وهؤلاء الأخيرون، إذا ما نُظِر إليهم كجماعة من جماعات النظام الطائفي، قد هُمِّشت حصصهم خلال الحقبة السوريّة، إلّا أنّ رغبتهم في الخروج من التهميش اتّخذت منذ خروج الجيش السوري من لبنان أشكالاً غير مشجّعة. فإذا نظرنا إلى مواقف قادتهم في 8 و14 آذار، إضافة إلى مواقف الكنيسة، أمكننا العثور على الآتي:
ـــــ رفض اعتماد النسبيّة في قانون الانتخاب لأنّ بطريرك الموارنة يراها معقّدة وغير مفهومة.
ـــــ الضرب باستقلاليّة القضاء عرض الحائط، لاستصدار عفو عن قائد قيل إنّه سُجن زوراً.
ـــــ استعادة المشاعر العنصريّة ضدّ الفلسطينيّين، لأنّ التنافس على الزعامة المسيحيّة يقتضي تسعير هذا الخطاب.
ـــــ صبّ جام الغضب على الطائفة السنيّة أو الشيعيّة باعتبار إحداهما مسؤولة عمّا لحق بالطائفة المسيحيّة من ضرر.
ـــــ الدعوة إلى انتخاب كلّ طائفة ممثّليها ليتحوّل نوّاب الأمّة إلى نوّاب الطائفة.
ـــــ مكافحة حقّ أساسيّ من حقوق المرأة، أي رفض إعطائها حق منح الجنسيّة اللبنانيّة لأبنائها، لأنّ حقاً كهذا على ما يبدو ليس إلا اسماً مستعاراً لشبح التوطين.
ـــــ العودة إلى القرون الوسطى عبر تلويح مطران جليل بمحاكم التفتيش وإلقاء الحرم، الكبير والصغير.
ـــــ الغيرة من الطوائف الأخرى التي توحّدت خلف قيادة واحدة، حتّى غدا طموح المسيحيّين البحث عن وليد جنبلاط «كريتيان».
يمكن الاستفاضة بأمثلة شبيهة. وليس المقصود هنا طبعاً إلقاء اللوم على طائفة واحدة، وخصوصاً أنّها الطائفة الأقلّ تأثيراً، فيما سائر الطوائف لم تقصّر في جرّ البلاد إلى ما لا تُحمَد عقباه. لكن إذا كان هذا هو خطاب الأقليّات الذي تسعى عبره إلى فرض وجودها، وهذا هو الخطاب الذي يُفترض أن يساهم في كسر حدّة الخلاف السنّي ـــــ الشيعي، فإنّ ذلك لا يبشّر بالخير لا للمسيحيّين ولا لسواهم.
فلنعُدْ إلى تقسيمات الدوحة، ولنراقب ما يحدث في الأشرفيّة مثلاً. توحي متابعة تصريحات المرشّحين عن تلك الكيلومترات المربّعة الصغيرة كما لو أنّنا نتحدّث عن لينينغراد إبّان الحرب العالميّة الثانية. فكرم الزيتون، بحسب المرشّح نديم الجميّل، هو «كرم الحريّة وكرم الأبطال»، وبات للأشرفيّة «حقيقة» خاصّة سيسعى الجميّل لضمان حسن تمثيلها. لكنّ صفات البطولة التي أغدقت على الأشرفية، لم تمنع مرشّحاً آخر، هو اللواء عصام أبو جمرة، من التذكير بأنّه هو مَن سهر خلال تولّيه حقائب وزارية في الحكومة الانتقالية نهاية الثمانينيات، من أجل تركيب قسطل مياه. أمّا المرشّحة نايلة تويني، فتستنكر أن يترشّح عن الأشرفيّة من لا يثبت فحص دمه أنّه ينتمي إلى العرق الأشرفيّ.
هذه عيّنة من نقاش ينسحب على دوائر أخرى، لكنّه بدأ في الأشرفيّة حيث توضّحت مبكراً معالم المعركة وأسماء المرشّحين. لكن لا يستغربنّ أحد إذا ما أصبح لكلّ زاروب في لبنان عصبيّته التي ترفض أن ينال منها «الغريب»، والغريب هنا ليس ابن جنسيّة أخرى، أو ابن طائفة أخرى، بل ابن الشارع الآخر. فلا ينبغي أن ننسى أنّ بعض القادة المسيحيّين لم يرقهم قانون الستّين، لأنّهم يفضّلون الدوائر المصغّرة، أي إنّ دوائر قانون الستّين ليست صغيرة بما يكفي لتلبية طموحاتهم الكبيرة.
قيل سابقاً إنّ اتفاق الدوحة علّق الحياة السياسيّة في لبنان. قيل أيضاً إنّ الانتخابات النيابيّة المقبلة مفصليّة. الواقع أنّ الانتخابات مفصليّة، لكن ليس بسبب هويّة الرابحين والخاسرين، بل بسبب الاتّكال عليها لفرط عقد الكتلتين الكبريين. من دون هذا الانفراط، لن تبقى الحياة السياسيّة معلّقة وحسب، بل ستنتهي تماماً، ولنا في المنطقة أمثلة على ذلك.
--------------------
خالد صاغية - الأخبار
ـــــ رفض اعتماد النسبيّة في قانون الانتخاب لأنّ بطريرك الموارنة يراها معقّدة وغير مفهومة.
ـــــ الضرب باستقلاليّة القضاء عرض الحائط، لاستصدار عفو عن قائد قيل إنّه سُجن زوراً.
ـــــ استعادة المشاعر العنصريّة ضدّ الفلسطينيّين، لأنّ التنافس على الزعامة المسيحيّة يقتضي تسعير هذا الخطاب.
ـــــ صبّ جام الغضب على الطائفة السنيّة أو الشيعيّة باعتبار إحداهما مسؤولة عمّا لحق بالطائفة المسيحيّة من ضرر.
ـــــ الدعوة إلى انتخاب كلّ طائفة ممثّليها ليتحوّل نوّاب الأمّة إلى نوّاب الطائفة.
ـــــ مكافحة حقّ أساسيّ من حقوق المرأة، أي رفض إعطائها حق منح الجنسيّة اللبنانيّة لأبنائها، لأنّ حقاً كهذا على ما يبدو ليس إلا اسماً مستعاراً لشبح التوطين.
ـــــ العودة إلى القرون الوسطى عبر تلويح مطران جليل بمحاكم التفتيش وإلقاء الحرم، الكبير والصغير.
ـــــ الغيرة من الطوائف الأخرى التي توحّدت خلف قيادة واحدة، حتّى غدا طموح المسيحيّين البحث عن وليد جنبلاط «كريتيان».
يمكن الاستفاضة بأمثلة شبيهة. وليس المقصود هنا طبعاً إلقاء اللوم على طائفة واحدة، وخصوصاً أنّها الطائفة الأقلّ تأثيراً، فيما سائر الطوائف لم تقصّر في جرّ البلاد إلى ما لا تُحمَد عقباه. لكن إذا كان هذا هو خطاب الأقليّات الذي تسعى عبره إلى فرض وجودها، وهذا هو الخطاب الذي يُفترض أن يساهم في كسر حدّة الخلاف السنّي ـــــ الشيعي، فإنّ ذلك لا يبشّر بالخير لا للمسيحيّين ولا لسواهم.
فلنعُدْ إلى تقسيمات الدوحة، ولنراقب ما يحدث في الأشرفيّة مثلاً. توحي متابعة تصريحات المرشّحين عن تلك الكيلومترات المربّعة الصغيرة كما لو أنّنا نتحدّث عن لينينغراد إبّان الحرب العالميّة الثانية. فكرم الزيتون، بحسب المرشّح نديم الجميّل، هو «كرم الحريّة وكرم الأبطال»، وبات للأشرفيّة «حقيقة» خاصّة سيسعى الجميّل لضمان حسن تمثيلها. لكنّ صفات البطولة التي أغدقت على الأشرفية، لم تمنع مرشّحاً آخر، هو اللواء عصام أبو جمرة، من التذكير بأنّه هو مَن سهر خلال تولّيه حقائب وزارية في الحكومة الانتقالية نهاية الثمانينيات، من أجل تركيب قسطل مياه. أمّا المرشّحة نايلة تويني، فتستنكر أن يترشّح عن الأشرفيّة من لا يثبت فحص دمه أنّه ينتمي إلى العرق الأشرفيّ.
هذه عيّنة من نقاش ينسحب على دوائر أخرى، لكنّه بدأ في الأشرفيّة حيث توضّحت مبكراً معالم المعركة وأسماء المرشّحين. لكن لا يستغربنّ أحد إذا ما أصبح لكلّ زاروب في لبنان عصبيّته التي ترفض أن ينال منها «الغريب»، والغريب هنا ليس ابن جنسيّة أخرى، أو ابن طائفة أخرى، بل ابن الشارع الآخر. فلا ينبغي أن ننسى أنّ بعض القادة المسيحيّين لم يرقهم قانون الستّين، لأنّهم يفضّلون الدوائر المصغّرة، أي إنّ دوائر قانون الستّين ليست صغيرة بما يكفي لتلبية طموحاتهم الكبيرة.
قيل سابقاً إنّ اتفاق الدوحة علّق الحياة السياسيّة في لبنان. قيل أيضاً إنّ الانتخابات النيابيّة المقبلة مفصليّة. الواقع أنّ الانتخابات مفصليّة، لكن ليس بسبب هويّة الرابحين والخاسرين، بل بسبب الاتّكال عليها لفرط عقد الكتلتين الكبريين. من دون هذا الانفراط، لن تبقى الحياة السياسيّة معلّقة وحسب، بل ستنتهي تماماً، ولنا في المنطقة أمثلة على ذلك.
--------------------
خالد صاغية - الأخبار