تنحى الأمير أندرو عن منصبه في أعقاب التسوية التي تم التوصل إليها فيما يتعلق بالدعوى التي رفعت عليه أمام محكمة مدنية أمريكية بتهمة الاعتداء الجنسي، كما تخلى الأمير هاري وزوجته ميغان عن أدوارهما الملكية وانتقلا للعيش في الولايات المتحدة.
تقول ماكلاران: "تستخدم العائلة المالكة الظهور على الشرفة بطريقة استراتيجية للغاية. يدركون جيداً أن هذا الظهور بمثابة إدلاء ببيان، إنه مهم للغاية".
"هذا عنصر واحد يمكنها التحكم فيه، لذلك لا توجد إشارات غامضة" كما تقول.
وتضيف: "إذا سمحوا للأمير أندرو بالوقوف بجانبهم، لك أن تتخيل كيف سيكون رد فعل الناس".
"أما بالنسبة لهاري وميغان، يؤكد ذلك أنه لا يوجد أفراد من العائلة المالكة "داخل العائلة جزئياً وخارجها جزئياً".
ظهر أكثر من 40 شخصاً على الشرفة في مناسبات سابقة، لذا فإن الحد من الأعداد بشكل عام يعد أيضاً اختياراً متعمداً. إنه يبعث برسالة حول من هم أهم اللاعبين على المسرح الملكي، إنها ليست مجرد تشكيلة، بل تعبر عن تسلسل وراثة العرش.
وهناك تلميحات بأن الملكة قد تظهر على الشرفة مرة ثانية يوم الأحد، مما يضع موضوع وراثة العرش في دائرة الضوء، إلى جانب وريثها الأمير تشارلز وحفيدها الأمير ويليام وابنه الأمير جورج.
وتقول ماكلاران: "كل هذا رمزي للغاية. إنه يظهر استمرارية النظام الملكي على الرغم من تغير الوجوه".
الشرفة مساحة ملكية إلى حد كبير. ولم يقف عليها إلا اثنان فقط من رؤساء الحكومات في بريطانيا وهما نيفيل تشامبرلين، بعد التفاوض على اتفاقية ميونيخ مع ألمانيا في عام 1938، وونستون تشرتشل، أثناء احتفال الناس بنهاية الحرب في أوروبا في عام 1945.
لا توجد قواعد رسمية بشأن مكان وقوف الأشخاص الذين يظهرون على الشرفة لكن ماكلاران تقول إن هناك سمة يمكن ملاحظتها بسهولة.
الملكة دائماً تظهر في مكان بارز في المقدمة، وستكون المجموعة الأساسية من كبار أفراد العائلة المالكة، الأمير تشارلز وزوجته كاميلا؛ دوقة كورنوال، والأمير ويليام وزوجته كاثرين، دوقة كامبريدج، من حولها ولن يقفوا بعيداً عنها أبداً.
قد يكون هناك أطفال صغار يسرقون الأضواء بسبب تعابير وجوههم غير المتوقعة أو العابسة أو المندهشة، وقد تكون هناك بعض المناورات للحصول على مكان قريب من الملكة، وهناك دائماً "ترتيب حسب المكانة" حسب ما تقول ماكلاران.
إنه عرض صامت، حيث يأخذ كبار أفراد العائلة المالكة أماكنهم في النقطة المركزية من الشرفة بينما ينتشر باقي الأفراد العائلة في الأطراف، كما لو تم وضعهم في أماكنهم من قبل مصور زفاف غير مرئي.
الاستثناء الوحيد الذي لا تكون فيه الملكة في مركز الصدارة هو حفلات الزفاف الملكية، عندئذ، يكون الزوجان العروسان هما نجما الشرفة.
من بين 17 مدعواً لحضور احتفال اليوبيل هناك ابن الملكة إدوارد (إيرل ويسيكس) وزوجته صوفي (كونتيسة ويسيكس) ونجلاهما، وابنة الملكة الأميرة آن، وزوجها السير تيموثي لورانس.
كما سيكون هناك أيضاً أبناء عمومة الملكة، دوق ودوقة غلوستر ودوق كنت والأميرة ألكسندرا، الذين يتولون مهام ملكية بالنيابة عن الملكة.
هذا العدد يتجاوز عدد المدعوين لحضور اليوبيل الماسي في عام 2012 حين كان يسود التقشف إذ لم يظهر سوى ستة أشخاص على الشرفة ورأى الكثيرون في ذلك أنه يظهر مدى حرص الملكة على المال وعدم الإسراف.
"لحظات وطنية"
هناك شخصية مهمة أخرى لن تظهر على الشرفة ألا وهي حشود الناس.
إن لحظات الوقوف على الشرفة هي "تكريم الشعب للعائلة المالكة وتكريم العائلة المالكة للشعب" كما تقول هيذر جونز، الكاتبة وأستاذة التاريخ في جامعة "سيتي كوليدج لندن".
بالنسبة للنظام الملكي الذي يعتمد على قبول الشعب، فهذه واحدة من أكبر المراحل الرمزية حيث يمكن للعائلة المالكة والجمهور التواصل.
تقول جونز إنه في الأحداث الفاصلة، مثل اندلاع الحرب العالمية الأولى، كان الشعب هو من طالب بظهور العائلة المالكة. وتقول في عام 1914 سجل الملك جورج الخامس في مذكراته أنه شعر أن الشعب قد أجبره على الظهور على الشرفة، بينما كانت البلاد تستعد للحرب.
عندما احتفل الناس بهزيمة هتلر في الحرب العالمية الثانية، أصروا على ظهور العائلة المالكة على الشرفة بشدة 8 مرات بفترات منفصلة.
وتقول: "يحدو الناس الرغبة بالتوجه إلى قصر باكنغهام في هذه اللحظات الوطنية الكبيرة"
تقول البروفسورة جونز إن الشرفة هي آلية مناسبة لإبراز النظام الملكي. إنها تجعل أفراد العائلة المالكة ظاهرين للملأ ولكن في نفس الوقت تحافظ على إبقاء مسافة بين الطرفين.
وتعتقد جونز إن "الحفاظ على هذه المسافة أمر مهم حقاً".
تبدو الشرفة قريبة وفي متناول اليد لكنها عالية مرتفعة وبعيدة فعلياً. إنها تساعد في الحفاظ على هذا التوازن الملكي المتمثل في الرغبة في أن تظهر قريبة من الناس باعتبارها "العائلة الوطنية"، ولكن في نفس الوقت الحفاظ على مكانتها الرفيعة والخاصة.
تتوقع الحشود في نهاية هذا الأسبوع أن يبادلهم أفراد العائلة المالكة التلويح بالأيادي. لكن هذا لم يكن الحال دائماً.
يقول المؤرخ الملكي إد أوينز، كانت المرة الأولى التي لوحت فيها العائلة المالكة للشعب في عام 1934، من قبل الأميرة مارينا، عمة الملكة الحالية عن طريق الزواج.
وقبل ذلك، كان الاعتراف بالشعب الذي يقف في الأسفل أمام القصر، مقتصراً على "انحناء طفيف وابتسامة مصطنعة".
وبعد ذلك التاريخ، كان يمكنك رؤية أفراد العائلة المالكة في نشرات الأخبار، وهم يجربون أشكالاً مختلفة من التلويح بالأيادي للحشود، بما في ذلك الملكة الحالية عندما كانت طفلة صغيرة وهي تحاول تجربة تحية بيدها وكأنها تحاول فك مصباح كهربائي.
هناك طقوس أكثر حداثة بدأ بها الأمير تشارلز والأميرة الراحلة ديانا، إذ أصبح الإثنان أول من قبّلا بعضهما على الشرفة بعد زفافهما الملكي، فبات تقليداً اتبعه بعده شقيقه الأمير أندرو وزوجته دوقة يورك، ثم الأمير ويليام وزوجته دوقة كامبريدج.
أصبحت صور الشرفة الجماعية، كألبوم صور الاسرة الوطنية.
يمثل تغير الأجيال داخل العائلة المالكة محطات بارزة في حياتها وسيلة للتعبير عن الإمتنان للشعب.
تتغير الوجوه والأزياء التي يرتدونها، لكن الانطباع يبقى كما هو دائماً. ويقول أوينز: "إنها لحظة مدروسة بعناية فائقة".
تتطلب مثل هذه الوقفات التي تبدو وكأنها لحظات عفوية عقوداً من التمرين.