سلاح “حزب الله”، إذاً، جاهز للصفقة مع إسرائيل لاقتسام الثروة النفطية والغاز، وهو جاهز في وجه إسرائيل إذا ارتأى “الثنائي الشيعي” أن معايير الصفقة لا تعجبه. هيذه المسائل الأساسية التي ستبرز بعد الانتخابات والتي تتطلّب المثابرة في المساءلة الشعبية بأبعد من صناديق الاقتراع. فمشروع “حزب الله” هو توسيع صلاحيات دويلته ليتسلّم كامل مفاتيح الدولة في لبنان مستخدماً سلاحه و”المقاومة” ضمن أدوات المعادلة الإيرانية – الإسرائيلية التي ستمليها المفاوضات الأميركية – الإيرانية إما سلماً أو حرباً. ذلك أن أولوية “حزب الله” ليست لبنانية بل تبقى إيرانية بامتياز، وما كلام نصرالله عن عزمه على إفشال الذين يريدون خلاص لبنان من سلاح “حزب الله” بـ”فشروا” سوى مقدّمة لما ينوي أن يفعله بهذا السلاح في مفاوضات اقتناص الثروة الوطنية من النفط والغاز. كلام نصرالله عن الشراكة وعدم الإقصاء يبقى كلاماً عائماً في فن الخطابة وعلم البلاغة طالما انه يخاطب اللبنانيين بالسلاح والمقاومة بدلاً من السيادة ومسؤولية الدولة بالتفاوض مع الشركات والهيئات الدولية لضمان حق لبنان بثروته الوطنية، شرط وضع أركان الدولة تحت الرقابة والمجهر والمساءلة والمحاسبة كي لا يستفحلوا بالفساد، كما العادة. هكذا فقط يمكن أن يقنعنا السيد نصرالله أنه بات جاهزاً للشراكة الوطنية وأنه توقّف عن ارتهان لبنان بأكمله لقرارات وأولويات “الحرس الثوري” في الجمهورية الإسلامية الإيرانية.
طهران لن تفرّط بـ”حزب الله” مهما حصل من تفاهمات بينها وبين واشنطن، في حال نجحت جهود إحياء الاتفاقية النوويةJCPOA والصفقة الكبرى مع إدارة بايدن، أو فشلت. ذلك أن “حزب الله” قدّم لبنان لإيران كساحة للمواجهة مع إسرائيل في الحروب الإيرانية – الإسرائيلية بالنيابة، وكذلك كمنصّة لإطلاق الرسائل الإيرانية الى إسرائيل والولايات المتحدة، وأوروبا أيضاً عند الحاجة. و”حزب الله” قد أصبح الورقة الثمينة لدى “الحرس الثوري”. ليس فقط نظراً لأهمية لبنان وجغرافية حدوده مع إسرائيل، وإنما أيضاً لأن “حزب الله” بات أداة حادة وجاهزة لتنفيذ أوامر “الحرس الثوري” في كامل الجغرافيا العربية.
إدارة بايدن والحكومات الأوروبية مسؤولة عمّا ستسفر عنه مفاوضاتها مع طهران لجهة مكانة وأدوار “حزب الله” داخل لبنان وخارجه، ذلك أنها تتفاوض، عملياً، مع “الحرس الثوري” مهما تم تغليف الأمر بهذا وذاك. إدارة بايدن تدرك تماماً أن “الحرس الثوري” لن يتخلّى عن مشاريعه الإقليمية وأن “حزب الله” يشكّل له أهم الميليشيات الإقليمية بترسانة من الصواريخ والذخيرة. فإذا وافقت على شروط طهران لإتمام الصفقة النووية، تكون إدارة بايدن والحكومات الأوروبية تبارك استيلاء “حزب الله” على كامل مفاصل الدولة اللبنانية وعلى القرار السيادي وعلى تحويل لبنان بكامل أطيافه الى ملحق لـ”المقاومة”، مهما باعت من كلام فارغ للانتخابات والعملية الديموقراطية.
لذلك، على اللبنانيين الذين تحمّسوا للانتخابات ليعبّروا عن استيائهم من منظومة الفساد الحاكمة وتسلّط “حزب الله” ألاّ يعتبروا أن التغيير يبدأ وينتهي بصناديق الاقتراع. فالتغيير عملية صعبة تتطلّب بالتأكيد المثابرة. مرحلة ما بعد الانتخابات هي التي تتطلّب استراتيجية جدّيّة للتصدّي لمشاريع ابتلاع السيادة والمزيد من الإفقار المتعمّد من أجل إخضاع الناس. فالاقتراع حجر أساس لبدء المساءلة والمحاسبة، لكنه ليس نهاية المطاف بل هو البداية. والطريق طويل لأن المنظومة المتحكّمة المستبدّة الفاسدة الجشعة ليست أبداً جاهزة للتخلي عن امتيازاتها.
الدول العربية الخليجية التي تسعى لعلاقات أفضل مع الجمهورية الإسلامية الإيرانية تركّز، بطبيعة الحال، في محادثاتها المعلنة وغير المعلنة، على المسائل الأمنية التي تخصّها وتخصّ منطقة الخليج. وفي الوقت ذاته، انها تحمّل اللبنانيين أنفسهم مسؤولية استئساد “حزب الله” بالسلطة وما يقوم به ضد أمنهم في عقر دارهم. صحيح أن على اللبنانيين مسؤولية إبلاغ “حزب الله” أنه ليس خيارهم طالما أولويته هي إيران وطالما يحاول أن يفرض على اللبنانيين هوية غير عربية. لكن المسؤولية تقع أيضاً على الدول الخليجية العربية التي تتحاور مع طهران من دون أن تطرح مسألة “حزب الله” في المحادثات الثنائية. انها بتغييب موضوع “حزب الله” عن محادثاتها ومفاوضاتها مع طهران إنما تنسخ ما تقوم به إدارة بايدن والحكومات الأوروبية برضوخها لاستبعاد سلوك إيران الإقليمي عن المفاوضات النووية خشية على مصير المفاوضات.
ثم إن ما يسمّى بالأسرة الدولية التي تدّعي أنها حريصة على استقلال وسيادة لبنان ألا تكتفي بالتفرّج على ما ارتكبته الحكومة اللبنانية من انتهاكات لحقوق الإنسان عندما تسبّبت بإفقار الناس من خلال تدمير اقتصاد البلاد بصورة نمطية بثقة عارمة من كافة المسؤولين اللبنانيين بأنهم فوق المحاسبة ولديهم حصانة من العقاب.
لا يكفي أن يصدر مبعوث الأمم المتحدة الخاص لمكافحة الفقر، أوليفييه دي شوتر، تقريراً مستقلّاً اتهم فيه الحكومة اللبنانية ومصرفها المركزي بارتكاب انتهاكات لحقوق الإنسان عبر تدمير الاقتصاد. هناك مجلس لحقوق الإنسان في الأمم المتحدة، وعلى هذا المجلس أن يتلقّى التقرير ويفعل به شيئاً ما. ذلك أن تلك الأسرة الدولية الممتدة من الأمم المتحدة الى البنك الدولي الى صندوق النقد الدولي تدرك تماماً من هي الأطراف التي تعطّل حصول لبنان على تمويل بقيمة 3 مليارات دولار من صندوق النقد الدولي إذا نفّذ لبنان 8 إصلاحات رئيسية. تعرف تماماً من يمنع الإصلاحات كما مَن يقاوم شروط صندوق النقد. وتعرف أيضاً مَن عطّل ويعطّل التحقيق في جريمة ضد الإنسانية ارتُكِبت بحق اللبنانيين عبر تفجير مرفأ بيروت في 4 آب (أغسطس) 2020 وسط سكان مدنيين، وما هي علاقة المسؤولين اللبنانيين بالتغطية على هذه الجريمة.
بالقدر نفسه من الأهمية، وعلى ضوء اندفاعٍ ملحوظ بين الناخبين اللبنانيين لإبلاغ المسؤولين في السلطة و”حزب الله” مستوى القرف من أدائهم واستهتارهم بالناس والوطن والسيادة، لا بد من مراجعة جذرية لوسائل الاحتجاج بأبعد من الاقتراع. هناك حاجة لتفعيل الخيارات المحلية والإقليمية والدولية عبر استراتيجية مدروسة لإنجازات متراكمة، قضائية واقتصادية وسياسية، محلية وإقليمية ودولية، ضمن آليات واضحة وبرامج زمنية. هكذا فقط يمكن تحقيق التغيير عبر نمطيّة تراكمية وليس عبر اندفاع عاطفي هنا وحماس عابر هناك.
المطلوب هو المثابرة والعزم والإصرار على المساءلة والمحاسبة مع طرحٍ واضح لمأساة لبنان وانتهاك حقوق الإنسان اللبناني في المحافل والمحاكم الدولية. مهما كانت نتيجة الانتخابات النهائية، إن الرسائل منها ستبقى مبعثرة ما لم يتم التدقيق الضروري بغايات استبدال السيادة الوطنية بـ”المقاومة” وسلاحها لتدجين الشعب اللبناني بأكمله، وتحويل موارده الطبيعية الى أوراق مساومة مع شركات تنقيب دولية ومع إسرائيل على وقع العلاقات الإيرانية – الإسرائيلية.
-------------
النهار العربي
طهران لن تفرّط بـ”حزب الله” مهما حصل من تفاهمات بينها وبين واشنطن، في حال نجحت جهود إحياء الاتفاقية النوويةJCPOA والصفقة الكبرى مع إدارة بايدن، أو فشلت. ذلك أن “حزب الله” قدّم لبنان لإيران كساحة للمواجهة مع إسرائيل في الحروب الإيرانية – الإسرائيلية بالنيابة، وكذلك كمنصّة لإطلاق الرسائل الإيرانية الى إسرائيل والولايات المتحدة، وأوروبا أيضاً عند الحاجة. و”حزب الله” قد أصبح الورقة الثمينة لدى “الحرس الثوري”. ليس فقط نظراً لأهمية لبنان وجغرافية حدوده مع إسرائيل، وإنما أيضاً لأن “حزب الله” بات أداة حادة وجاهزة لتنفيذ أوامر “الحرس الثوري” في كامل الجغرافيا العربية.
إدارة بايدن والحكومات الأوروبية مسؤولة عمّا ستسفر عنه مفاوضاتها مع طهران لجهة مكانة وأدوار “حزب الله” داخل لبنان وخارجه، ذلك أنها تتفاوض، عملياً، مع “الحرس الثوري” مهما تم تغليف الأمر بهذا وذاك. إدارة بايدن تدرك تماماً أن “الحرس الثوري” لن يتخلّى عن مشاريعه الإقليمية وأن “حزب الله” يشكّل له أهم الميليشيات الإقليمية بترسانة من الصواريخ والذخيرة. فإذا وافقت على شروط طهران لإتمام الصفقة النووية، تكون إدارة بايدن والحكومات الأوروبية تبارك استيلاء “حزب الله” على كامل مفاصل الدولة اللبنانية وعلى القرار السيادي وعلى تحويل لبنان بكامل أطيافه الى ملحق لـ”المقاومة”، مهما باعت من كلام فارغ للانتخابات والعملية الديموقراطية.
لذلك، على اللبنانيين الذين تحمّسوا للانتخابات ليعبّروا عن استيائهم من منظومة الفساد الحاكمة وتسلّط “حزب الله” ألاّ يعتبروا أن التغيير يبدأ وينتهي بصناديق الاقتراع. فالتغيير عملية صعبة تتطلّب بالتأكيد المثابرة. مرحلة ما بعد الانتخابات هي التي تتطلّب استراتيجية جدّيّة للتصدّي لمشاريع ابتلاع السيادة والمزيد من الإفقار المتعمّد من أجل إخضاع الناس. فالاقتراع حجر أساس لبدء المساءلة والمحاسبة، لكنه ليس نهاية المطاف بل هو البداية. والطريق طويل لأن المنظومة المتحكّمة المستبدّة الفاسدة الجشعة ليست أبداً جاهزة للتخلي عن امتيازاتها.
الدول العربية الخليجية التي تسعى لعلاقات أفضل مع الجمهورية الإسلامية الإيرانية تركّز، بطبيعة الحال، في محادثاتها المعلنة وغير المعلنة، على المسائل الأمنية التي تخصّها وتخصّ منطقة الخليج. وفي الوقت ذاته، انها تحمّل اللبنانيين أنفسهم مسؤولية استئساد “حزب الله” بالسلطة وما يقوم به ضد أمنهم في عقر دارهم. صحيح أن على اللبنانيين مسؤولية إبلاغ “حزب الله” أنه ليس خيارهم طالما أولويته هي إيران وطالما يحاول أن يفرض على اللبنانيين هوية غير عربية. لكن المسؤولية تقع أيضاً على الدول الخليجية العربية التي تتحاور مع طهران من دون أن تطرح مسألة “حزب الله” في المحادثات الثنائية. انها بتغييب موضوع “حزب الله” عن محادثاتها ومفاوضاتها مع طهران إنما تنسخ ما تقوم به إدارة بايدن والحكومات الأوروبية برضوخها لاستبعاد سلوك إيران الإقليمي عن المفاوضات النووية خشية على مصير المفاوضات.
ثم إن ما يسمّى بالأسرة الدولية التي تدّعي أنها حريصة على استقلال وسيادة لبنان ألا تكتفي بالتفرّج على ما ارتكبته الحكومة اللبنانية من انتهاكات لحقوق الإنسان عندما تسبّبت بإفقار الناس من خلال تدمير اقتصاد البلاد بصورة نمطية بثقة عارمة من كافة المسؤولين اللبنانيين بأنهم فوق المحاسبة ولديهم حصانة من العقاب.
لا يكفي أن يصدر مبعوث الأمم المتحدة الخاص لمكافحة الفقر، أوليفييه دي شوتر، تقريراً مستقلّاً اتهم فيه الحكومة اللبنانية ومصرفها المركزي بارتكاب انتهاكات لحقوق الإنسان عبر تدمير الاقتصاد. هناك مجلس لحقوق الإنسان في الأمم المتحدة، وعلى هذا المجلس أن يتلقّى التقرير ويفعل به شيئاً ما. ذلك أن تلك الأسرة الدولية الممتدة من الأمم المتحدة الى البنك الدولي الى صندوق النقد الدولي تدرك تماماً من هي الأطراف التي تعطّل حصول لبنان على تمويل بقيمة 3 مليارات دولار من صندوق النقد الدولي إذا نفّذ لبنان 8 إصلاحات رئيسية. تعرف تماماً من يمنع الإصلاحات كما مَن يقاوم شروط صندوق النقد. وتعرف أيضاً مَن عطّل ويعطّل التحقيق في جريمة ضد الإنسانية ارتُكِبت بحق اللبنانيين عبر تفجير مرفأ بيروت في 4 آب (أغسطس) 2020 وسط سكان مدنيين، وما هي علاقة المسؤولين اللبنانيين بالتغطية على هذه الجريمة.
بالقدر نفسه من الأهمية، وعلى ضوء اندفاعٍ ملحوظ بين الناخبين اللبنانيين لإبلاغ المسؤولين في السلطة و”حزب الله” مستوى القرف من أدائهم واستهتارهم بالناس والوطن والسيادة، لا بد من مراجعة جذرية لوسائل الاحتجاج بأبعد من الاقتراع. هناك حاجة لتفعيل الخيارات المحلية والإقليمية والدولية عبر استراتيجية مدروسة لإنجازات متراكمة، قضائية واقتصادية وسياسية، محلية وإقليمية ودولية، ضمن آليات واضحة وبرامج زمنية. هكذا فقط يمكن تحقيق التغيير عبر نمطيّة تراكمية وليس عبر اندفاع عاطفي هنا وحماس عابر هناك.
المطلوب هو المثابرة والعزم والإصرار على المساءلة والمحاسبة مع طرحٍ واضح لمأساة لبنان وانتهاك حقوق الإنسان اللبناني في المحافل والمحاكم الدولية. مهما كانت نتيجة الانتخابات النهائية، إن الرسائل منها ستبقى مبعثرة ما لم يتم التدقيق الضروري بغايات استبدال السيادة الوطنية بـ”المقاومة” وسلاحها لتدجين الشعب اللبناني بأكمله، وتحويل موارده الطبيعية الى أوراق مساومة مع شركات تنقيب دولية ومع إسرائيل على وقع العلاقات الإيرانية – الإسرائيلية.
-------------
النهار العربي