والتعفيش ليس جديداً على عقيدة مقاتلي نظام الأسد، فقد شهد لبنان بعد دخول القوات السورية إليه منتصف السبعينيات من القرن الماضي، عمليات تعفيش واسعة لمنازل اللبنانيين لم تستثني شيئاً من ممتلكاتهم. يتذكر أحد اللبنانيين تلك المرحلة بقوله: "حتى البلاط قلعوه، حجر الحمام شالوه، الصور الي عالحيطان أخذوا الإطار ماتركوا شي".
تكررت الحالة ذاتها بعد انطلاق الثورة السورية، حين دخلت مليشيا النظام إلى المناطق الثائرة، إضافة لعمليات القتل والتدمير والاعتقال، كان هناك عمليات تعفيش واسعة للمنازل، وعلى الرغم من كون التعفيش عملية سرقة واضحة إلا أنها في حالة دخول الجيش كانت ممنهجة وتجري وضح النهار، بل وأصبح هناك تقاسم للمناطق وسماسرة وتجار لها.
كيف تتم عملية التعفيش الممنهج؟
يقوم الضابط المسؤول عن الحي الذي تمت السيطرة عليه، بتقدير موجودات الحي، ويتم ذلك من خلال شكل الحي ونوعية الأبنية؛ هل هو حي لطبقة غنية أم لمتوسطة أم لفقيرة، وطبعاً لكل حي سعره الخاص، ثم يقوم شخص بشراء الحي من الضابط المسؤول بمبلغ معين، وإحضار عمال لتعفيشه تحت حماية عناصر الضابط، بعد ذلك تُنقل هذه الأغراض التي تم تعفيشها لأسواق خاصة في مناطق نفوذ النظام، لتباع بأسعار أقل من أسعارها الحقيقية. أمّا الأحياء الفقيرة، فتترك للعناصر لكي ينقلوا ما فيها لمنازلهم وللاستخدام الشخصي.
فكرة التعفيش التي كما ذكرت انتقلت للعالمية من خلال ممارسات الجنود الروس في أوكرانيا، لم تقتصر عند نظام الأسد على المواد العينية من أثاث وغيره، بل امتدت إلى التعفيش الفكري والفني وسرقة موصوفة واستخدام المسروق في منتج فني، ولعلّ أبرز تلك السرقات وأكثرها فجاجة عندما سرق منتجو مسلسل "مقابلة مع السيد آدم" الذي أنتج في سوريا، صورةً لإحدى ضحايا النظام السوري، والتي ظهرت في ملفات قيصر، وهي الشهيدة رحاب العلاوي، واستخدموها ضمن العمل الدرامي كضحية لمجرم يتم البحث عنه. هذه الحالة ليست تعفيشاً فقط، بل هي جريمة أخلاقية وتطبيق حرفي للمثل الشعبي الذي يقول ( يقتلون الميت ويمشون بجنازته).
عملية التعفيش الأخرى، قام بها الممثل المحسوب على نظام الأسد، أيمن رضا، حيث سرق أغنية لناشط سوري يدعى أبو ماهر صالح، وغناها في مسلسل بعنوان "جوقة عزيزة" دون أي رادع.
إذاً تقوم فلسفة التعفيش على فكرة أن أملاك الآخرين "الأعداء" هي ملك لنا لذلك ليس هناك عار بالاستيلاء عليها.
مؤخراً، عادت قصة التعفيش للظهور؛ وذلك من خلال ادعاء الكاتب السوري فؤاد حميرة بأن نصه الذي قدمه لشركة كلاكيت للإنتاج الفني تحت عنوان "حياة مالحة"، قد تعرض للتعفيش من خلال الشركة التي أعطت النص لكاتب مغمور وتمّ تحويره لمسلسل تحت عنوان "كسر عظم"، ولاتزال قصة الاستيلاء على النص ضمن نقاشات السوشل ميديا، على الرغم من بعض الدلائل التي قدمها الكاتب حميرة عن نصه المسلوب أو المعفّش.
بالعودة للعنوان، وعن علاقة بيتي به وبكل ما تمًّ الحديث عنه سابقاً؛ فقد تعرض بيتي للتعفيش مرتين:
الأولى حين تمت سرقة أثاث منزلي بالكامل بعد أن غادرتُه، وذلك بعد أن سيطر نظام الأسد على المنطقة، حيث تم خلع أبواب المنزل وتعفيش كل مافيه من أثاث.
والثانية عندما تم تعفيش منزلي (في دمشق) بالكامل بما فيه من حيطان وشبابيك وأبواب، وبيعه من قبل شخص استولى عليه، بذريعة أنني معارض للنظام ولن أعود.
حقيقة الأمر؛ ما أزعجني في الحالتين هو قيامي بترتيب أثاث منزلي ووضعه في كراتين، وتجميعه بعناية على أمل أن يبقى لحين عودتي القريبة كما كنتُ أعتقد، لذلك لم يُتعب المعفشون أنفسَهم فقد وجدوا أثاثاً بكراتينه معداً للبيع، وكذلك الاستيلاء على مكتبتي الخاصة التي أجزم أن من أخذها لن يعرف قراءة كثير من عناوين كتبها، والتي ربما ستنتهي أوراقها في مطعم من أجل أن تلف بها (السندويشات)!
تترك الشعوب تراثاً حضارياً وفكرياً مهمّاً، تأخذ منه باقي شعوب الأرض.
ويترك المجرمون والطغاة آثاراً تدل على مدى الانحطاط الذي وصلت إليه البلاد خلال حكمهم.
ولاشيء أسوء من أن تكون في بلدٍ حكّامه طغاة.
----------
الطريق-