هذا الاتفاق، إن قدر له الصمود، يشكل نقلة نوعية ومحطة أساسية في مسار الثورة السورية تقرب المشهد السوري من نهايته المحتومة بسقوط نظام طاغية دمشق بشار الأسد، ويفتح الباب أمام نزع الشرعية بشكل كامل عن بشار الأسد ونظامه، والضغط على العالم للاعتراف بالجسم الجديد كممثل شرعي للشعب السوري الثائر، وهي مهمة ليست بالسهلة أو اليسيرة بسبب الدعم السياسي والدبلوماسي اللامحدود الذي تقدمه روسيا والصين وإيران لنظام الأسد الإرهابي، ولكنها في نفس الوقت مهمة ممكنة إذا نجح الائتلاف الوطني السوري بوضع العالم أمام الأمر الواقع من خلال الحصول على الاعتراف الدولي وتشكيل حكومة مؤقتة، وتكريس هذا الجسم السياسي الجديد إلى حالة لا يمكن تجاوزها دوليا بتحويله إلى "جسم قانوني دولي شرعي"، وهو أمر ممكن إذا تداعت دول العالم إلى الاعتراف الفردي والجماعي بالائتلاف السوري المعارض.
لكن هذا الاعتراف لن يتحقق إلا إذا توفرت شروط معينه تقنع دول العالم بجدية الائتلاف الوطني المعارض ووحدته بما يسحب كل الذرائع المعرقلة للحصول على الشرعية العربية والدولية، وأهم هذه الشروط على الإطلاق هي تحويل هذا الائتلاف إلى "حالة موحدة" تجمع كل القوى على البرنامج المشترك بدون خلافات داخلية يمكن أن تفجره كما حصل مع محاولات سابقة، وقد بينت التجارب السابقة أن الخلافات الشخصية بين قوى المعارضة كانت عاملا سلبيا ومعرقلا حال دون توحيدها، وهي خلافات لابد من تنحيتها جانبا في سبيل الوصول إلى الهدف الأسمى وهو إسقاط نظام الأسد وبناء سوريا الجديدة على أسس من الحرية والعدالة والكرامة والديمقراطية.
ومع أهمية الوحدة السياسية لقوى المعارضة السورية إلا أنها ليست الأهم في حسم المعركة ضد نظام الأسد الدموي، فالقوة على الأرض هي العامل الوحيد القادر على الحسم، وحسنا فعلت الأطراف المعارضة السورية بتضمين البيان فقرة تنص على "العمل على توحيد ودعم المجالس العسكرية، وكافة التشكيلات والكتائب، وكافة الكيانات العسكرية الثورية السورية، وإنشاء قيادة عسكرية عليا تنضوي تحتها كافة الكيانات المشار إليها"، وهي فقرة في غاية الأهمية، فقوة التفاوض على الطاولة تعتمد بشكل كامل على قوة الرصاص على الأرض، فالسلاح هو من يجعل للكلام وزنا وقوة وفاعلية، وهذا يحتم على "الائتلاف الوطني" حشد الدعم العسكري للجيش السوري الحر، وتزويده بكل أنواع الأسلحة وعدم التباطؤ في هذه المسالة التي تعتبر أولوية قصوى.
الثورة السورية حاليا على مفترق طرق مهم وحاسم لكنه خطر في نفس الوقت، وهو يحتاج إلى "سرعة الصاروخ" في التعامل معه، عبر حشد التأييد العربي والدولي للائتلاف الوطني للانتقال إلى مرحلة نزع الشرعية الدولية عن "الأسد ونظامه" دوليا وإقليما وعربيا، وهو ما سيعجل بانهياره رغم الدعم الروسي- الإيراني- الصيني.
من المهم أن تنتبه قوى المعارضة السورية إلى "المطبات السياسية" التي قد تؤدي إلى اختطاف الثورة من قبل الدول الداعمة أو الممولة أو الراعية، فلا يوجد دعم في العالم يقدم "مجانا لوجه الله"، فلكل جهة أهدافها ومصالحها، وهي ليست بالضرورة متطابقة مع أهداف الشعب السوري، وكانت لمحة موفقة أن ينص الاتفاق على "عدم الدخول في حوار أو مفاوضات مع النظام القائم"، وذلك لسد الطريق أمام أي جهة دولية أو إقليمية لتحويل "الائتلاف الوطني المعارض" إلى مطية للدخول في مفاوضات مع النظام البعثي المجرم، الأمر الذي يجعل من خيار "إسقاط نظام الأسد" هو الخيار الوحيد غير القابل للنقاش.
اتفاق الدوحة بين قوى المعارضة السورية، هي الخطوة قبل الأخيرة لدحر نظام الأسد وهزيمته إذا ركزت القوى الثورية على الضرب بقوة في الميدان، فالعالم لا يسمع للباكين ولا الشاكين، ولكنه يسمع جيدا لقعقعة السلاح وأزيز الرصاص وهدير الدبابات.
هذا الاتفاق الذي يمكن وصفه بالتاريخي إذا التزمت به قوى المعارضة السورية لم يكن ليتم لولا الدور الفاعل والحيوي الذي لعبته قطر، والجهود الكبيرة التي بذلتها الآلة السياسية والدبلوماسية القطرية الفاعلة على المستويين العربي والإقليمي والدولي، وهذا ما يلقي على عاتق الحكومة القطرية عبئا كبيرا في مراقبة التزام جميع القوى السورية بالاتفاق واستغلال إمكانياتها الدبلوماسية والاقتصادية لحشد التأييد لهذا الائتلاف الأمر الذي يقرب نهاية نظام الأسد ويضع حدا لمعاناة الشعب السوري ويساعده على الانتصار ووقف آلة الدمار والخراب الأسدية التي دمرت كل سوريا.
---------------------
الشرق القطرية