نظرا للصعوبات الاقتصادية التي رافقت الجائحة وأعقبتها اضطررنا لإيقاف أقسام اللغات الأجنبية على أمل ان تعود لاحقا بعد ان تتغير الظروف

الهدهد: صحيفة اليكترونية عربية بخمس لغات عالمية
الهدهد: صحيفة اليكترونية عربية بأربع لغات عالمية
عيون المقالات

الفرصة التي صنعناها في بروكسل

26/11/2024 - موفق نيربية

المهمة الفاشلة لهوكستين

23/11/2024 - حازم الأمين

العالم والشرق الأوسط بعد فوز ترامب

17/11/2024 - العميد الركن مصطفى الشيخ

إنّه سلام ما بعده سلام!

17/11/2024 - سمير التقي

( ألم يحنِ الوقتُ لنفهم الدرس؟ )

13/11/2024 - عبد الباسط سيدا*

طرابلس "المضطهدة" بين زمنين

13/11/2024 - د.محيي الدين اللاذقاني


هل ورط الغرب بوتين في حرب استنزاف طويلة الأمد؟






أساس حرب روسيا على أوكرانيا يكمن في الأسباب التالية: أن النظام السياسي الروسي، وهو في جوهره نظام رأسمالي، بُني على أنقاض تفكك الاتحاد السوفييتي، ولا يرغب هذا النظام، أن يتمّ احتواؤه من طرف ما يسمى "نظام العولمة"، الذي تحدث عنه جورج بوش الأب إثر تفكك بلاد السوفييت مطلع تسعينات القرن العشرين


 
.
عدم قبول احتواء روسيا من الغرب، يقف خلفه النزعة القومية الشوفينية الروسية، فهذه النزعة لم تكتمل دورة حياتها، نتيجة قيام نظام أممي على مبادئ غير قومية، وهو أمر أبقى لدى دول الاتحاد السوفييتي السابق فراغاً بنيوياً يجب أن يمتلئ، وهذا يعني ضرورة المرور بالطور القومي، وهو ما تحملته القوى البرجوازية في أي بلد.
القوميون الروس لا يزالون يريدون أن تبدو روسيا على الصعيد العالمي دولة ذات ثقافة قومية محددة، وذات إرث سياسي مركزه موسكو، ولهذا فهم يتخوفون من محاولة ابتلاعهم ضمن ما سماه جورج بوش الأب "العالم قرية واحدة صغيرة"، وهو يقصد وحدة هذا العالم سياسياً ضمن بوتقة العالم الرأسمالي الذي تقوده النيو ليبرالية الأمريكية.
 
وفق هذه الرؤية، يمكن القول إن روسيا لا يمكنها قبول مجاورة الغرب لحدودها مع أوكرانيا، وهو إحساس خوف لدى القوميين الروس المتشددين، الذين يتقدمهم قيصرهم بوتين، ولهذا خططت القيادة البوتينية لغزو أوكرانيا الغنية بثرواتها، والمحكومة بحكومة ديمقراطية، من أجل منع اقتراب حلف الناتو من أراضيها، وبنفس الوقت تحقيق دولتها القومية ذات الاتجاه الإمبراطوري الجديد، والذي يمثله التدخل الروسي في كثير من بلدان بعيدة عن الجغرافية الروسية، مثل تدخلهم في سوريا وليبيا وغيرهما من البلدان.
إذاً، نحن أمام تصميم روسي بحسابات خاصة، تقوم على تداخل الفهم الشوفيني لبنية الدولة الروسية، وطموحها نحو تشكيل قطب سياسي وعسكري عالمي.
ولكن، هل يمكن تحقيق عملية احتواء الروس لأوكرانيا بمثل هذه الحرب السريعة؟ وهل حسب بوتين نتائج هذه الحرب على بنية دولته ومشروعاتها الخارجية وعلى اقتصادها؟ أم أن حساباته تقوم على نظرية تحقيق أكبر قدر من الهزيمة بالعدو الأوكراني في أقل مدة زمنية، يستطيع من خلالها وضع أوراق تفاوض قوية على طاولة التفاوض مع الغرب؟
يعتمد بوتين على هذه الرؤية المدججة بالتهديد باستخدام القوة النووية، وهذا ظهر مع استنفار أقصى لقواته النووية مع شن هجماته على أوكرانيا
لكن حسابات الغرب، وفي مقدمته حكومة بايدن الديمقراطية، لا تقوم على قاعدة مواجهة عسكرية مباشرة مع الروس، لسبب بسيط، وهو خشيتهم من انزلاق المواجهة المباشرة بين الجيش الروسي والتحالف الغربي إلى حرب عالمية ثالثة، قد تؤدي إلى تدمير متبادل وخطير بين الطرفين.
إن القول إن الغرب ترك أوكرانيا منفردة بمواجهة غزو روسي مخيف هو قول خاطئ، لأن ما ظهر من الغرب بعد خمسة أيام من شن الروس لهذه الحرب، يُظهر أن الغرب يعتمد لمواجهة الغزو الروسي على أمرين اثنين، الأول هو استخدام عقوبات اقتصادية ومالية ذات تأثير كبير على الوضع الاقتصادي والمالي الروسي، وهو أساساً يبدو شديد الهشاشة، والثاني هو حرب استنزاف للقوات الروسية، عبر السماح بتدفق المقاتلين من أوروبا والخارج لمقاومة هذا الغزو، وجعله يدفع فاتورة باهظة لا تحتملها روسيا. وقد ظهر ذلك من خلال السماح بتدفق الأسلحة أمريكياً وألمانياً وأوربياً لصالح مقاومة الغزو الروسي.
لقد أظهر استطلاع للرأي في الولايات المتحدة حول الموقف الأمريكي من الحرب على أوكرانيا، "أن 72% من الأمريكيين قالوا إن بلادهم يجب أن تلعب دوراً محدوداً في الصراع الروسي الأوكراني، أو لا تتدخل مطلقاً بهذا الصراع". هذا الاستطلاع الذي أجراه مركز AP- NORC، يكشف عن خلفية موقف حكومة بايدن الديمقراطية، التي تركّز على عدم الانخراط في الحروب، وكذلك على الانسحاب من وجودها في مناطق عديدة من العالم.
لقد قال الرئيس الأمريكي بايدن لشبكة إن بي سي حرفياً: "ليس الأمر وكأننا نتعامل مع منظمة إرهابية، نحن نتعامل مع واحدٍ من أكبر الجيوش في العالم، وهذا وضع صعب للغاية، ويمكن أن تسوء الأمور بسرعة جنونية".
ولكن الولايات المتحدة الأمريكية ومعها المجموعة الأوروبية، تعرف أن نجاح بوتين في الاستيلاء على أوكرانيا سيغيّر من واقع التوازن الأمني والعسكري بينهم والروس، وهذا سينعكس بالضرورة على بنية النظام العالمي القائم الآن، والذي تشكّل فيه الولايات المتحدة القطب الأكبر والأقوى على كافة الصعد السياسية والاقتصادية والعسكرية على المستوى العالمي.
وكي لا يقع هذا المحظور، يمكن تشتيت الهجوم الروسي والقوة الروسية في أكثر من ساحة صراع بينهم، وهذا يستدعي تحفيز ساحات الصراع الأخرى ضد الروس، مثل الساحة السورية والساحة الليبية وغيرهما من الساحات، وهذا يعني حرب استنزاف لروسيا اقتصادياً وعسكرياً، في وقت هي لا تحتمل هكذا استنزاف.
مثل هذه الرؤية كشفت عنها تسريبات تقول: أن الولايات المتحدة الأمريكية ستقلب الطاولة على الروس في سوريا من خلال فرض منطقة حظر طيران فوق إدلب وباقي الشمال السوري، فإذا صحّت التسريبات ستتغيّر المعادلات العسكرية والأمنية لغير مصلحة الروس في سوريا وفي أوكرانيا وربما في ليبيا أيضاً.
 
إن تغيير استراتيجية التعامل مع الانتشار الروسي خارج الأراضي الروسية ينبغي أن يحدث في سياسات الولايات المتحدة والغرب، وهذا يتطلب سياسة مختلفة، تعتمد على تشتيت قوة الفعل العسكري والسياسي الروسي في ساحات تدخلهم الخارجية، ولعل الروس يدركون تماماً، أن تركيا التي زوّدت أوكرانيا بالمسيرات المتطورة (بيرقدار)، إنما كانت رسالة لهم لتغيير سياستهم حول محاولتهم تدوير نظام الاستبداد الأسدي، وإفهامهم أن حدوداً لا يمكنهم تجاوزها في محاولة فرض الأمر الواقع في سوريا، وفي أوكرانيا أيضاً.
وفق ما تقدم يمكننا الاستنتاج، أن الروس القوميين المتشددين يحسّون بالخطر الوجودي فيما يتعلق بقدرتهم على بناء مشروعهم القومي الشوفيني، المهيمن على شعوبٍ، كانت ذات يوم جزءاّ من منظومة الاتحاد السوفييتي البائد، هذا الخطر، لن يستطيعوا مواجهته لسببٍ بسيطٍ، وهو أن مشروعهم لا يصلح لمواجهةٍ مع نظام عالمي، لم تكتمل فصول بنائه بعد.
كذلك إن كلفة مواجهة العولمة سيتمّ دفع قيمتها من حياة الشعب الروسي، الذي لم يتحرر من استبداد الأنظمة الشمولية، والذي يتوق إلى الالتحاق بعربات التطور التاريخي للنظام السياسي العالمي.
لهذا، فإن غزو أوكرانيا، قد يشكّل بداية لانحلال الاتجاه القومي الشوفيني، الذي تمثّله حكومة بوتين، وهو ما يقرّب ساعة نهايتها السياسية.
----------
تي ار تي

أسامة محمود آغي
الجمعة 4 مارس 2022