هناك الكثير من اللاعبين في المشهد السياسي والاجتماعي السوري في الوقت الراهن، لكن بعض اللاعبين يلعبون مغمضي العينين، وهذا هو السبب في كون المشهد الحالي في سوريا معقدا للغاية.
عندما أشاهد الدمار في حلب وتحولها إلى مدينة أشباح، أسأل نفسي عما أصاب سوريا، وشعبها وحكومتها، والمعارضة أيضا؟ هل يريدون إنقاذ سوريا أم يدمرونها ويحولون مدنها إلى مدن أشباح؟ لماذا لا يفكرون في الدمار الهائل الذي تعانيه سوريا نتيجة كل هذه الصراعات؟ لماذا تستخدم المعارضة المباني الأثرية والتاريخية كملاجئ، ألا يعلمون أن نظام بشار الأسد يرغب في إحراق البلاد بأسرها؟ الموقف خطير للغاية إلى درجة أن المراقب الخارجي الذي يشاهد المدن السورية سيعتقد أن عدوا أجنبيا هاجم وقصف تلك المدن.
في أعقاب الاجتماع الأخير الذي عقد في الدوحة والذي شهد توحيد صفوف المعارضة واختيار الشيخ معاذ الخطيب رئيسا للائتلاف الوطني السوري لقوى الثورة والمعارضة، يتوجب عليه الآن أن يتعامل مع التحدي الأساسي والمتمثل في تحويل جماعته الجديدة صعبة المراس إلى قوة تتمتع بمصداقية داخل سوريا ومع الغرب، والتي يمكنها في النهاية التحول إلى حكومة ظل.
الشيخ الخطيب، إمام يحظى بالتقدير، لكن هل سيتمتع بالفاعلية كما يقال، فالأفعال خير من الأقوال. وأتمنى أن يتمكن من توحيد كل الفصائل ومئات الناشطين الذين يبدون حتى الآن وكأنهم حريصون على قتال بعضهم البعض أكثر من الإطاحة بالنظام السوري. وهذا إنجاز لا شك فيه، لكن الطريق لن يكون سهلا.
الآن هناك تحد واحد كبير، وهو أن غالبية أعضاء الائتلاف الوطني السوري لقوى الثورة والمعارضة يعيشون خارج سوريا، وأنه لا توجد إشارات واضحة على أن هذه الهيئة من المدنيين، الكثير منهم في المنفى، سيتمكنون من الفوز بتأييد الأغلبية السورية الصامتة، والقلقة إلى حد بعيد من دمار البلاد ولم تقرر بعد ما إذا كانت ستواصل دعم النظام أم أنها ستخاطر بمستقبل مجهول مع الثوار. هذا يشكل التساؤل الرئيسي الذي ينبغي على سوريا كدولة وأمة أن تواجهه. ينبغي علينا أن نذكر الحشود الضخمة من المواطنين في مصر الذين امتلأ بهم ميدان التحرير ولم يغادروا الميدان حتى النصر. هذه هي الحلقة الأخيرة من الثورة السورية.
السؤال الثاني والتحدي الأكبر الذي يواجه الائتلاف هو هل سيتمكن الخطيب من قيادة وفرض إرادته على الكثير من المجموعات المسلحة الذين يقاتلون ويقتلون في سوريا؟
أعتقد أن المعارضة بحاجة لأن تتعلم من التجربة الليبية. استخدم الليبيون مصطلحا رائعا – انتقالي – لوصف المعارضة. وهو ما يعني أنهم بعثوا برسالة واضحة إلى كل الشعب الليبي، قائلين إنهم لن يقاتلوا من أجل الوصول إلى السلطة. وأنهم في المقابل يقاتلون من أجل مستقبل أفضل وأكثر إشراقا للشعب الليبي.
لذلك اختاروا مصطفى عبد الجليل الذي يتمتع بشخصية مميزة وتحظى باحترام الجميع، كرئيس للمجلس الوطني الانتقالي، وأدى دوره على الوجه الأكمل في الفترة من 5 مارس (آذار) 2011 وحتى 8 أغسطس (آب) 2012، ما جعل منه أيقونة الثورة الليبية.
أعتقد أن بمقدور معاذ الخطيب أن يلعب دورا متميزا مشابها في الثورة السورية. إن سوريا أحوج ما تكون في الوقت الراهن إلى قائد مثل مانديلا وعبد الجليل، قائد لا يمتلئ بالكراهية والرغبة في الانتقام، إذ يجب أن يتوقف تدمير وقتل الأفراد؛ لأن سوريا بحاجة إلى وقت طويل كي تلتئم جراحها. ويبدو لي عندما يقتل أكثر 31.000 شخص ويختفي أكثر من 30.000 ويتواصل مسلسل الجرائم بصورة يومية ويغادر ملايين السوريين منازلهم، فإن هذا الشعب بحاجة إلى إعادة بناء نفسه مرة أخرى.
إن العمود الفقري لأي ثورة هو الأمل والرغبة في الخروج منتصرين. هذا الشعور ربما يكون قد تحطم عندما استمر مسلسل قتل الأفراد وتدمير المدن ومن ناحية الأخرى عندما تباهت الحكومة – المدعومة من الصين وروسيا وإيران وحزب الله – بقوتها.
تقف سوريا في الوقت الراهن في منعطف تاريخي. فدراساتي التاريخية وخبرتي في الثورة الإيرانية علمتني أنه من دون الوحدة والأمل والرغبة الأكيدة في الانتصار ستصاب قيادة المعارضة بالعجز نتيجة الشكوك في قدراتها. إن سوريا بحاجة إلى اكتساب نوع وروح جديدة من الكبرياء الإيجابية، والآن، وبعد انتخاب قائد جديد وبعد الاعتراف بالمعارضة من قبل الجامعة العربية والدول الأوروبية يبدو لي أننا على المسار الصحيح في التقدم إلى الأمام.
يشير بيان الرئيس هولاند إلى أن فرنسا تعترف رسميا بمجموعة المعارضة الجديدة كممثل شرعي وحيد للشعب السوري، وكحكومة انتقالية مستقبلية بعد الحرب الأهلية التي أصابت دولة عربية فهي مسألة جديرة بالاهتمام، تعزز الثقة في جبهة المعارضة. كان ذلك مشوقا على نحو خاص على اعتبار أن ذلك كان المؤتمر الصحافي الأول له منذ توليه الرئاسة قبل ستة أشهر، وأنه استغل المناسبة للإعلان عن اعتراف بلاده بالائتلاف الوطني السوري، الذي تشكل نهاية الأسبوع الماضي. وكانت فرنسا أول دولة غربية تمنح هذه الدرجة الكبيرة من الاعتراف للائتلاف.
ويبدو لي أن على الشيخ معاذ الخطيب أن يسافر إلى الصين وروسيا وإيران لإجراء محادثات مباشرة مع حكومات هذه الدول. فالوقت الراهن هو الأنسب لتغيير منظور هذه الدول تجاه مستقبل سوريا.