.
لم تكن حكاية الضربة العسكرية للنظام السوري سوى محطة من محطات تنفيذ الرغبات الصهيونية فيما يتعلق بالصراع الدائر في سوريا. صحيح أن هناك بُعدا يتعلق بهيبة أوباما والولايات المتحدة بعد أن أطلق الأخير تصريحات تتعلق بالخطوط الحمراء التي لا ينبغي للنظام السوري أن يتجاوزها، لكن البعد الأهم في القضية هو البعد الإسرائيلي، ذلك أن المطلب الأساسي للكيان الصهيوني كان ولا يزال التخلص من الأسلحة الكيماوية خشية أن تقع لاحقا بيد “جماعات لا يمكن السيطرة عليها”.
معلوم أن سياسة الاستنزاف في سوريا كانت ولا تزال السياسة المفضلة للكيان الصهيوني، حيث يجري تدمير دولة محورية، ويجري في الآن نفسه استنزاف إيران وحزب الله وتركيا والربيع العربي وخلق فتنة سنية شيعية كما نردد دائما، لكن ذلك لا يعني ضمان استمرار الاستنزاف إلى أمد لا نهائي، فالثوار ورغم ما يجري من تآمر إلا أنهم كانوا يتقدمون، ولو بشكل تدريجي بطيء، ويمكن لهم أن يحسموا المعركة في يوم من الأيام، ما يعني بالنسبة لنتنياهو ضرورة التخلص من السلاح الكيماوي، وتاليا الصواريخ بعيدة المدى، وربما المضادة للطيران، حتى لا تقع في أيديهم.
من هنا، فقد وجدوا في استخدام النظام للكيماوي فرصة لفعل ذلك، ولم يكن هدف الضربة سوى استهداف مخازن السلاح الكيماوي، وبعض الأسلحة الخطيرة الأخرى (الصواريخ بعيدة المدى والمضادة للطيران). وحين عرضت المبادرة الروسية وجد الصهاينة فيها فرصة أفضل للتخلص من تلك الأسلحة الكيماوية، إذ سيتم ذلك بطريقة أكثر دقة وحرفية عبر مفتشين دوليين، فيما وجد فيها أوباما فرصة للنزول عن الشجرة التي صعد إليها في ظل مخاوف ذات بعدين؛ الأول مخاوف تطور العملية العسكرية على نحو يشكل معضلة، والثاني مخاوف أن يرفض الكونغرس منح الغطاء للضربة في ظل رفض شعبي عارم لها.
في المقابل يمكن القول إن النظام قد هُزم بالرعب، فقد باع السلاح الكيماوي الذي اشتراه لتحسين ميزان الردع مع العدو، ودفع ثمنه من خبز السوريين، باعه من أجل بقائه، مع أن الضربة لم تكن تستهدف اسقاطه بأي حال، ولم يكن الصهاينة ليسمحوا باسقاطه أصلا، ولا يمكن لضربات تمتد لثلاثة أيام أن تسقط نظاما مهما بلغت هشاشته، لكنه خشي من تداعيات يصعب التكهن بها، فآثر السلامة ببيع الكيماوي.
والحال أن الروس الذين باتوا أوصياء من الناحية العملية على النظام ليسوا أقل حرصا على أمن الدولة الصهيونية من الأمريكان، وهم حين طلب منهم نتنياهو وقف صفقة الصواريخ أس 300، بادروا إلى وقفها، وكذلك فعلوا مع إيران، لكنهم يقدمون بضاعتهم بطريقة ذكية، إذ يستخدمون وصايتهم على النظام في سياق من تأكيد حضورهم الدولي (نجحوا فعلا) في ظل تعددية قطبية صارت سمة عامة في المشهد الدولي.
ما ينبغي أن نتذكره دائما، ونذكِّر به الذين عولوا على الأمريكان وعلى ضربتهم تلك، أن من حال دون تقدم الثورة عبر منع السلاح النوعي عنها هم الأمريكان الذين ضغطوا على الدول الداعمة كي لا تزود الثوار بأسلحة نوعية تسمح بالحسم، وهم تبعا لذلك لم يكونوا ليسقطوا النظام.
الآن، يمكن القول إن الصهاينة قد وجدوا في اتفاق الكيماوي فرصة للتخلص من هذا النوع من السلاح في سوريا، لكن الذي لا يقل أهمية هو أنهم وجدوا فيه أيضا محطة للتخلص من النووي الإيراني عبر صفقة مع إيران تشمل رفع العقوبات والإبقاء على بشار، وهي صفقة رائعة، لأن بقاء بشار ضعيفا منهكا هو في كل الأحوال أمر مطلوب بصرف النظر عن مصير النووي الإيراني، وذلك بدل مجيء آخرين يصعب التكهن بسلوكهم.
هنا يمكن القول إن ما جرى يشكل صفعة للدول العربية الداعمة للثورة، ومعها تركيا، فهي منحت الغطاء للضربة، وكذلك التمويل، لكنها لم تُستشر في شيء قبل قرار إلغاء الضربة أو تأجيلها، كما لم تستشر في الاتفاق الجديد، وهو ما ينبغي أن ترد عليه بموقف حاسم عبر خريطة طريق لإنقاذ الشعب السوري لا بد أن تشمل سلاحا نوعيا وتدخلا أكثر وضوحا.
يبقى القول إن ما يريده الأمريكان والصهاينة والروس ليس قدرا، حتى لو لم يتحرك العرب الداعمون على النحو المطلوب، وإن أدى ذلك إلى استنزاف أطول بكثير، لكنه استنزاف لا يمكن أن ينتهي بانتصار بشار وعودة الوضع إلى ما كان عليه مهما كان الثمن وأيا تكن التضحيات.
أما الجانب الآخر من الفضيحة، فيتمثل في موقف النظام وإيران وجيش الشبيحة العرب، فهم اعتبروا المبادرة الروسية وموافقة واشنطن عليها نصرا مؤزرا (اعتبره نائب وزير خارجية إيران نصرا لجبهة المقاومة)، فهل ثمة انحطاط أكثر من هذا الفرح والتهليل والانسجام بينهم وبين نتنياهو؟!
------------------
الدستور
لم تكن حكاية الضربة العسكرية للنظام السوري سوى محطة من محطات تنفيذ الرغبات الصهيونية فيما يتعلق بالصراع الدائر في سوريا. صحيح أن هناك بُعدا يتعلق بهيبة أوباما والولايات المتحدة بعد أن أطلق الأخير تصريحات تتعلق بالخطوط الحمراء التي لا ينبغي للنظام السوري أن يتجاوزها، لكن البعد الأهم في القضية هو البعد الإسرائيلي، ذلك أن المطلب الأساسي للكيان الصهيوني كان ولا يزال التخلص من الأسلحة الكيماوية خشية أن تقع لاحقا بيد “جماعات لا يمكن السيطرة عليها”.
معلوم أن سياسة الاستنزاف في سوريا كانت ولا تزال السياسة المفضلة للكيان الصهيوني، حيث يجري تدمير دولة محورية، ويجري في الآن نفسه استنزاف إيران وحزب الله وتركيا والربيع العربي وخلق فتنة سنية شيعية كما نردد دائما، لكن ذلك لا يعني ضمان استمرار الاستنزاف إلى أمد لا نهائي، فالثوار ورغم ما يجري من تآمر إلا أنهم كانوا يتقدمون، ولو بشكل تدريجي بطيء، ويمكن لهم أن يحسموا المعركة في يوم من الأيام، ما يعني بالنسبة لنتنياهو ضرورة التخلص من السلاح الكيماوي، وتاليا الصواريخ بعيدة المدى، وربما المضادة للطيران، حتى لا تقع في أيديهم.
من هنا، فقد وجدوا في استخدام النظام للكيماوي فرصة لفعل ذلك، ولم يكن هدف الضربة سوى استهداف مخازن السلاح الكيماوي، وبعض الأسلحة الخطيرة الأخرى (الصواريخ بعيدة المدى والمضادة للطيران). وحين عرضت المبادرة الروسية وجد الصهاينة فيها فرصة أفضل للتخلص من تلك الأسلحة الكيماوية، إذ سيتم ذلك بطريقة أكثر دقة وحرفية عبر مفتشين دوليين، فيما وجد فيها أوباما فرصة للنزول عن الشجرة التي صعد إليها في ظل مخاوف ذات بعدين؛ الأول مخاوف تطور العملية العسكرية على نحو يشكل معضلة، والثاني مخاوف أن يرفض الكونغرس منح الغطاء للضربة في ظل رفض شعبي عارم لها.
في المقابل يمكن القول إن النظام قد هُزم بالرعب، فقد باع السلاح الكيماوي الذي اشتراه لتحسين ميزان الردع مع العدو، ودفع ثمنه من خبز السوريين، باعه من أجل بقائه، مع أن الضربة لم تكن تستهدف اسقاطه بأي حال، ولم يكن الصهاينة ليسمحوا باسقاطه أصلا، ولا يمكن لضربات تمتد لثلاثة أيام أن تسقط نظاما مهما بلغت هشاشته، لكنه خشي من تداعيات يصعب التكهن بها، فآثر السلامة ببيع الكيماوي.
والحال أن الروس الذين باتوا أوصياء من الناحية العملية على النظام ليسوا أقل حرصا على أمن الدولة الصهيونية من الأمريكان، وهم حين طلب منهم نتنياهو وقف صفقة الصواريخ أس 300، بادروا إلى وقفها، وكذلك فعلوا مع إيران، لكنهم يقدمون بضاعتهم بطريقة ذكية، إذ يستخدمون وصايتهم على النظام في سياق من تأكيد حضورهم الدولي (نجحوا فعلا) في ظل تعددية قطبية صارت سمة عامة في المشهد الدولي.
ما ينبغي أن نتذكره دائما، ونذكِّر به الذين عولوا على الأمريكان وعلى ضربتهم تلك، أن من حال دون تقدم الثورة عبر منع السلاح النوعي عنها هم الأمريكان الذين ضغطوا على الدول الداعمة كي لا تزود الثوار بأسلحة نوعية تسمح بالحسم، وهم تبعا لذلك لم يكونوا ليسقطوا النظام.
الآن، يمكن القول إن الصهاينة قد وجدوا في اتفاق الكيماوي فرصة للتخلص من هذا النوع من السلاح في سوريا، لكن الذي لا يقل أهمية هو أنهم وجدوا فيه أيضا محطة للتخلص من النووي الإيراني عبر صفقة مع إيران تشمل رفع العقوبات والإبقاء على بشار، وهي صفقة رائعة، لأن بقاء بشار ضعيفا منهكا هو في كل الأحوال أمر مطلوب بصرف النظر عن مصير النووي الإيراني، وذلك بدل مجيء آخرين يصعب التكهن بسلوكهم.
هنا يمكن القول إن ما جرى يشكل صفعة للدول العربية الداعمة للثورة، ومعها تركيا، فهي منحت الغطاء للضربة، وكذلك التمويل، لكنها لم تُستشر في شيء قبل قرار إلغاء الضربة أو تأجيلها، كما لم تستشر في الاتفاق الجديد، وهو ما ينبغي أن ترد عليه بموقف حاسم عبر خريطة طريق لإنقاذ الشعب السوري لا بد أن تشمل سلاحا نوعيا وتدخلا أكثر وضوحا.
يبقى القول إن ما يريده الأمريكان والصهاينة والروس ليس قدرا، حتى لو لم يتحرك العرب الداعمون على النحو المطلوب، وإن أدى ذلك إلى استنزاف أطول بكثير، لكنه استنزاف لا يمكن أن ينتهي بانتصار بشار وعودة الوضع إلى ما كان عليه مهما كان الثمن وأيا تكن التضحيات.
أما الجانب الآخر من الفضيحة، فيتمثل في موقف النظام وإيران وجيش الشبيحة العرب، فهم اعتبروا المبادرة الروسية وموافقة واشنطن عليها نصرا مؤزرا (اعتبره نائب وزير خارجية إيران نصرا لجبهة المقاومة)، فهل ثمة انحطاط أكثر من هذا الفرح والتهليل والانسجام بينهم وبين نتنياهو؟!
------------------
الدستور