...
قبل صدور النفي، رجّح نائب وزير الخارجية الروسي انتصار المعارضة السورية ممثّلة بـ"الجيش الحرّ" مشيراً الى ان النظام يفقد السيطرة اكثر فاكثر على الارض. كان كلامه منطقياً، خصوصا بعدما اقترب الثوار من مطار دمشق وباتوا يهددون العاصمة نفسها، بما في ذلك الاحياء الراقية التي يقيم فيها اهل النظام...
لم تمض ساعات على توزيع كلام بوغدانوف، حتّى صدر نفي له عن وزارة الخارجية الروسية. أكّد النفي أن موقف موسكو من النظام السوري "لم يتغيّر ولن يتغيّر".
لماذا هذا الامعان الروسي في تضليل الاسد الابن. اليس في موسكو عاقل يدرك ان مثل هذا النفي سيجعل بشّار الاسد يتمسّك اكثر فاكثر بالحل العسكري من منطلق أنّه لم يستطع يوماً التمييز بين الواقع والتمنيات؟
يتمثّل الواقع في ما ورد على لسان بوغدانوف، في حين أن التمنيات تتمثل في أن موقف موسكو "لم يتغيّر ولن يتغيّر" على الرغم من التطورات التي تشهدها الارض السورية. وهذا يعني في طبيعة الحال أنّ لا تراجع روسيا عن الموقف المتذبذب الذي يدفع بشّار الاسد الى مزيد من العنف، في المواجهة مع الشعب السوري، من منطلق أن لديه غطاءً روسياً ودعماً ايرانياً لا حدود له...
كيف يمكن لموسكو التمسّك بموقفها من النظام السوري على الرغم من أن الوضع يتغيّر على الارض باعتراف نائب وزير الخارجية؟ لا جواب واضحاً عن هذا السؤال. كلّ ما يمكن قوله إن الموقف الروسي محيّر الى حدّ كبير ولا يمكن ادراجه الاّ في سياق المواقف المتخذة منذ قيام دولة اسرائيل في العام 1948. كان الاتحاد السوفياتي من بين اوائل الذين اعترفوا بتلك الدولة. جاء اعترافه بها قبل الولايات المتحدة. هذه حقيقة. بعد ذلك، لم يتردد الاتحاد السوفياتي في بيع العرب الاوهام. لم يصدر عنه يوماً اي موقف حازم من ارتكابات الانظمة العربية، بما في ذلك تلك التي طاولت الشيوعيين العرب الذين كانوا من ضحايا السياسة السوفياتية في المنطقة.
ابان الحرب الباردة، كان العداء للولايات المتحدة يتحكّم بالسياسة السوفياتية. بقي جمال عبدالناصر "بطلاً قومياً" و"مناضلاً" يقف في وجه الامبريالية على الرغم من ذبحه الشيوعيين العرب من الوريد الى الوريد...او تذويبهم بالاسيد، كما حصل مع القائد الشيوعي اللبناني فرج الله الحلو. اوقف الحلو في سوريا في فترة الوحدة المصرية السورية التي استمرّت بين 1958 و1961. الى الان لم يظهر له اثر من ايّ نوع كان.
لم يصدر عن الاتحاد السوفياتي اي موقف له قيمة تذكر، في ما يتعلّق بالشرق الاوسط والعرب، في اي يوم من الايام. كلّ ما صدر هو شعارت لا قيمة لها على ارض الواقع وكأنّ بيع السلاح الى مصر وسوريا والعراق وليبيا والسودان والجزائر واليمن اهمّ بكثير من دمّ الشيوعيين العرب وحقوق الانسان والحرية والعدالة والشعارات الاخرى التي كان يتشدّق بها الرفاق في موسكو.
انهار الاتحاد السوفياتي وقامت روسيا الاتحادية. لم يتغيّر شيء في موسكو. لم يصدر يوماً موقف من نظام ديكتاتوري ما بسبب حقوق الانسان او الديموقراطية، حتى عندما كان الامر يتعلّق بمناضل يساري او حزب صدّق في يوم من الايّام أن هناك مبادئ مشتركة تؤمن بها موسكو.
ما يفعله العرب حالياً هو عين الصواب. اتخذوا في اجتماع مراكش موقفاً مؤيداً للشعب السوري وداعماً له. انّهم يدركون أن لا امل بروسيا، مثلما أنه لم يكن هناك أي امل بالاتحاد السوفياتي الذي شارك، عن طريق النظام السوري، في توريط العرب، على رأسهم مصر والاردن، في حرب 1967 من دون أن يرفّ له جفن. لو اتكل انور السادات على نصائح ولم يطرد الخبراء السوفيات من مصر في العام 1972، لما كانت حرب تشرين 1973 ولكانت سيناء لا تزال الى الان محتلة، كما حال الجولان!
لا قيمة للموقف الروسي الاّ أذا اخذنا في الاعتبار ما يتعرّض له الشعب السوري على يد نظام امتهن الارهاب والابتزاز داخل سوريا وخارجها. كلّ ما يمكن أن يؤدي اليه الموقف الروسي هو اطالة عذابات سوريا والسوريين والمساهمة في تفكيك هذا البلد العربي المهمّ. ففي كلّ يوم يمرّ نرى مجموعات متطرفة، خصوصا في منطقة حلب، تلعب دوراً اكبر في السيطرة على مناطق سورية معيّنة تنفيذاً لاجندة لا تصبّ بالضرورة في مصلحة سوريا والسوريين والدولة المركزية.
هل تفكيك سوريا هدف روسي او هدف روسي- ايراني؟ مثل هذا السؤال مشروع في ضوء اصرار موسكو وطهران على اطالة عمر النظام السوري مع ما ينطوي عليه ذلك من اخطار مرتبطة بتقوية التيارات الدينية المتطرفة التي لا هدف لها سوى اخذ المجتمع السوري وسوريا الى مكان آخر لا علاقة له لا بالمؤسسات الديموقراطية ولا بحقوق الانسان....او بما هو حضاري في هذا العالم.
--------------------
المستقبل
قبل صدور النفي، رجّح نائب وزير الخارجية الروسي انتصار المعارضة السورية ممثّلة بـ"الجيش الحرّ" مشيراً الى ان النظام يفقد السيطرة اكثر فاكثر على الارض. كان كلامه منطقياً، خصوصا بعدما اقترب الثوار من مطار دمشق وباتوا يهددون العاصمة نفسها، بما في ذلك الاحياء الراقية التي يقيم فيها اهل النظام...
لم تمض ساعات على توزيع كلام بوغدانوف، حتّى صدر نفي له عن وزارة الخارجية الروسية. أكّد النفي أن موقف موسكو من النظام السوري "لم يتغيّر ولن يتغيّر".
لماذا هذا الامعان الروسي في تضليل الاسد الابن. اليس في موسكو عاقل يدرك ان مثل هذا النفي سيجعل بشّار الاسد يتمسّك اكثر فاكثر بالحل العسكري من منطلق أنّه لم يستطع يوماً التمييز بين الواقع والتمنيات؟
يتمثّل الواقع في ما ورد على لسان بوغدانوف، في حين أن التمنيات تتمثل في أن موقف موسكو "لم يتغيّر ولن يتغيّر" على الرغم من التطورات التي تشهدها الارض السورية. وهذا يعني في طبيعة الحال أنّ لا تراجع روسيا عن الموقف المتذبذب الذي يدفع بشّار الاسد الى مزيد من العنف، في المواجهة مع الشعب السوري، من منطلق أن لديه غطاءً روسياً ودعماً ايرانياً لا حدود له...
كيف يمكن لموسكو التمسّك بموقفها من النظام السوري على الرغم من أن الوضع يتغيّر على الارض باعتراف نائب وزير الخارجية؟ لا جواب واضحاً عن هذا السؤال. كلّ ما يمكن قوله إن الموقف الروسي محيّر الى حدّ كبير ولا يمكن ادراجه الاّ في سياق المواقف المتخذة منذ قيام دولة اسرائيل في العام 1948. كان الاتحاد السوفياتي من بين اوائل الذين اعترفوا بتلك الدولة. جاء اعترافه بها قبل الولايات المتحدة. هذه حقيقة. بعد ذلك، لم يتردد الاتحاد السوفياتي في بيع العرب الاوهام. لم يصدر عنه يوماً اي موقف حازم من ارتكابات الانظمة العربية، بما في ذلك تلك التي طاولت الشيوعيين العرب الذين كانوا من ضحايا السياسة السوفياتية في المنطقة.
ابان الحرب الباردة، كان العداء للولايات المتحدة يتحكّم بالسياسة السوفياتية. بقي جمال عبدالناصر "بطلاً قومياً" و"مناضلاً" يقف في وجه الامبريالية على الرغم من ذبحه الشيوعيين العرب من الوريد الى الوريد...او تذويبهم بالاسيد، كما حصل مع القائد الشيوعي اللبناني فرج الله الحلو. اوقف الحلو في سوريا في فترة الوحدة المصرية السورية التي استمرّت بين 1958 و1961. الى الان لم يظهر له اثر من ايّ نوع كان.
لم يصدر عن الاتحاد السوفياتي اي موقف له قيمة تذكر، في ما يتعلّق بالشرق الاوسط والعرب، في اي يوم من الايام. كلّ ما صدر هو شعارت لا قيمة لها على ارض الواقع وكأنّ بيع السلاح الى مصر وسوريا والعراق وليبيا والسودان والجزائر واليمن اهمّ بكثير من دمّ الشيوعيين العرب وحقوق الانسان والحرية والعدالة والشعارات الاخرى التي كان يتشدّق بها الرفاق في موسكو.
انهار الاتحاد السوفياتي وقامت روسيا الاتحادية. لم يتغيّر شيء في موسكو. لم يصدر يوماً موقف من نظام ديكتاتوري ما بسبب حقوق الانسان او الديموقراطية، حتى عندما كان الامر يتعلّق بمناضل يساري او حزب صدّق في يوم من الايّام أن هناك مبادئ مشتركة تؤمن بها موسكو.
ما يفعله العرب حالياً هو عين الصواب. اتخذوا في اجتماع مراكش موقفاً مؤيداً للشعب السوري وداعماً له. انّهم يدركون أن لا امل بروسيا، مثلما أنه لم يكن هناك أي امل بالاتحاد السوفياتي الذي شارك، عن طريق النظام السوري، في توريط العرب، على رأسهم مصر والاردن، في حرب 1967 من دون أن يرفّ له جفن. لو اتكل انور السادات على نصائح ولم يطرد الخبراء السوفيات من مصر في العام 1972، لما كانت حرب تشرين 1973 ولكانت سيناء لا تزال الى الان محتلة، كما حال الجولان!
لا قيمة للموقف الروسي الاّ أذا اخذنا في الاعتبار ما يتعرّض له الشعب السوري على يد نظام امتهن الارهاب والابتزاز داخل سوريا وخارجها. كلّ ما يمكن أن يؤدي اليه الموقف الروسي هو اطالة عذابات سوريا والسوريين والمساهمة في تفكيك هذا البلد العربي المهمّ. ففي كلّ يوم يمرّ نرى مجموعات متطرفة، خصوصا في منطقة حلب، تلعب دوراً اكبر في السيطرة على مناطق سورية معيّنة تنفيذاً لاجندة لا تصبّ بالضرورة في مصلحة سوريا والسوريين والدولة المركزية.
هل تفكيك سوريا هدف روسي او هدف روسي- ايراني؟ مثل هذا السؤال مشروع في ضوء اصرار موسكو وطهران على اطالة عمر النظام السوري مع ما ينطوي عليه ذلك من اخطار مرتبطة بتقوية التيارات الدينية المتطرفة التي لا هدف لها سوى اخذ المجتمع السوري وسوريا الى مكان آخر لا علاقة له لا بالمؤسسات الديموقراطية ولا بحقوق الانسان....او بما هو حضاري في هذا العالم.
--------------------
المستقبل