدولة الإسلامية» في معركة «درع الفرات» أو في معركة «غصن الزيتون» في عفرين.
بالمقابل، من الواضح أن أنقرة لم تتدخل حتى اليوم لوقف ما يحدث بين الفصائل على الأرض وتحديدا ضد أبو عمشة الذي شحن المقاتلين لحرب بالوكالة في ليبيا وأذربيجان. وفي الغالب لا تتدخل مباشرة لوقف القتال الفصائلي رغم أنها فعلت ذلك سابقا عندما شنت حليفة اليوم «الجبهة الشامية» هجوما واسعا على فرقة «السلطان مراد» أدى إلى أسر مئات من مقاتليه والسيطرة على أغلب مقراته باستثناء مقر القيادة في منطقة حور كليس. وفعلت ذات الشيء في هجوم للشامية على فرقة «الحمزة» يوما. المتغير اليوم، أن هدوء الجبهات وعدم وجود معركة تركية ضد وحدات «حماية الشعب» الكردية سيدفع أنقرة لعدم التدخل في الاقتتال الحاصل بسبب وجود فائض قوة يجب تصريفه ولا مجال لذلك إلى الاقتتال الداخلي، وفي النهاية سيبقى المنتصر تحت إمرة أنقرة أيا كان، سواء كانت «الجبهة الشامية» أم غيرها. على العكس من ذلك، فإن التعامل مع طرف قوي واحد أفضل من التعامل مع عدد لا ينتهي من القادة الوهميين والضعفاء بالنسبة للدول وهذا ما اختبره المسؤولون الأتراك في إدلب عدة مرات من أجل تطبيق الاتفاقات الأمنية والعسكرية بين موسكو وأنقرة.
-----------
القدس العربي