والحكومة المعطّلة برئاسة نجيب ميقاتي في انتظار حلّ ملف التحقيق في انفجار المرفأ. ويقول الثنائي الشيعي إن أداءه السياسي بعد حادثة الطيونة تغيّر تغيّراً كاملاً، ولا مجال لحلفائه بمطالبته بأي مراعاة أو تنازل. ويعرف الثنائي، وخصوصاً حزب الله، أن مشكلته مع حليفه التيار الوطني الحر. وخلافهما أدى إلى تعطيل الحكومة الهشة. ولن يتنازل حزب الله وحركة أمل قبل تنحية القاضي طارق البيطار أو إيجاد صيغة قانونية للآلية التي يتبعها في تحقيقاته، وعلى نحو لا يمس بوزراء ورؤساء ونواب. وتلقائياً أصبح هذا الملف هو المقابل لملف حادثة الطيونة.
هناك كثير من القوى السياسية، على جانبي الصراع الكبير بين حزب الله والقوات ليست في وارد شنّ حرب إلغاء على القوات اللبنانية
لكن أبعد من ذلك، ليس ما بعد حادثة الطيونة كما قبلها، فيما خصّ حزب الله والقوات اللبنانية على الأقل. قواعد التعامل السياسي بينهما تغيّرت، واستحالت من خصومة سياسية إلى عداء مكتمل المواصفات. فالاثنان يختصران الصراع الدولي والإقليمي القائم في لبنان والعلاقة صفرية بينهما أي أية نقطة لأحدهما تراجع للآخر.
ولكن أيضاً، هناك كثير من القوى السياسية، على جانبي الصراع الكبير بين حزب الله والقوات ليست في وارد شنّ حرب إلغاء على القوات اللبنانية، بما في ذلك رئيس مجلس النواب نبيه بري، على الرغم من أنه أحد المعنيين الأساسيين بحادثة الطيونة. وكان لافتاً أنّ القوات اصطفت إلى جانبه في الجلسة التشريعية التي أقرّت تعديلات على قانون الانتخاب، مقابل فريق الرئيس ميشال عون، في ذروة الغليان الناتج من الطيونة.
لذا وفي المعركة الكبرى التي يتحضر لها بري فليس من مصلحته سوى استدراج القوات لصفه ليستقوي بها مسيحياً في المواجهة التي يخوضها مع عون وجبران باسيل، خصوصاً في السنة الأخيرة الحسّاسة من العهد، حيث هناك استحقاقان انتخابيان مصيريان. وليس من مصلحة بري أن يستفرد عون وباسيل بالساحة المسيحية وبتمثيلها أحادياً. وعلى الأرجح، هذا الأمر يؤثر في مقاربة رئيس المجلس لحادثة الطيونة.
ولنفس المسارات الموجبة في عين التينة فليس في مصلحة رئيس تيار المستقبل سعد الحريري ورئيس الحزب التقدمي الاشتراكي وليد جنبلاط تقديم هذه الهدية الثمينة لعون وباسيل أي مجاراة حزب الله وباسيل في معركة إلغاء القوات. وليس مفترضاً وفق المحلل طوني عيسى أنّ القوى الدولية والإقليمية التي وافقت على إقصاء جعجع وعون معاً، كجزء من مقتضيات تلزيم لبنان للرئيس حافظ الأسد بعد اتفاق الطائف، تمتلك المبرِّرات إيّاها اليوم.
أما أدوات التصعيد السياسي فهي الأخطر في لبنان، خصوصاً إذا لم يتم الوصول إلى تسوية ترضي القوى المتصارعة فيما بينها. ولهذا التصعيد أبعاد خارجية، على وقع البحث عن مقومات لإعادة إحياء التفاوض النووي بين إيران والولايات المتحدة الأميركية.
وبالتزامن مع زيارة مبعوث الرئيس الأميركي لملف الطاقة، آموس هوكشتاين، إلى لبنان، وإعادة السعي إلى إحياء مفاوضات ترسيم الحدود، برز موقف إيجابي من قبل حزب الله، الذي جدد الوقوف خلف موقف الدولة اللبنانية، لكنه رفع منسوب التهديد والاستعداد للتحرك دفاعاً عن الثروة النفطية للبنان إذا تهددها أي تنقيب إسرائيلي، وزيارة هوكشتاين سبقه زيارة مساعدة وزير الخارجية الأميركية فيكتوريا نولاند والتي مهّدت الأرضية لنقاش منح لبنان إعفاءات من قيصر للتسريع في ملف النفط والغاز والكهرباء العربية والتي ستمر حكماً من سوريا.
وهنا يجزم متابعون وربطاً بحادثة الطيونة وما نتج عنها من اتهام نصرالله لوقوف الولايات المتحدة وراء مغامرة جعجع أن آخر ما تريده واشنطن هو ضرب الاستقرار الأمني في لبنان. وأنها أعربت عن استيائها لما حصل. فهي مهتمة بإنجاز مهمة ترسيم الحدود البحرية، وهو ما يتطلب حداً أدنى من الاستقرار الأمني وأيضاً السياسي، ما سيسمح للحكومة بمواكبة هذه المفاوضات، فيما الأوروبيون يرفضون أي تطور أمني يؤدي إلى تفلّت الوضع الأمني في لبنان، لأنه سيُعرّض أوروبا لموجات متتالية من الهجرة وبالتوازي فالإدارة الروسية تخشى من توسع بيكار الفوضى في لبنان، لأنه سيهدّد مصالحها في سوريا، لذا فإن الإيراني يلجأ إلى تصعيد كبير في المنطقة من العراق بعد الانتخابات والهزيمة الكبرى أمام الصدريين وقوى التغيير. وهي تمارس ضغطاً على السعودية على أبواب مأرب وفي سوريا تضغط من خلال استهداف قواعد أميركية، وقوات سورية محسوبة على تركيا.
ولا بد لهذا التصعيد أن يأخذ مداه في لبنان، بدءاً من تزايد الشروط في قضية تحقيقات المرفأ وتعطيل الحكومة إلى حين إقالة القاضي طارق البيطار، واستمر التصعيد بالتظاهرة في اتجاه قصر العدل يوم 14 من تشرين، فتحولت إلى حادثة أمنية وسياسية وشعبية خطيرة في منطقة الطيونة، ويتجلى التصعيد الإيراني في لبنان عبر اجتياح مجموعات محسوبة على حزب الله منطقة الطيونة وفرن الشباك، وإيصال رسائل تصعيدية على الأرض، ما أدى إلى سقوط ضحايا.
تتحدث قوى أمنية محلية وخارجية أن لديها تقارير توحي باحتمال تفجر سريع للساحة اللبنانية على وقع المفاوضات الحامية الجارية بين كل الأطراف الإقليمية والدولية
ولا حلّ لهذه الأزمة المتصاعدة إلا سياسياً. ولكن الحل السياسي غير متوفر حتى الآن، لتستمر مؤشرات التصعيد على وقع استفحال الأزمة المالية والاقتصادية، واحتمالاتها الأمنية في ظل الانسداد السياسي والتدهور المعيشي الكبير.
في حين تتحدث قوى أمنية محلية وخارجية أن لديها تقارير توحي باحتمال تفجر سريع للساحة اللبنانية على وقع المفاوضات الحامية الجارية بين كل الأطراف الإقليمية والدولية. لذلك، لا بد من معالجة سياسية سريعة وإيجاد بعض الحلول المالية، لأن الوضع لا يحتمل ويقترب من انفجار ما. وهذا المشهد، في ظل استمرار التوتر الإقليمي، يشير إلى قابليته للانفجار، ما لم يجد المعنيون تسوية سياسية سريعة.
وعلى هذه المسارات المتوترة، تتعزز المخاوف حول ما سينتهي إليه الأسبوع المقبل. فليس في الأفق اللبناني ما يوحي بحلحلةٍ ما لأيٍّ من هذه العُقد في ظل الشلل الحكومي، وهو ما يعزز السير بالبلاد على خطين متوازيين: إمّا إلى الحل السياسي أو الانفجار الأمني، مع ترجيح الخيار الثاني.
أعان الله لبنان واللبنانيين.
------------
تلفزيون سوريا