نظرا للصعوبات الاقتصادية التي رافقت الجائحة وأعقبتها اضطررنا لإيقاف أقسام اللغات الأجنبية على أمل ان تعود لاحقا بعد ان تتغير الظروف

الهدهد: صحيفة اليكترونية عربية بخمس لغات عالمية
الهدهد: صحيفة اليكترونية عربية بأربع لغات عالمية
عيون المقالات

الفرصة التي صنعناها في بروكسل

26/11/2024 - موفق نيربية

المهمة الفاشلة لهوكستين

23/11/2024 - حازم الأمين

العالم والشرق الأوسط بعد فوز ترامب

17/11/2024 - العميد الركن مصطفى الشيخ

إنّه سلام ما بعده سلام!

17/11/2024 - سمير التقي

( ألم يحنِ الوقتُ لنفهم الدرس؟ )

13/11/2024 - عبد الباسط سيدا*

طرابلس "المضطهدة" بين زمنين

13/11/2024 - د.محيي الدين اللاذقاني


احتجاجات الشمال: افتقاد الشرعية وفقدان الأمل




لم تكن الاحتجاجات الشعبية مساء الجمعة الأولى من حزيران الجاري في الشمال السوري وما رافقها من أحداث مؤسفة، سوى تحطيم لرأس جبل الجليد متمثلاً بشركة الكهرباء والمجلس المحلي، فالمؤسستان إحداهما عامة والأخرى خاصة، وهما تمثلان نمط العلاقات الاقتصادية الراهنة هناك، والقائمة على نوع من الزواج بين المال والسلطة، ومن نافلة القول أن ذلك الزواج في ظل غياب سيادة القانون هو -بلا شك- زواج غير مشروع، وهو بالضبط أحد مسبِّبات ثورة الحرية والكرامة التي انطلقت في 2011 ووصلت إلى مرحلة حُشر فيها الثوار في رقعة صغيرة من سورية وتم تقييدهم وتكبيلهم بإرادات ومصالح دولية ترفع شعار الاستقرار وتجميد الصراع، من دون أيّ أُفُق واضح للحل السياسي.


 
القصة ليست قصة كهرباء وخدمات على ضرورتها وأهميتها، ولكنها قصة فسادٍ مستشرٍ ومحسوبيات وتفاوُت حادّ بمستوى الدخل بين معدوم تماماً للشريحة الأكبر من المهجَّرين (تحت خط الفقر بمراحل)، وأخرى واسعة عند خط الفقر، وأقلية صغيرة من المتنفذين والمنتفعين الذين تظهر عليهم علامات الثراء الفاحش غير المشروع، والمتنفذون والمنتفعون هما طرفَا عقدِ الزواج ذاك. ولعل التعاطي السلبي والتعالي المستمر على مطالبات الشارع وفقدانه للأمل والثقة بالمعنيين هو ما دفعه للانتفاض الغاضب والصراخ بوجه الجميع: نحن هنا.
وإن أردنا الغوص أكثر في الأسباب والمسببات، فسنجد أن الفساد والمحسوبية سببها غياب العدالة بمعناها القانوني، قبل الاجتماعي، فالقيادات الفصائلية والدوائر المقربة منها فوق القانون والقضاء والذي لا يُنفَّذ إلا على الضعفاء ومَن لا ظهر لهم، ولا أدلّ على ذلك من ظهور العديد من اللجان ليس لفض النزاعات الفصائلية وحَسْب، وإنما لرد المظالم، والإصلاح، وأخيراً الدخول على خط موضوع الكهرباء على الرغم من وجود مؤسسة للقضاء، وهو ما يعني أن المستويات القيادية للفصائل وكبار المتنفذين تتمنع على النزول تحت سقف القانون، وتتأبَّى الخضوع للقضاء فتلتفّ على الأمر من خلال القبول بلجان الصلح التي لا تستطيع المساءلة والمحاسبة، وهذا بدوره سبب أساسي في ضعف الثقة بالقضاء وفقدان هيبته. بل لا يخفى أن أولئك المستبدين الجدد هم شركاء مضاربون مع الشركات التجارية إنْ لم يكونوا أصحابها الفعليين، ويضعون يدهم بشكل مباشر أو غير مباشر على كل المرافق الاقتصادية حتى وصل الأمر إلى إيجار البيوت والمحلات التي يضعون أيديهم عليها بل وبيع بعضها بيع فروغ، وكل ذلك ينعكس سلباً من النواحي المادية والمعنوية على المقيمين والمهجرين على حد سواء.
وليس من الغريب تحميل الطرف التركي المسؤولية عن تغطية ذلك النوع من الفساد والاستبداد وبالتالي حرف الأنظار عن سبب المشكلة إلى أعراضها وظواهرها، إذ ليست أسعار الكهرباء وحدها مَا أثقلت كاهل المواطن، خاصة مع إضعاف دور المؤسسات الحكومية وأولها القضاء وقُوى الأمن الداخلي مع تغييب كامل لدور الحكومة المؤقتة لصالح الوُلاة والمنسقين الأتراك.
لقد دقت الأحداث الأخيرة ناقوس الخطر بوجوب مراجعة أخطاء إدارة المحرَّر معالجة جذرية لا تجميلية أو ترقيعية، لقطع الطريق على المتربصين الذين لا يروق لهم رؤية المناطق المحررة بحالة متميزة من الاستقرار والحكم الرشيد، وما أكثرهم.
ولا ينبغي أن تبقى المناطق المحرَّرة -والتي يسعى الراعي التركي أن تكون آمنة- رهينةً للتفاهُمات والتوافُقات مع الروس وغيرهم، والتي يبدو أن مضمونها منع قيام أي نموذج حَوْكميّ في المناطق المحررة ينازع النظام الأسدي الشرعية، وإنما إدارة تسيير أعمال بإشراف تركي مباشر أو شِبه مباشر، بانتظار الحل النهائي الذي من الواضح أنه ليس قريباً.
إن الاستقرار الأمني وَحْدَه لا يولد الاستقرار، بل يتطلب حدّاً أدنى من الاستقرار الاقتصادي، وهذا لا يتحقق من دون قطع دابر الفساد الإداري والمالي، وذلك لا يكون من دون عدالة ومحاسبة، وتحقيق العدالة يتطلب سيادة القانون، وسيادة القانون تتطلب وجود القانون الأَسْمَى وهو الدستور، ولعل الحديث عن سيادة القانون في غياب الدستور ليس سوى نوع من الترف النظري.
من هنا فإن المعالجة الجذرية للمشاكل من خلال الحَوْكَمة ومعاييرها، تتطلب وجود الدستور الناظم للسلطات واختصاصاتها وصلاحياتها وعلاقتها ببعضها، وتطبيق ذلك الدستور فعلياً في المناطق الخارجة عن سيطرة النظام. ولعل معالجة كل الفشل الإداري والسياسي والأمني يبدأ من حلّ أزمة المشروعية من خلال اعتماد دستور تُبنَى بموجبه السلطات التشريعية والتنفيذية والقضائية، وبالتالي تصبح إمكانية تطبيق مبدأ سيادة القانون واقعية وفعلية وليست نظرية ومَحْض أقوال مرسَلة.
ومن نافلة القول أن دستور النظام لعام 2012 لا يمكن تطبيقه في المناطق الخارجة عن سلطته نظراً لعدم مشروعيته أولاً، ونظراً لعدم إمكانية تطبيق الكثير من القوانين التي يُصدرها النظام مستنداً إلى مبدأ المشروعية الدستورية، فإذا تحدثنا عن سيادة قانون في المناطق المحرَّرة فذلك يعني نظرياً وعملياً، الالتزامَ بدستور الأسد وهذا يتنافى تماماً مع منطق الثورة، وذلك يعني، مثلاً، تطبيق قوانين الجرائم الإلكترونية والعفو الصادرة مؤخراً عن نظام الأسد وإلا فهنالك خرق لمبدأ سيادة القانون الذي نتبنّاه، ومُؤدَّاه الاعتراف الضمنيّ بشرعية نظام الأسد وأحقيّته بالسيطرة على الشمال.
سيقول البعض هنا: إن هذه هي مهمة اللجنة الدستورية. وذلك البعض يدرك يقيناً أن المسار الدستوري لن يؤدي إلى هذه النتيجة لسنوات طويلة قادمة، ولا يُعقل أن يبقى ملايين السوريين تحت رحمة عطالة اللجنة الدستورية وسلطات الأمر الواقع طيلة تلك السنوات، علاوة على أن تلك السلطات لا مصلحة لها بزوال مبرر وجودها من خلال ظهور سلطة تتمتع بالشرعية والمشروعية، فمثل تلك السلطة تسحب البساط من تحت سلطات الأمر الواقع جميعها، بما فيها سلطة الأسد، وتحقق الانتقال السياسي بشكل فعلي وتضع حدّاً للمأساة السورية.
ونظراً لصعوبة -وربما استحالة- تشكيل جمعية وطنية تأسيسية لوضع دستور للبلاد فلا خيار سوى اعتماد دستور 1950 كدستور مؤقت انتقالي يسري في المناطق الخارجة عن سلطة الأسد ويسري في المرحلة الانتقالية، وبموجبه يتم إنتاج برلمان وحكومة وقضاء مستقل ومؤسسات أمنية وعسكرية مهنية وتحت سقف القانون والدستور، وتطبيق كل ذلك عملياً في المناطق المحرَّرة. من هنا يبدأ الحل ليس لمشكلات المناطق المحررة وحسب، وإنما يفتح الباب لحل المشكلة السورية برمتها من خلال بناء نموذج حَوْكميّ يتسم بالقبول الشعبي ويستند إلى دستور سوري بامتياز وبالصفة المؤقتة.
وههنا سيقول البعض أيضاً: إن هذا الطرح سيفتح الباب على تقسيم سورية إلى إقليمين شمال وجنوب، أو أكثر. ورغم وجاهة التحفظ إلا أن التمسك اللفظي بشعارات وحدة سورية وسيادتها، والتي تطلقها أيضاً الدول المتدخّلة عقب كل اجتماع، لن يحل المشكلة الراهنة المتمثلة بانهيار الدولة السورية وتقسيمها إلى مناطق نفوذ دولية، ولا يغير من واقع التقسيم الفعلي القائم، ولعل استعادة الدولة -ولو تغيَّر شكلها- أولى من الحفاظ على وضعية الدولة المنهارة الحالي، ولنا في ألمانيا الحالية عِبرة حيث مرت بمرحلة ألمانيتين بعد الحرب وانهيار الدولة، ثم ما لبثت أن استعادت وحدتها عندما حطم شعبها جدار برلين العاصمة.
إن الاحتكام إلى أحكام دستور الاستقلال الذي وضعه الآباء المؤسِّسون من خلال جمعية تأسيسية منتخبة، يتطلب التبني من الحليف التركي والحلفاء العرب والدوليين، وقبل ذلك إرادة شعبية وثورية تفرض ذلك الخيار على الجميع؛ لأن فيه مصلحة السوريين والأتراك والمنطقة والمجتمع الدولي عموماً، ولعل أكبر العقبات في وجه هذا الطرح هو سلطات الأمر الواقع جميعها وأَدْعِياء تمثيل الشعب السوري من مختلف الأطراف ومَن وراءهم من دول، والذين تلتقي مصالحهم عند بقاء الحالة السورية في وضعية اللاحَلّ.
---------
نداء بوست

محمد دحلا
الثلاثاء 7 يونيو 2022