وقد توقّع كثيرون فوزها السنة الماضية هي أو القاص الأمريكي وليم تريفور.
اختيار الأكاديميّة السويدية للآداب لأليس مونرو مفهومٌ على خلفية تاريخ هذه الأكاديمية، وميلها للكشف عن الأسماء الكبيرة، لكن الأقلّ شهرةً، في آداب العالم. فمع استثناءات قليلة، معدودة على أصابع اليد الواحدة (غابرييل غارسيا ماركيز مثلاً)، لم تذهب الجائزة إلى كاتب شديد الشهرة مترجمٍ بغزارة إلى معظم لغات العالم. السبب يكمن في أن جائزة نوبل للآداب تسعى إلى المساهمة في تعريف القراء في العالم على أسماء جديرة بالاهتمام لكنها غير معروفة بصورة كافية، كما أنها تهتمّ بدفع المترجمين ودور النشر في لغات العالم المختلفة إلى وضع الاسم الذي تمنحه الجائزة في دائرة الضوء، فيكون لها قصب السبق في التعريف بكاتب متميّز معروف لدى متابعي الآداب العالمية لكنه يحتاج مزيداً من التعريف وتسليط الضوء. فلجنة نوبل لم تلهث، على مدار تاريخها، وراء تفضيلات القرّاء، بل خالفت توقعاتهم في معظم الأحيان. هذا العام، والعام الذي سبقه، راهن القراء على فوز موراكامي، لكنّ من يقرأ مزاج الأكاديمية السويدية جيّداً، فإن في إمكانه أن يتوقّع أن موراكامي لن يكون الفائز، حتى في السنة المقبلة، أو حتى في السنة التي تليها.
ثمّة أسباب أخرى، لفوز أليس مونرو، تتعلّق بالضجة التي ثارت قبل سنوات حول جدارة الأدب الأمريكي، ومحليّته الشديدة ودورانه في حدود الحياة والاهتمامات الأمريكية، وابتعاد الجائزة عن الصقع الشمالي من القارة الأمريكية، منذ عام 1993 (أي بعد أن نالت الروائية الأمريكية السوداء توني موريسون هذه الجائزة العالمية الكبيرة). فمن الواضح أن لجنة الجائزة كانت تضع هذا اللغط، الذي ثار بشأن الأدب الأمريكي، في قائمة حساباتها. والحلّ، كما يبدو، تمثّل في الذهاب إلى جزء من القارة الأمريكيّة لم يسبق لواحد من كتّابه وكاتباته الفوز بالجائزة؛ إلى كندا. ولعلّ الخيار تأرجح، والله أعلم، بين أليس مونرو ومارغريت أتوود، وهما كاتبتان بارزتان في كندا، وإن كانت أتوود أكثر شهرة من مونرو. لكن كون مونرو كاتبة قصة قصيرة منقطعة لهذا النوع الأدبي الذي لا يلقى الاهتمام الكافي في هذا العصر، ولم يعد بتربّع على سدّة الأنواع الأدبية، كما كان قبل عقود، جعل مونرو خياراً أفضل.
هكذا تضافرت عوامل عديدة لتقود إلى فوز الكاتبة الكندية، ابنة الاثنين والثمانين عاماً، بنوبل للآداب. فهي تنتمي إلى الأدب الأمريكي الشمالي، كما أنها امرأة تتبنّى في قصصها الكشف عن عوالم أنثويّة دقيقة منسوجة بعمق ورهافة (فهي ذات نزعة نسويّة مخففة، على الأرجح). وهي، في الوقت نفسه، كاتبة قصة قصيرة منقطعة تماماً لتطوير هذا الشكل من أشكال الكتابة الأدبية. ومع أنها كتبت ست روايات، رفضتها دور النشر فلم ترَ النور أبداً، فإنها لم تطلّ على القرّاء إلا من خلال القصة القصيرة. صحيحٌ أن قصص مونرو تطول وتطول ليصل عدد صفحاتها إلى خمسين أو ستين (وكأن الكاتبة تغازلُ الشكلَ الروائيّ وتحومُ حوله)، لكن مونرو لم تنشر سوى القصص. ولهذا كان فوزها مناسبة لتسليط الضوء مجدداً على القصة القصيرة وإعادة الاعتبار لشكل أدبي هجره كتّابه وقرّاؤه.
انطلاقاً من الاعتبارات السابقة، يمكن القول إن الأكاديمية السويدية للآداب أصابت عصافير كثيرة بحجر واحد.
------------------
الدستور
اختيار الأكاديميّة السويدية للآداب لأليس مونرو مفهومٌ على خلفية تاريخ هذه الأكاديمية، وميلها للكشف عن الأسماء الكبيرة، لكن الأقلّ شهرةً، في آداب العالم. فمع استثناءات قليلة، معدودة على أصابع اليد الواحدة (غابرييل غارسيا ماركيز مثلاً)، لم تذهب الجائزة إلى كاتب شديد الشهرة مترجمٍ بغزارة إلى معظم لغات العالم. السبب يكمن في أن جائزة نوبل للآداب تسعى إلى المساهمة في تعريف القراء في العالم على أسماء جديرة بالاهتمام لكنها غير معروفة بصورة كافية، كما أنها تهتمّ بدفع المترجمين ودور النشر في لغات العالم المختلفة إلى وضع الاسم الذي تمنحه الجائزة في دائرة الضوء، فيكون لها قصب السبق في التعريف بكاتب متميّز معروف لدى متابعي الآداب العالمية لكنه يحتاج مزيداً من التعريف وتسليط الضوء. فلجنة نوبل لم تلهث، على مدار تاريخها، وراء تفضيلات القرّاء، بل خالفت توقعاتهم في معظم الأحيان. هذا العام، والعام الذي سبقه، راهن القراء على فوز موراكامي، لكنّ من يقرأ مزاج الأكاديمية السويدية جيّداً، فإن في إمكانه أن يتوقّع أن موراكامي لن يكون الفائز، حتى في السنة المقبلة، أو حتى في السنة التي تليها.
ثمّة أسباب أخرى، لفوز أليس مونرو، تتعلّق بالضجة التي ثارت قبل سنوات حول جدارة الأدب الأمريكي، ومحليّته الشديدة ودورانه في حدود الحياة والاهتمامات الأمريكية، وابتعاد الجائزة عن الصقع الشمالي من القارة الأمريكية، منذ عام 1993 (أي بعد أن نالت الروائية الأمريكية السوداء توني موريسون هذه الجائزة العالمية الكبيرة). فمن الواضح أن لجنة الجائزة كانت تضع هذا اللغط، الذي ثار بشأن الأدب الأمريكي، في قائمة حساباتها. والحلّ، كما يبدو، تمثّل في الذهاب إلى جزء من القارة الأمريكيّة لم يسبق لواحد من كتّابه وكاتباته الفوز بالجائزة؛ إلى كندا. ولعلّ الخيار تأرجح، والله أعلم، بين أليس مونرو ومارغريت أتوود، وهما كاتبتان بارزتان في كندا، وإن كانت أتوود أكثر شهرة من مونرو. لكن كون مونرو كاتبة قصة قصيرة منقطعة لهذا النوع الأدبي الذي لا يلقى الاهتمام الكافي في هذا العصر، ولم يعد بتربّع على سدّة الأنواع الأدبية، كما كان قبل عقود، جعل مونرو خياراً أفضل.
هكذا تضافرت عوامل عديدة لتقود إلى فوز الكاتبة الكندية، ابنة الاثنين والثمانين عاماً، بنوبل للآداب. فهي تنتمي إلى الأدب الأمريكي الشمالي، كما أنها امرأة تتبنّى في قصصها الكشف عن عوالم أنثويّة دقيقة منسوجة بعمق ورهافة (فهي ذات نزعة نسويّة مخففة، على الأرجح). وهي، في الوقت نفسه، كاتبة قصة قصيرة منقطعة تماماً لتطوير هذا الشكل من أشكال الكتابة الأدبية. ومع أنها كتبت ست روايات، رفضتها دور النشر فلم ترَ النور أبداً، فإنها لم تطلّ على القرّاء إلا من خلال القصة القصيرة. صحيحٌ أن قصص مونرو تطول وتطول ليصل عدد صفحاتها إلى خمسين أو ستين (وكأن الكاتبة تغازلُ الشكلَ الروائيّ وتحومُ حوله)، لكن مونرو لم تنشر سوى القصص. ولهذا كان فوزها مناسبة لتسليط الضوء مجدداً على القصة القصيرة وإعادة الاعتبار لشكل أدبي هجره كتّابه وقرّاؤه.
انطلاقاً من الاعتبارات السابقة، يمكن القول إن الأكاديمية السويدية للآداب أصابت عصافير كثيرة بحجر واحد.
------------------
الدستور