ومن الواضح أن هذا النمط من الحلول يناسب الواقع الدولي الراهن نتيجة عدم وجود الاستعداد لدى الكثير من الدول للانخراط في الأزمة السورية، ورغبتها في أن تنتج هذه الأزمة حلولها الذاتية، وربما انطلاقاً من ذلك جرى اختيار الأخضر الإبراهيمي المشهور بقدرته على إنجاز هذه الحلول، من خلال تجاربه اللبنانية والعراقية الشهيرة.
نهج الأخضر الإبراهيمي وأسلوبه الديبلوماسي في التعاطي مع الحالة يؤشران إلى توجهه صوب بناء هذا الحل، فمن الواضح أن كل تحركاته
وتصريحاته تهدف إلى تشكيل سياق عام متكامل يتضمن حلاً على مقاس، ومن طبيعة الطائف اللبناني نفسه، وما يفعله الإبراهيمي الآن هو توفير شروط البيئة التي أنتجت ذلك الاتفاق، سواء من خلال تطورات الأزمة ذاتها، أو عبر خلق وصناعة بقية الشروط من خلال التفاهمات والصفقات الدولية وبخاصة لدى الدول المؤثرة في الملف السوري.
وفي هذا السياق، يمكن ملاحظة ظاهرة مهمة في مبادرة الإبراهيمي، وهي تعمد بطء الخطوات، والواضح أن هذا التعمد مقصود ومدروس بعناية وهو تكتيك تفاوضي يعمد إليه الوسيط في انتظار إنضاج معطيات معينة تساعد على دعم مهمته، والمقصود هنا انتظار التطورات الميدانية وما ستنتجه من وقائع ومعطيات، من شأنها التأثير في مواقف الأطراف المتصارعة على الأرض.
كذلك لا يخفى على عين المراقب إصرار الإبراهيمي على تحذير (تخويف) العالم من تبعات استمرار الأزمة في سورية وخطرها على الأمنين الإقليمي والدولي، في محاولة واضحة لخلق حالة معينة من التوافق تساعد على إنجاز الحل في سورية.
ولعل هذين الشرطين، القبول الداخلي بالتفاوض، والتوافق الدولي، هما ما توافر في الحالة اللبنانية عشية انعقاد مؤتمر الطائف اللبناني والذي تولى الإبراهيمي مهمة إنجازه، وكأن الرجل هنا يعيد إنتاج ظروف هذا الاتفاق في سياق الأزمة السورية كي يتسنى له إنجاز الحل.
ولكن هل فعلاً بمقدور الإبراهيمي الوصول إلى مبتغاه في الحالة السورية، وهل يستطيع توليف معطيات الحل وتجهيز بيئته وتطويع كل العقبات التي تقف دونه؟
قبل الإجابة عن هذا السؤال، يتوجب التنبه إلى أن دائرة تحرك الإبراهيمي وخطابه، يوحيان بنمط تكتيكي مبني على تقسيم الأزمة إلى ثلاثة دوائر (داخلية، إقليمية، وخارجية)، بحيث تعمل هذه الدوائر بشكل منسجم ومتناغم على تغذية مهمته بالدعم المطلوب والكافي لإنجاز النجاح، أما في حال وجود عقبة في سياق عمل دائرة من الدوائر، فيتم اللجوء إلى خيارات بديلة من خلال الضغط على هذه الدائرة وعزل تأثيراتها ما أمكن.
من هنا فإن خيارات التحرك المتاحة أمام المهمة تبدو في حسابات الإبراهيمي أكثر مرونة وأوسع مروحة، وهذا ما يفسر انخراط الإبراهيمي ضمن الدوائر الثلاث، عبر تواصله مع النظام والمعارضة السورية (بكل أطيافها)، ومباركته للمبادرة المصرية (كتجمع إقليمي)، واتصالاته مع القوى الدولية الخمس الدائمة العضوية في مجلس الأمن، ووفق ذلك فإن تعذر التوافق داخلياً، وبعد اكتمال شروطه، فإن التسويات المأمولة ضمن الدائرتين الأخريين، أو واحدة منهما قد تساعد على إنجاز الحل، والعكس يصبح صحيحاً، أي أن توافق الأطراف الداخلية من شأنه أن ينزع تأثيرات الدائرتين الأخريين أيضاً.
لكن في الواقع السوري ثمة أشياء تختلف تماماً عن الحالة اللبنانية، وهي مسائل معلنة وصريحة، ففي حين تم بناء عقد الطائف على أساس تقاسم الحصص في الحكم، فإن الحصص في الحالة السورية غير واردة، لا من قبل الأطراف الداخلية، ولاهي من ضمن طموحات الأطراف الإقليمية والدولية، فهل يقبل النظام ومؤيدوه بالحصول من الغلة على مناصب محددة، في الوقت الذي اعتاد هو على صناعة المناصب وتوزيعها؟ وهل تضمن المحاصصة في المناصب استمرار التأثير الإيراني في سورية وضمان طرق إمداد «حزب الله» بالسلاح، بل هل تساعد على بقاء القاعدة الروسية في طرطوس؟
المحاصصة المطلوبة والمقبولة في سورية هي المحاصصة الجغرافية، بمعنى أن تبقى سورية كلها بيد النظام أو لا تبقى (الأسد أو ندمر البلد)، وأن تبقى سورية كلها مجالاً للتأثير الإيراني أو تأخذ حصتها (كوريدور أرضي إلى لبنان ومجال نفوذ)، وأن تبقى طرطوس قاعدة بحرية لروسيا على البحر المتوسط وسورية مجالاً صاداً ومانعاً لاكتمال القوس الإسلامي الذي جاء به الربيع العربي، وإلا فلتكن حرب حضارات.
هذه العقدة الأساسية التي تواجه إمكانية حل على طريقة الطائف، وبالتالي على الإبراهيمي أن لا يبذل جهوداً كبيرة في عملية بناء هذا النموذج، وأن يبحث بطريقة خلاقة عن حل وسط للكربلائية السورية النازفة.
نهج الأخضر الإبراهيمي وأسلوبه الديبلوماسي في التعاطي مع الحالة يؤشران إلى توجهه صوب بناء هذا الحل، فمن الواضح أن كل تحركاته
وتصريحاته تهدف إلى تشكيل سياق عام متكامل يتضمن حلاً على مقاس، ومن طبيعة الطائف اللبناني نفسه، وما يفعله الإبراهيمي الآن هو توفير شروط البيئة التي أنتجت ذلك الاتفاق، سواء من خلال تطورات الأزمة ذاتها، أو عبر خلق وصناعة بقية الشروط من خلال التفاهمات والصفقات الدولية وبخاصة لدى الدول المؤثرة في الملف السوري.
وفي هذا السياق، يمكن ملاحظة ظاهرة مهمة في مبادرة الإبراهيمي، وهي تعمد بطء الخطوات، والواضح أن هذا التعمد مقصود ومدروس بعناية وهو تكتيك تفاوضي يعمد إليه الوسيط في انتظار إنضاج معطيات معينة تساعد على دعم مهمته، والمقصود هنا انتظار التطورات الميدانية وما ستنتجه من وقائع ومعطيات، من شأنها التأثير في مواقف الأطراف المتصارعة على الأرض.
كذلك لا يخفى على عين المراقب إصرار الإبراهيمي على تحذير (تخويف) العالم من تبعات استمرار الأزمة في سورية وخطرها على الأمنين الإقليمي والدولي، في محاولة واضحة لخلق حالة معينة من التوافق تساعد على إنجاز الحل في سورية.
ولعل هذين الشرطين، القبول الداخلي بالتفاوض، والتوافق الدولي، هما ما توافر في الحالة اللبنانية عشية انعقاد مؤتمر الطائف اللبناني والذي تولى الإبراهيمي مهمة إنجازه، وكأن الرجل هنا يعيد إنتاج ظروف هذا الاتفاق في سياق الأزمة السورية كي يتسنى له إنجاز الحل.
ولكن هل فعلاً بمقدور الإبراهيمي الوصول إلى مبتغاه في الحالة السورية، وهل يستطيع توليف معطيات الحل وتجهيز بيئته وتطويع كل العقبات التي تقف دونه؟
قبل الإجابة عن هذا السؤال، يتوجب التنبه إلى أن دائرة تحرك الإبراهيمي وخطابه، يوحيان بنمط تكتيكي مبني على تقسيم الأزمة إلى ثلاثة دوائر (داخلية، إقليمية، وخارجية)، بحيث تعمل هذه الدوائر بشكل منسجم ومتناغم على تغذية مهمته بالدعم المطلوب والكافي لإنجاز النجاح، أما في حال وجود عقبة في سياق عمل دائرة من الدوائر، فيتم اللجوء إلى خيارات بديلة من خلال الضغط على هذه الدائرة وعزل تأثيراتها ما أمكن.
من هنا فإن خيارات التحرك المتاحة أمام المهمة تبدو في حسابات الإبراهيمي أكثر مرونة وأوسع مروحة، وهذا ما يفسر انخراط الإبراهيمي ضمن الدوائر الثلاث، عبر تواصله مع النظام والمعارضة السورية (بكل أطيافها)، ومباركته للمبادرة المصرية (كتجمع إقليمي)، واتصالاته مع القوى الدولية الخمس الدائمة العضوية في مجلس الأمن، ووفق ذلك فإن تعذر التوافق داخلياً، وبعد اكتمال شروطه، فإن التسويات المأمولة ضمن الدائرتين الأخريين، أو واحدة منهما قد تساعد على إنجاز الحل، والعكس يصبح صحيحاً، أي أن توافق الأطراف الداخلية من شأنه أن ينزع تأثيرات الدائرتين الأخريين أيضاً.
لكن في الواقع السوري ثمة أشياء تختلف تماماً عن الحالة اللبنانية، وهي مسائل معلنة وصريحة، ففي حين تم بناء عقد الطائف على أساس تقاسم الحصص في الحكم، فإن الحصص في الحالة السورية غير واردة، لا من قبل الأطراف الداخلية، ولاهي من ضمن طموحات الأطراف الإقليمية والدولية، فهل يقبل النظام ومؤيدوه بالحصول من الغلة على مناصب محددة، في الوقت الذي اعتاد هو على صناعة المناصب وتوزيعها؟ وهل تضمن المحاصصة في المناصب استمرار التأثير الإيراني في سورية وضمان طرق إمداد «حزب الله» بالسلاح، بل هل تساعد على بقاء القاعدة الروسية في طرطوس؟
المحاصصة المطلوبة والمقبولة في سورية هي المحاصصة الجغرافية، بمعنى أن تبقى سورية كلها بيد النظام أو لا تبقى (الأسد أو ندمر البلد)، وأن تبقى سورية كلها مجالاً للتأثير الإيراني أو تأخذ حصتها (كوريدور أرضي إلى لبنان ومجال نفوذ)، وأن تبقى طرطوس قاعدة بحرية لروسيا على البحر المتوسط وسورية مجالاً صاداً ومانعاً لاكتمال القوس الإسلامي الذي جاء به الربيع العربي، وإلا فلتكن حرب حضارات.
هذه العقدة الأساسية التي تواجه إمكانية حل على طريقة الطائف، وبالتالي على الإبراهيمي أن لا يبذل جهوداً كبيرة في عملية بناء هذا النموذج، وأن يبحث بطريقة خلاقة عن حل وسط للكربلائية السورية النازفة.