الحملة الإيمانية التي أطلقتها الحكومة أول من أمس ذكرت العراقيين بحملة الحاج صدام حسين في التسعينات لكنّ الدوافع مختلفة طبعاً.سيعترض الأخوة الدولتقانونجيون بالقول :إنكم تدافعون عن السكارى ونشر الرذيلة في المجتمع، وهم يدركون أن المسألة أبعد بكثير من قنينة عرق وصحن مزة، الأمر يتعلق بهوية بلد،
ما نحن؟ ما العراق؟ هل هو دولة دينية؟ إذا كان الأمر كذلك فليعلنها الحاجّ الجديد صراحة ويريح ويستريح، ليقم بإلغاء الدستور ويضع آخر مكانه "يمكنه الاستعانة بالدستور الإيراني موقتاً" ويمكنه أيضاً أن يكيّف القوانين حسب هواه وهوى بطانته الأتقياء والعسكر الذين تذكروا اليوم أنهم مسلمون بعد عقود من السكر والعربدة، فالقانون مطاط كما قال الحجي صدام سابقاً، مقولة يتصرف الحُجاج الجدد اليوم بمقتضاها وإن لم يقولوها صراحة.
أول من أمس هجمت قواتنا الباسلة على البارات ومحال بيع الخمور، ربما للقضاء على آخر معاقل القاعدة، أو للردّ على موجة الاغتيالات التي تجتاح العراق طولاً وعرضاً، كسروا محتويات هذه المحال وأهانوا الروّاد وضربوهم وصادروا تلفوناتهم، كانوا باسلين ربما للتعويض عن تقاعسهم وتخاذلهم أمام الإرهاب من خلال الاستقواء على شبان مسالمين لم يحملوا يوماً سلاحاً ولم يهددوا أحداً.
يقال ـ وأنا أصدّق ذلك ـ إن القرار انطلق من إيران أو بضغط إيرانيّ، فجارتنا المسلمة تريد منذ زمن بعيد للعراق أن يكون سوقاً للحشيشة، وقد صبرت الجمهورية الإسلامية طويلاً على مزاج العراقيين المستعصي الكاره الدخان المقدس، فللعراقيين مزاج صعب، يكرهون التحشيش ولهم علاقة وثيقة مع السوائل التي كانوا أول من قدمها لآلهتهم لأنهم أول من صنعها، أجدادنا هم من صنعوا البيرة والعرق، ولا يمكن لنا أن نتقبّل هذا المزاج الفارسيّ المتولّه بالحشيشة والترياق فلهم في ذلك أدبيات وأعراف صار لها منحى دينيّ صوفيّ.
يراد للعراق أن يكون سوقاً لبضاعة جيراننا من الحشيشة، فكان لا بدّ من انطلاق حملة إيمانية تقضي على العرق "كم هو طريف أن كلمة عرق فيها ثلثا كلمة عراق"، وهكذا انطلقت الحملة.
الذين قرروا هذا القرار في حسبانهم أن إعلاميين وصحفيين وناشطين وساسة ليبراليين سيحجمون عن إدانة هذا الفعل المخزي لأنهم سيكونون محاصرين بضغط أخلاقي وعرفيّ يمنعهم من المدافعة عن "شوية سكارى يبولون على بعضهم كما عبر مرجع ديني كبير"، لكنّهم ينسون أن القرار غير قانونيّ وأن الأمر له مساس بالحريات العامة وأن الدستور لا يقرّه، وأننا لسنا دولة إسلامية، وأن الدولتقانونجيين الذين يحكموننا اليوم لا يريدون أن يؤسسوا دولة لا قانوناً.
صعب مستصعب أن تغيّر مزاج شعب بكامله، يمكن له أن تقسر عليه وتخيفه بوحش الطائفية فينتخبك مرة أو اثنتين، أو تمنعه من استماع الأغاني علناً .. لكن أن تحوّله قسراً إلى ثقافة شعب آخر، لمجرد أن يكون سوقاً لبضاعة مقدسة يصدرها لنا جيراننا الأقوى ، فلا أظن أن ذلك سيفلح.
هذه الحملة الإيمانية سيتذكرها العراقيون بعد سنوات باستهزاء يليق بها وبأصحابها كما نستذكر اليوم الحملة الإيمانية للزاهد المتقي صاحب الحفرة.
حتى من كان مثلي لا يفكر كثيراً بالشرب سيشرب اليوم، وسيكون شربه كسراً لقانون دولة القانون.
بصحتكم!