عاش «ابو مرسي» في قرية صغيرة على ضفاف النيل في صعيد مصر. وعلى الرغم من أنه فلاح وابن فلاح، إلا أنه كان يحلم دائما بأن يمتلك قاربا يمخر به عباب النهر الخالد، ذهابا وإيابا، وأن يحمل أهله معه، ويتجول به ويصطاد من أسماكه أكبرها وأطيبها، ويملأ رئتيه برائحة «البحر»، ويسمع صوت الشراع وهو يخفق ويرتطم بالصواري العاليات، وأن يبز بقاربه اهل قريته ويتحكم بهم من خلال عروض اصطحابهم معه! حلم «أبو مرسي» طال لأكثر من ثمانين عاما قبل ان يتحقق، وما ان وضع الرجل قدميه المتعبتين على ظهر مركبه الجديد، الذي اشتراه من المال الوفير الذي «انهمر» عليه من ابنائه العاملين في الخليج واصدقائهم الذين سمعوا بحلمه في امتلاك القارب، حتى اكتشف أنه لا يعرف شيئا من علوم البحر والإبحار، ولا وقت لديه لتعلم شيء وهو بكل تلك الكهولة، كما أنه - ويا للهول - لا يعرف حتى العوم! وهكذا أضاع «ابو مرسي» كل ما جمعه من مال ابنائه، وما ورد اليه من ثروات اصدقائهم في مشروع فاشل ليس أهلا له، ولم يكن يوما حاضرا له، بعد ان انشغل طوال 80 عاما بالجلوس والحلم باقتناء قارب من دون محاولة تعلم شيء عن الملاحة والسباحة والسياحة!
***
من الواضح أن الوضع المأساوي الذي وجدت مصر نفسها فيه، تحت حكم «الإخوان»، أمر يدعو الى الحسرة والحزن، فهو دليل دامغ على أن أكبر الأحزاب السياسية فيها، وعلى مدى ثلاثة ارباع قرن، لم يكن يوما مؤهلا لتسلم الحكم، ليس فقط لخلل في «فلسفته» - إن جازت الكلمة - بل، أيضا، لأن مرشديه غالباً انشغلوا طوال الفترة السابقة في تجميع الأموال وتكديسها في يد فئة مختارة وقليلة جدا، وفي كسب الأعوان، وفي حياكة المؤامرات وتنظيم التظاهرات، والتخلص من المناوئين.
ونسوا أن الحكم فن والسياسة دسائس، والمبادئ وضعت لتنقض والأحلاف وقعت لتلغى، وأن الغاية، في جميع الأحوال، تبرر الوسيلة، مهما كانت دنيئة، لئيمة أو غير إنسانية.
نعم، وصل «الإخوان» الى حكم مصر وغيرها، والخير في ما حصل، فقد اكتشفوا واكتشف العالم معهم خواء فكر قادتهم، في مصر والكويت بالذات، وقلة حيلتهم. فمصر ميدان التحرير والتظاهرات وخطف الثورات من صانعيها هي غير مصر من قصر عابدين أو الاتحادية أو مركز الإخوان في الروضة أو شبرا او تطوان. وعليه، فإن على حاكم مصر الفعلي، المرشد «محمد بديع، أن يخرج للناس ويقول، كما طالبه الكاتب محمد حسنين هيكل: يا جماعة، اكتشفنا أننا أهل فكر ومبادئ، لكننا لسنا أهل سياسة»! ومن بعدها يترك «الإخوان» الحكم لإنقاذ مصر مما سيلم بها من كوارث، إن أصروا على البقاء!