نظرا للصعوبات الاقتصادية التي رافقت الجائحة وأعقبتها اضطررنا لإيقاف أقسام اللغات الأجنبية على أمل ان تعود لاحقا بعد ان تتغير الظروف

الهدهد: صحيفة اليكترونية عربية بخمس لغات عالمية
الهدهد: صحيفة اليكترونية عربية بأربع لغات عالمية
عيون المقالات

الفرصة التي صنعناها في بروكسل

26/11/2024 - موفق نيربية

المهمة الفاشلة لهوكستين

23/11/2024 - حازم الأمين

العالم والشرق الأوسط بعد فوز ترامب

17/11/2024 - العميد الركن مصطفى الشيخ

إنّه سلام ما بعده سلام!

17/11/2024 - سمير التقي

( ألم يحنِ الوقتُ لنفهم الدرس؟ )

13/11/2024 - عبد الباسط سيدا*

طرابلس "المضطهدة" بين زمنين

13/11/2024 - د.محيي الدين اللاذقاني


استغلال تركيا وإيران وإسرائيل حرب أوكرانيا





شكّل التدخّل في سوريا تمدّداً روسياً لوراثة النفوذ الأميركي تدريجاً في الشرق الأوسط، وفي حين أن موسكو استخدمت دورها السوري لشراكات شتّى مع دول عربية في المنطقة، كذلك مع تركيا وإيران وإسرائيل، إلا أن بوصلتها الاستراتيجية ظلت متجّهة نحو الغرب، تحديداً أوكرانيا، ولم تقنع أو تقتنع بسوريا كـ "تعويض" عنها. فهناك كان يقلقها زحف حلف شمال الأطلسي الى حدودها، ومحاولته حصارها، وفرض عقوبات غربية عليها بعد ضمّها شبه جزيرة القرم (2014). أما في الشرق فلم تجد روسيا أي مصدر للقلق، وبعدما تعرّضت لتحدٍّ مبكرٍ من تركيا سارعت الى مقاطعتها وتهديدها، وسط صمت أطلسي وأميركي، وما لبثت أن احتوتها ثم مكّنتها، في إطار "تفاهم" مع الاميركيين، من انشاء منطقة نفوذ في شمال سوريا. هذا "التفاهم" مرّ بتقلّبات عدة ويدخل حالياً مرحلة تجاذب بفعل احتدام الصراع الأميركي - الروسي وسعي تركيا الى توسيع "المنطقة الآمنة" مستغلّةً رغبة الدولتين في استمالتها على خلفية حرب أوكرانيا.


 
لم تتأخّر روسيا، وسط انشغالها بترتيب انتشارها في سوريا (خريف 2015)، في الاتفاق على قواعد اللعبة مع إسرائيل، إذ منحتها بموجبه "حق التدخّل" تحديداً ضدّ الوجود العسكري الإيراني في سوريا. كان "أمن إسرائيل" نقطة التوافق الوحيدة المعلنة بين فلاديمير بوتين ودونالد ترامب (قمة هلسنكي 2018)، مع أن الرئيس الروسي كان يبحث عن تحريكٍ ما لملف الخلافات مع الأطلسي وعن تنازلاتٍ ما في ملف أوكرانيا، إلا أنه لم يجد لدى نظيره الأميركي استعداداً لتنفيذ وعود أطلقها خلال حملته الرئاسية وحاول فعلاً تنفيذها بالضغط على الشركاء الأوروبيين في "الناتو"، لكن غرق ترامب داخلياً في قضية التدخّل الروسي في الانتخابات الأميركية حال دون تطوير العلاقة بين واشنطن موسكو، اللتين حافظتا على "تفاهمات" في سوريا وغيرها، وأهمها التنسيق العسكري والاستخباري بين روسيا واسرائيل الذي يؤكّد الطرفان أنه مستمرّ على رغم المؤشرات الى احتمال تغيير في تطبيقاته، فثمّة جوانب غموض طرأت على علاقتهما بسبب حرب أوكرانيا.
لم تكن واضحة دائماً طبيعة الاتفاقات الى تحكم العلاقة بين روسيا وإيران في سوريا. حصلت خلافات ولم تتطوّر أو تصل الى حدّ الصدام، لكن معادلة "الجوّ للروس والأرض للإيرانيين" ظلّت سائدة واستطاعت تنظيم حركة الطرفين وعملياتهما واستقطاباتهما لقوات النظام. حرصت طهران على إشهار أن قاسم سليماني هو مَن أقنع موسكو بالضرورة الملحّة لتدخّلها، لأن سقوط نظام بشار الأسد يُسقط مصالحها إسوةً بما حصل في ليبيا، وتبيّن سريعاً أن التدخل الروسي شكّل مظلّة لتكثيف الوجود الإيراني ومضاعفة حجم الميليشيات الشيعية متعددة الجنسية الى جانب توسيع النفوذ الإيراني المدني في مناطق كحلب وحماة ساهم الروس في طرد المعارضة السورية منها. الأكثر التباساً كان تعايش الإيرانيين مع ضرب مواقعهم بتنسيق علني بين الروس والإسرائيليين، والأكيد أنهم نالوا في المقابل موافقات روسية على إقامة بنى عسكرية حصينة في مناطق عديدة بات اليوم أبرزها في الشمال الشرقي (على تواصل مع غرب العراق) كما في الجنوب ("كتائب الإمام" على تماس مع الإسرائيليين في الجولان). رفض الروس إقامة أي قاعدة إيرانية على ساحل المتوسّط، لكن المؤكد أنهم يجرون حالياً انسحابات من مناطق داخلية لا يلبث الإيرانيون أن يملأوا الفراغ فيها، بموافقة روسية. وقد أوضح سيرغي لافروف أنه "لم تعد هناك مهمات عسكرية لروسيا في سوريا".
دفع الحدث الأوكراني تركيا وإسرائيل وإيران الى محاولة تحسين مواقعها في الإقليم، إمّا باستغلال الانشغال الدولي بالأزمة الأكبر أو بالمراهنة على التغيير المفترض في حال استمرار الانكفاء الأميركي أمام "انتصار" روسيا، وبالتالي الصين:
تستعدّ تركيا لشن عملية جديدة في شمال سوريا، مستندة الى حاجة الاميركيين والروس إليها، وإلى خطّتها لإعادة مليون لاجئ سوري واسكانهم في "المنطقة الآمنة"، وهذه خطّة تتماشى عملياً مع الأهداف الدولية بعيدة المدى في سوريا لكن هذه الأهداف مرشّحة لأن تتغيّر، سواء لأن رفض الوجود الأميركي في الشمال الشرقي يجمع بين روسيا وإيران ونظام الأسد، كما أن الأطراف جميعاً تحاول اجتذاب ورقة الأكراد الذين يريدون الاحتفاظ بمناطق سيطرتهم ولا يثقون بأي طرف فيما يخشون أن يُتركوا وحدهم في مواجهة الأتراك.
أما إسرائيل فترى في الانشغال الدولي بأوكرانيا غطاءً مناسباً للذهاب أبعد في الضغط على الفلسطينيين، سواء بتوسيع مشاريع الاستيطان (آخرها التمهيد للاستيلاء على محمية عين العوجا الطبيعية في أريحا/ 22 دونماً) أو باستخدام القوّة لفرض سيادتها على أماكن العبادة والمقدسات في القدس، مقتربةّ باعتراف أعضاء يهود في الكنيست من تفجير "حرب دينية". وفيما تعارض إسرائيل إعادة إعمار ما دمّرته في غزة (حرب 2021) وتمعن في عنفها المفرط في أرجاء الضفة الغربية، فإنها تستجيب تقارب تركيا معها وتحاول الترويج لمشروع أمني ضد إيران بمشاركة "دول في المنطقة"، أي دول عربية، لكن مع استمرارها في تجاهل أصرار السعودية ومصر والأردن والاتحاد الأوروبي، وإلى حدّ ما الولايات المتحدة، على ضرورة معالجة "الجانب السياسي" من النزاع مع الفلسطينيين.
لم تترك إيران أي غموض يكتنف اصطفافها مع روسيا في أوكرانيا ومع الصين في تايوان وضد الغرب و"الشيطان الأكبر" الأميركي، وتعتبر أن رياح "النظام الدولي الجديد" تدفع باتجاه تحقيق أهدافها الاستراتيجية، وأهمها أن يكون لها موقع رئيسي في أمن المنطقة، بالاعتماد على ميليشياتها، وأن يُعترف بنفوذها في أربع دول عربية وأكثر. ساهمت حرب أوكرانيا في تأخير التوصّل الى الاتفاق النووي الجديد، وإذ تصرّ طهران على شروطها فإنها لم تعد متعجّلة إنجازه حتى لو بقيت العقوبات مفروضةً عليها. ومع الاحتجاز الأميركي لناقلة نفط إيرانية في اليونان وردّ "الحرس الثوري" باحتجاز ناقلتين يونانيتين في مياه الخليج، كذلك بعد اغتيال إسرائيلي مفترض لأحد ضباط "فيلق القدس" في طهران والهجوم على منشأة بارشين واستمرار الضربات الإسرائيلية في سوريا، ازدادت أخيراً مؤشّرات التصعيد في الشرق الأوسط. وطالما أن العقوبات لم ترفع فإن إيران تواصل تطوير قدراتها النووية، ما يعزّز احتمال تدخل عسكري ضدّها، بما قد يستجرّه من اشعالٍ لجبهات لبنان وسوريا مع إسرائيل، ومن اندفاع في
العراق وشمال شرقي سوريا الى "طرد الاميركيين"، ومن هجمات حوثية ضد السعودية أو غيرها من دول الخليج
------------
النهار االعربي .

عبدالوهاب بدرخان
الجمعة 3 يونيو 2022