نظرا للصعوبات الاقتصادية التي رافقت الجائحة وأعقبتها اضطررنا لإيقاف أقسام اللغات الأجنبية على أمل ان تعود لاحقا بعد ان تتغير الظروف

الهدهد: صحيفة اليكترونية عربية بخمس لغات عالمية
الهدهد: صحيفة اليكترونية عربية بأربع لغات عالمية
Rss
Facebook
Twitter
App Store
Mobile



عيون المقالات

الفرصة التي صنعناها في بروكسل

26/11/2024 - موفق نيربية

المهمة الفاشلة لهوكستين

23/11/2024 - حازم الأمين

العالم والشرق الأوسط بعد فوز ترامب

17/11/2024 - العميد الركن مصطفى الشيخ

إنّه سلام ما بعده سلام!

17/11/2024 - سمير التقي

( ألم يحنِ الوقتُ لنفهم الدرس؟ )

13/11/2024 - عبد الباسط سيدا*

طرابلس "المضطهدة" بين زمنين

13/11/2024 - د.محيي الدين اللاذقاني


احمد جبريل ملاك الموت الفلسطيني الذي طاف على المخيم






جبريل يعتبر أول من ابتكر العمليات الانتحارية في الشرق الأوسط، حيث دفع الكثير من شباب فلسطين إلى تنفيذ عمليات واختطاف جنود إسرائيليين.



مات ولم يمت، هكذا تتناقل الوكالات أخبار أحمد جبريل الذي اختار لنفسه طريقاً فريدة منذ البداية، فلم يقبل أن يكون فلسطينيا وحسب، ولكنه أراد الاستفادة من كل منعطف في حياته، ليعيش المنعرج السوري بأكمله بدءاً من الرحم السورية التي حملت به، ومروراً بهجرة عائلته من قرية اليازور في ريف يافا في فلسطين إلى الجولان السوري بعد العام 1948، حيت نشأ وعاش كما فعل غيره من السوريين في سنوات الخمسينات، لينخرط في المؤسسة العسكرية، ويتخرج منها ضابطاً مثل الضباط البعثيين والناصريين اللذين اختطفوا الحياة المدنية والسياسية للشعب السوري منذ أول محاولة انقلاب شهدتها دمشق في العام 1949على يد حسني الزعيم وحتى اللحظة الراهنة.

تاجر السلاح

حين وقعت نكبة فلسطين في العام 1948 كان عمر أحمد جبريل عشر سنوات، قادته خطوات أهله النازحين ليدرس عند أخواله في مدارس القنيطرة السورية ويحصل على الثانوية التي خولته دخول الكلية الحربية في القاهرة في العام 1956، وليصبح بعد سنوات قليلة ضابطاً عاملاً في سلاح الهندسة في الجيش السوري بعد حصوله على الجنسية السورية، ولكنه لم يطل المقام في الجيش، فقد تم طرده منه بسبب فضيحة مالية، تم الكشف فيها عن قيامه بسرقة الأسلحة السورية وبيعها إلى جهات مختلفة في العام 1963.

في مصر الناصرية، كان جبريل قد رأى الحلم القومي، وثورة الجزائر وأدرك حاجة الأنظمة العربية وقتها إلى مشروع تدعمه وآخر تشكو منه، فأسس مع صديقه علي بشناق خلية عمل سمّاها جبهة التحرير الفلسطينية صابغاً إياها بالطابع القومي والتحرري واليساري، ثم انضم إلى تجمع أسسه المناضل الفلسطيني الراحل جورج حبش والذي سمّي وقتها الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين، فكانت مهمة جبريل فيها قيادة الجناح العسكري، وبعد طرده من الجيش السوري، تفرّغ لتأسيس أول انشقاق في جبهة جورج حبش، ليطلق على تنظيمه اسم “الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين ـ القيادة العامة” التي رأت النور في العام 1968.

ابتكار العمليات الانتحارية

اكتشف جبريل بحكم قربه من العقلية العسكرية التي سادت الجيش السوري في تلك السنوات، أن الكوادر الحزبية ليست ذات قيمة كبيرة، وأنه من الأفضل إعدادها لتكون وقوداً للثورة، حتى لو تمت التضحية بها، وبدءاً من العام 1965 بدأ أحمد جبريل بتطبيق أشد أنواع التدريبات قسوة في تاريخ النضال الفلسطيني، وتم الإعلان عن تأسيس جبهة جبريل الأولى بعد أربعة أشهر من انطلاق “حركة فتح” التي حاول الانضمام إليها ولكن طبيعته الدموية وذهنية القيادات الفلسطينية التي قادت العمل الثوري حينها لم تتوافقا، فابتعد كثيراً وقرّر العمل وحيداً في بناء علاقاته مع الأنظمة وأجهزة المخابرات العربية والدولية.

تم دفع الكثير من شباب فلسطين وشاباتها إلى تنفيذ عمليات انتحارية، وعمليات اختطاف للجنود الإسرائيليين لمبادلتهم وقبض الثمن، ومنها عملية الجليل التي أسر فيها جبريل ثلاثة جنود إسرائيليين وطالب بمبادلتهم بأكثر من ألف فلسطيني منهم الشيخ أحمد ياسين مؤسس حركة حماس.

وكانت إحدى أشهر العمليات حين قامت مجموعة من مقاتلي الجبهة الشعبية (مكونة من سوري وعراقي وفلسطيني) بالتسلل إلى مستعمرة كريات شمونة (الخالصة) في الجليل الأعلى شمال إسرائيل في أبريل 1974 وقاموا باختطاف مدنيين إسرائيليين والمطالبة بتحرير أسرى فلسطينيين، وعند المواجهة مع القوات الإسرائيلية قام المقاتلون الثلاثة بتفجير أنفسهم مع الرهائن بالأحزمة الناسفة مما أدى إلى مقتل المقاتلين الثلاثة ومعهم نحو 20 إسرائيليا.

وقد نفذت مجموعات جبريل عمليات عديدة بالتنسيق مع المخابرات الإيرانية وبتمويل مباشر منها، مثل عملية نسف سينما رويال في حيفا وتفجيرها حيث وقع الأسير الأول للجبهة بيد قوات الاحتلال سمير درويش، والذي تم تحريره بعملية النورس في العام 1979، وقتل أثناء اجتياح لبنان في العام 1982. وتذكر التقارير أن بعض تلك العمليات كان بدعم من الاستخبارات الإسرائيلية نفسها والتي كان همها الأكبر في ذلك الوقت إبراز صورة الجبهة الشعبية والظهور بموقع المعتدى عليها.

حرب المخيمات والفنادق

شارك أحمد جبريل في حرب المخيمات الفلسطينية في لبنان وقصف المخيمات بصواريخ بتعليمات من مخابرات حافظ الأسد، وقام الأسد بمكافأته مع عدد من قيادات الفصائل الفلسطينية التي انشقت عن قيادة ياسر عرفات، فقدّمت لهم المعسكرات في سوريا، وتم تشكيل وحدات عسكرية نظامية ينخرط فيها الشباب الفلسطيني في خدمة إلزامية بالتعاون مع اللواء طارق الخضراء قائد جيش التحرير الفلسطيني الذي كان غطاء لتلك الفصائل المنضوية تحت قيادة الأسد.

أمر أحمد جبريل بتنفيذ عمليات ذات طبيعة قتالية أقرب إلى عمل العصابات، وهي التي عرفت في لبنان بحرب الفنادق، حين تمكنت فيها الجبهة الشعبية من السيطرة على منطقة الفنادق في بيروت لينتقل بعدها إلى القتال إلى جوار الجيش السوري والمجموعات الفلسطينية التي حاربت حركة فتح وياسر عرفات، في ما عرف بحرب طرابلس في العام 1983 مع المنشقين عن فتح..

تحرير فلسطين على أرض سوريا

أقام النظام السوري لجبريل مواقع عسكرية عديدة، في ريف العاصمة دمشق، كان الهدف منها، التحوّل إلى ميليشيات لحماية النظام ذاته، ولتنفيذ العمليات الاستخباراتية في التوقيتات المناسبة، لإدارة الصراع مرة بالسلم ومرة بالضرب بالأيدي الخفية، وبهيمنة الأسد على لبنان بعد طرد حركة فتح وياسر عرفات عبر البحر، ومنح الجيش السوري لجبريل مساحات واسعة لتشكيل قواته والاستمرار في تعزيز النفوذ السوري على لبنان، كما في منطقة الناعمة (جنوب بيروت) مع معسكرين في قوسايا في جبال السلسلة الشرقية للبنان في منطقة البقاع الأوسط وفي منطقة السلطان يعقوب في البقاع وتأتي هذه المقرّات تحت علم وحماية حزب الله، بينما تتوسع معسكرات جبريل أكثر في سوريا لتصل إلى معسكرات قرب الحدود الأردنية، وتم دعم جبريل مالياً وعسكرياً وسياسياً فأسس في قلب العاصمة دمشق وفي مخيم اليرموك الفلسطيني “مجمع الخالصة” التربوي والتعليمي ليكون مقراً منفصلاً للقيادة العامة ولجبريل وقواته.

عتاد جبريل

يعتبر تنظيم جبريل من أكثر الميليشيات العسكرية العقائدية التي تتبع في الولاء مباشرة إلى طهران وحزب الله، وبفضل التسهيلات السورية فقد بلغ تسليح الجبهة مستوى عالياً يتراوح ما بين السلاح الخفيف والمتوسط والثقيل، مثل مدافع من عيار 155 ملم وراجمات صواريخ “غراد” وصواريخ مضادة للدبابات والأفراد. وفي الوقت الذي كان جبريل يبني عتاده العسكري ذاك، كان قد كلّف ابنه جهاد جبريل بالإشراف على التسليح، وقد لقي الابن مصرعه في العام 2002، ليتهم جبريل الموساد الإٍسرائيلي باغتيال نجله، بينما أشارت المعلومات حينها إلى أن المخابرات السورية ومافيا الفساد أرادت إرسال رسالة واضحة وبليغة إلى أحمد جبريل بألاّ يلعب خارج الحدود المرسومة له مالياً وعسكرياً.

حرب جبريل ضد الفلسطينيين

لم يكن صعباً على أحمد جبريل الانتقال من العلمانية التي رفعها شعاراً في الماضي، إلى الجهاد الإسلامي، ومبايعة خالد مشعل علناً على الولاء والطاعة تحت راية حماس، تلك البيعة التي خلعها بعد أن ابتعدت حماس عن المعسكر الإيراني بعد العام 2011، وتركت مقراتها في دمشق، ودعمت الثورة السورية.

ولكن جبريل لم يفقد إيمانه فقد قدّم ولاءه من جديد لراية بشار الأسد والولي الفقيه في طهران ومعهما حسن نصرالله، وبدأ بشن حربه العنيفة ضد السوريين بالتنسيق مع الجيش السوري وكانت مناطق كثيرة تشكو من اجتياح ميليشيات أحمد جبريل لها، مثل مدينة دير الزور وحمص ودرعا، وحين تحركت المخيمات الفلسطينية في جنوب دمشق، وتعاطفت مع ثورة الشعب السوري، واعتبرت أنها جزء من تلك المطالب التي رفعها السوريون، وقمعت وعوقبت واعتقلت بالطريقة ذاتها، وسقط منها الشهداء في أكثر من موقع، فتح عليها أحمد جبريل النار، وبدأ بتطبيق السياسة التي طبقها الشبّيحة والمخابرات السورية على الفلسطينيين في مخيمات اليرموك وفلسطين والتضامن، تلك الأحياء التي أحالها جبريل حطاماً وحاصرها ومنع دخول الماء والمواد الغذائية إليها طيلة أكثر من سنة.

الهجوم على جبريل في المخيم

ولكن تمرّد الفلسطينيين كان وصل خط اللاّعودة، فشن مقاتلون منهم بالتعاون مع مقاتلين من الجيش الحر هجوماً تلو الآخر ضد مجمع الخالصة في مخيم اليرموك، في الوقت الذي كان المخيّم يشهد حصول انشقاقات داخل الجسم العسكري للقيادة العامة لجبريل، إضافة إلى بروز مجموعات مسلحة موالية للحراك السوري داخل المخيّم، فحاصر أكثر من ألفي فلسطيني من أبناء مخيم اليرموك مجمع الخالصة، وكان أحمد جبريل بين المحاصرين وقاموا بإحراق رمز الميليشيا الجبريلية تماماً، مما أثار غضب جبريل، فقرر معاقبة المخيم بتدميره بالكامل وتجويع شعبه بالحصار والاعتقالات والحرمان من المواد الإسعافية والغذائية.

ولكن جبريل اليوم فقد الكثير من قواته، شأنه شأن بشار الأسد وحسن نصرالله، في الحرب الطويلة ضد الشعب السوري، فتم قتل المسؤول العسكري العام للجبهة الشعبية في لبنان، أبو النوارس، في مخيم اليرموك، وهو عميد ركن تخرّج في الكلية العسكرية الليبية، ويعتبر أحد أبرز مهندسي عمليات تهريب السلاح إلى غزة، وتمت إصابة أبي راتب، مسؤول الجبهة الأمني في لبنان.

انتشر خبر إصابة أحمد جبريل في العمليات العسكرية الأخيرة في دمشق، وقيل إنه تعرّض للاغتيال على يد أقرب المقربين إليه، وقيل إنه في موت سريري، بينما نفت الجبهة الشعبية تلك الأخبار جملة وتفصيلا، إلا أن موت صورة المقاوم الذي مثّلها أحمد جبريل كان أكثر بلاغة من موت جسده، وكان قد مرّ وقت طويل على تشييع تلك الصورة قبل الانحدار الأخير إلى الحرب ضد الشعب الفلسطيني ذاته الذي خرج جبريل مدعياً تشكيل جبهة لتحريره وتحرير أرضه.
-----------
العرب


إبراهيم الجبين
الجمعة 29 غشت 2014