نظرا للصعوبات الاقتصادية التي رافقت الجائحة وأعقبتها اضطررنا لإيقاف أقسام اللغات الأجنبية على أمل ان تعود لاحقا بعد ان تتغير الظروف

الهدهد: صحيفة اليكترونية عربية بخمس لغات عالمية
الهدهد: صحيفة اليكترونية عربية بأربع لغات عالمية
عيون المقالات

الفرصة التي صنعناها في بروكسل

26/11/2024 - موفق نيربية

المهمة الفاشلة لهوكستين

23/11/2024 - حازم الأمين

العالم والشرق الأوسط بعد فوز ترامب

17/11/2024 - العميد الركن مصطفى الشيخ

إنّه سلام ما بعده سلام!

17/11/2024 - سمير التقي

( ألم يحنِ الوقتُ لنفهم الدرس؟ )

13/11/2024 - عبد الباسط سيدا*

طرابلس "المضطهدة" بين زمنين

13/11/2024 - د.محيي الدين اللاذقاني


الأوكرانيون العرب..حصة العرب من الحرب




دخلت الحرب الروسية على أوكرانيا في قلب أحداث الشرق الاوسط، سواء من خلال الاستقطاب السياسي أو من زاوية أزمة الطاقة العالمية، لكن مؤشرات انشغال المنطقة بالحرب في أوكرانيا، باتت تتجاوز ذلك إلى انخراط إقليمي مباشر في المعارك، من خلال الأنباء التي تتوارد عن تجنيد مقاتلين سوريين للقتال مع القوات الروسية، وربما ضدها، وهو أمر كان متوقعا منذ البداية، لكنه أصبح حديث شائعاً بسرعة قبل انقضاء أسبوعين على بداية الحرب، وقد يتحول إلى عمل نمطي وواسع النطاق في حال استمرت لفترة طويلة


 

مع بداية الغزو الروسي، ضجت وسائل التواصل الاجتماعي باستعداد الكثيرين من السوريين المعارضين للنظام، للمشاركة في القتال إلى جانب أوكرانيا ضد روسيا التي تدعم نظام الاسد من خلال تدخلها العسكري واسع النطاق منذ عام 2015. ومن المعروف أن روسيا قامت بحملات جوية تسببت بمقتل آلاف السوريين وتدمير مدن وبلدات كان من أبرزها حلب، والتي شاركتها في ذلك الميليشيات التابعة لإيران. وبدت حماسة السوريين للقتال ضد روسيا مجرد رغبات نظرية على وسائل التواصل، قبل أن يعلن الرئيس الأوكراني فلودومير زيلينسكي عن فتح باب التطوع لكل مؤيدي بلاده في العالم من اجل انشاء فيلق دولي، وسرعان ما تحولت دعوته الى واقع حقيقي بوصول آلاف المتطوعين أعلن زيلينسكي انهم يمثلون الدفعة الاولى من المقاتلين الأجانب، الذين قدموا من بريطانيا والدنمارك وبلدان أخرى بينها الولايات المتحدة.

حتى الآن لم يعلن عن وجود مقاتلين سوريين مع الجانب الاوكراني، لكن صحيفة وول ستريت جورنال الأميركية أعلنت الاثنين الماضي عن أن نحو 400 مقاتل من الجيش السوري الرسمي من المتمرسين بحروب المدن، بدأوا بالفعل بمشاركة القوات الروسية في معركة كييف، فيما رفضت المصادر الأميركية، التي استندت اليها الصحيفة، تأكيد أو نفي وجود مقاتلين سوريين في الميدان ضمن الفيلق الدولي الأوكراني. إلا أن كل المؤشرات توحي أن هذه الضبابية المحيطة بمشاركة مقاتلين سوريين على جانبي خطوط الحرب في أوكرانيا، لن تستمر طويلا، وقد يصبح نقل مقاتلين سوريين خاضوا معارك مدن لنحو عشر سنوات، أمراً نمطياً تفرضه الحاجة الميدانية، والاستقطاب السياسي الحاد، والمصلحة الملحة في تغليب طرف على الآخر، فضلا عن خبرات قتالية متراكمة ودموية. ولكن الخزان السوري لن يكون الوحيد الذي يمكن أن يغذي حربا قد تصبح طويلة، فالشرق الأوسط سوف يزداد ارتباطا بمجريات الحرب في شرق أوروبا، مع حدة الاستقطاب الدولي، وحجم القطيعة التي تزداد بين روسيا والغرب.

في الشرق الأوسط، أبدت أطراف ما يسمى محور المقاومة، الذي تديره إيران ويتكون من مجموعة ميليشيات قوية وفاعلة تنتشر ما بين العراق وسوريا ولبنان واليمن، فضلا عن النظام السوري، انحيازاً واضحاً لروسيا، حتى بتنا نرى صوراً للرئيس بوتين وسط بغداد وبيروت، وحماسة واضحة للتطوع للقتال لصالح روسيا، وحاولت إيران الرسمية البقاء خارج الاستقطاب الدولي الخاص بالحرب، لكنها هاجمت الولايات المتحدة وأبدت تفهما للموقف الروسي، بينما اتهم المرشد الايراني علي خامنئي الولايات المتحدة بالتسبب بالأزمة، واقترب كثيرا من الرواية الروسية حينما قال في تغريده على حسابه في تويتر إن "جذور الأزمة الأوكرانية من سياسة صنع الأزمات الأمريكية، وأوكرانيا ضحية لهذه السياسة"، وأردف في تغريدة أخرى: "إن جذور الأزمة في أوكرانيا تدخل أميركا في الشؤون الداخلية لذلك البلد عبر صنع انقلاب ملون، وتحريك التجمّعات ضد الحكومات، وإزاحة هذه الحكومة ووضع تلك".

تبدو الغلبة الروسية من مصلحة إيران في ملفات كثيرة، ففضلا عن تأمين دورها في سوريا، فإنها ستمنح إيران فرصة تتعلق بإشغال تركيا. وفيما لا يبدو أن هناك صراعا بين انقرة وطهران اليوم، إلا أن تنافس أكبر دولتين إقليميتين على النفوذ السياسي والأمني والاقتصادي في المنطقة يبقى قائما، وسيكون ضعف إحداهما، او اشغالها بملفات صعبة مفيدا تماما لمصالح الاخرى، وقد كانت الرغبة التركية بوقف التمدد الروسي على حساب أوكرانيا أحد اسباب التعاون مع كييف في مجال الصناعة العسكرية، وبيعها طائرات بيرقدار ذات الفعالية العالية. وبالمقابل فإن هزيمة روسيا أو ضعفها في الميدان الدولي، سيحرم إيران من داعم دولي أساسي، قد لا يكون مستعدا لحماية مصالحها، وربما يكون تحت الضغط جزءا من الخطط الغربية المعدة للمنطقة، تماما كحال روسيا خلال تسعينيات القرن الماضي، التي خرجت خائرة القوى بعد انهيار الاتحاد السوفييتي. 

لهذه الاسباب وسواها، يمكن أن تنخرط إيران بشكل غير مباشر في دعم روسيا عسكريا من خلال دفع مجموعات من ميليشياتها من العراق ولبنان بشكل خاص للقتال في أوكرانيا، وخصوصا حين تأخذ الحرب طابع مقاومة شعبية من الجانب الأوكراني، ولا يتوقع أن يواجه مثل هذا التدخل رفضا دوليا،  وسيتحول وجود مقاتلين أجانب على طرفي الحرب إلى ظاهرة عادية تحظى بموافقة الغرب، ومباركته العلنية، حتى لو كانت تنتهك علنا مبادئ القانون الدولي.

وكشفت معلومات صحافية من العراق، عن ظهور منظمات مجهولة تقوم بتجنيد الشباب العراقي للقتال في اوكرانيا، وقبل ذلك أعلنت القنصلية الروسية العامة في البصرة ، جنوب العراق، أنها تلقت الكثير من طلبات التطوع للقتال إلى جانب القوات الروسية، واعتذرت لعدم حاجة روسيا الى مقاتلين أجانب. وسيكون للانخراط الممكن نظريا بقوة في حرب اوكرانيا اسبابٌ أخرى تتعلق بالاغراءات المالية، أو الاعتقاد بفرص الانتقال من هناك إلى دول الاتحاد الاوروبي، وهو الأمر المستحيل بالظرف الحالي لأبناء المنطقة.

لن يكون مفاجئا أن يذهب عراقيون وسوريون ولبنانيون، وربما من دول أخرى للقتال ضد بعضهم البعض إلى جانب طرفي القتال في بلد خارج الشرق الأوسط بكامله، ولحساب صراع دولي واسع. سيكون هذا المشهد مؤسفا وسرياليا، لكن آثاره لن تتوقف عند هذه الحدود، فجزء من هؤلاء سيعودون إلى بلدانهم إن بقوا أحياء، وسيكونون حينها مجرد مرتزقة، احترفوا القتال والقتل مقابل المال ، أو "أوكرانيون عرب" على غرار الأفغان العرب الذين عادوا من أفغانستان يحملون رايات التطرف بعد "الجهاد" ضد الغزو الروسي. وربما أعاد التاريخ نفسه على نحو آخر، وسيكون للعرب حصة كما في كل حرب.
------
المدن


صبا مدور
الجمعة 11 مارس 2022