بعد مفاوضات ونقاشات استمرت ستة أشهر للوصول إلى قانون انتخابي «ديمقراطي»، «عادل»، لم تسفر إلا عن كيل الاتهامات وتبادل الشتائم، والتنابز بالألفاظ، تبين أن الأمر كان أقرب إلى تمثيلية، واتفق الخصوم على أمر واحد هو أن مصلحتهم العليا تقتضي بقاء التركيبة على ما هي عليه بانتظار جلاء الصورة الإقليمية، ومعرفة كيف ستميل الدفة الدولية. فكل قانون يغير في الموازين، رفض من أحد الأطراف، وكل اقتراح يمكن ألا يضمن عودة الوجوه ذاتها، وجد من ينبذه. هكذا لم يجد الفرقاء ما يجمعهم سوى التآمر على الناخبين وحرمانهم من حق اختيار طبقة غير تلك التي أوصلتهم إلى حافة الهاوية.
لم يعد بمستغرب إذن، أن تكون معارك طرابلس الأخيرة التي أودت بحياة 32 شخصا وأكثر من 300 جريح، مجرد «مناورة» دموية مقصودة. فقد كان المقاتلون يكررون في الأيام الماضية، أن المعارك لن تتوقف قبل يوم الجمعة (أي موعد انعقاد جلسة التمديد)، وهو ما يلتقي مع ما صدر عن نواب من اتجاهات سياسية متباينة. فقد توصل هؤلاء، على وقع حرب طرابلس، إلى خلاصة تقول «إن الوضع الأمني لا يسمح بإجراء انتخابات». وعلى الجميع أن يقر بأن «التمديد هو أفضل الخيارات البشعة. ففي ظل الوضع الأمني الحالي لا إمكان لضمان حرية الانتخابات، والتمديد أمر مطلوب». هذا ما قاله الوزير السابق وئام وهاب، وكرره نواب ووزراء نافذون من كتل نادرا ما التقت على شأن ما. ولتكتمل الصورة أمام الناخبين، المغرر بهم، فإن كل الأحزاب السياسية من دون استثناء هرعت لتقديم ترشيحاتها قبل انتهاء المهلة الرسمية وكأن الانتخابات قائمة لا محالة. وحين يسأل النائب عن كتلة المستقبل أحمد فتفت عن سر هذا النشاط وتقديم الترشيحات مع علم الجميع، ضمنا طبعا، بأن الانتخابات لن تقوم، يجيب: «بكل صراحة نعم، الكل قدم ترشيحه. ولكن لنعترف بأن هناك انعدام ثقة كبيرا جدا فيما يجري على الساحة والكل يخشى أنه ربما يكون هناك طرف ما يخبئ شيئا في السياسة، فبادر الجميع إلى اتخاذ الحيطة والحذر حتى لا يتعرضوا لمقالب سياسية معينة». ويكمل النائب فتفت كلامه بمهاجمة خصومه الذين حاربوا قانون الستين، ثم سرعان ما عادوا ليدافعوا عنه، معتبرا أن «الرأي العام اللبناني يجب أن يحاكم هذه الأطراف السياسية التي يوما تريد شيئا، ويوما تريد عكسه، وفقا لما ترى أن فيه مصلحة آنية لها أو لحلفائها في لبنان أو المنطقة». ونسي النائب في غمرة الانفعال أنه لو قدر للبنانيين أن يحاكموا كل سياسي يقول الشيء وضده، لخلت الساحة منهم.
هكذا إذن، توافق الزعماء اللبنانيون على أن التمديد للمجلس النيابي هو أفضل الخيارات لهم بطبيعة الحال، فحزب الله منشغل في معركة «مصيرية» في حمص والقصير، وصولا إلى ريف دمشق، وليس واردا فتح باب حملات انتخابية داخلية، وتيار المستقبل ليس متأكدا من الحصول على أصوات شبيهة بتلك الكاسحة التي حازها عام 2009، بعد غياب قسري لزعيمه سعد الحريري، وانحسار شعبيته، على الأرجح، لصالح تيارات إسلامية صاعدة، يصعب التنبؤ بخيارات ناخبيها، بينما «القوات اللبنانية» لا تبدو لاهثة وراء اختبار لن يكون بالضرورة لصالحها، بعد أن حمل الجنرال عون لواء القانون الأرثوذكسي للانتخابات، وراية تحصيل حقوق المسيحيين السياسية، وبدت القوات وكأنها تتهاون بما لا يفرط فيه عون.
اقتنعت القوى الأساسية باستثناء الجنرال عون، بأنها في أفضل الأحوال لن تأتي بأفضل مما لديها، وتوفير المال والجهد، مصلحة جامعة.
هكذا تخلى حزب الله في اللحظة الأخيرة، عن حليفه عون المتمسك بالانتخابات، وذهب إلى التمديد، مما حدا بالوزير جبران باسيل للحديث عن «خدش» مع الحلفاء وأن «العلاقة بهم بعد التمديد لن تبقى كما هي، لأنهم يقدمون أولويات الخارج على الداخل». ولم يعبأ سمير جعجع بالإجماع المسيحي، ورأي بكركي، وتبين أن حزب الله وتيار المستقبل، فيما يشبه العجيبة السياسية، هما اللذان اتفقا وقررا عن لبنان كله، مما دعا كثيرين إلى القول إن الطائفتين الكبيرتين الوازنتين فعلتاها.
تقول صحافية لبنانية طريفة إن تسعة أشخاص فقط هم الذين يحكمون لبنان ويأتون بـ128 نائبا، في كل مرة، يحركونهم كما يشاءون. ولو جرت الانتخابات بحسب قانون الستين، أي الذي جرت وفقه الانتخابات السابقة، فكل ما سيحدث أن بعض الوجوه القليلة ستتغير، وتبقى التركيبة ذاتها، ومن يتحكمون بخيوط اللعبة هم أنفسهم. لذلك من يظن أن تعاضد المستبدين وتكتلهم يمكن أن ينتج ديمقراطية لا يعرف شيئا عن النظام اللبناني.
لم يعد بمستغرب إذن، أن تكون معارك طرابلس الأخيرة التي أودت بحياة 32 شخصا وأكثر من 300 جريح، مجرد «مناورة» دموية مقصودة. فقد كان المقاتلون يكررون في الأيام الماضية، أن المعارك لن تتوقف قبل يوم الجمعة (أي موعد انعقاد جلسة التمديد)، وهو ما يلتقي مع ما صدر عن نواب من اتجاهات سياسية متباينة. فقد توصل هؤلاء، على وقع حرب طرابلس، إلى خلاصة تقول «إن الوضع الأمني لا يسمح بإجراء انتخابات». وعلى الجميع أن يقر بأن «التمديد هو أفضل الخيارات البشعة. ففي ظل الوضع الأمني الحالي لا إمكان لضمان حرية الانتخابات، والتمديد أمر مطلوب». هذا ما قاله الوزير السابق وئام وهاب، وكرره نواب ووزراء نافذون من كتل نادرا ما التقت على شأن ما. ولتكتمل الصورة أمام الناخبين، المغرر بهم، فإن كل الأحزاب السياسية من دون استثناء هرعت لتقديم ترشيحاتها قبل انتهاء المهلة الرسمية وكأن الانتخابات قائمة لا محالة. وحين يسأل النائب عن كتلة المستقبل أحمد فتفت عن سر هذا النشاط وتقديم الترشيحات مع علم الجميع، ضمنا طبعا، بأن الانتخابات لن تقوم، يجيب: «بكل صراحة نعم، الكل قدم ترشيحه. ولكن لنعترف بأن هناك انعدام ثقة كبيرا جدا فيما يجري على الساحة والكل يخشى أنه ربما يكون هناك طرف ما يخبئ شيئا في السياسة، فبادر الجميع إلى اتخاذ الحيطة والحذر حتى لا يتعرضوا لمقالب سياسية معينة». ويكمل النائب فتفت كلامه بمهاجمة خصومه الذين حاربوا قانون الستين، ثم سرعان ما عادوا ليدافعوا عنه، معتبرا أن «الرأي العام اللبناني يجب أن يحاكم هذه الأطراف السياسية التي يوما تريد شيئا، ويوما تريد عكسه، وفقا لما ترى أن فيه مصلحة آنية لها أو لحلفائها في لبنان أو المنطقة». ونسي النائب في غمرة الانفعال أنه لو قدر للبنانيين أن يحاكموا كل سياسي يقول الشيء وضده، لخلت الساحة منهم.
هكذا إذن، توافق الزعماء اللبنانيون على أن التمديد للمجلس النيابي هو أفضل الخيارات لهم بطبيعة الحال، فحزب الله منشغل في معركة «مصيرية» في حمص والقصير، وصولا إلى ريف دمشق، وليس واردا فتح باب حملات انتخابية داخلية، وتيار المستقبل ليس متأكدا من الحصول على أصوات شبيهة بتلك الكاسحة التي حازها عام 2009، بعد غياب قسري لزعيمه سعد الحريري، وانحسار شعبيته، على الأرجح، لصالح تيارات إسلامية صاعدة، يصعب التنبؤ بخيارات ناخبيها، بينما «القوات اللبنانية» لا تبدو لاهثة وراء اختبار لن يكون بالضرورة لصالحها، بعد أن حمل الجنرال عون لواء القانون الأرثوذكسي للانتخابات، وراية تحصيل حقوق المسيحيين السياسية، وبدت القوات وكأنها تتهاون بما لا يفرط فيه عون.
اقتنعت القوى الأساسية باستثناء الجنرال عون، بأنها في أفضل الأحوال لن تأتي بأفضل مما لديها، وتوفير المال والجهد، مصلحة جامعة.
هكذا تخلى حزب الله في اللحظة الأخيرة، عن حليفه عون المتمسك بالانتخابات، وذهب إلى التمديد، مما حدا بالوزير جبران باسيل للحديث عن «خدش» مع الحلفاء وأن «العلاقة بهم بعد التمديد لن تبقى كما هي، لأنهم يقدمون أولويات الخارج على الداخل». ولم يعبأ سمير جعجع بالإجماع المسيحي، ورأي بكركي، وتبين أن حزب الله وتيار المستقبل، فيما يشبه العجيبة السياسية، هما اللذان اتفقا وقررا عن لبنان كله، مما دعا كثيرين إلى القول إن الطائفتين الكبيرتين الوازنتين فعلتاها.
تقول صحافية لبنانية طريفة إن تسعة أشخاص فقط هم الذين يحكمون لبنان ويأتون بـ128 نائبا، في كل مرة، يحركونهم كما يشاءون. ولو جرت الانتخابات بحسب قانون الستين، أي الذي جرت وفقه الانتخابات السابقة، فكل ما سيحدث أن بعض الوجوه القليلة ستتغير، وتبقى التركيبة ذاتها، ومن يتحكمون بخيوط اللعبة هم أنفسهم. لذلك من يظن أن تعاضد المستبدين وتكتلهم يمكن أن ينتج ديمقراطية لا يعرف شيئا عن النظام اللبناني.