ويناقش مسؤولون سياسيون وأمنيون كبار الموقف الذي يجب اتخاذه من النظام الأسدي، وما إذا كان استمرار عزله عملاً صائباً، بينما يمكن الإفادة من دوره في القتال ضد “الإرهاب”، بعد أن قدم عرضاً يتصل باستعداده لمقاتلة الإرهاب على الصعيدين، المحلي والإقليمي، حسب ما قاله وزير خارجيته، وليد المعلم، في مؤتمر صحافي عقده يوم 24 من أغسطس/آب الماضي في دمشق، أبدى فيه استعداد الأسد للعمل مرتزقاً لصالح من اعتبرهم، طوال سنوات الثورة، متآمرين على نظامه، واتهمهم بالوقوف وراء كل ما وقع في سورية من أحداث ضده، بما في ذلك الأحداث الإرهابية. ولعله مما يثير قلقاً خاصاً أن يكون بين من يطرحون احتمال تبديل الموقف الغربي، والأميركي خصوصاً، من الأسد ونظامه، بعض كبار المسؤولين الأمنيين الأميركيين، وأن يناقش هذا الموضوع بكثافة في الأسابيع الأخيرة في الصحافة الأميركية ووسائل الإعلام الغربية، بينما تسود سلبية مفعمة بالاسترخاء والعجز لدى قيادات الائتلاف الوطني والمعارضة السياسية والحزبية السورية، والتي يبدو أنها استسلمت تماماً لأفكار رغبية، ومسلماتٍ وقبلياتٍ، تدّعي أن العالم لن يغير موقفه من النظام، لأنه يعرف كم كان ضالعاً في صنع الإرهاب ونشره واستخدامه، وكم قتل من الأميركيين والغربيين في العراق وغيره، فكيف يمكنه أن يغير موقفه من نظامٍ هذه صفاته، كأن القتال بدماء الآخرين حقناً لدماء العسكر الأميركي، وغير الأميركي، لم يكن سياسة غربية ودولية معتمدة ومعلنة في بلادنا بعد الثورة، أو كأن هذه السياسة وضعت في أي يوم المبادئ فوق المصالح، أو رفضت استعمالنا حطباً للحرق من أجل تصفية حسابات إقليمية لا علاقة لنا بها!
لكي لا يضع الغرب يده في يد النظام، ويشركه في الحرب ضد الإرهاب، من الضروري والحيوي إقناعه، بالوقائع والأفعال، أن الأسد ليس ولن يكون بديل “داعش”، وأن المعارضة تعمل لتنظيم صفوفها وتوحيدها، وتعبئة قدراتها من أجل القيام بدور مؤثر في الحرب التي لن تنجح إذا لم تكن، في الوقت نفسه، حرباً ضد النظام، ولن يسمح السوريون لأية دولة، وأي طرف، بتجييرها لنظام دمر بلادهم، وقتل أعداداً لا حصر لها من مواطناتهم ومواطنيهم، ولن يقبلوا أن تساعده أية جهة على النجاة، بحجة شن حرب على الإرهاب، لعبت قيادته وأجهزته أخطر الأدوار في إنتاجه، ولا مفرّ من أن يقاتله العالم بسبب دعمه له، واستخدامه ضد خصومه في كل مكان، بمن في ذلك جنود أميركا في العراق، عوض العفو عما ارتكبه من فظاعات وجرائم، بالتعاون مع تنظيماته، وإعادة تأهيله وإشراكه في قتل إرهابيين أنتجتهم يداه، انتهت وظيفتهم في خططه بجعله بديلاً لهم في نظر العالم!
لتفادي احتمال تغير الموقف الدولي من النظام، على قيادات الائتلاف والمعارضة المبادرة فوراً إلى تطبيع علاقاتها، والتواصل من أجل توحيد مواقفها: سياسياً وعسكرياً، والشروع الفوري في حوار وطني مفتوح بين جميع أطرافها الفاعلة، على أن تحظى الخطط والبرامج والسياسات التي سيقرّها بقبول قيادات المقاومة الميدانية، العاملة في الجيش الحر بصورة خاصة، والتي يجب أن تشارك في الحوار، وتفيد من عائده الإيجابي: العربي والإقليمي والدولي، الذي يجب أن يستثمر، بحيث يحدث تحولاً تدريجياً وحقيقياً في علاقات القوة على الأرض السورية، يضعف تنظيمات الإرهاب والنظام، ويحسم موقف العالم من الثورة، وصولاً إلى إقناعه بأن بديل الأسد ونظامه لا يجوز ولا يمكن أن يكون غير البديل الديمقراطي/ المدني، المتوازن وطنياً ومجتمعياً، الذي ثار الشعب من أجله، وبأن وضع الائتلاف والمعارضة يضمن ألا يلقي سقوط الأسد بلادنا بين أيدي إرهابيين يهددونها، أكثر مما يهددون أمن وسلام البشرية ومصالحها.
لم يتخذ العالم بعد موقفاً نهائياً من مشاركة النظام الأسدي في محاربة الإرهاب. ولم يقرر شن الحرب على “داعش” السورية، والسبب: عدم وجود بديل للنظام. كي لا يتخذ العالم مواقف تضر بشعبنا وثورته، تمس حاجتنا إلى الخروج الفوري من حال التمزق والفرقة، وتناقض الخيارات والمواقف، حتى في القضايا المصيرية، وإلى بناء موقفٍ وطني يحظى بإجماع واسع، يقنع العالم بأهليتنا لإدارة وطننا الحر. بغير ذلك، نقود شعبنا إلى التهلكة والخسران، ونضيع تضحياته التي تجل عن أي وصف.
لهذا كله، أدعو قيادة الائتلاف للمبادرة الفورية إلى فتح حوار وطنيٍّ مع تنظيمات المعارضة وقياداتها، داخل صفوفه وخارجها، من أجل صياغة برنامج عمل شامل يقر خلال فترة قصيرة، يعني قبوله والالتزام بتطبيقه والشروع في بناء بديل وطني لنظام الأسد وتنظيمات الإرهاب، وبدء تاريخ جديد لشعبنا، نصنعه لنا ولأبنائنا، بدل أن يصنع الآخرون، في ظل غيابنا عن دورنا، مستقبلاً حالكاً لنا ولهم: بالتعاون مع النظام، أو بدون تعاونٍ معه.
------------------
العربي الجديد