نظرا للصعوبات الاقتصادية التي رافقت الجائحة وأعقبتها اضطررنا لإيقاف أقسام اللغات الأجنبية على أمل ان تعود لاحقا بعد ان تتغير الظروف

الهدهد: صحيفة اليكترونية عربية بخمس لغات عالمية
الهدهد: صحيفة اليكترونية عربية بأربع لغات عالمية
عيون المقالات

الفرصة التي صنعناها في بروكسل

26/11/2024 - موفق نيربية

المهمة الفاشلة لهوكستين

23/11/2024 - حازم الأمين

العالم والشرق الأوسط بعد فوز ترامب

17/11/2024 - العميد الركن مصطفى الشيخ

إنّه سلام ما بعده سلام!

17/11/2024 - سمير التقي

( ألم يحنِ الوقتُ لنفهم الدرس؟ )

13/11/2024 - عبد الباسط سيدا*

طرابلس "المضطهدة" بين زمنين

13/11/2024 - د.محيي الدين اللاذقاني


الانتفاضة العربية المحاصرة بين الإسلام التركي وولاية الفقيه الإيرانية




تربت أجيال عربية على كراهية تركيا، بسبب من تركتها الاستعمارية ثقيلة الوطأة ،كذلك كان الوضع مع إيران الشاه، وإن اختلفت الأسباب، فحلَّ حاضر الخمسينيات والستينيات محل الماضي البعيد.


كان دهر الاستعمار التركي طويلاً، بحيث استهلك الزمن الشعار الإسلامي الذي موهه بداية، خصوصاً وقد غلب السلطان الخليفة فأسقطه من التاريخ والجغرافيا والممارسة، وصارت «العثمانية» بل «التتريك»، هو مضمون السياسة المعتمدة. وكانت أكثر تطبيقاتها قسوة التي بلغت حد الوحشية، مع العرب المسلمين كامتياز خاص.
ولقد كان سهلاً على الاستعمار الأوروبي، الذي تقدم لوراثة السلطنة بعد الحرب العالمية الأولى، أن يعيد رسم خرائط الدنيا العربية الفسيحة التي كانت هويتها قد أسقطت عمداً خلال قرون... من هنا وجد الشريف حسين المجال مفتوحاً لإعلان نفسه خليفة عربياً، وأن يشهر سيفه في الحجاز لاستعادة «ملك العرب»، متدثراً بعباءة النسب الشريف، تاركاً لابنه فيصل أن يتولى عرش سوريا، مع الاحتفاظ بإمارة شرقي الأردن لنجله الأمير عبد الله توطئة لما سيلي معاهدة سايكس ــــ بيكو، من مخططات لتقسيم المنطقة، أخطرها وعد بلفور بإقامة دولة يهودية على أرض فلسطين.
ولقد تعذر على فيصل الأول الاحتفاظ بملكه في بلاد الشام، فهزم الفرنسيون جيشه تحت التأسيس عند مدخل دمشق، ليتلقفه البريطانيون فيقطعوه ملك العراق الذي أنشئ بعد مساومات طويلة على خريطة كيانه المستحدث، انتهت بأن فصلت الموصل عن الكيان السوري لتلحق به.
ثم، عشية الحرب العالمية الثانية، وجد الفرنسيون ضرورة لاسترضاء تركيا فأقطعوها بعض الأرض السورية: كيليكيا وأضنه واسكندرون، التي باتت تعرف ـ سورياً ـ باسم «اللواء السليب»، وفيها مدينة إنطاكية ذات المكانة المقدسة عند طائفة الروم الأرثوذكس، بل مسيحيي المشرق إجمالاً.
أما إيران الشاه فلم يكن موقعها عند العرب أفضل بكثير من تركيا... فليس سراً أن «الفرس» تحت قيادة الشاه لم يكونوا ينظرون باحترام إلى العرب عموماً، بل كانوا يستعلون عليهم من موقع «الإمبراطورية»، مستذكرين دائماً أن هؤلاء «البدو» قد حطموا ملكهم الشاسع وأسقطوا إمبراطورهم بقوة الدعوة الإسلامية وزخم المبشرين بدين الهداية والكرامة الإنسانية والكتاب: القرآن الكريم.
هكذا وجد العرب أنفسهم، عندما عرفوا طريقهم إلى الثورة، يواجهون خصمين تاريخيين هما الأتراك والإيرانيون، قبل أن يستولد الغرب عدوهم الجديد والقوي: إسرائيل.
... وحين تفجرت مصر بثـــورة 23 يوليو ــــ تموز 1952 لم ينتظر خصوم العروبة وأعداؤها طويلاً قـــبل مهاجمتها ومحاولة فــــرض الحصار عليـــها، خصوصاً أن صداها بدأ ينشر عدوى التحدي في المشرق والمغــــرب على حد سواء. وهكذا اندفعت إسرائيل إلى مهـــاجمة مصر، تارة بــــزرع القنابل في بعــــض المرافــــق، وتارة أخرى ببعـــض عمـــليات الاغـــتيال، ومحاولة تحـــريك قضية اليهود داخل مصر.
أما الذروة فكانت في العدوان الثلاثي في خريــف العام 1956 وبذريعــــة الرد علــــى قــــرار الثــــورة بقيادة جمال عبد الناصر بتأميم قناة السويس في 26 تموز (يوليو) 1956.
ليس سراً أن تركيا وإيران الشاه كانتا مع العدوان الثلاثي بأهدافه المعلنة والمضمرة، وهي الأخطر، إذ كانت ترمي إلى عودة الاستعمار إلى مجمل الأرض العربية التي بالكاد قد عرفت طريقها إلى الحرية. وكانت إسرائيل هي «الطليعة المقاتلة»، في حين كان عسكر تركيا وشاه إيران في الخلفية السياسية، تبرر أهداف العدوان وتحمي نتائجه.
ولم تلبث دول العدوان الثلاثي أن عادت إلى الانضباط تحت القيادة الأميركية التي استفادت من رصيدها في استنكار ذلك العدوان، للمــــناداة بحلف بغداد الذي يجمع، إلى الولايات المتحدة وبريطانيا، عــــراق الملك فيصل الثاني (الهاشمي) وتركيا وإيران وصولاً إلى باكســـتان، بحيث تحاصر مصر (ومعها سوريا التي ناصرتها ووقفــــت معـــها رداً على تضامن مصر الثورة معها في مواجهة الحشـــد التركي على حدودها في خريف العام 1957) بحلـــف «إسلامي» يضــــم بعض الأكبر والأقوى نســــبياً من الــــدول الإســــلامية (وجميعها، كما لا بد لاحظــتم، غـــير عربية).
هل يمكن التأريخ بذلك الحلف، بعد العدوان الثلاثي على مصر مباشرة، بأنها الخطوة الغربية الحاسمة في اتجاه وضع الإسلام السياسي في تركيا وإيران في مـــواجهة الهـوية الأصـــلية لمنطــقتنا العربيــة، أي العروبــة؟
ولأن التاريخ شاهد لا يموت، فإن محاولة إثارة الحرب بين العروبة والإسلام ليست جديدة، وأن ما نشهده اليوم من مواجهات بين هذين المكــــونين المتكاملين لوجدان الأمة العربية ليس إلا استئنافاً لمعركة مفتوحة منذ بدايات القرن الماضي... مع إرادة معلنة بطمــــس التغيير المؤثر الذي نقل إيران من المعسكر المعادي إلى موقعـــها الحالي، الذي يرى فيه البعض انتــــصاراً للإسلام فيها على الفارسية، في حين يراه البعــــض الآخر تمويهاً للنزعــــة الاستعلائية للفرس بالشــــعار الإسلامي... فـــــإذا لم تكف هذه التــــهمة لإدانة «السياسة التوسعية الإيرانية» الراهنة تمت إضـــافة «الشيعية» لفصل إسلامها (الشــيعي) عن الإسلام (السني) الذي تدين به أكثرية المسلمين.
بالمقابل تجري محاولة حثيثة لتصوير حكم «الإخوان المسلمين» في تركيا بأنه قد أنجز ثورة التصحيح والتقدم داخل الدين الإسلامي، ونجح في أن يبني حكماً معاصراً ناجحاً وقادراً على بناء دولة متقدمة اقتصادياً وبارعة سياسياً، بدليل أن عضويتها في حلف الأطلسي لم تمنع الإخوان المسلمين من الوصول إلى سدة السلطة، وأن عضويتها في الحلف الأطلسي، وكونها قاعدة عسكرية أميركية كبرى، وكذلك تحالفها الوثيق والدائم، والذي لم يتأثر بتغيير رأس الحكم مع إسرائيل لم يؤثر على صداقتها مع العرب!
بديهي أن يكون لكل دولة كبرى في هذا الإقليم مطامحها السياسية ونزعتها «التوسعية»، خصوصاً في ظل الفراغ السياسي الهائل الذي واجه الانتفاضات العربية، فأربكها وتسبب في ضياعها عن أهدافها، مفسحاً في المجال لتقدم الولايات المتحدة وبعض أوروبا مجدداً لتثبيت مواقعها، بل ولتعزيزها، خصوصاً أن الحكام الجدد يعملون على مدار الساعة لتأكيد الحاجة إلى العون والمساعدة ـ مادياً وسياسياً ـ تبريراً للبقاء في حظيرة النفوذ الأميركي.
...وبين هذه المبررات المستجدة: مواجهة النزعة الاستعمارية عند «دولة ولاية الفقيه» الإيرانية، والتي تكاد تستحوذ على المشرق العربي بدءاً من لبنان (حزب الله)، مروراً بسوريا (نظام الأسد) وصولاً إلى العراق (حكومة المالكي) مع جيوب في البحرين واليمن وصولاً إلى مختلف أنحاء أفريقيا.
يمكن الحديث هنا، أيضاً، عن صفقة إيرانية ـ أميركية سمحت لطهران بأن تمدد نفوذها داخل العراق، ليصبح بالإمكان بعد ذلك الحديث عن «هيمنة فارسية» بغطاء شيعي على بلاد هارون الرشيد.
هكذا، وببساطة يتم التعديل في خطة التحرر والتحرير: تعطى الأولوية المطلقة «للخطر الشيعي»، وهو أقوى بما لا يقاس من «الخطر الفارسي». تقدم إيران في المواجهة على إسرائيل التي انضمت بيسر إلى «الحلف الجديد»، وكأنــها حارسة الدين الحنيف، وتصنف تركيا «الإخوان» باعتبارها النموذج الرائد للإسلام الصحيح.
وبالتأكيد فإن «حكم الملالي» في إيران (كما يسميه خصومه)، يبدو وكأنه يأتي من خارج العصر. ثم انه «مقتحم» يواجه بلا تهيب، مؤكداً إسلامه حتى وهو يتمسك بصياغته الخاصة «لشيعيته»، ويرى أن إيران دولة كبرى في هذا المشرق وبالتالي فإن لها حق الرأي في شؤونه.
ومفهوم أن تشتد الحملة، عربياً، وبالذات من دول الخليج التي قدمت الولاء للشاه، على إيران الثورة، بوصفها استــعماراً فارسياً جديداً تحت ستار طائفي... أما تركيا «الإخوان» فأميركا صــــديق كبير، خصـــوصاً وقد تحرر من ارتباطه الوثيق مع بشـــــــار الأسد، إلى حد أن النظام السوري أسقط من خطابه لواء الإسكنــــدرون... وكذلك فعـــلت المعارضة التي تتخذ من بعـــض ارض ذلـــــك الــــلواء السليب منطلقاً لمهـــاجـــمة النـــظام في دمشق.
على أن المفجع هنا هو غياب العرب، ما يوسع هامش النفوذ أمام كل قادر على التقدم للهيمنة تحت شعار «ملء الفراغ» وحماية مصالحه... ولو بادّعاء حماية الأقليات مع الدين الحنيف.
المؤسف أن الذرائع التي تستخدم حالياً في مواجهة إيران ومطامعها تلجأ إلى سلاح المذهبية، ولا تتورع عن محالفة إسرائيل، أو أقله إسقاط عدائها.
ومن باب التذكير، ليس إلا، فإن حكام الجزيرة والخليج، خاصة، ومعظم الحكام العرب، كانوا يرحبون بالشاه، بل ويخضعون لنفوذه المباشر، بوصفه «كسرى المعاصر»، ولا يرون من إيران الحالية إلا «شيعيتها» متجاهلين ثورتها الإسلامية، وقافزين عن أسباب الضعف التي تجعل خيارهم محصوراً بين احد النفوذين الخارجيين، وكأنهم لا أحد، أو أنهم من خارج هذا العالم.

طلال سلمان
الاربعاء 1 ماي 2013