في عام 2022، حتى الموالون للحكومة لا يجادلون في وحشية النظام. ولا يستطيع الموالون الرد إلا بأن المعارضة و«داعش» يسيئون معاملة المعتقلين؛ سواءً بسواء. بيد أن حجم جرائم القتل والإساءة في المراكز الحكومية يتجاوز بكثير الانتهاكات المرتكبة لدى المعارضة أو «داعش». وإحدى المشكلات التي تكتنف النقاش حول سوريا أنه غالباً ما تعد المعارضة سيئة بالقدر نفسه، ومسؤولة بالمستوى نفسه عن المأساة. وتذكرنا محاكمة «كوبلنز» بأن المأساة في سوريا في واقع الأمر هي بالأساس مسؤولية الحكومة السورية. وأشادت مفوضة الأمم المتحدة لحقوق الإنسان، ميشيل باشيليه، بقرار المحكمة، قائلة إنه خطوة رئيسية نحو الحقيقة والعدالة والتعويض عن الانتهاكات في سوريا. وقال أحد الضحايا خارج دار المحكمة لصحيفة «الإندبندنت» البريطانية، في 13 يناير (كانون الثاني)، إن قرار المحكمة يخبر كل سياسي وضابط أمن في سوريا يرتكب انتهاكات بأنه «لا يمكنك التهرب من العدالة، وستخضع للمساءلة يوماً ما».
لا شك في أن الرئيس الأسد واللواء حسام لوكا، مدير المخابرات العامة (وبالتالي الفرع 251 من بين مراكز أخرى) وضباط أمن سوريين آخرين، قد استمعوا لهذه الرسالة بوضوح. كما لاحظوا وجهين آخرين للقضية؛ أولاً، قررت المحكمة الألمانية أنه حتى لو لم يكن رسلان نفسه يعذب ويغتصب، فإنه لم يمنع ضباط الأمن الآخرين من الإساءة للسجناء، وبالتالي يتحمل المسؤولية. ولقد رأينا هذا المبدأ أيضاً في محاكمات «نورمبيرغ» لمجرمي الحرب النازيين. ويتحمل الأسد ودائرته المسؤولية بموجب هذا المبدأ. كما لاحظت دمشق أن انشقاق رسلان لم يمنع إصدار الحكم عليه بالسجن مدى الحياة.
وسيكون رد الفعل داخل دمشق واضحاً للغاية: لتفادي المساءلة والسجن، سوف ترفض دمشق التنازلات أو المهادنات مثل ما تطالب به عقوبات «قانون قيصر» الأميركي، لأن القادة سيخشون أكثر من العدالة يوماً ما. ويجب أن نكون صرحاء ونقول الحقيقة: يسهل فهم ودعم الإصرار على تحقيق العدالة في الجرائم المرتكبة في سوريا، غير أن هذا الإصرار يجعل التوصل إلى حل سياسي تفاوضي للحرب أمراً مستحيلاً. ولن يستسلم الأسد والمقربون منه، ويقبلون بمحاكمات مثل «كوبلنز». إضافة إلى ذلك، لا يمكنهم تسليم بعض ضباطهم من المستوى الأدنى لمواجهة المحاكمات، لأنهم سيخاطرون بالتمرد داخل قواتهم الأمنية. والخيار الوحيد المتاح أمام الحكومة هو السيطرة الكاملة على بقايا سوريا والتهرب من العدالة. وقد رحب فريق الأمم المتحدة لحقوق الإنسان بقرار «كوبلنز»، ولكن ربما أدرك الفريق السياسي التابع للأمم المتحدة بقيادة غير بيدرسون، أن عملهم أصبح الآن أكثر صعوبة من أي وقت سابق.
لقد أصدر الرئيس الجزائري عبد العزيز بوتفليقة، عام 1999، عفواً عن قوات الأمن والجماعات الإسلامية المسلحة، وحتى عن الجماعات الإرهابية التي كانت مسؤولة عن الفظائع التي ارتكبت خلال الحرب الأهلية هناك. وقد وسع قاعدة العفو عام 2005، ومن السهل انتقاد بوتفليقة الآن. لقد مكث طويلاً في مقعد الرئاسة. كما تشكو منظمات حقوق الإنسان الغربية من أن العفو سمح للمسؤولين عن انتهاكات حقوق الإنسان في حرب الجزائر بالإفلات من العدالة. وهم محقون في ذلك. ولكن يجب علينا الاعتراف أيضاً بأن العفو ساهم في التخفيف من حدة القتال في الجزائر بعد سنوات من القتل والعنف الشديد. وتجدر الإشارة إلى أن الجيش الجزائري حقق نصراً عسكرياً في الحرب، لكنه طالب بعفو لحماية ضباطه قانونياً بعد ذلك.
بطبيعة الحال، من المستحيل تصور أن الحكومة السورية وقواتها الأمنية قد تثق في أي وقت مضى بعرض الحصانة أو تحترم العفو.
ولن يثق الأسد ومساعدوه أبداً بمصيرهم إزاء وعود الآخرين، ولا حتى من الرئيس الروسي بوتين أو المرشد الأعلى خامنئي. وبدلاً من ذلك، تقوم قوات الأمن باغتيال مقاتلي المعارضة المسلحة الذين وافقوا على المصالحة، لأن قوات الأمن تخشى ثورة أخرى ومواجهة العدالة في نهاية المطاف. أخيراً، فإن عناد الحكومة السورية وخوفها يتيحان لنا الفرصة للإفلات من الخيار الرهيب: بين المطالبة بالعدالة للجميع أو قبول تسوية سياسية تفاوضية لا بد أن تتضمن العفو.
الشرق الأوسط
لا شك في أن الرئيس الأسد واللواء حسام لوكا، مدير المخابرات العامة (وبالتالي الفرع 251 من بين مراكز أخرى) وضباط أمن سوريين آخرين، قد استمعوا لهذه الرسالة بوضوح. كما لاحظوا وجهين آخرين للقضية؛ أولاً، قررت المحكمة الألمانية أنه حتى لو لم يكن رسلان نفسه يعذب ويغتصب، فإنه لم يمنع ضباط الأمن الآخرين من الإساءة للسجناء، وبالتالي يتحمل المسؤولية. ولقد رأينا هذا المبدأ أيضاً في محاكمات «نورمبيرغ» لمجرمي الحرب النازيين. ويتحمل الأسد ودائرته المسؤولية بموجب هذا المبدأ. كما لاحظت دمشق أن انشقاق رسلان لم يمنع إصدار الحكم عليه بالسجن مدى الحياة.
وسيكون رد الفعل داخل دمشق واضحاً للغاية: لتفادي المساءلة والسجن، سوف ترفض دمشق التنازلات أو المهادنات مثل ما تطالب به عقوبات «قانون قيصر» الأميركي، لأن القادة سيخشون أكثر من العدالة يوماً ما. ويجب أن نكون صرحاء ونقول الحقيقة: يسهل فهم ودعم الإصرار على تحقيق العدالة في الجرائم المرتكبة في سوريا، غير أن هذا الإصرار يجعل التوصل إلى حل سياسي تفاوضي للحرب أمراً مستحيلاً. ولن يستسلم الأسد والمقربون منه، ويقبلون بمحاكمات مثل «كوبلنز». إضافة إلى ذلك، لا يمكنهم تسليم بعض ضباطهم من المستوى الأدنى لمواجهة المحاكمات، لأنهم سيخاطرون بالتمرد داخل قواتهم الأمنية. والخيار الوحيد المتاح أمام الحكومة هو السيطرة الكاملة على بقايا سوريا والتهرب من العدالة. وقد رحب فريق الأمم المتحدة لحقوق الإنسان بقرار «كوبلنز»، ولكن ربما أدرك الفريق السياسي التابع للأمم المتحدة بقيادة غير بيدرسون، أن عملهم أصبح الآن أكثر صعوبة من أي وقت سابق.
لقد أصدر الرئيس الجزائري عبد العزيز بوتفليقة، عام 1999، عفواً عن قوات الأمن والجماعات الإسلامية المسلحة، وحتى عن الجماعات الإرهابية التي كانت مسؤولة عن الفظائع التي ارتكبت خلال الحرب الأهلية هناك. وقد وسع قاعدة العفو عام 2005، ومن السهل انتقاد بوتفليقة الآن. لقد مكث طويلاً في مقعد الرئاسة. كما تشكو منظمات حقوق الإنسان الغربية من أن العفو سمح للمسؤولين عن انتهاكات حقوق الإنسان في حرب الجزائر بالإفلات من العدالة. وهم محقون في ذلك. ولكن يجب علينا الاعتراف أيضاً بأن العفو ساهم في التخفيف من حدة القتال في الجزائر بعد سنوات من القتل والعنف الشديد. وتجدر الإشارة إلى أن الجيش الجزائري حقق نصراً عسكرياً في الحرب، لكنه طالب بعفو لحماية ضباطه قانونياً بعد ذلك.
بطبيعة الحال، من المستحيل تصور أن الحكومة السورية وقواتها الأمنية قد تثق في أي وقت مضى بعرض الحصانة أو تحترم العفو.
ولن يثق الأسد ومساعدوه أبداً بمصيرهم إزاء وعود الآخرين، ولا حتى من الرئيس الروسي بوتين أو المرشد الأعلى خامنئي. وبدلاً من ذلك، تقوم قوات الأمن باغتيال مقاتلي المعارضة المسلحة الذين وافقوا على المصالحة، لأن قوات الأمن تخشى ثورة أخرى ومواجهة العدالة في نهاية المطاف. أخيراً، فإن عناد الحكومة السورية وخوفها يتيحان لنا الفرصة للإفلات من الخيار الرهيب: بين المطالبة بالعدالة للجميع أو قبول تسوية سياسية تفاوضية لا بد أن تتضمن العفو.
الشرق الأوسط